مكاتب الزواج 'بيزنس' أم حل للعنوسة؟
الزواج العرفي, جرائم, د. أحمد عمر هاشم, د. سعاد صالح, العنوسة, مواقع الزواج الإلكتروني, النيابة العامة, أقسام الشرطة, هاني حامد, د. سامية خضر, المحاكم , شرطة الآداب, طريقة التعارف, الزواج المدبّر
19 ديسمبر 2011تجربة فاشلة
في المقابل، قرر محمد الشيمي (مصمم غرافيك، 27 عاماً) التعرف على ابنة الحلال عن طريق أحد مكاتب الزواج، ويحكي تجربته قائلاً: «أسهل ما في الأمر أن المكتب كان له موقع على الإنترنت، وبعد تسديد الرسوم أصبح متاحاً لي التعرف على الفتيات، ووجدت أن هذه طريقة مناسبة لي، خاصة أن عملي مع الكمبيوتر والإنترنت يبعدني عن المجتمع بعض الشيء...
اكتشفت بعد فترة من البحث عن المواصفات التي أرغب فيها، وبعد بدء التحدث مع الفتيات، إنها حسابات وهمية ينشئها أصحاب المكتب. المشكلة ليست في أنهم نصابون، لكن في عدم احترام عقلية المتقدم إليهم والصدمة التي يقع فيها بعد ذلك»...
عار اجتماعي
ويفسر محمود أحمد، مدير مكتب زواج، عدم الإقبال من الجنسين على مكاتب الزواج بارتباط الفكرة في مجتمعنا الشرقي بالعار الاجتماعي، ويقول: «حتى من يتعارفون في المكتب لدينا يخفون طريقة استعانتهم باختصاصيين من مكتب زواج، ويختلقون القصص لأهاليهم، فمنهم من يقول إنه زميل في العمل، ومنهم من يقول إنه من طرف أحد زملاء العمل، ومنهم من يقول إنهم كانوا يعرفون بعضهما منذ أيام الجامعة وتقابلا صدفة».
ويضيف: «هذا فضلاً عن النظرة السلبية التي ترسخها الأعمال الدرامية عن مكاتب الزواج، ولا أنكر أيضاً سوء سمعة البعض، لكن ذلك لا يعني أن كل المكاتب سيئة السمعة».
مسيار وعرفي
وفي المقابل، تعترف رشا عبد الحليم، مديرة مكتب زواج، أن أكثر حالات التوافق لديها في المكتب هي الزواج من الأرامل والمطلقات، وغالباً ما يتفق الطرفان على الزواج العرفي الموثق تحايلاً على القانون، حتى لا تفقد المرأة حضانة الأطفال، أو تفقد معاش الزوج، أما النوع الثاني والأكثر رواجاً فهو زواج المسيار.
وتضيف: «المشكلة الحقيقية لارتفاع سن الزواج لا تتوقف عند حد التعارف، وإلا كنت وجدت شريكاً مناسباً لي من المتقدمين إلى المكتب، لكن أزمة الشباب الحقيقية هي سوء أحوالهم الاقتصادية، مما يجعلهم يطلبون عروساً كبيرة في السن أو مطلقة أو أرملة، شرط أن يكون لديها شقة. وهذا ليس حال مكتبي فقط، فالأمر نفسه لدى جميع أصدقائي في المكاتب الأخرى».
«عايزة اتجوز»
من جهتها، ترى قمر (بكالوريوس سياحة وفنادق) الفكرة فاشلة بكل الطرق، وتقول: «الأعمال الدرامية التي ألقت الضوء على مكاتب الزواج أشارت إلى أنها فاشلة لا محالة، خاصة أن تلك الأعمال مثل مسلسل «عايزة أتجوز» و«نونة المأذونة»، كانت تسلط الضوء على مشكلة العنوسة كواقع اجتماعي... وإذا افترضنا أن العروسين توافقا من يضمن توافق العائلات؟».
وفضلاً عن عدم الثقة بمكاتب الزواج، يرى هيثم شعبان (28 عاماً) أن هذه الطريقة تنتقص من كرامة الإنسان. ويوضح: «هذا أسلوب مرفوض تماماً بالنسبة إلي، وأعتبره إهانة وانتقاصاً من الكرامة. فالزواج ليس سوقاً، وراغبوه ليسوا سلعاً تعرض فيه، وأعتقد أن من يلجأ إلى هذه المكاتب يعاني مشاكل شخصية ونفسية، كأن يكون منعزلاً ويخشى الاختلاط».
أزمة ثقة
ترفض نهى رأفت حسين (صيدلانية) الزواج بهذه الطريقة، قائلة: «خاضت إحدى صديقاتي التجربة رغم أنها طبيبة، بعدما قرأت إعلاناً في صحيفة يؤكد أن المكتب لصفوة المجتمع فقط. وبعدما دفعت مبلغاً مالياً لا بأس به، لم تجد من يناسبها، واكتشفت أن الأمر لم يتخط حد النصب. وأنا لست على استعداد لخوض هذه التجربة ولو بدافع خوفي من العنوسة، فالزواج نصيب مكتوب، وإذا افترضنا حسناً في المكتب، فأنا لا أثق بالرجال المتقدمين إليه».
على النقيض، ترى عزة حمدي، وهي صيدلانية ايضا، أن مكاتب الزواج فرصة جيدة لمن يخشى أن يفوته القطار، وتشبهها بالنادي الاجتماعي للعزَّاب فقط، وتقول: «إنها فرصة جيدة للتعارف، ولا يختلف الأمر عن زواج الصالونات إلا في دفع رسوم للمكتب، وبنظرة أكثر إيجابية نجده خاطبة القرن الحادي والعشرين. ورغم اقتناعي بالفكرة، لا أتحلى بالشجاعة الكافية لطرق أبوابه».
جرائم مكاتب الزواج بلاغات تتهمها بالنصب والتحريض على الفسق والسمسرة في الزواج العرفي
القاهرة أسامة كمال
بلاغات في أقسام الشرطة، وتحقيقات في النيابة، وقضايا أمام المحاكم كلها تتهم بعض مكاتب الزواج بالنصب والاحتيال، وبأنها باب خلفي لجرائم الآداب العامة... الضحايا عشرات الشباب والشابات الذين صدقوا الحلم ودفعوا أموالهم لأشخاص لم يكن لهم هدف سوى النصب.
وتفيد الإحصاءات بوجود 125 مكتب زواج معتمَداً وحاصلا على ترخيص من وزارة الشؤون الاجتماعية، أصحابها أكدوا أن زبائنهم جاؤوا طواعية، ولم يتم النصب عليهم، وفي المقابل فإن أجهزة الأمن ضبطت عشرات المكاتب التي تعمل بلا ترخيص.
في حي مصر الجديدة حققت النيابة في واقعة نصب تعرض لها تاجر مفروشات، تم الاستيلاء منه على 100 ألف جنيه، هي قيمة مجوهرات وأموال بهدف تسهيل زواجه من شابة سورية وفقاً لرغبته، وقد أمرت النيابة بضبط مسؤولي مكتب الزواج وإحضارهم.
أكد علاء أمام وكيل النيابة أنه توجه إلى مكتب زواج في مصر الجديدة، وطلب من مسؤوليه اختيار عروس بشرط أن تكون سورية الجنسية. فأكد صاحب المكتب أن العروس موجودة، وعرض عليه مجموعة من صور حسناوات سوريات فأبدى إعجابه بإحداهن.
أضاف علاء في بلاغه أنه ترك رقم هاتفه، وتم التعارف بينه وبين هذه الشابة، وتوالت الاتصالات بينهما، وطلبت العروس السورية شبكة قيمتها 31 ألف جنيه، فوافق تاجر الموبيليا وأرسل المبلغ إلى مكتب الزواج.
وظلت الشابة السورية تماطل في لقائه، وطلبت منه في النهاية قبل نزولها إلى القاهرة أن يرسل لها شيكاً بمبلغ 300 ألف جنيه، فشك علاء في الأمر، وطلب منها أن ترسل مندوباً لتسلم المبلغ.
بعد ساعات استقبل علاء إحدى السيدات، فاصطحبها في سيارته وفاجأها بدخوله قسم الشرطة، وسلمها إلى رئيس المباحث واتهمها بالنصب عليه بالاشتراك مع السورية، فاعترفت السيدة بأنها شقيقة صاحب مكتب الزواج وأنها تنفذ تعليماته، فقررت النيابة ضبطه وإحضاره بتهمة النصب.
وفي القاهرة أقام عدد من الشباب دعاوى على أحد مكاتب الزواج، واتهموا مسؤوليه بالنصب والاحتيال، مؤكدين أنهم دفعوا مبالغ تصل إلى 1000 جنيه للشاب الواحد مقابل تزويجهم بسيدات خليجيات.
وأوضحوا أنهم ملأوا استمارات تحتوي على بيانات تفصيلية تفيد بخلوهم من الأمراض، وكتبوا أنهم يريدون أن تكون العروس شديدة الثراء، تملك شقة وعليها توفير عمل مناسب للزوج.
وأكدوا في الدعوى لاحقاً أن مسؤولي المكتب اتصلوا بكل منهم على حدة، وأكدوا لهم أنهم رشحوا لكل واحد سيدة أعمال عربية تأخر بها قطار الزواج، وأطلعوا الشباب على صور هؤلاء السيدات، فأبدوا موافقتهم على الزواج منهن ودفع كل شاب 800 جنيه، وانتظروا بضعة أيام حتى يتم الاتصال بهم، ولكن دون جدوى، فاضطروا لإبلاغ الشرطة واتخاذ المقتضى القانوني ضد المكتب.
كما تلقى قسم شرطة عين شمس بلاغاً من فتاة عمرها 38 سنة، أكدت أن أحد مكاتب الزواج شارك في خداعها أثناء ترشيحها لأحد الشباب للزواج، فقد دأب الشاب على الاتصال بها، وفوجئت به ذات يوم يطلب منها عشرة آلاف جنيه لإجراء جراحة لشقيقته التي تعرضت لحادث سيارة. فباعت حنان خاتمها وقرطها الذهبي وأعطت خطيبها الأموال التي طلبها، وبعد أيام اختفى الشاب وظل هاتفه المحمول خارج الخدمة.
تضمنت ملفات أجهزة الأمن بلاغات أخرى تتهم مكاتب الزواج بالتحريض على أفعال فاضحة، ومحاولة استدراج النساء اللواتي فاتهن قطار الزواج إلى سقطة زواج المتعة. وفي هذا السياق، تقدمت سعاد (35 عاماً) ببلاغ إلى الإدارة العامة لمباحث القاهرة ضد المدير العام لأحد مكاتب الزواج، أكدت فيه أنها قرأت إعلاناً في إحدى الصحف عن مكتب زواج، فاتصلت بالأرقام المدونة في الصحيفة، وحددت موعداً لمقابلة المسؤول الذي بدأ يتفحصها بشكل مريب، ويبادرها بأسئلة مقلقة حول رؤيتها عن التحرر وصداقة الرجال والمجتمعات المنفتحة.
وفي النهاية فاجأها مدير المكتب بعرض مزعج، فقال لها إن هناك أحد الأثرياء يريد أن يتزوج سيدة لها مواصفاتها لمدة 15 يوماً، زواج متعة بشرط عدم معرفة أسرتها. وعرض عليها مدير المكتب إيداع مبلغ باسمها في البنك، وأكد لها أنها ستضع بنفسها قيمة هذا المبلغ. فهربت سعاد بسرعة من المكان، لكن صاحبه راح يطاردها، ويحاول إقناعها بقبول العرض، فاضطرت لإبلاغ الشرطة ضده، وألقت المباحث القبض عليه، ووجهت إليه عدة اتهامات.
تحذير واجب
رغم ترحيب أستاذ الطب النفسي في جامعة بني سويف الدكتور هاني حامد بفكرة مكاتب الزواج للتوفيق بين الطرفين، فهو يحذر أيضا من سوء استعمالها، ويشدد على ضرورة أن يتأكد مرتادوها من أنها مشهرة رسمياً وتخضع لرقابة أي جهة حكومية، مع ضرورة التأكد أيضاً من وجود مستشار اجتماعي ورجل دين يمكن الرجوع إليه إذا لزم الأمر، وذلك تجنباً للمشاكل التي قد تثيرها هذه المكاتب.
ويفيد الدكتور هاني بأن وظيفة هذه المكاتب لا تتعدى الخاطبة التي تساعد الإنسان في الاختيار، ولا تختلف كثيراً عن الزواج التقليدي أو الزواج عن طريق الإنترنت، فهناك فئة من الناس منعزلون اجتماعياً وليس لديهم علاقات اجتماعية واسعة، لذا تكون المكاتب أحد الحلول المناسبة لهم، ناصحاً من «يطرق أبواب تلك المكاتب، بخوض تجربة التعارف على الطرف الآخر كاملة قبل أن يرفض، حتى يستنفد كل القدرات النفسية الكامنة داخله. وعليه الرجوع إلى أهل المشورة في المكتب، كرجل الدين أو المستشار الاجتماعي، إذا واجهته أي صعوبة في التعامل مع الطرف الآخر، فلا مانع من جلسة مشورة نفسية للطرفين، وعليهما أن يعرفا أن هذه ليست أكثر من وسيلة للتعارف، ونجاح الزواج أو فشله يتوقف على مدى تمسك الطرفين ببعضهما وتفاهمهما، وأن الفشل والصعوبات لا ترجع إلى طريقة التعارف، بل سيواجهون الصعوبات نفسها التي تواجه الزواج التقليدي».
ولا ينكر حامد أن الزواج بهذه الطريقة يشكل عبئاً نفسياً على الإنسان، مشبهاً إياه بالبطيخة المغلقة التي لا يعرف مشتريها ما إذا كانت حلوة أم لا. وبناءً عليه فإن غموض التجربة يزيد من العبء النفسي على الطرفين، خاصة أنهما غالباً يعانيان مشكلة في التواصل الاجتماعي وضعفاً في المهارات الاجتماعية، ويحتاجان إلى بذل جهد من أجل استمرار العلاقة ونجاحها. وغالباً ما يصاحب بذل الجهد قلق نفسي وأرق وتوتر في العلاقة، لكن مع رغبتهما في الاستمرار ومساعدة الأهل يعبران هذا القلق.
ولفت إلى أن الفتاة «تتعرض لضغوط نفسية أكثر عندما تلجأ إلى مكاتب الزواج، خاصة إذا واجهت الرفض أكثر من مرة، اذ تعتبره فشلاً في إيجاد الفرصة الأخيرة، مما ينعكس عليها بإحساس بالنقص والدونية ولا تستطيع التواصل مع الآخرين، والسبب في ذلك أن مجتمعنا يصف البنت المتأخرة في الزواج بأنها غير مرغوبة ولا مطلوبة، وبالتالي هي غير أنثويّة، فتزداد عليها الضغوط النفسية».
إهانة وليست إعانة
من جانبها، ترفض أستاذة علم الاجتماع الدكتورة سامية خضر هذه الطريقة في الزواج، معتبرة إياها إهانة لا إعانة، وتقول: «لا أثق بمكاتب الزواج إطلاقاً، ولا أفهم كيف يمكن أن تعطى تصريحات بالعمل، وكيف يمكن أن تعلن عن نفسها في التلفزيون. أنا أرفض الفكرة وإعلاناتها التلفزيونية المهينة للمرأة».
وتضيف: «ليس من العقل أننا في القرن الـ21، والعالم كله مفتوح أمامنا بشتى وسائل الاتصال، بداية من خروج البنت إلى العمل ومروراً بثورة الاتصالات والإنترنت، لتتزوج بهذه الطريقة، التي أعتبرها تهميشاً للمرأة، فهي ليست جارية للبيع، بل يعتمد عليها في المنزل والعمل وفي كل المؤسسات، وعليها أن تعترض على هذا الأسلوب الذي يعتبرها سلعة».
كما تعتبر الدكتورة سامية أن مكاتب الزواج إهانة لجميع المصريين وثقافتهم وحضارتهم، مؤكدة أن المجتمع المصري لا يعاني عنوسة بل ارتفاع سن الزواج، نظراً إلى زيادة تطلعات الفتاة وزيادة مطالب أهلها.
رأي الدين
يؤكد الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر الدكتور أحمد عمر هاشم أنه من حيث المبدأ لا مانع شرعاً من الزواج عن طريق مكاتب التزويج، بشرط أن يكون الزواج مكتمل الشروط والأركان، بحضور الولي والشهود والمهر والقبول، وغيرها من الضوابط الشرعية.
«ولا شك أن صاحب المكتب يكون في هذه الحالة مثاباً شرعاً، لأنه يساعد على الزواج الحلال الذي جعله الله آية من آياته، فقال: »وَمِنْ آَيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم».
وحذر هاشم من أن بعض هذه المكاتب يكون هدفه التجارة الحرام، وأهدافه غير شريفة، «فتتحول المكاتب إلى مصيدة للفتيات، وتصبح المرأة هي الضحية، حيث يتم التغرير بها. ولهذا فإن الحكم الشرعي يكون على حسب نية صاحب مكتب التزويج ومن يذهب إليه من الجنسين، والله هو المطلع على السرائر ويحاسب عليها، فقد قال رسول الله، صلى الله علية وسلم: «إنما الأعمال بالنيات فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وبالتالي إذا أنشأ تلك المكاتب رجال صالحون ملتزمون بأحكام الشرع، فلا مانع من التعامل معها إذا تم ضمان السرية وعدم فضح الصور وغيرها، والعكس صحيح إذا كان صاحب المكتب خبيث النية وينتهك العورات».
وتقول العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية الدكتورة سعاد صالح: «لا شك أن التوفيق بين الجنسين لإتمام زواج شرعي مكتمل الأركان والشرط غاية نبيلة، لكن لابد أن تكون الوسيلة المؤدية إلى ذلك شريفة. ومن يتأمل ما ينشر عن مكاتب التزويج يصيبه القلق على أعراض النساء وسيرهن إذا تلاعب بها أصحاب المكاتب، خاصة أننا في عصر خربت فيه الذمم وماتت الضمائر، إلا من رحم ربي».
وتضيف: «هناك من يستغل حالة العنوسة وتأخر سن الزواج بين الفتيات والشباب، ويحول العملية إلى تجارة، عن طريق إنشاء تلك المكاتب التي أراها سلاحاً ذا حدين، وقد تكون أضرارها على النساء أكثر من منافعها، لأنها تشجع ما يسمى «هواة التعارف» تحت ستار الرغبة في الزواج، ويكون ذلك تسهيلاً للمفاسد. فقد يحصل أن يكون الرجل صادقاً في الزواج لكن المرأة تكذب، وبالعكس أيضاً قد تكون المرأة صادقة في طلب العفاف لكن الرجل يكون محتالاً.
والأفضل تيسير الزواج من جانب أولي أمر الفتيات، لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
أما بالنسبة إلى الرجال فقد قال تعالى في تيسير الزواج: «وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ» آية 32 سورة النور.
وأيضاً قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «من تزوج امرأة لمالها لم يزده الله إلا فقراً، ومن تزوج امرأة لحسبها لم يزده الله إلا دناءة، ومن تزوج امرأة ليغض بصره ويحصّن فرجه أو يصل رحمه، بارك الله له فيها، وبارك لها فيه» وقوله كذلك «أقلهن مهراً أكثرهن بركة».
في آخر أمل للحاق بقطار الزواج، قد تلمع نجوم «مكاتب الزواج» في سماء فاقدي الأمل في إيجاد شريك العمر، خاصة أن إعلاناتها منتشرة في غالبية الصحف وعلى الإنترنت، ويراها البعض بديلاً عصرياً للخاطبة. لكن يبقى السؤال: هل يمكن أن تكون تلك المكاتب بالفعل حلاً سحرياً لأزمة العنوسة؟ أم إنها بيزنس يستغل الشباب الراغبين في الزواج؟
«نحن نوفر لكم الصفوة من الجنسين، أطباء دبلوماسيين مهندسين»، «للجادين فقط وراغبي الزواج، معنا تجد شريك العمر»... هذان نموذجان من الإعلانات التي داعبت أحلام أمل عبد الرحيم (محاسبة، 29 عاماً) كلما فتحت صحيفة الإعلانات، فقررت خوض التجربة، خاصة أن أخواتها الثلاث الأصغر منها سبقنها إلى الخطوبة والزواج.
تحكي أمل تجربتها في أحد مكاتب الزواج قائلة: «استشرتُ إحدى زميلاتي في العمل فرحبت جداً، وقالت لي إنها فرصة جيدة للتعارف على رجال يرغبون حقاً في الزواج. تقدمت إلى أحد المكاتب وملأت الاستمارة، وبالكاد توافقت طلباتي مع أحد العرسان، رغم أنني تنازلت عن السن وقبلت بعمره الذي تخطى الأربعين بعام، وكان شرطي الوحيد ألا أقابله في المكتب في المرة الأولى، وأن يأتي إلى البيت».
وتضيف: جاء الموعد المنتظر، ورأيت العريس الذي كنت أعلّق عليه آخر آمالي التي خيبتها الحقيقة، فالمواصفات لم تكن متطابقة مع ما رأيته، فتعليمه متوسط، دون أي قدر من الوسامة، أسلوبه في الحديث فج. ومع أني جميلة ومثقفة بشهادة الجميع، قررت التغاضي عن تلك الشكليات لأعطيه فرصة للتعارف، لعله يكون من نصيبي وأتخلص من نظرة الشفقة التي ألمحها في عيون الجميع أسفاً على حالي، لكن عندما أبلغه أبي بأنني العروس، أشار بمنتهى قلة الذوق إلى أختي الصغرى، والتي عمرها نصف عمره، وقال: «لكني أريد هذه العروس». ورغم إيضاح أبي له أنها مخطوبة أصر على موقفه، لذا قررت عدم خوض تجربة مكاتب الزواج بعدما رأيت أنهم لا يتحرون الدقة في المواصفات المكتوبة في الاستمارات».
مقامرة
«الفكرة غير مناسبة لمجتمعنا الشرقي، لأنه معتاد على زواج الصالونات الذي لم يعد يلاقي رواجاً الآن، نظراً الى اختلاف ثقافة الشباب عن يقافة جيل الآباء»، هكذا عبّرت إيمان فريد (مصوّرة فوتوغرافية، 23 عاماً) عن رأيها في مكاتب الزواج، مشبهةً من يطرق أبواب تلك المكاتب بالمقامر، وأضافت: «الزواج ليس امرأة جميلة تقترن برجل، بل تعارف وتوافق في الشخصيات والأفكار ومشاعر متبادلة بينهما، فإن لم يربطهما حب فعلى الأقل قبول، وهذا الأمر لا يظهر منذ أول لقاء أو الثاني، لذا أراها فكرة فاشلة لاختيار شريك لحياة كاملة».
تتفق معها في الرأي هدى هاني (مصممة غرافيك، 26 عاماً) مؤكدة أنه من رابع المستحيلات أن تتزوج بهذه الطريقة مهما بلغت سنها.
وتقول: «هذه المكاتب تتمتع بسمعة سيئة، ولو كان لها دور فعّال في التوفيق بين الشباب لكان لها صدىً مسموع في المجتمع وانتشرت أكثر من ذلك، كما أنني أتوقع أن يكون هدف القائمين عليها الكسب المادي أكثر من الرسالة الاجتماعية، لذا ليس لهم وجود فعّال على أرض الواقع، والأهم من ذلك أني لا أثق بالمكاتب مطلقاً، فهي لا تقدم ضمانات للسرية ولا الطمأنينة».
كذلك يرفض شادي ماهر(مرشد سياحي) فكرة التعارف عن طريق مكتب للزواج، ويقول: «هي ليست مقامرة فقط بل وصمة عار لا يغفرها مجتمعنا الشرقي، كما أنني لا أثق بهذا النوع من المكاتب».