مريضة الإيدز ليست منحرفة أخلاقياً
هند صبري, فيلم قصير, د. آمنة نصير, عمرو سلامة, د. عفاف النجار, علماء الدين, الانحراف, د. جمال أبو السرور, حكم الشرع, مرضى الإيدز, مرض نقص المناعة / الإيدز
09 يناير 2012حد القذف للبريئات
في البداية، يؤكد الدكتور أحمد عبده عوض، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة طنطا، أن الإسلام جاء للحفاظ على خمس كليات أساسية في حياة أي إنسان، وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
وقد حظي موضع الحفاظ على العِرْض والسمعة، وخاصة بالنسبة للنساء، باهتمام بالغ لصيانته من كل ما يشوه صورته أو يخدش كرامته وعفته وعدالته، ولهذا نهى المسلم عن أن يتكلم في عرض أي إنسان بما يؤذيه، وأوجب عليه عقوبة إن رماه كذباً وبدون بيّنة، وهي حد القذف ثمانين جلدة، فقال تعالى في حد القاذف: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ* إِلا الَّذِينَ تَابُوا ِمن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» الآيتان 4-5 سورة النور.
ولا شك أن تطبيق هذا الحد يجب على من يتحدث في حق مريضة الإيدز، والشك في سلوكها وأخلاقها دون تحري الأسباب التي أصيبت من خلالها بهذا المرض اللعين، ولهذا فهي ضحية تستحق الشفقة لا تشويه سمعتها وأخلاقها.
حقوق مرضى الإيدز
وعن طريقة انتقال الإيدز، وأنها ليست كلها نتيجة الانحراف الأخلاقي كما يظن العامة، يقول الدكتور جمال أبو السرور، العميد الأسبق لكلية طب الأزهر: «لا شك أن غالبية المصابين بهذا المرض، في عالمنا العربي والإسلامي، قد انتقل إليهم بوسائل أخرى غير الممارسة الجنسية المحرمة، وإنما قد ينتقل أثناء المعاشرة الزوجية، إذا كان أحد الزوجين مصاباً به، وقد ينتقل نتيجة لإجراءات طبية، مثل نقل الدم ومشتقاته، فهم ضحايا دون أن يرتكبوا أياً من المحرمات. كما أن الأطفال، الذين يكبرون في ما بعد، هم ضحايا انتقال المرض إليهم من أمهاتهم أثناء الحمل».
وأوضح أن مرضى الإيدز الأبرياء من الانحراف الأخلاقي، لهم حقوق تتصل بإنسانيتهم وآدميتهم لا بد من مراعاتها واعتبارها، سواء من الناحية الشرعية أو الطبية، مثل حق تقديم الرعاية الصحية لهم، وأن يحصلوا على العلاج الكافي. بالإضافة إلى حق المعاملة الحسنة بلا فظاظة، ولا شدة، ولا انتقاص من كرامتهم الإنسانية، حتى الذين أصيبوا نتيجة سلوكهم المحرم، وذلك أدعى أن نرحمهم حتى يعودوا إلى الصواب والتوبة إلى الله وعدم اليأس من رحمته، ومن يدري فقد يكون الابتلاء تخفيفاً من ذنوبهم وتكفيراً لسيئاتهم، وبالتالي لا تجوز الشماتة، بل يجب أخذ العبرة من حالهم.
وأنهى الدكتور أبو السرور كلامه مؤكدا أنه ينبغي عدم عزل مرضى الإيدز في الحالات التي لا يشكلون فيها خطرا على الآخرين، مع أخذ الحيطة والحذر من المباشرين لعلاجهم، وإنما يجب حفظ أسرارهم وعدم التشهير بهم، أو التحدث عنهم بما يكشف عن هويتهم، إلا بالقدر الذي يدفع الضرر عن الآخرين، مثل التبليغ عن حالتهم إلى الجهات الصحية المختصة.
أبشع من الغيبة والنميمة
ويقول الدكتور عطية فياض، أستاذ الفقه في جامعة الأزهر: «نهى الإسلام عن الغيبة والنميمة بوجه عام، وفي ما يتصل بالشك في الأعراض، مثل النظر بريبة إلى مريضة الإيدز، فقال تعالى: «وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُواْ بالألقاب بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولئك هُمُ الظالمون» آية 11 سورة الحجرات. ولهذا نطالب المسؤولين عن التشريع في الدول العربية والإسلامية بأن يضعوا عقوبة شديدة ضد كل من قذف المحصنات المؤمنات الغافلات العفيفات، ورميهن بالفاحشة صراحة أو كناية، إذا لم يكن تطبيق الحد ممكناً».
وحذر الدكتور عطية من يشوهون سمعة مريضات الإيدز، ممن نقل إليهن المرض لأسباب خارجة عن إرادتهن، بأنهم من الآثمين شرعاً، بل ومن مرتكبي الذنوب المهلكات التي قال عنها النبي، صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله وما هُنَّ؟ قال: الشرك بالله والسحرُ وقتلُ النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكلُ مال اليتيم وأكلُ الربا والتولي يوم الزحف وقذفُ المحصناتِ الغافلاتِ المؤمنات».
الترويج للشائعات وتصديقها
وأشار الشيخ جمال قطب، الرئيس الأسبق للجنة الفتوى في الأزهر، إلى أن إيذاء البشر حرام، أيا كان نوع الإيذاء، ولا شك أن الإيذاء المتعلق بالأعراض أشد جرماً، مثل من يشكك في أخلاق وسلوكيات مريضة الإيدز، فهو يدخل في الذين قال الله فيهم: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا» آية 58 سورة الأحزاب. وعلى الإنسان أن يختار لنفسه فريقاً يحب أن يكون فيه، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عند الله صِدِّيقًا. وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عند الله كَذَّابًا».
ونهى الشيخ جمال قطب عن تصديق الشائعات على مريضات الإيدز وغيرهن بدون بينة أو دليل، لأن هذا يعد من أخطر أنواع الكذب، لأن الإسلام يحث المسلم على التثبت من مصدر معلوماته، ويحذر المسلم من جهالة المصادر التي يتلقى عنها أخباره، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» آية 6 سورة الحجرات.
الملاعنة الزوجية
وتطرقت الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى جزئية مهمة، وهي أن عقوبة اتهام مريضة الإيدز بالانحراف الأخلاقي لا تقتصر على الغرباء عنها، بل إنها تكون للزوج أشد وأقسى إن شك في أخلاقها دون بينة، وذلك من خلال ما يطلق عليه شرعاً «الملاعنة»، إن لم يأت بأربعة شهداء ولم تقر المرأة فإنهما يتلاعنان، فقال تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ اَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ» الآيات من 6-10 سورة النور. وإذا تلاعن الزوجان فإنه يفرق بينهما تفريقاً مؤبداً، وإذا جاء ولد فإنه ينسب الى أمه وليس الى الأب لأنه نفاه.
وحذرت الدكتورة عفاف كل من يخوض في أعراض العفيفات من المصابات بالإيدز وغيرهن، من أن يكون ممن قال الله فيهم: «إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشيعَ الفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ آمنوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الُّدنْيَا والآخرة وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ» آية 19 سورة النور.
صون الأعراض
وأشارت الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، إلى ضرورة الحفاظ على الأعراض، وصون المجتمع المسلم من الشائعات التي تلوث سمعته وتشوه صورته من قبل الحاقدين والفاسدين، والذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم، ويربطون بين من ابتلاهم الله بانتقال الإيدز إليهم بنقل الدم أو المعاشرة الزوجية مع زوج مريض به، أو أي طريقة أخرى ليس فيها أي انحراف أخلاقي.
وقد اوجب الله على مثل هذا الكلام الفاحش عقوبات شديدة في الدنيا والآخرة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب». وقال، صلى الله عليه وسلم، لمعاذ بن جبل عندما سأله مستفسراً: هل يحاسب الناس على ما يتكلمون به؟ فقال له الرسول: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يَكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟». ولنا أن نتخيل أن هذا الحساب علي سيِّئ الكلام، فما بالنا بمن يخوض في الأعراض أو يتهم مريضة الإيدز صراحة أو تلميحاً بالانحراف الأخلاقي.
وأضافت: «الأفضل لمن لا يعرف سبب الإصابة بالإيدز أن يصمت، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، وقول الله تعالى: «مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» الآية 18 سورة ق. وأن يمتثل لما نصح به الرسول، صلى الله عليه وسلم، عقبة بن عامر حين سأله : يا رسول الله ما النجاة؟ قال: أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك، والأفضل أن يكون المسلم ممن قال فيهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»».
مريضة الإيدز منحرفة أخلاقياً! هذا هو الاتهام الجاهز دائماً لمن يصبن بهذا المرض، رغم أن مريضات كثيرات به انتقل المرض إليهن بطريق الخطأ ودون أي ذنب اقترفنه، لكن المجتمع لا يرحمهن ويعاملهن كمنبوذات. هذا ما أثاره فيلم «أسماء» للنجمة التونسية هند صبري، وهي القضية التي توقفنا عندها مع علماء الدين لنعرف كيف يجب أن يتعامل المجتمع مع مريضة الإيدز، وما هو حكم الشرع فيمن يظلمهن ويتهمهن بالانحراف الأخلاقي دون تحري حقيقة إصابتهن بهذا المرض...
يتناول فيلم «أسماء» للمؤلف والمخرج عمرو سلامة نظرة المجتمع الظالمة الى مريضة الإيدز، ووضعها دائمًا في دائرة الاتِّهام الأخلاقي، ويركز على فتاة بسيطة لم تتلقّ تعليمها، وتعيش في بيئة قروية بائسة، وتعاشر زوجها المريض بالإيدز من أجل مساندته نفسياً رغم علمها بنتيجة ذلك، وتحاول أن تحمي طفلتها من المرض في أثناء الحمل والولادة والتربية. إلا أن أهالي البلدة لم يرحموها، واتهموها بأنها أصيبت بالإيدز نتيجة علاقة غير شرعية. ويسيطر الرعب على الجميع عندما يضطرون للتعامل معها، مع أنها لم ترتكب أي خطيئة، بل ضحت بنفسها وتعرضت للإصابة بالمرض من أجل أن تنجب طفلة تحمل اسم زوجها.
الاتهام دون بينة
وأوضح الشيخ هاشم إسلام، عضو لجنة الفتوى في الأزهر أن الله أوجب على من قذف مؤمنة بارتكاب الفاحشة، مثل من يشككون في أخلاق مريضة الإيدز ظلماً وعدواناً، سواء كان قذفاً صريحاً أو تعريضاً، العقوبة الدنيوية والأخروية، أما التي في الدنيا فهي ثلاث عقوبات: أولاها الجلد ثمانين جلدة، وثانيتها: عدم قبول شهادته بل ردها مطلقاً، وثالثتها: الحكم عليه بالفسق، وذلك ما نص عليه القرآن في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» آية 4 سورة النــور. وقد اشترط الفقهاء أن يكون الشهود الأربعة عدولاً، ممن هم مشهود لهم بالصلاح والصدق، حتى لا يتآمر السفهاء على أعراض الشريفات العفيفات، ويربطون بين إصابتهن بالإيدز وانحرافهن الأخلاقي.
وأما في الآخرة فقد أوجب اللعنة والطرد من رحمة الله على القاذف بغير بينة، ولا شهود فقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» الآيتان 23-24 سورة النــور. وأنهى الشيخ هاشم إسلام كلامه بالتحذير من الوعيد الإلهي، الذي ذكره الله في الآية السابقة، مما يؤكد فظاعة أمر هذه الجريمة، وجرم من وقع فيها، وعظيم خطرها، وشديد وعيدها باللعنة في الدنيا والآخرة، وهو الطرد من رحمة الله واستحقاق العذاب العظيم، وشهادة جوارحه عليه بالذنب الذي يخزيه أمام الله والعباد يوم القيامة.