قضية تعرية فتاة التحرير واغتصاب ليبية يثيران جدلاً فقهياً...
عنف ضدّ المرأة, د. محمد رأفت عثمان, مواقع الزواج الإلكتروني, خالد أبو النجا, الشيخ يوسف البدري, د. عبلة الكحلاوي, د. عبد المعطي بيومي, ضحايا, د. عفاف النجار, د. سيد صبحي, إغتصاب, الفتاوى الفقهية, د. محمد عبد المنعم البري, ميدان التحرير
16 يناير 2012العلاج النفسي أولا
عن التحليل النفسي لهذا الزواج يقول الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس: «من القواعد الأساسية في الزواج المستقر أن تكون هناك ألفة وسكون نفسي بين طرفيه، حتى يأنس كل منهما للآخر ويطمئن إليه نفسياً. وهذا غير متوافر بشكل كافٍ في مثل هذا الزواج، حيث يعتبر كل منهما مجهولاً عن الآخر وإنما تم الالتقاء في ظروف غير عادية، مما ينذر بفشله بعد مرور الصدمة وكشف كل منهما لحقيقة الآخر».
وأكد صبحي أن فرص نجاح هذا الزواج قليلة، والأفضل مساعدة الضحية في تلقي العلاج النفسي والتأقلم والتعايش في المجتمع بصورة طبيعية لتختار شريك حياتها بصورة طبيعية، أما زواج الشفقة فإن احتمالات فشله أكبر، لأنها ستظل مجروحة نفسياً، وقد يقوم الزوج بإذلالها ومعايرتها مع أي مشكلة زوجية، مما قد يؤدي إلى تدميرها نفسياً بشكل أكبر مما كانت عليه قبل الاعتداء، خصوصا إذا حصل الطلاق أو الخلع إذا لم يحقق الزوج أهدافه المادية أو المعنوية من هذا الزواج.
نظرات الاتهام
وتطرق الدكتور علي ليلة أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس إلى جانب خطير من القضية، مؤكداً «أن مجتمعاتنا الشرقية لا تتقبل هذا الزواج بسهولة، وعادة ما يكون التعاطف موقتاً، وسرعان ما تتحول الحادثة التي حصل بسببها الزواج، إلى وسيلة اتهام وشك وريبة في أنها المسؤولة عما جرى لها، مما يجعلها تتأزم نفسياً أكثر، خصوصا أنها لم تعالج من آثار الصدمة، وإنما انتقلت إلى زواج قد يكون للمجتمع تحفظات عنه سواء على المدى القريب أو البعيد». وطالب ليلة بتغيير ثقافة المجتمع بحيث «ان التعاطف الإيجابي ليس معناه الوحيد الزواج وإنما هناك عشرات الوسائل للتعاطف الجاد مع الضحية التي يجب أن يحصل زواجها بعد الانتهاء من علاجها النفسي من آثار الصدمة، أما إذا تعاملنا بالعواطف فقط فإن الضحية، إذا فشلت في الزواج، قد تلجأ الى التخلص من حياتها كليا للهروب من قهر الزوج وإذلاله لها، ونظرات الاتهام من المجتمع بأنها مسؤولة عما حدث لها من عنف».
معايرة
يعارض الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الزواج بتلك الطريقة، مؤكداً أنه أقرب الى الفشل من الاستمرار، لأن المشكلات في الحياة الزوجية أمر طبيعي، وقد يقوم الزوج بمعايرة زوجته بأن هذا الزواج جاء وليد حادث الاعتداء الذي قد يتحول إلى وسيلة إذلال للمرأة في المستقبل.
وأشار إلى أن الإحسان إلى من تعرضت لظلم شديد من التعري في ميدان عام أو حتى الاغتصاب الوحشي، لا يشترط أن يكون بالزواج منها، وإنما يمكن أن يكون بالوقوف بجانبها والتخفيف من معاناتها، وذلك تنفيذاً لقوله تعالى: «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن» آية 53 سورة الإسراء.
سلاح ذو حدين
ترى الدكتورة عفاف النجار العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن القضية سلاح ذو حدين أولهما أن يكون الزواج موفقاً إذا اتصف المتعاطف مع الضحية بأخلاق النبلاء وليس الانتهازيين، وكان ممن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: «لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة»، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة». وكان لا يبتغي من وراء ذلك سوى الثواب من الله المطلع على النوايا، مع العلم أن الستر بإخلاص ثوابه الجنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه إلا أدخله الله بها الجنة». وأن تكون الضحية حسنة الدين والخلق وممن قال فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك». والأمر الثاني إذا كان الزوجان أو أحدهما ليست فيه الصفات الطيبة السابقة، فيكون مصير الزواج الفشل السريع لنضيف إلى آلام الضحية آلاماً جديدة، خصوصا إذا كان هناك أولاد».
وتضيف الدكتورة عفاف انه «إذا لم يحدث توافق، على من يتزوج ضحية عنف أن يصبر عليها ولا يعاملها بعنف حتى لا نجمع عليها كربين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف». وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم المعنى نفسه في وصية أخرى، فقال: «إن الرفق لم يوضع على شيء قطّ إلا زانه ولم يُرفع عنه قطّ إلا شانه»، ونحن على ثقة أن المتزوج بضحية رفقاً بها سيوفقه الله إن عاملها بالمعروف، حتى وإن كره الحياة معها لمرض نفسي قد أصابها نتيجة ما تعرضت له، فقد قال تعالى: «وعاشروهنّ بالمعروف فإن كرهتموهنّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً» آية 19 سورة النساء».
محفوف بالاخطار
وترى الدكتورة عبلة الكحلاوي العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في بورسعيد، أن «هذا الزواج محفوف بالاخطار، لأنه ليس زواجاً طبيعياً، بل إنه حصل نتيجة لظروف استثنائية غير طبيعية، ولهذا فإن نصيحتي لمن يفكر في الزواج بضحية أو تزوجها بالفعل، أن يتأمل قوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. ويتأمل أيضاً قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلى الله عزّ وجلّ أرفقهما بصاحبه». هذا بالنسبة إلى الصاحب فكيف بالزوج أو الزوجة؟ فإن أحبّ الزوجين إلى الله وأعظمهما أجراً عند الله من كان طيباً ورفيقاً مع صاحبه، فلا يعنف به ولا يقسو عليه».
وأوضحت الكحلاوي أن الحل الشرعي، إذا ظهرت مشكلات في هذا الزواج نظراً الى انتهازية الزوج مثلاً، أو لسوء أخلاق الزوجة، أو عدم تفاهمهما معاً لأي سبب آخر، هو ما نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» آية 229 سورة البقرة». وعن رأيها إذا كان المتقدم للزواج من الضحية متزوجاً بأخرى، قالت: «لا أحبذ أن يكون متزوجاً بأخرى لأن الزوجة الضحية تحتاج إلى معاملة خاصة وصبر، وبقاء الزوج بجانبها أطول فترة للتخفيف من آلامها النفسية، ومع هذا إذا تزوجها على زوجة أو زوجات أخريات أن يتقي الله فيها ويعدل بينهن في حقوقهن، خصوصا في المبيت والنفقة، لقوله صلى الله عليه وسلم «استوصوا بالنساء خيراً». أما الحب والميل القلبي فهذا أمر لا يملكه إلا الله، فقد قالت أم المؤمنين عائشة: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: «هذا قسمي في ما أملك فلا تلمني في ما تملك ولا أملك» يعني به الحب والمودة».
النوايا
أكد الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، أن من تتعرض للإيذاء البدني والمعنوي على مرأى ومسمع من الناس تحتاج إلى من يرفق بها ويشفق عليها، وهو شعور نبيل حثّ عليه الشرع لما فيه من شهامة وعدم غلظة. وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم نموذجاً يحتذى به في اللين ورقّة القلب، حتى أن الله سبحانه وتعالى وصفه بقوله: «فبما رحمةٍ من الله لِنْت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك» آية159 سورة آل عمران».
ويكمل: «نجاح الزواج أو عدمه يتوقف على مدى اقتناع الرجل بهذا الزواج وألا يكون قد فعل هذا فقط ليبدو بصورة البطل أمام المجتمع».
خالد أبو النجا: أعلنت رغبتي في الزواج من فتاة التحرير تضامناً معها وليس شفقة
أكد الفنان المصري خالد أبو النجا أن طلبه الزواج من الفتاة المسحولة في ميدان التحرير لا يعدو كونه موقفاً سياسياً يعبّر عن رفضه تعريتها من جانب قوات الشرطة العسكرية.
وأضاف: «بالطبع يشرّفني الزواج منها كما يشرّف أي رجل في العالم، لكن ما قصدته أنني أضمّ صوتي إلى أصوات الشباب الذين رفعوا لافتات كُتب عليها أيضاً انه يشرفهم الزواج بها أثناء وجودهم في ميدان التحرير تنديداً بما حدث ومحاولةً لإخراجها من أزمتها التي لا أعتبرها أزمة، بل هي شرف لها. ويكفي أن كل شخص على وجه الأرض سواء في مصر أو خارجها تضامن معها وليس تعاطفاً فهي قوية لا تحتاج الى من يتعاطف معها».
قبل اشهر، أقدم الشاب الليبي فرج الغيثي على الزواج من إيمان العبيدي، تلك الفتاة التي فضحت قوات القذافي واتهمتهم باغتصابها جماعياً أمام الصحافيين العرب والأجانب في أحد الفنادق الكبيرة في طرابلس، وقام مع مجموعة من أقاربه وأصدقائه بالسفر من مدينة درنة حيث يقيم إلى طبرق ليخطب إيمان العبيدي ويتزوجها تقديراً لشجاعتها.
جدل فقهي واجتماعي كبير أثاره قيام مجموعة من المشاهير وعامة الناس بعرض الزواج من الدكتورة عزة كمال التي عريت في تظاهرات ميدان التحرير في مصر، وهو ما حدث قبلها مع الليبية إيمان العبيدي التي تعرضت لاغتصاب جماعي من جنود القذافي... تضاربت الآراء حول كونه زواجاً للشفقة أم للشهرة أم ثمرة اقتناع حقيقي بالظلم الواقع على هاتين الامرأتين؟ وهل الزواج بهذه الطريقة لديه فرصة حقيقية للاستمرار أم انه تعاطف موقت سرعان ما ينتهي بالطلاق؟
العقلانية قبل التعاطف
ويوافقه في الرأي الدكتور محمد عبد المنعم البري رئيس جبهة علماء الأزهر، فيؤكد أن «الزواج الموفق لا بد أن يحصل على أسس سليمة وأخلاق حميدة في الطرفين، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الرجل الراغب في الزواج: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». هنا نطرح تساؤلاً: من يضمن لنا أن الراغب في الزواج من فتاة متعرية أو مغتصبة إنسان ذو خلق ودين وليس متاجراً بالقضية للبحث عن مصلحة دنيوية كالشهرة أو المال، وبمجرد حصوله عليهما يطلقها أو يسيء معاملتها حتى تطلب الخلع، فنكون قد زدنا من همومها وأحزانها بدلاً من التخفيف عنها؟ ولذلك أقول لضحية العنف «احترسي من المتاجر بقضيتك». والوضع نفسه بالنسبة الى الفتاة التي تعرضت لظلم ما دون أن نعرف تفاصيل أو ملابسات الحادث، فقد تكون أخلاقها ودينها ليست على المستوى المطلوب، وبالتالي فإنه إن تزوجها إنسان على غير طباعها، فإن مصير الزواج الفشل لنضيف إلى جروحها جرحاً جديدا»ً.
وأنهى البري كلامه بضرورة التأني والعقلانية بدلاً من التعاطف الذي قد يؤدي إلى نتيجة عكسية، ولا يؤدي إلى علاج جراح الضحية، بل تضيف إليها جرحاً آخر. وبالتالي لا بد من التعارف والتفاهم التام ومعرفة الطرفين بحقيقة دين وأخلاق الطرف الآخر، حتى يكون زواجاً ناجحاً، وليس مجرد تفاعل إيجابي موقت يتبعه ندم في وقت لا ينفع فيه الندم، «مع تأكيدنا أهمية الرفق الذي لا يشترط أن يكون بالزواج، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لو كان الرفق خلقاً يُرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه».
أما الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد السابق لكلية أصول الدين، فقال: «رغم تعاطفنا الشديد مع ضعيف يتعرّض للظلم من المتوحشين، خصوصا النساء، لا نستطيع الجزم باستحسان أو استهجان قيام شخص ما بالزواج ممن تعرّضت لظلم فادح، لأن حسابه سيكون على نيته من هذا الزواج، هل هو من قبيل الشفقة أو الشهرة أو البحث عن مصالح دنيوية أخرى. ولا يملك الحكم على ذلك إلا الله المطلع على النوايا، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
ويحذر الدكتور عبد المعطي «من سرعة إتمام هذا الزواج دون النظر إلى أسباب استمراره، حتى لا نعالج مشكلة بمشكلة أكبر، وتكون الضحية فيها أيضاً الزوجة المغلوبة على أمرها في الحالتين. ولهذا لابد أن يحصل الزواج بشكل طبيعي وبعد فترة من الحادثة العدوانية عليها حتى تستعيد توازنها النفسي أولاً».