تأنيث المحلات النسائية...
د. محمد رأفت عثمان, علماء الأزهر, المرأة السعودية / نساء سعوديات, د. مهجة غالب, د. آمنة نصير, د. عبلة الكحلاوي, د. ملكة يوسف, د. سيد صبحي
23 يناير 2012حياء المرأة
وتتفق معها الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، فتؤكد أنه كلما زاد الإيمان زاد الحياء، ومن أجمل ما يميز المرأة الحياء، فإذا فقدته فقدت شيئاً عظيماً يميزها عن الرجال، ولذلك فتلك التجربة تحفظ لها كرامتها وحياءها، ولهذا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم «الحياء والإيمان قرناء جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر».
وهاجمت الدكتورة آمنة بعض العلماء الذين عارضوا هذا القرار، لتحريمهم عمل المرأة، حتى ولو في محلات لا تبيع إلا للنساء، قائلة: «هذا من «التنطع الفقهي» الذي لا معنى له، بل إنه يسيء للإسلام ويخالف أحكامه التي لا تمنع المرأة من العمل مادامت ملتزمة بالضوابط الشرعية في الأخلاق والملبس والحديث».
بلا خجل
وأشادت الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية بالقرار قائلة: «لا شك أنه من حق المرأة العمل في مهنة كريمة تحفظ عليها دينها وأخلاقها، وتأمن فيها على نفسها وخصوصيتها، وتمنحها حق المشاركة في التنمية، وتبعدها عن الحاجة وذل السؤال، خاصة أنه يوجد في المجتمع كثير من النساء الأرامل والمطلقات وبنات الأسر الفقيرة في حاجة إلى عمل مناسب لطبيعة المرأة الجسمانية والنفسية التي تختلف عن طبيعة الرجل».
وأشارت إلى أن تطبيق هذه التجربة يجعل المرأة تدخل المحلات لشراء أغراضها بكل حرية، وبلا أي خجل، وأصبحت هناك حركة في السوق، وزاد عدد النساء المتسوقات، ويقضي على المضايقات والمعاكسات، بل إنه يؤدي إلى غض البصر، وهو أمر إلهي، حيث قال تعالي: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إن اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ». الآيتان (30-31 سورة النور).
وأضافت: «يجب أن تلتزم العاملات في المحلات بالحشمة أثناء عملهن، بما في ذلك التزامهن بضوابط الحجاب الشرعي، أو الزي الرسمي لجهة العمل، الذي يجب في جميع الأحوال أن يكون محتشماً وساتراً وغير شفاف، حتى نقضي على الآثار السيئة لفقدان الحياء، مثل الاستهتار بالقيم والعادات والتقاليد الحسنة».
حماية نفسية
وعن الجوانب النفسية للتجربة قال الدكتور سيد صبحي أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس: «تكون المرأة مستقرة نفسياً في التعامل مع بنات جنسها، وتتحدث معهن بحرية كاملة عن نوعية الملابس الداخلية وأدوات التجميل وغيرها، مما يحفظ أسرارها ويحمي حياءها من أن يخدشه البائعون الرجال الذين يستظرفون أو يعاكسون أو ينظرون إلى المرأة نظرة شهوانية».
وطالب مختلف الدول العربية والإسلامية بالمحافظة على خصوصية نسائها عبر تطبيق هذه التجربة التي ستساعد على الاستقرار النفسي، نتيجة الطمأنينة التي تشعر بها المرأة أثناء قيامها بالشراء، وهذا سيقلل المشاجرات والمضايقات النفسية التي كانت تتعرض لها النساء في الشراء من محلات يتولّى البيع فيها رجال.
فوائد
تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر: «لا شك أن هذا القرار الجريء له أكثر من جانب، أولها أنه مطلب اجتماعي، وثانيها أن له فوائد تنموية من حيث تشغيل النساء في عمل شريف يتناسب معهن، وثالثها الجانب الأخلاقي كونه يحفظ للمرأة خصوصيتها وحياءها».
ورأت أن هذه التجربة «تتوافق تماماً مع ما يدعو إليه الإسلام، من حيث حفظ حياء المرأة من قيام الرجال ببيع ملابسهن الداخلية أو الخارجية، بالإضافة إلى أدوات التجميل.
وقد أمرنا الإسلام بالمحافظة على الحياء بوجه عام، وحياء المرأة بشكل خاص، فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خُلقاً وخُلق الاسلام الحياء». وقد وصف الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري حياء النبي، وهو الرجل، فقال: «كان رسول الله أشد حياءً من العذراء في خدرها، أي في سُترتها، وكان إذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه». فإذا كان هذا خلق النبي، صلى الله عليه وسلم، فما بالنا بالنساء اللواتي كن مجبرات على الشراء من محلات يبيع فيها الرجال مما يخدش حياءهن».
ثواب
ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو مجمع البحوث الاسلامية في الأزهر: «لا شك أن كل من ساهم في هذه التجربة مثاب شرعاً، ابتداءً من خادم الحرمين إلى أقل موظف أو موظفة، بل وأصحاب المحلات والعاملات، لأنهم جميعاً ساهموا في إعلاء قيم العفة والحياء للمرأة. وقد قال صلى، الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة والحياء شعبة من الإيمان».
وقال أيضاً: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار». وأعجبني كثيراً قول عمر بن الخطاب «من استحى اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وُقي». وقول لأحد التابعين «لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه».
وأنهى الدكتور رأفت عثمان كلامه بالتأكيد أن هذه التجربة ستقلل الجدل والفُحش في القول، الذي يتم أثناء البيع والشراء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه وما كان الحياء في شيء إلا زانه».
تأنيث المحلات التي تبيع احتياجات المرأة بحيث لا يعمل فيها إلا النساء، قرار سعودي جريء يهدف إلى الحفاظ على حياء المرأة، لكن كيف يراه علماء الدين في مصر؟ وما هي فوائده في رأيهم؟ وهل يمكن تعميم تلك التجربة السعودية الرائدة على دول عربية أخرى؟
تعود بداية القصة إلى مناشدة النساء السعوديات تأنيث المحلات التي تبيع كل مستلزمات المرأة، من الملابس وأدوات تجميل وغيرها، بحيث يتم الاحتفاظ للمرأة بخصوصيتها وحيائها، ويوفر فرص عمل لها.
وتمت ترجمة الاستجابة الملكية فأمرت وزارة العمل السعودية المحلات التجارية بتطبيق القرار، على أن تكون البداية في المحلات المختصة ببيع المستلزمات النسائية الداخلية فقط، في العاشر من صفر 1433هـ، والمحلات المختصة ببيع مستحضرات التجميل في 10 شعبان 1433هـ(2012/6/30).
وأُطلقت حملات التفتيش لمتابعة قرار تأنيث محال المستلزمات النسائية في المملكة، وقد بلغ عدد المتابعين لتطبيق هذا القرار 400 مراقب. وقد التزم عدد كبير من هذه المحال بتطبيق القرار، وهو ما اعتبر مؤشراً إيجابياً وحراكاً اجتماعياً مؤيداً لهذه الخطوة.
وأشارت قاعدة البيانات المتوافرة لدى صندوق تنمية الموارد البشرية، إلى أن أكثر من 30 ألف فتاة سعودية تقدمن للعمل في محال بيع المستلزمات النسائية.
وقد عبرت السيدات والفتيات، ممن تم تدريبهن في المحال التجارية على البيع وطرق التعامل مع الزبائن قبيل التطبيق الفعلي للقرار، عن رضاهن الكامل عن التجربة التي ليس فيها أي إحراج أو خجل من التعامل التجاري مع نساء، منهن الصديقات والجيران والأقارب، وكان التحفظ الوحيد لديهن عن تطبيق «الدوامين»، مما يؤدي إلى تأخر بعضهن في العمل مساءً والإرهاق.
آثار إيجابية
وعن الجوانب الاقتصادية لهذا القرار، قال الدكتور يوسف إبراهيم مدير مركز الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر: «لا شك أن هذه التجربة الفريدة تدفع عجلة الإنتاج وتحل مشكلة البطالة، التي يجب ألا تفرق بين رجل وامرأة في ضررها، ومن المعروف أن كثيراً من العائلات تعولها امرأة، سواء كانت تنفق على أسرتها الفقيرة أو مطلقة أو أرملة، والمبدأ الشرعي أن عمل المرأة حلال، سواء احتاجت إلى العمل أو احتاج العمل إليها». وأشار إلى أن هذه التجربة تدخل ضمن خطة «السعودة»، «بإيجاد فرص عمل للسعوديات بما يفيد البائعة والمشترية على حد سواء، وستكون لهذه التجربة آثار إيجابية على المدى القصير والطويل، ودفع عجلة الإنتاج والارتقاء بمستوى بعض الأسر الفقيرة التي تكون في حاجة إلى عمل المرأة للإنفاق على أسرتها مما يقلل الجرائم الاجتماعية. كما أنه يساعد المرأة على أن تكون لها ذمة مالية مستقلة تفيد بها نفسها وأسرتها ومجتمعها».
خصوصية
وقالت الدكتورة ملكة يوسف، أستاذة الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة: «لا شك أن هذا النظام يكفل حق العمل للمواطنين بالتساوي، من دون تفريق أو تمييز بين الرجل والمرأة، ودون أن يغفل خصوصية المرأة المسلمة وطبيعة المجتمع الشرقي وقيمه، حيث تعمل المرأة في المجالات التي تتفق مع طبيعتها وإبعادها عن الأعمال الخطيرة أو الضارة بها نفسياً وجسدياً وأخلاقياً، عندما يتم تشغيل النساء بالليل أو في أماكن قد تكثر فيها الخلوة بالرجال، وهذا محرم شرعاً لقوله، صلى الله عليه وسلم: «ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما»».
وأوضحت الدكتورة ملكة أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، يكشف لنا مراحل التدني الأخلاقي الذي يبتدئ بضياع الحياء وينتهي بشر العواقب، فيقول: «إن الله عز وجل إذا أراد أن يهلك عبداً نزع منه الحياء. فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مُقيتاً ممقتاً، أي مبغضاً، فإذا لم تلقه إلا مقيتاً ممقتاً نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة، لم تلقه إلا خائناً مُخِّوناً، فإذا لم تلقه إلا خائناً مخوناً، نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة، لم تلقه إلا رچيما مُلعناً، فإذا لم تلقه إلا رچيماً مُلعناً، نزعت منه ربقة الإسلام، أي أفلت من قيود الإسلام التى تربط العبد المسلم».