إلى من لا ينبض قلبه...

د. مايا أبو خليل, الحب, علم النفس

30 يناير 2012

«الحب هو موقف وسلوك وليس مجرّد شعور. المغالطة التي تربط الحب بالشعور ناتجة عن الخلط بين الحب وتركيز الطاقة العقلية (Cathecting) على شخص معيّن. فيمكن أن نجذب إلى الأشياء دون عمق روحي. حقيقة الأمر أن الإنجذاب تجاه أي شخص لا يعني أنه يشغلنا روحياً وعاطفياً. إن قوة تركيزنا العقلي لا علاقة لها بالإلتزام. إن الحب الخالص والحقيقي هو إرادي والإلتزام هو الأساس الذي يرسخ الحب الخالص».
هذا
ما يقوله المحلّل النفسي والكاتب سكوت بيك في كتابه The Road less traveled (a new psychology of love).
كثيرة هي التحليلات العاطفية التي تتعلق بالعثور على الشريك وولادة المشاعر تجاه الآخر وغالبها يكون نسبياً، خصوصاً مقولة أن الإنسان لا يغرم إلاّ مرة واحدة في حياته أو أن الحب الحقيقي مفقود في هذا الزمن أو أن مشاعرنا الطارئة هي نتيجة رغبة نظنها الحب. هذا ما قالته إختصاصية علم النفس العيادي والمعالجة النفسية الدكتورة اللبنانية مايا بو خليل التي أجرينا معها هذا الحوار حول الحب وأسبابه والعوامل التي تعيقُ ولادته في بعض الأحيان.

هذه هي حقيقة من لا يعرف الحب في حياته:
1- تلقى تربية مبنيّة على حبّ مشروط
2- يعطي العلاقة مع الآخر طابعاً غير رسمي وغير واضح الأهداف للسيطرة على مشاعره
3- عدم تنازله عن فكرة النموذج المتخيّل هي مؤشّر عدم جهوزيته للارتباط
4- لا يعبّر عن مشاعره لأنه لم يعتدْ سماع كلمات الحبّ

- ما هو التفسير الذي يعطيه علم النفس للحب بين امرأة ورجل؟
الحب هو حالة عاطفية تجذب شخصاً إلى آخر وتجعله يستثمر في علاقته به فعلياً و/أو معنوياً بطريقة مباشرة و/أو غير مباشرة عبر الخيالات والتأملات.

- هل ثمة من لم يعرف الحب في حياته؟
من الممكن ألا يكون المرء قد عرف في حياته الحب في إطار علاقة مع شريك ما ولكن لا بد أن يكون قد عرفه بدرجة معينة في علاقته الأولية مع أمه أو مع بديل عنها. لذا لا يمكن ألا يعرف شخص ما الحب في حياته إلا إذا كان يعاني اضطرابات نفسية وعاطفية كبيرة ناتجة في معظم الأحيان عن حرمان عاطفي خلال الطفولة أو عن انفصال حاد عن أمه أو فقدانها في سن مبكرة ولم يكن هناك من يؤمّن له البديل العاطفي.

- هل لهذه الأزمة، إن صح التعبير، خلفية متعلقة بالطفولة أو التربية العائلية بشكل نهائي؟
إن نوعية الحب التي يطلبها المرء في حياته هي نفسها النوعية التي حصل عليها في طفولته من أمه في البداية ومن محيطه في وقت لاحق وهي أيضاً ما يمكنه إعطاؤه بدوره من حبّ. لذا على التربية أن تكون مبنيّة على الحبّ غير المشروط في الدرجة الأولى، عندها تتسهّل كل الإكتسابات الأخرى من قوانين ومبادئ ومعرفة ويمكن حينئذ للطفل أن ينمو نفسياً وعاطفياً بشكل متزن يمكّنه في المستقبل من إقامة علاقات متينة. ذلك فضلاً عن العلاقة بين الوالدين التي تشكّل له مثالا مهمّا وأساسياً.

- لماذا يهرب بعض الرجال من الالتزام ويكتفي بالعلاقات العابرة؟
الهروب من الالتزام والاكتفاء بالعلاقات العابرة أمر ليس مرتبطا فقط بالرجال إنما هو طريقة دفاعية يعتمدها الإنسان كي لا يتورّط عاطفياً ويصبح الانفصال حينها صعباً وقاسياً. أما في العلاقات العابرة، فيمكن للشخص السيطرة على مشاعره عبر إعطاء العلاقة طابعاً غير رسمي وغير واضح الأهداف، يخفف من حدة العواطف محولا الآخر إلى شيء من السهل التخلّي عنه.

- هل كلمة الوقوع في الحب تمثّل للبعض فعلاً معنى الوقوع والضعف وفقدان السيطرة والسلطة ؟
الوقوع هنا يعني الارتباط والالتزام والتورّط العاطفي وليس الضعف وفقدان السيطرة. ففي الفرنسية تستعمل هذه العبارة نفسها للإشارة إلى الحمل. فالإنجاب والتربية عمليتان تستلزمان أيضاً، كالحبّ، الكثير من الالتزام والتفاني والاستثمار العاطفي.

- هل ثمة من يفشل في العثور على الحبيب في انتظار النموذج المتخيّل؟
عدم التنازل عن فكرة النموذج المتخيّل هو نفسه مؤشّر عدم الجهوزية للارتباط. فهؤلاء الأشخاص يفتّشون عن المستحيل على أمل العثور عليه. أما في لا وعيهم، فهم يأملون البقاء بمفردهم مع ماضيهم. هؤلاء الأشخاص هم في الغالب ممّن لهم دور فعّال في عائلاتهم وممّن هم على علاقة غير منتهية مع أحد الوالدين (الأب للفتاة والأم للشاب). أمّا على صعيد النضج العاطفي، فهم يبقون متعلّقين إلى حدّ ما بنوعيّة علاقات تتكرّر وتشبه سابقاتها في سن المراهقة.

- من هو الإنسان الذي يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره؟
الإنسان الذي لا يعبّر عن مشاعره هو شخص لم يعتدْ سماع كلمات الحبّ والتشجيع في طفولته وهو ممّن قُمعت مشاعرهم وأوحي لهم أنّ المشاعر والتعبير عنها عيب يجب كبته وتركه سرّاً.

- في المقابل، من هو الشخص الذي يسهل عنده التعبير عن مشاعره أم إن صحّ التعبير سريع الغرام؟
الأشخاص الذين يميلون الى العلاقات السريعة والذين يعبرون عن حبهم بسرعة هم أشخاص بحاجة ماسة للحب وهذا لا يعني أنّهم سريعو الغرام. أما علاقات الحب السريعة، فغالباً ما تكون شغفا تتكتّل خلاله في الحبيب سلسلة علاقات غير منتهية ومشاعر لم يتجاوزها الشخص، منها العلاقة الأولى مع الأم أو الأب والمشاعر التي تنتج عنها ومنها العلاقات الأخرى التي شهدت انفصالا حادا وتنتج عنها أحاسيس مؤلمة. 

- لماذا الحب من أول نظرة يكون خداعاً في أغلب الأحيان؟
لا نستطيع القول إن الحب من أول نظرة خداع ولكنه غالباً ما لا يكون مبنياً على أسس متينة تجعله يدوم كالحوار البناء وتقبل الآخر واحترامه والاهتمام بإرضائه والثقة المتبادلة، بل على المظهر الخارجي والسلوك الاجتماعي. أما ديناميكية هذه العلاقات فغالباً ما تتدهور لتنهي الحب بالسرعة التي بدأ بها. وهذه النهاية السريعة التي تترك مشاعر غير منتهية عند الحبيب المهجور هي ما يجعله يظن أنّ الحب كان خداعاً وذلك بهدف إيجاد تبريرات معقولة لهذا الإنفصال المؤلم. 

- الحب هو علاقة تعلّق وتمسك بالآخر. ما هي صفات الشخص الذي لا يتعلّق بالآخر ولديه قدرة على التخطي وقتل مشاعره ؟
من المهمّ القول أنّه ليس من الضروري التعلق بالآخر لكي نحبّه ولكنّ التعلّق لا بدّ أن يأتي مع الوقت. أما التمسّك بالحبيب فهو من أوّل مكونات الحب التي قد تتأثّر عند مرور أزمة معيّنة أو عند الخلافات والصراعات بين الشريكين. لذا فإن هذا التمسّك مرتبط بمدة العلاقة وتطوّرها في الدرجة الأولى كما أنه منوط بخبرات الشخص السابقة، بشخصيّته، بحالته النفسيّة الحالية، بنضجه العاطفي وبطريقة تعامله مع الصعاب.