'بلغت من العمر 43 سنة وعمي يراقبني'

المملكة العربية السعودية, المرأة السعودية / نساء سعوديات, رجل / رجال أعمال

02 أبريل 2012

تتخبط في بداية حديثها، لا تعرف من أين بداية مشكلتها... تذهب تارة إلى قصتها كبائعة بسطة، وتعود لتطالب بتخفيف من ولاية والدها وعمها عليها، قبل أن تطالب بمحاسبة والدها الذي حرمها من الزواج، بعدما بلغت من العمر «عتيا»، بحسب تعبيرها. لبنى سعودية بلغت من العمر 43 سنة، تقبع في منزل والدها، تروي قصتهاالمثقلة بالهموم وبالمرارة.


عاشت لبني كأية فتاة سعودية في منزل والدها، وأمضت طفولتها سعيدة، إلى أن بدت تطفو على السطح مشكلات بين والديها، فاتجه والدها كونه رجل أعمال إلى السفر وفضل العيش في الخارج، إلى أن عاد مجددا إلى شرق السعودية، وتزوج مرة أخرى. كانت لبنى آنذاك تبلغ من العمر 19 سنة. مضت الأيام، ولبنى تحاول أن تصل إلى حضن والدها الذي كان يرفض الاستماع إلى مطالبها، معتمدا على أخيه، أي عمها الذي بدأت تصارع الحياة معه، ولم تجد منه أي تقبل لطلباتها. عاشت في كنف والدتها وأختها، وعندما بدأت كأية فتاة يُطرق باب عائلتها طلبا للزواج منها، كان الرفض جواب عمها وأخيها. كانت تحاول إقناع عمها بأنها تريد الزواج لتصبح أما وتنجب أطفالا. تقول لبنى :»كنت أفضل الابتعاد عن الجو الأسري المشحون بالظلم والولاية المضطهدة من جانب عمي، فهو رجل أعمال وأبناؤه يعيشون في الخارج ويتنقلون من بلد إلى آخر، فتارة اسمع أنهم في لبنان وتارة أخرى يكونون في مصر، وعمي يضيق الخناق علي فأشعر بأنني حبيسة ومقيدة في قضبان من حديد».

مواقف عدة تمر في شريط الذكريات الذي تحتفظ به لبنى، فتستوقفها لحظات عصيبة، عندما قررت أن تخرج من عباءة عمها لتعمل بائعة بسطة، رغما عنه وعن والدها، مهددة إياهما بأنها ستبلغ الشرطة في حال منعها. وتخوف والدها رجل الأعمال من «وقوع فضيحة، فحاول إقناع عمي بأن اعمل بائعة بسطة للتنفيس عن الهموم التي أعيشها مع والدتي، تزامنا مع بدء دخولي مرحلة اليأس. وهنا كنت أصاب ما بين الفترة والأخرى بتخبط وحالة نفسية كادت أن تودي بحياتي. ومع إصراري أصبحت بائعة بسطة لمدة شهر. ونتيجة الضغوط والرقابة من عمي ووالدي، فضلت الجلوس في المنزل، وأن أعود إلى قضبان السجن، إلى أن وصل عمري الى 43 سنة، فأنا لم اصدق أحيانا إنني وصلت لهذا العمر بين الظلم والولاية والعضل، جالسة أنتظر بصيص أمل خافت لم يشرق يوما».

 تتوقف برهة عن الحديث، وتقول: «في إحدى المرات، تقدم لي شاب مصري الجنسية، وحاولت أن اقنع والدي به لأني عمري كان قد قفز عن الثلاثين، وبدأت أتخوف من العنوسة. لكنه لم يقتنع، وقال لي آنذاك إن الشخص غير مناسب. الأمر لا يقتصر على هذا الشاب، فبنظره أن جميع من تقدموا لي غير مناسبين ولا يرتقون الى مستواه».

تفضل أن تبكي وتبوح بما في جعبتها من حكايات مؤلمة واجهتها على مر السنين، «عندما يئست ولم أتوصل إلى حلول في حياتي، بدأت أساعد زوجة أخي في تربية أبنائها، وألهو بينهم، وأحاول تدريسهم والاستماع إلى قصصهم في المدرسة، وهكذا، محاولة أن اخلق جوا في حياتي... بقيت أتخبط وأصارع، حتى أنني كثيرا ما كنت ادعو الله أن أفارق الحياة، فلا طعم ولا نكهة ولا لون فيها، تخلو من كل الملذات، وأنا جالسة وحيدة أهامس نفسي، وأحيانا اجلس الى جانب أمي المريضة، وأختي الأصغر مني سنا. فكلما طلبت من والدي بان اذهب إلى السوق، أو إلى مكان أتنزه فيه، اشعر بأنني مكبلة بالحديد، يرفض رفضا قاطعا. وكلما طلبت منه السفر برفقة أمي وأختي يقول لا داعي للسفر، علما انه ميسور الحال، فلمَ كل هذا؟ لجأت إلى هيئة حقوق الإنسان في المنطقة الشرقية، وتم تحويل ملفي إلى محكمة الدمام، وطلب القاضي بولاية والدي بحسب الشرع، فلا تسألوني عن حلول، وعندما علم والدي أنني لجأت الى تلك الجهات ضاعف حجم العقوبات».


أين الحلول؟

الباحثة في الشؤون الاجتماعية، الدكتورة خولة يوسف تأسف لأن حملة «كفى عضلا» والحملات التي تتعلق بالولاية لم تجدِ، «لأن الأساس قائم بطريقة غير صحيحة، فالمفترض أن يتم التنسيق في هذا الأمر مع وزارة العدل، وتحديد مهمات ولي الأمر بحكم قضائي، والاستعانة بدور إيوائية لاحتضان المعضولات، واللواتي يتعرضن لولاية غير قانونية أي مبالغ فيها من قبل ذويهن. فالسلطة الذكورية لا بد من تأطيرها، مع أهمية الحفاظ على احترام الفتاة لولي أمرها، دون تمرد».

من جانبها، حذرت الاختصاصية النفسية فوزية آل علوي من التأثيرات السلبية على الفتيات اللواتي يتعرضن لضغوط عائلية، علماً أن التأثير قد يصل إلى حد الانتحار. «وما يستوقفني هو موقف الجهات الحقوقية سواء جمعية حقوق الإنسان، أو هيئة حقوق الإنسان، خصوصا أننا كاختصاصيين نفسيين، قدمنا معلومات علمية موثقة في محاضرات وندوات، تؤكد أن الفتاة المعضولة أو من تتعرض لضغط اسري من حيث سوء المعاملة، أكثر من تفكر في الانتحار واللجوء إلى سلوكيات سلبية، قد تعتبرها متنفسا لها». وأضافت: «تبين بحسب آخر الإحصاءات أن عدد المعضولات وصل إلى أكثر من 800 آلف فتاة على مستوى المملكة بحسب حملة «كفى عضلا»، وربما هناك حالات غير معلنة. والآثار النفسية في ظل ارتفاع الأعداد لأي ظاهرة سلبية تنعكس سلبا على المجتمع من نواحٍ عدة».