امرأة في انتظار الإعدام...

قتل, إعدام, التسمّم, حبس / سجن, جريمة قتل, حكم الإعدام, المحكمة الابتدائية في الرباط.

02 أبريل 2012

كانت تواجه اتهامات تقودها إلى حبل المشنقة دون أن تهتز أو تبكي... ربما أصابتها حالة من التبلّد رغم صعوبة موقفها وعدم وجود ثغرات قانونية يمكن أن تحسّن وضعها. اعترافها التفصيلي كشف أسرار جريمتها البشعة التي تنظر فيها حالياً محكمة الجنايات في إحدى محافظات الوجه البحري. وأعدت النيابة العامة مذكرة تقودها إلى الإعدام: تهمتها القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد باستخدام السم، والضحية زوجها التاجر العجوز... رسمت نادية مع حبيبها الشاب خطة جهنمية للفوز بأموال الزوج العجوز، وتتويج قصة الحب القديمة والتي بدأت قبل زواجها من التاجر، لكن روح القتيل كانت لعنة طاردت القاتلة وقادتها إلى السجن.


في اللحظة التي ظنت نادية أن الدنيا ابتسمت لها، وأنها حققت كل أحلامها... في اللحظة التي أوشكت فيها على إعلان زواجها من حبيبها الشاب وجدت نفسها في قبضة الشرطة، ولم تمض أسابيع حتى أصبحت في مواجهة القاضي في محكمة الجنايات، بل ربما في مواجهة المشنقة.
ذكاؤها الخارق ساعدها في أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت، لكنها لم تستطع أن تخدع كل الناس لكل الوقت... تمكنت نادية من أن تلعب دور الزوجة المكلومة التي فقدت زوجها الحبيب، بل أجادت تمثيل دورها، وبكت بحرقة وهي تؤكد للجميع أن الحزن قتلها بعد فراق زوجها الحاج محمود.

تعاطف معها الجميع بعد رحيل زوجها الذي أصيب بأزمة قلبية مفاجئة ليلقى ربه بعد عمر تجاوز الستين. فارق السن بينه وزوجته تجاوز 25 سنة، لكن الزوجة لم يبد أمام جيرانها ومعارفها وأقارب زوجها أنها تعاني مع زوج لا يستطيع أن يسعد زوجة أصغر منه، وبدت نادية سعيدة ضاحكة، تظهر للجميع أنها تحب زوجها التاجر الثري.

قبل ثلاث سنوات تقدم الحاج محمود، التاجر العجوز، إلى والد نادية يطلبها للزواج بعد أن شاهدها مراراً وهي تشتري لوازم المنزل من السوق المجاور لمنزله، ورغم أن والدها يعرف أن محمود متزوج من سيدة أخرى، إلا أن الأحوال الاقتصادية المتردية لأسرة نادية دفعت الأب للموافقة فوراً على هذا العرض رغم فارق السن الكبير بين ابنته والتاجر العجوز.
ترددت نادية قليلاً قبل أن تقبل الزواج، لكن أمها تمكنت من إقناعها بالموافقة لإنقاذ أسرتها من الفقر، ولم تجد الابنة أمامها سوى التضحية بنفسها حتى يعيش أشقاؤها ووالداها.


الحب القديم

كانت نادية تقنع نفسها بأن زوجها لن يعيش طويلاً، خاصة أن الأمراض المزمنة كانت تحاصره، وخططت لأن تتزوج من حبيبها الشاب حسام بعد أن يموت زوجها وترثه، فقررت أن تطوي موقتاً صفحة حبها القديم لجارها حسام الشاب الوسيم رغم الألم الذي رافق هذا القرار والذي دمر قلبين كانا يعيشان معاً لفترة طويلة.
طلبت نادية من حبيبها أن يبتعد عنها لفترة حتى لا يتسبب لها بمشكلات مع زوجها، ومرت السنوات وصحة الزوج العجوز تتحسن. وعانت نادية كثيراً أثناء حياتها معه في ظل شكوكه المستمرة وغيرته عليها.

قررت أن تتحمل حتى يقضي الله أمراً، ولكنها استعادت اتصالاتها مع حبيبها وبدأت تخطط معه لإنهاء أزمتها، خصوصا أن زواجها لم يحقق لها أحلامها، فزوجها بخيل، وكان يحرمها الكثير من حقوقها، وأصبح حلم الحرية أملاً بعيد المنال.
فكرت في أن تطلب الطلاق من زوجها وتتزوج من حبيبها وعرضت الأمر على أمها التي رفضت بشدة، وأكدت لها أن والدها سيقتلها إذا فاتحته في هذا الأمر، فالأسرة تعيش على المساعدات التي يقدمها زوج نادية لها، ولا يوجد لدى الشاب حسام أي إمكانات تساعده في تحمّل نفقات الزواج.

بدأ الشيطان يتسلّل إلى نفس المرأة الشابة... فلماذا لا تبحث عن وسيلة جهنمية للتخلص من زوجها بشكل لا يرتقي إلى الشك، ثم ترثه بعد موته وتتزوج من حبيبها.
الفكرة ظلت تراود الزوجة، ولكنها كانت مترددة، تبحث عن وسيلة لا تعرّضها للخطر، ولا ترتقي إلى شكوك رجال الشرطة. وفي النهاية استقت الفكرة من صفحات الحوادث وأفلام السينما، فقررت أن تشتري سماً من نوع خاص لزوجها وتمزجه بالطعام، علما أن تأثير السم لم يكن يظهر في المرة الأولى لكنه ينتشر في الجسم بعد ثلاث مرات متتالية. عرضت الفكرة على حبيبها الذي أبدى تخوفه، وأكد لها أن الأطباء سيكتشفون الجريمة حتماً، وذلك أثناء توقيع الكشف الطبي على الجثة، لكن نادية أكدت أنها احتاطت تماماً، وقررت أن تقدم رشوة لمفتش الصحة حتى يحرر شهادة وفاة للزوج يفيد فيها أن الوفاة جاءت نتيجة أزمة قلبية.

بدأت الزوجة تنفذ خطوات جريمتها، اشترت السم، وبدأت تمزجه بالأطعمة التي يفضلها الزوج العجوز الذي لم يشعر بأي تغير في الطعم. وبعد أيام لفظ الزوج أنفاسه الأخيرة، وأجادت الزوجة تمثيل دورها، فصرخت بذعر وهي تؤكد لجيرانها أنها اتجهت إلى زوجها لتوقظه من نومه فاكتشفت وفاته. قام الجيران بتهدئة الزوجة، ومضت الخطة كما أرادت الزوجة التي قدمت مبلغاً لمفتش الصحة الذي تجاهل الكشف الطبي على الزوج وأكد أن الوفاة سببها أزمة قلبية. دفنت الجثة وتنفست نادية الصعداء، واحتفلت مع حبيبها بنجاح الجزء الأول من الخطة، وطلبت من حسام الابتعاد عنها وعدم الاتصال بها حتى إنهاء إجراءات إعلام الوراثة.


شكوك

أحد أقارب الزوج ساوره الشك في وفاة قريبه، خاصة أنه كان على علم برغبة نادية في الزواج من حبيبها حسام والطلاق من زوجها العجوز، وازدادت شكوك قريب الزوج الذي يسكن بجوار حسام حين شاهده بعد وفاة الحاج محمود وهو يتحدث مع نادية. وقرر قريب الزوج أن يغامر ويقدم بلاغاً إلى النيابة يطلب فيه السماح باستخراج الجثة وإعادة الكشف عليها بعد تشريحها، وقررت النيابة الاستجابة له خاصة بعد أن تلقت تحريات مبدئية من رجال المباحث تؤكد وجود علاقة سابقة بين نادية وحسام.

أسقط في يد الزوجة عندما تلقت استدعاء من النيابة للتحقيق، ولم تكن تعلم بالخطوات السابقة التي تم اتخاذها لاستخراج الجثة وإعادة تشريحها، وأمام رئيس النيابة فوجئت بتطورات القضية. المحقق أبلغها باكتشاف الطبيب الشرعي وجود آثار سم في أمعاء التاجر القتيل، فتلعثمت وحاولت أن تدافع عن نفسها، لكن رئيس النيابة واصل مفاجآته وأبلغها أنه تم استدعاء مفتش الصحة الذي اعترف بأنها منحته مبلغاً مالياً وطلبت منه عدم توقيع الكشف على زوجها للإسراع في إجراءات دفنه. شعرت نادية بأن الدائرة تضيق عليها، وحاولت أن تنكر جريمتها إلا أن مفاجأة قاسية كانت في انتظارها، لأن رجال المباحث استدعوا حسام وواجهوه بتهمة الاشتراك معها في الجريمة، فلم يكن أمامه سوى التنكر لحبيبته، وألقى بجميع الاتهامات عليها.

أصاب الوجوم نادية التي تحدثت بعد فترة من الصمت لتدلي باعترافها المثير، وتؤكد أنها كانت تعيش في جحيم، وقالت إنها لم تكن تنوي قتل زوجها لكن سوء معاملته لها وظهور حبيبها الأول أديا إلى اختيارها أن ترتكب الجريمة لتتخلص من زوجها وترثه. ظنت أنها ارتكبت الجريمة الكاملة دون أن تترك وراءها ثغرة، ولم تتوقع ظهور قريب زوجها الذي شك في سيناريو الوفاة وأبلغ النيابة. تقول القاتلة: «ظننت أنني تخلصت من الكابوس لأعيش أجمل أيام حياتي مع حبيبي، لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن...». قررت النيابة حبس الزوجة القاتلة، وأحالتها على محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد الذي يعاقب عليه القانون بالإعدام شنقاً.