تصوير الأفلام في المساجد يثير أزمة!
د. محمد رأفت عثمان, البرلمان المصري, د. آمنة نصير, جمال البنا, د. عبد المعطي بيومي, د. عفاف النجار, د. سعاد صالح, علماء الدين, مساجد, د. سالم عبد الجليل
23 أبريل 2012لجان مشتركة
وتؤكد عميدة كلية الدراسات الإسلامية في القاهرة الدكتورة عفاف النجار أن الله شرع المساجد لعبادته أولاً، ولقيادة المجتمع ثانياً. وقد طبق الرسول، صلى الله عليه وسلم، ذلك عملياً، حيث قاد الأمة الإسلامية من مسجده. وقالت: «بالنسبة إلى قضية تصوير الأفلام والمسلسلات في المساجد، فإنني أرى أنه لا يجوز إصدار فتوى عامة لذلك، وإنما لكل حالة خاصة فتوى لها، لأن لكل مقام مقالاً. مثلاً هل السيناريو لا يصلح دون مشاهد المساجد باعتبارها جزءاً أساسياً من البناء الفني للعمل أم لا؟».
وطالبت الدكتورة عفاف بتكوين لجان من علماء الدين والنقاد الموضوعيين، تكون وظيفتهم تقويم مدى أهمية تصوير أي مشاهد في المساجد وضوابطها والرقابة عليها أثناء تصويرها، لأنه من الخطأ إغلاق الباب تماماً أو فتحه على مصراعيه، لأن المساجد بيوت الله في الأرض، ولا يجوز التعدي عليها وعلى حرماتها المقدسة.
لا مبرر للمنع
وهاجم الباحث الإسلامي جمال البنّا وزارة الأوقاف لمنعها تصوير بعض مشاهد الأفلام والمسلسلات داخل المساجد تماشياً مع صعود التيار الديني إلى سدة الحكم، لأن هذا نوع من النفاق السياسي باسم الدين.
وأوضح أنه لا يوجد أي مبرر لهذا المنع، بل إباحة التصوير في المساجد يمكن استخدامها كنوع من الترويج للسياحة الدينية وبيان عظمة العمارة الإسلامية. فمثلاً ما هو الضرر الذي يلحق المسجد إذا جرى فيه تصوير لقطات تعبر عن مذنب يحاول التوبة والرجوع إلى الله، أو مشاهد لإلقاء دروس دينية داخل المساجد؟ ومن يقرأ التاريخ ويتأمل دور المساجد منذ فجر الإسلام يجدها حافلة بكل النشاطات الحياتية المفيدة، حتى أن القرارات الكبرى في الدولة تتخذ فيها.
شروط
وطالبت العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية الدكتورة آمنة نصير باحترام أهل الفن الأماكن المقدسة التي شرعها الله لعبادته، وأن يبحثوا قدر الاستطاعة عن أماكن أخرى لتصوير تلك المشاهد، إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك. وحذرت من أن تحتوي الأفلام التي يجري تصوير بعض لقطاتها في المساجد على مشاهد ماجنة أو فاضحة، حتى ولو كان تم تصويرها خارج المسجد، لأنه لا يجوز أن يحتوي الفيلم الواحد على مشاهد في المساجد والخمّارات وبيوت الدعارة مثلاً، لأن في هذا حضًّا على الفساد وعدم احترام لقدسية المساجد، الأمر الذي قد يشوه الشرائع السماوية في ظل أي محرمات يستبيحها أهل الفن.
إدانة واستنكار
وأعرب أعضاء لجنة السينما في المجلس الأعلى للثقافة عن استنكارهم وقلقهم الشديد من الإجراءات التعسفية ضد التصوير السينمائي في مصر، وعرض المخرج محمد كامل القليوبي مشروع بيان يعتبر هذا القرار ليس فقط تضييقاً على حرية الإبداع، لكنه إساءة الى الفن الإسلامي والتراث المعماري الإسلامي ومغازلة رخيصة ومكشوفة للتيار المتشدد.
وقال القليوبي: «إذا كان يمكنني أن أصور داخل الفاتيكان، فكيف لا يمكنني التصوير داخل المساجد التي تعكس أفضل نموذج للعمارة الإسلامية ولتراثي الثقافي والحضاري».
وقال أعضاء اللجنة: «هذه المساجد الشامخة التي تعد من عيون الفن الإسلامي ستُمنع من التصوير على أيدي متشددين جدد من خارج نطاق مؤسسة الأزهر التي هي المؤسسة الدينية المرجعية الوحيدة في هذا الشأن، مما يعد نوعاً من المزايدة الرخيصة المتملقة في غير موضعها لتيار الإسلام السياسي في مصر. ولهذا لابد من الوقف الفوري لهذه المهزلة، لأن مساجد مصر جزء عزيز من تراثها الحضاري والثقافي، مثل الآثار، ومنع تصويرها واستبدالها بديكورات لن تصل بأي حال إلى إظهار عظمتها وجلالها سيسيء الى الجميع، آثاراً وإبداعاً وعمارة إسلامية وفنّاً سينمائياً، وقبل ذلك كله عقل الشعب المصري ووجدانه».
وأكد أعضاء اللجنة أن قرار المنع يمس حرية الإبداع رغم احترام المنادين بها للمقدسات والعقائد الدينية دون تمييز، على العكس مما يروِّج له المعسكر الظلامي. وهو قرار يلقي بالسينما المصرية في هوة سحيقة من التخلف والجهل والتجارة باسم الإسلام الذي لم ينص على تحريم الفنون. كما أنه قرار يحرم آثارنا الإسلامية من البقاء في الذاكرة الإنسانية بتناقلها جيلاً بعد جيل من خلال شاشات السينما والتلفزيون وذاكرة السينما التي تحمل مشاهد راسخة كما في أفلام «جعلوني مجرماً» و»الناصر صلاح الدين» و»أرض الخوف» و»رصيف نمرة خمسة».
وأصدرت جبهة «الإبداع الفني» بياناً دانت فيه موقف وزارة الأوقاف المصرية من الفيلم، مؤكدة أنه «لا جدال ولا تعارض بين الدين والفن».
جدير بالذكر أنه سبق أن وقعت أزمة عام 2007 حول تصوير كليب «بلاش نتعود على بعض» للفنانة أنغام، بحجة أنها ارتدت ملابس ساخنة في أحد المساجد الأثرية في القاهرة، وهو ما استنكرته وزارة الأوقاف وهاجمت مسؤولي المجلس الأعلى للآثار لسماحه بذلك. ونفت أنغام ارتداءها ملابس ساخنة أثناء تصوير الكليب الذي لم يكن داخل المسجد وإنما أمام مسجد سليمان أغا السلحدار في منطقة القاهرة التاريخية.
مبرر الأوقاف
ويوضح وكيل أوّل وَزَارة الأوقاف لشؤون الدعوة الدكتور سالم عبد الجليل مبررات قرار منع تصوير مشاهد من فيلم «فرش وغطا» في المسجد بقوله: «منع التصوير في المساجد ليس خطأً بإطلاق، لأن المساجد شُرّعت للذكر والعبادة وحلقات العلم والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم تشرّع يومًا لغير هذا. وقد قال تعالى في قدسية المساجد ومكانتها: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً» آية 18 سورة الجن. ولهذا كان التأني في درس الأمر من كل جوانبه قبل إصدار القرار، ولهذا فإن القرار كان أشبه بما يطلق عليه «استكشاف وإرجاء» لمعرفة كل التفاصيل قبل اتخاذ القرار النهائي بالمنع أو التصريح».
وعاد الدكتور سالم ليخفف من حدة رأيه قائلاً: «التصوير المرفوض هو الذي يتم بلا ضوابط، لأن فيه انتهاكاً لحرمات المساجد، أما التصوير المباح فهو تصوير أثر إسلامي قد يحتوي عليه المسجد أو تصوير حلقة ذكر أو مجلس علم، أو كانت هناك لقطة في مسلسل إسلامي ويلتزم أطرافها آداب الشرع فلا مانع من ذلك شرعاً، وهذا ما أباحته وزارة الأوقاف طوال السنوات الماضية، أمّا أن يدخل المساجد غير المحتشمين خلال تصوير لقطات كثيرة من مسلسلات أو أفلام غير دينية، فهذا أمر مرفوض شرعاً وعقلاً».
وأنهى عبد الجليل كلامه بالتأكيد على الوسطية في معالجة المشكلة دون إفراط أو تفريط، «لأن الإسلام دين الوسطية، وأخشى أن يتم التساهل في القضية ويترك الحبل على الغارب كما يقولون، فنكون ممن قال فيهم النبي، صلى الله عليه وسلم: «يَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَكُونُ حَدِيثُهُمْ فِي مَسَاجِدِهِمْ لِأَمْرِ دُنْيَاهُمْ لَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ فَلَا تُجَالِسُوهُمْ». وأنا على ثقة أنه بمجرد معرفة تفاصيل ما سيتم تصويره سيكون القرار النهائي بالمنع أو السماح في ضوء السيناريو المعروض والمشاهد التي سيتم تصويرها داخل المساجد. ولا ينبغي التساهل في ذلك، لأننا لا يمكن أن نبحث عن رضا الناس بسخط الله، وبالتالي فإن القرار النهائي سيكون حسب توصيف الفتوى بناءً على المضمون».
القاعدة الفقهية
أما العميد الأسبق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر الدكتور عبد المعطي بيومي فيؤكد أن الإفتاء في تلك القضية يتوقف على مضمون ما يتم تصويره داخل المسجد وإمكان تصويره في مكان بديل، حتى لا نجعل مساجدنا «بلاتوهات» تصوير للضرورة وغير الضرورة، حيث قد يضطر المؤلف لوضع مشاهد تصوير في المسجد دون ضرورة حتمية.
ونصح بيومي بالاستغناء عن ذلك بديكورات أو أماكن تصوير مشابهة للمساجد الحقيقية والاستعاضة عن ذلك في التصوير. أما إذا لم يكن ذلك ممكناً ولا بديل له، فإنه لا يوجد مانع شرعاً من التصوير لأقل فترة، مع التزام كل من يدخل المسجد آدابه في الأقوال والأفعال، ويمكن إباحة ذلك في ضوء القاعدة الفقهية «الضرورات تبيح المحظورات»، مع التأكيد دائماً أن المساجد أنشئت للعبادة وليس لتصوير ما لا يرضي الله. وقد وصف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المساجد بأنها بيوت المتقين.
آداب التصوير في المساجد
ويشير عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر الدكتور محمد رأفت عثمان إلى أن التصوير في حد ذاته في المسجد ليس حراماً إلا إذا كان ما يتم تصويره يتضمن شيئاً محرماً، أو من يدخلون ساحة المسجد يرتكبون شيئاً محرماً، وهنا تكون الحرمة أشد لأن في هذا استهتاراً بقدسية المسجد.
وتساءل عن مدى معرفة أطقم التصوير والإخراج والتمثيل بآداب دخول المسجد والبقاء فيه، وقد اجتهد الفقهاء في حصرها في خمس عشرة خصلة، أهمها: أن يسلم الداخل للمسجد وقت الدخول إذا كان القوم جلوساً، وأن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: «لكل شيء تحية وتحية المسجد ركعتان»، وألا يشتري ولا يبيع، وألا يرفع فيه الصوت في غير ذكر الله، وألا يتكلم فيه بشيء من أحاديث الدنيا، وأن يكثر فيه ذكر الله ولا يغفل عنه أو يكونوا من عمار المساجدِ، والعمارة نوعان، أولهما عمارة حسية، مثل البناء والتَّرميم وغيره، وثانيهما عمارةٌ معنويةٌ من خلال الصلاة والذّكر وقراءة القُرآن وحلقات العلم وعدم مخالفة قوله تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» آية 31 سورة الأعراف.
والزينة هنا ليست النظافة في الملبس فقط، بل بموافقته للشرع وخاصة ملابس النساء، وحظر رفع الصوت في المسجد حتّى بقراءة القرآن. فقد روى أَبو سعيد أن رسول اللَّه، صلى الله عليه وسلم، اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكَشف الستر وقال: «أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَـاجٍ رَبَّهُ، فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ» أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلاَةِ». وكذلك البعد عن الجدل والقيل والقال. فهل سيلتزم أهل الفن الذين سيدخلون المسجد تلك الآداب؟ إذا كانت الإجابة نعم فيجوز تصوير أعمالهم الهادفة، أما إذا لم يكن هناك التزام بذلك فمن الأفضل البحث عن أماكن أخرى للتصوير.
أثار منع وزارة الأوقاف المصرية تصوير أحد الأفلام داخل مسجد أثري شهير بحجة أن التصوير في المساجد حرام شرعاً ومخالف لأحكام الإسلام جدلاً فقهياً، وهو ما عارضه بعض علماء الدين الذين يجيزون التصوير لكن بضوابط وشروط. فكيف تفجرت الأزمة؟ وما هي أهم الشروط التي يضعها علماء الدين لجواز التصوير في المساجد؟
تعود بدايات القضية إلى طلب تقدم به المخرج أحمد عبد الله ليصور فيلمه الجديد «فرش وغطا»، بطولة آسر ياسين، داخل المسجد ليلة كاملة، حيث تدور أحداث الفيلم حول شخص بلا اسم محدد، وهو أحد الهاربين من السجون في موجة الانفلات الأمني ليلة 28 كانون الثاني/يناير 2011. ويحتوي الفيلم على عدد من المشاهد داخل بعض المساجد الأثرية التابعة لوزارة الأوقاف، وخاصة مسجد السيدة نفيسة. وحين حاول المخرج الحصول على تصريح من الوزارة للتصوير، طبقاً للائحة التي تضع أسعاراً محددة للتصوير داخل كل مسجد، رفض وزير الأوقاف الدكتور محمد عبد الفضيل القوصي منحه تصريحاً بدعوى أن التصوير داخل المساجد كان قبل الثورة أما حالياً فهو ممنوع.
تفاقمت القضية حتى وصلت إلى البرلمان المصري، فتقدم النائب نصر الدين الزغبي من تحالف «الثورة مستمرة» بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء، ووزيري الثقافة والأوقاف للوقوف على أسباب رفض وزير الأوقاف إعطاء تصاريح للتصوير داخل المساجد.
وأعلن سليمان صالح، وكيل لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشعب من حزب «الحرية والعدالة»، على حسابه بتويتر، رفضه موقف الوزير قائلا: «نرفض ما تعرض له المخرج أحمد عبد الله من منع الأوقاف التصوير داخل أحد المساجد بحجة أنه حرام شرعًا».
تجنب المحرّمات
وتحذر مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدعوة، من أن يكون «السماح بتصوير الأعمال الفنية في المساجد مدخلاً للاختلاط الذي يحدث في تلك المشاهد أو اللقطات، لأن هذا أمر محرم على الإطلاق في كل مكان، فما بالنا بذلك في المساجد. ولهذا يجب أن نوقن جميعاً أن المساجد دور للعبادة وليست استوديوهات للتصوير، وسيعاقب الله عز وجل كل من يسمح بأي تجاوزات داخل المساجد».
وأشارت إلى أن السماح بالتصوير في المساجد يجب أن يكون للضرورة القصوى، وأن يلتزم كل من يدخل المسجد آدابه الشرعية دون أي تساهل، وإلا فإن الإثم الشرعي سيقع على كل من يسهل المساس بقدسية المسجد، الذي هو بيت الله جعله لعبادته، أما الاستهانة بذلك فعواقبها وخيمة.