خفض سن زواج البنات!
البرلمان المصري, سن الزواج, د. آمنة نصير, الشيخ يوسف البدري, د. ملكة يوسف, العنوسة, الشريعة الإسلامية, د. سيد صبحي, د. جمال أبو السرور, د. أحمد حسين
18 يونيو 2012عرفي وسري
على الجانب الآخر، يؤكد الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سابقاً، أن الزواج المبكر وتعديل القوانين الحالية التي جاءت إلى مصر تحت تأثير الضغوط الغربية، واجبان شرعاً، لأن تأخير سن الزواج استهدف تقليل الإنجاب والمساعدة على نشر الفاحشة، والدعوة إلى التساهل في الاختلاط والزواج العرفي والسري.
وأوضح الشيخ البدري أن الزواج المبكر حتى إن كانت البنت في سن العاشرة مثلاً جائز شرعاً، فقد جاء في كتب السنة والسيرة النبوية أن الرسول صلى الله عليه وسلم، خطب السيدة عائشة وهي في سن الثامنة من عمرها، ودخل بها وهي بنت تسع سنين، وبالتالي لا مانع شرعاً من الزواج بالصغيرة، خاصة إذا بلغت سن المحيض، فلا مانع من إتمام الزواج.
ولم يكتف الشيخ البدري بواقعة زواج السيدة عائشة، وإنما استشهد بضرورة عدم مخالفة ما جاء في القرآن، بتنفيذ أوامر الله ورسوله، لأنه سبحانه القائل: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا» آية 36، سورة الأحزاب، وحذرنا القرآن من اتباع الأمم الأخرى، ومخالفة تعاليم الإسلام، فقال تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» آية 63، سورة النور، ومن ثم فإن تنفيذ تعاليم الإسلام ليس حسب المزاج الشخصي، وإنما واجب شرعاً لقوله تعالى: «إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ» الآيتان 51-52، سورة النور.
اقتراح مرفوض
ويرفض الدكتور أحمد حسين، وكيل كلية الدعوة، ما يدعو إليه بعض النواب من تبكير سن الزواج حتى لو كان التاسعة، مثل السيدة عائشة قائلاً: «من المؤسف أن هؤلاء لا يفهمون الواقع، ولا النصوص الشرعية التي ترفض الإضرار بالبشر وبمصلحتهم التي قد تختلف من زمان الى آخر، ومن مكان الى آخر. وطالما أن الإسلام لم يحدد سناً للزواج، فعلينا العمل لما فيه مصلحة المرأة، من استكمال تعليمها ونضج أعضائها، واكتمال بنائها الجسدي، مما يكون له آثاره الإيجابية عليها، وعلى أسرتها ومجتمعها».
وأنهى كلامه بالتأكيد أن الإسلام «دين يحترم العقل والحكمة، فهل من العقل والحكمة في زماننا أن نزوج البنت وهي في التاسعة من عمرها، أي أنها في الصف الثالث الابتدائي؟ فماذا تعرف هذه عن الزواج الذي جعله الله آية من آياته؟».
القدرة الجسدية
أما الدكتور محمد مختار جمعة، عميد كلية الدراسات الإسلامية للبنين في جامعة الأزهر فيشير إلى أنه «لا توجد سن محددة للزواج في الإسلام حتى نقول إنه يجب الالتزام بها حرفياً، وإنما هناك علامات لذلك، مثل البلوغ بكل علاماته من الحيض وخلافه. لكن لا يمكن إغفال أهمية تأهيل المرأة بالتعليم والخبرة الحياتية على تحمل مسئوليات الزواج، فضلاً عن قدرتها الجسدية التي يحددها الأطباء».
وأكد أن الإسلام «يستهدف المصلحة العامة للمجتمع، والمصلحة الخاصة للأفراد، سواء كانوا نساء أو رجالاً، ولهذا لا بد من سؤال الأطباء باعتبارهم أهل الاختصاص في ذلك، وقد أمرنا الله بذلك فقال تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»، آية43، سورة النحل».
تعود القضية إلى تقدم النائب ناصر مصطفى شاكر، عضو مجلس الشعب عن حزب «النور»، بمشروع لخفض سن الزواج من 18 إلى 16 عاماً، معللاً ذلك بأنه يجب على القانون احترام رغبة الفئة الأفقر في المجتمع، كالريف والأماكن النائية في تزويج البنات في سن صغيرة، فتقدم بعده نائب آخر بمراجعة سن الزواج والنزول بها من 18 إلى 12عاماً، وطالب نائب ثالث بربط سن الزواج بالنصوص الشرعية التي يدل بعضها أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج بأم المؤمنين عائشة وعمرها تسع سنوات، وهو ما أثار حالة من الجدل.
وعن ذلك تقول الدكتورة ملكة يوسف زرار، أستاذة الشريعة في جامعة القاهرة: «ما الداعي للمطالبة بمثل هذه الإجراءات وتقنينها في مجتمعنا المصري الذي تنتشر فيه العنوسة والبطالة والفقر؟ فخفض سن الزواج يخلق أزمات جديدة ويزيد أعداد الأسر المشردة والمطلقات والضائعات والأبناء الذين يفتقدون الرعاية، لأن أمهم مُنعت من حقها في التعليم، حتى تتزوج، بحجة أن زواج البنت «سترة»، فقال صلى الله عليه وسلم «لا ضرر ولا ضرار»، ولا شك أن زواج البنت غير المؤهلة لتلك التجربة من حيث السن والاستعدادات الجسدية والنفسية، والخبرة الحياتية، يضر بها ويعرض الزواج للفشل».
وتعجبت ممن يطالبون بخفض سن زواج البنت الى تسع سنوات، «قياساً بما ورد بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، تزوج بالسيدة عائشة وهي في هذه السن، متجاهلين ظروف البيئة الصحراوية التي تجعل جسد الفتاة ينضج بسرعة أكثر، وكذلك الظروف المعيشية آنذاك التي تختلف عن عصرنا. ومن المعروف أن الإسلام يراعي ويحترم اختلاف الزمان والمكان والمصلحة العامة التي تتطلب أن تكون الفتاة مسلحة بالتعليم الذي يزيد وعيها، ويؤثر إيجاباً على أبنائها وحياتها الأسرية، من خلال زيادة التفاهم بين الأزواج والزوجات المتعلمين أكثر من غيرهم».
وطالبت الدكتورة ملكة النواب مجلسي الشعب والشورى بالاهتمام بالقضايا الأهم، وترك سن الزواج لظروف كل أسرة، فهي أعلم بظروف بناتها، خاصة أنه لم يرد نص صريح وقاطع في سن الزواج، وإنما ربط الإسلام ذلك بالبلوغ.
حرمان وأعباء
وترفض الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، المطالبة بخفض سن الزواج، والذي يتبعه في معظم الأحوال عدم استمرار الفتاة في التعليم، مؤكدة أن «تعليم البنت يعد فريضة مثل الولد تماماً، وذلك لأن الحديث النبوي الذي يأمر المسلمين بطلب العلم، لم يفرق بين الرجال والنساء، فقال صلى الله عليه وسلم «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة»، فلماذا نحرمها حقها في التعلّم بحجة تزويجها مبكراً مثل السيدة عائشة وكأننا قد طبقنا كل تعاليم الإسلام كاملة، ولم يبق منها سوى الزواج المبكر للبنت، ولو كانت في سن الطفولة، مع أن هناك أبحاثا محترمة استندت إلى أدلة تاريخية، وفارق السن بين السيدة عائشة وأختها الكبرى السيدة أسماء بنت أبي بكر، أوصلت سن السيدة عائشة، عند دخول الرسول صلى الله عليه وسلم بها إلى 15 سنة، في حين أوصل آخرون السن إلى 17 سنة، فلماذا الانتقائية؟».
وأشارت نصير إلى أن «الشرع يحرم إيقاع الضرر بالآخر، وبالتالي فإن ولي الفتاة، سواء كان أباً أو أخاً أو عماً، الذي يزوج البنت في سن صغيرة، ويحرمها حقها في التعلّم، ويحملها من أعباء الزواج ما لا طاقة لها به، يعد آثماً شرعاً، لأنه حملها ما لا تطيق. ومن المعروف أن الله لم يحمل البشر من التكاليف ما فوق طاقتهم، لأنه سبحانه القائل: «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» آية 286، سورة البقرة».
وتحذر الدكتورة آمنة أولياء الأمور من تزويج بناتهم زواجاً غير موثق، مخالفين بذلك القانون الوضعي الذي يحدد سن الزواج للبنت بالثامنة عشرة، لأن هذا يعرض حقوقها للضياع. فضلاً عن أن مخالفة القوانين مرفوضة شرعاً، طالما فيها مصلحة البشر، ولهذا فإن التحايل على القانون باستخراج شهادة تسنين مخالفة للسن الحقيقية حرام.
تحذير
وحذرت الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، من استجابة المجتمع للتيار الذي يحاول ارتداء عباءة الدين لإقرار الزواج المبكر، سواء كان موثقاً إذا نجحوا في تغيير القوانين الحالية، أو غير الموثق إذا لم يفلحوا في تغيير القوانين. وأضافت الدكتورة عزة: «تؤكد الأبحاث والدراسات، أن الفتاة في سن أقل من الثامنة عشرة لا تكون مهيأة لتحمل الأعباء الزوجية، من الحمل والإنجاب، لأن أعضاءها لم تكتمل للقيام بتلك المهمات الصعبة. لكن من المؤسف أن هذه الزيجات المبكرة تنتشر بصورة كبيرة في المجتمعات الفقيرة، والمناطق العشوائية التي لا تتعلم فيها الفتاة، ولا تكون لديها أي فرصة لاكتساب المهارات العملية، لمواجهة أى طوارئ أسرية أو مجتمعية».
غير مؤهلة نفسياً
ويحذر الدكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس، «التيار الديني الصاعد في مصر ودول الربيع العربي، من إلباس مثل هذه القضية التي فيها ظلم للصغيرات عباءة الدين، لأن هذا يسيء إلى الإسلام الذي كرم المرأة وحماها من الإصابة بالشعور بفقدان الذات، وضعف الثقة بالنفس، إذا تزوجت وهي طفلة، مما يؤدي الى زيادة نسبة الخلافات والمشاكل الأسرية، وارتفاع معدلات الطلاق ووفيات الأمهات والأطفال والانهيار الأسري، وتشرد الأبناء وتعرضهم للانحراف».
ونبّه من لجوء البعض إلى الزواج غير الموثق للصغيرات، «مما يؤدي إلى عدم تسجيل الأطفال في مكاتب الصحة، لأن الأم لا تملك بطاقة رقم قومي، ويكون مصير الأطفال إذا وقع الطلاق التشرد. كما أن تزويج الفتيات في سن مبكرة يزيد ظاهرة «الأم الطفلة» التي تنجب أطفالاً، حتى لو تعرضت حياتها للخطر، وهذا السلوك جريمة. ولهذا لا بد من التصدي لأفكار بعض أعضاء البرلمان المتشددين الذين يثيرون مثل هذه القوانين الغريبة».
رغم الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعانيها الفتاة في معظم مجتمعاتنا العربية، والتي تؤدي في النهاية إلى زيادة نسبة العنوسة وتأخير سن الزواج، طالب بعض النواب المصريين أخيراً بخفض سن زواج الفتاة. وإذا كان البعض قد طالب بتحديد سن الزواج عند 14 عاماً، فإن البعض الآخر ذهب إلى أبعد من ذلك بطلبه خفضها أكثر! ومن هنا كان لا بد أن نتوقف مع علماء الدين، لنعرف هل هناك سن شرعية يمكن عندها تزويج الفتاة؟ وكيف يرى أيضاً علم النفس والاجتماع والطب المطالبة بخفض سن الزواج؟
أخطار صحية
وعن الأخطار الصحية التي تتعرض لها «الأم الطفلة»، يقول الدكتور جمال أبو السرور، أستاذ النساء والتوليد والعميد الأسبق لطب الأزهر: «هناك مضاعفات طبية كثيرة للحمل المبكر، أهمها ارتفاع نسبة حدوث تسمم الحمل والإجهاض، نتيجة ضعف البويضة، أو ضعف عضلات الرحم، وحدوث نزف رحمي قبل الولادة واثناءها وبعدها، نتيجة تعسرها ومضاعفة نسبة العمليات القيصرية، وما يتبع ذلك من زيادة اخطار التخدير العام والجراحة وفقر الدم الحاد المزمن، وضعف الأسنان والعظام والسقوط الرحمي بعد الولادة، وزيادة نسبة حدوث الالتهابات البولية والتناسلية».
وأوضح الدكتور جمال أن هذا الحمل يزيد نسبة حدوث التشوهات الخلقية والأطفال المبتسرين الذين يعانون نقصا في الوزن نتيجة ضعف النمو وضعف الجهاز المناعي، وزيادة معدل وفيات المواليد. ولهذا لا بد من تأخير سن الزواج، حتى تتجنب الفتاة ومولودها كل هذه الأخطار الصحية، كما أن النساء يتفاوتن من حيث سن البلوغ.
ورغم أن الفتاة تتغير فسيولوجياً عند بلوغ 15 سنة، لكن لا يمكنها الزواج، لأن الرحم يكتمل في سن الـ16 ويكون مستعداً لحمل الجنين، وبالتالي يصبح زواجها ممكناً، إذا تم توفير تغذية مضاعفة للفتاة، لأن الجنين يأخذ الفيتامينات والمعادن من جسم الأم، ومن الضروري أيضاً توفير تأهيل نفسي للأم الصغيرة على أيدي أطباء نفسيين مدربين على ذلك، فالفتاة في هذه السن ترتفع لديها الانفعالات الهستيرية، ما يعرضها للأخطار التي قد تصل الى الموت عند الوضع، والتي تقل في سن العشرين.