علماء الدين يحذرون الأزواج والزوجات...
تربية الطفل / الأطفال, د. مهجة غالب, د. عبلة الكحلاوي, طفل / أطفال, د. ملكة يوسف, خلافات الزوجية, علماء الدين, د. سيد صبحي, أيمن عبد الرحمن
25 يونيو 2012خطوط نجدة الطفل، المنتشرة في أكثر من 150 دولة، تستهدف توفير الحماية للأطفال ضد أي أخطار يتعرضون لها، عن طريق اتصالهم بخط هاتفي مجاني، فيتحرك فريق عمل مدرب نحو الطفل في مكانه. وقد أعلن المسؤولون عن المشروع العالمي لنجدة الطفل في المنطقة العربية أهدافه، وأهمها حماية الأطفال من كل أنواع الأخطار التي يتعرضون لها، بما في ذلك العنف الأسري وختان الإناث والعنف المدرسي والاستغلال الجسدي والجنسي. كما يهدف المشروع إلى رعاية الطفل الذي لا مأوى له، خاصة إذا تعرض للإدمان والإعاقة والحوادث، ويتم إيواء أطفال الشوارع الذين تركوا أهلهم ومحاولة دمجهم في أسرهم من جديد، بعد إعدادهم وتأهيلهم نفسياً في الجمعيات الأهلية. ومن حق مسؤولي خط نجدة الطفل تحرير محاضر ضد من يشكو الطفل منهم، حتى لو كان الأب أو الأم أو المدرس. لكن لوحظ أنه تم اتخاذ خط نجدة الطفل وسيلة لانتقام الأزواج والزوجات من بعضهم في حالة الخلافات الأسرية، فيجري الإيعاز إلى الطفل بالاتصال بخط النجدة والكذب وتلفيق التهم لأبيه أو أمه، مما يجعله مهيَّأً لعقوق الوالدين والتمرد عليهما منذ صغره، بسبب المكائد الأسرية.
ويقول أيمن عبد الرحمن، مدير خط نجدة الطفل في القاهرة: «الخط يقدم الخدمات للأطفال والصغار حتى سن 18 عاماً، بما في ذلك المشكلات النفسية التي يتعرض لها الطفل في الأسرة أو أي مكان، والتي من الممكن أن تكون تعليمية أو صحية أو بيئية أو نفسية. وأكثر البلاغات التي نتلقاها تكون من الأهل وتتعلق بمشكلات نفسية لأطفالهم، كأساليب التعامل والتربية. والحل يكون إما عن طريق استشارة المتخصصين عبر الهاتف أو جلسات مجانية للعلاج النفسي، وتأتي في المقام الثاني الاستشارات القانونية والبلاغات الخاصة بالنزاع الأسري المرتبطة بالطفل، مثل الرؤية والحضانة والطلاق. وهنا يكون تدخلنا في إطار الاستشارة القانونية. ولدينا أيضاً قاعدة بيانات يتم تسجيل رقم البلاغ فيها واسم المبلّغ ليتمكن من متابعة مراحل البلاغ وإجراءات الحل التي نعمل عليها، ولا يتم غلق البلاغ إلا بحل المشكلة تماماً سواء بتدخل قانوني أو ودّي».
وعن حجم قضايا العنف الأسري يقول عبد الرحمن: «تقريباً 4 في المئة من حجم البلاغات التي نتلقاها، لكن المشكلة لا تكمن في العدد وإنما في نوعية البلاغات ومدى العنف فيها. وأهم الأسباب ترجع إلى النزاع بين الأبوين واستعمال الأطفال كأداة للضغط من أحد الأطراف على الآخر، خاصة في قضايا الطلاق، فضلاً عن أن زوجة الأب أو زوج الأم أيضاً يمارسان عنفاً ضد الطفل يصل إلى مراحل التعذيب. ولنا بعض الشركاء يعملون معنا في حماية الطفل، كالجمعيات الأهلية ومنسقين في كل الوزارات المعنية بالطفل، مثل الصحة والتعليم والتضامن الاجتماعي والداخليةز ونستطيع من خلال هذه الشبكة من الشركاء المتعاونين تقديم الخدمات بشكل عاجل، بمجرد تلقي مكالمة على خط نجدة الطفل في المكتب الرئيسي، فنتعاون مع أقرب جمعية أهلية لمكان المشكلة، ويتوجه منها اختصاصيون اجتماعيون ونفسيون للبحث في الحالة والتأكد من جدية البلاغ».
الرحمة والوعي
تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية: «العيب ليس في خط نجدة الطفل، لأن هدفه نبيل وغايته سامية في حماية الأطفال، لكن المشكلة في مجتمعاتنا التي غاب الدين عن بعض أسرها، حتى أن بعض الأمهات والآباء يعاملون أولادهم بكم من القسوة والفظاظة بما لا يرضاه عقل أو ضمير. وهنا من حق الطفل استخدام خط النجدة للدفاع عن نفسه، لكن هؤلاء قلة وشواذ عن القاعدة العريضة من الآباء ذوي القلوب الرحيمة والفطرة السوية، ولهذا لا بد من الابتعاد عن التعميم، بل يجب التوعية بأحكام الشرع حتى يرتدع الآباء والأمهات، فقال الله تعالى» يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ نَارًا وقُودُهَا النَّاسُ والْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ» آية 6 سورة التحريم. وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ابْغُونِي في ضُعَفَائكُمْ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» ووضع أساس السعادة الأسرية فقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا». وإذا كانت وسيلة خط نجدة الطفل غريبة، فإننا إذا أحسنا استخدامها ووجهنا من يستخدمها إلى الاستخدام الأمثل مع أخلاقنا وديننا، فلا غضاضة فيها وإلا فليقل لنا الرافضون، ماذا تفعل الفتاة التي يعتدي عليها الأب جسدياً؟ هل يكون من البر بأبيها أن تصبر على معصية الله؟ أم تلجأ إلى أولي الأمر ليجدوا لها مخرجاً؟».
سلاح ذو حدين
توافقها في الرأي الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية، فترى أن خط نجدة الطفل سلاح ذو حدين، فقد يلقى الابن من أبيه عنتاً وربما لا يجد ملجأ إلا النجدة. وعلى الجانب الآخر هناك طفل متمرد بطبعه، يعيش في رغد شديد، وعندما يواجه من الأهل أي مشكلة يمكن أن يلجأ إلى النجدة. «ولهذا فإن الفكرة تحتاج إلى عاقل يتلقى الطلبات ويفرق بين المتمرد والمنضبط، وأن يكون القائمون على الخط تربويين ورعاة يعرفون أصول التربية لمساعدة الطفل والأسرة على المستوى النفسي. أما أن يستعين الطفل بالخط دون وجه حق ضد الوالدين فهي جريمة، وبالتالي فإن المشكلة كلها تنحصر في التنفيذ الذي يجعل هذا الخط للنجدة نعمة أو نقمة، وفي ضوء ذلك ستتوقف معارضته أو موافقته لأحكام الشريعة الإسلامية التي تحمي الطفل من التعرض للتعذيب والقسوة، فهذا الصحابي الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ أَبْصَرَ النَّبِيَّ، صلى الله عليه وسلم، يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ: إن لِي عَشْرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ، فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ: مَنْ لاَ يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ»، وقد بلغت حماية الإسلام للأطفال أنه حرم الدعاء عليهم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ»، كما أمرنا بالعدل بين الأبناء حتى لا يلجأ المظلوم لخط النجدة، فقال صلى الله عليه وسلم: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلاَدِكُمْ».
وأنهت الدكتورة غالب كلامها بالتأكيد أنه يجب ألا نأخذ كل ما أتى به الغرب على أنه وصمة عار يجب التخلص منها، أو ننبهر بها ونأخذها حتى ولو كانت لا تتوافق مع مجتمعاتنا، وإنما يجب أن نأخذ النافع منها ونتخلص من الضار، أو نصلح الضار منه بإعمال عقولنا، ويجب علينا ألا نرفض الأمر تماماً إلا إذا كان لدينا بديل أفضل منه يمكن العمل به مباشرة. وعلينا أن نتأمل نصيحة عبد الله بن عباس «اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله ومروا أولادكم بامتثال الأوامر واجتناب النواهي. فذلك وقاية لهم ولكم من النار»، ومع هذا يجوز للأبناء أن يتوجهوا إلى أولي الأمر ليجدوا لهم حلاً مع آبائهم وأمهاتهم الذين لم يراعوا الله فيهم».
الحل
وتؤكد الدكتورة ملكة يوسف، أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة القاهرة، أن الحل في تطبيق شريعة الإسلام وليس خط النجدة، فمثلا نجد الإسلام يؤكد حق الطفل في أن يأتي من زواج طبيعي بين رجل وامرأة وتقره الشرائع والأديان السماوية، وليس من طريق السفاح أو علاقات غير شرعية كما يتم في الغرب الذي أباح الزواج المثلي واستبدل الإنجاب بالتبني، وهو ما يتنافى مع الفطرة التي تتوافق مع الزواج الشرعي ونشأة الطفل في الأسرة الطبيعية التي تعرف حقوقه وترعاه وتبث فيه القيم الإنسانية والأخلاقية والروحية والدينية. وهذا لن يحدث إلا إذا كان كل من الآباء والأمهات يتقون الله ويخافونه، سواء في علاقاتهم الأسرية أو تعاملهم مع الطفل في حالة الاستقرار أو المشكلات الأسرية، وهذه التقوى ومخافة الله هي الحل، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ والأَرْحَامَ إن اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» آية 1 سورة النساء.
ولن يحتاج أطفالنا إلى خطوط نجدة إذا طبقنا قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»، وقوله «لاَ تَزَوَّجُوا النِّسَاء لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أن يُرْدِيَهُنَّ وَلاَ تَزَوَّجُوهُنَّ لأمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أن تُطْغِيَهُنَّ لكن تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ، وَلأمَةٌ خَرْمَاءُ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ»، وقوله أيضاً «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَأنْكِحُوا الأَكْفَاء وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ»، وقوله لأهالي البنات: «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ». وإذا طبقنا ما أوصى النبي، صلى الله عليه وسلم، به بالابتعاد عن زواج الأقارب، حتى لا يضار الطفل صحياً، لن يبحث بعد ذلك عن حل لمشكلاته المترتبة على الأمراض الوراثية التي قد تنتقل إليه فقال الرسول «اغربوا لا تضووا» أي تزوجوا من الغرباء حتى لا يضعف النسل، لأن الضاوي هو نحيل الجسم، وهذا ما لا يرضاه الإسلام في أتباعه، فقال صلى الله عليه وسلم: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ».
سلطة قضائية
أما الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم الثقافة الإسلامية في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، فترى أنه لا بد من تفعيل الخط وتقويمه، لأن تلك التجربة قد تكون نعمة بالفعل لكنها قد تتحول إلى نقمة في حالات الطلاق أو المشكلات الزوجية السابقة للطلاق، بحيث يستخدمه بعض الأزواج والزوجات كوسيلة للهجوم على الطرف الآخر. «ولهذا لا بد من وقفة مع النفس لتحقيق مصلحة الطرف الأضعف وهو الطفل، خاصة في ما يتعلق بحقه في الحضانة والرؤية وما تؤدي إليه المشكلات بشأنهما إلى توريث العداء والعنف داخل الأسرة والمجتمع، لاسيما أن الدراسات الدولية عن ملامح العنف ضد الأطفال تؤكد أن النسبة الأعلى من العنف الأسري، وما يترتب عليه من سلبيات، موجودة في منطقتنا العربية، وبالتالي ينبغي سن تشريعات توفر الحماية للأطفال وكذلك توعية الأسر بكيفية حماية أطفالها ومنع تورطهم في الجريمة».
وأوضحت الدكتورة فايزة أن نجدة الطفل تطبق في أوروبا بمعايير محترمة، لكن في كثير من الدول العربية الخط مجرد تقليد وتلميع للأنظمة الحاكمة ليس أكثر، «ولهذا أطالب بأن يكون لخط نجدة الطفل سلطة قضائية تحدد أن هذا الأب أو الأم غير أمين على الطفل، ومن ثم يجب محاسبته وفرض عقوبة عليه».
فكرة مستوردة
ويرى الدكتور محمد مختار جمعة، عميد كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن «خط نجدة الطفل» هدفه نبيل، «إلا أن تنفيذه واقعياً يُحدث كثيراً من المشكلات الأسرية، لأن الفكرة ليست وليدة مجتمعاتنا وإنما الغزو الفكري الذي أضر بمكانة الأسرة، فتراجعت قيم «الحلال» و»العرض» و»الشرف». ولو عرف أفراد الأسرة ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات ما احتجنا إلى خطوط نجدة، يستخدمها معدومو الضمير من الآباء والأمهات ليكيدوا لبعضهم عن طريق الطفل، فيغرسون بذرة التمرد والعقوق فيه بدلاً من احترام الآباء والأمهات، حتى في حالة الخلاف أو الطلاق».
ويضيف الدكتور محمد مختار أن موجات التغريب وزيادة هيمنة الغرب على المؤسسات الدولية أجبرت الدول عليه، مما يعد اقتحاماً لحرمات الأسرة وانتهاكاً لمقدسات من منظمات الأمم المتحدة ذات التوجه الغربي الذي يحارب منظومة القيم الإسلامية وخاصة في ميدان الأسرة التي تعتبر من أهم حصون الإسلام، ومن يشك في ذلك يتأمل أهداف مؤتمرات الأمم المتحدة وتوصياتها، واتفاقية السيداو التي تحاول أن تفرضها على الدول العربية والإسلامية بالترغيب أو الترهيب، حتى ولو كانت متعارضة مع شريعة المسلمين والمسيحيين، فهل نحتاج إلى خط نجدة الطفل إذا جعلنا الزواج كما أراده الله: «وَمِنْ آيَاتِهِ أن خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إن فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. ولنذكِّر الآباء والأمهات بقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
الثقافة الذكورية
وتؤكد المهندسة كاميليا حلمي، رئيسة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، أن الأطفال «نعمةٌ إلهية ومطلبٌ إنسانيٌّ فطريّ، وتُرَغِّب الشريعة في طلب الأولاد حفظًا للجنس البشري. ومن حق الطفل أن يأتي إلى الحياة عن طريق الزواج الشرعي بين رجلٍ وامرأة حتي يكون مستقراً في أسرة، لكن ما يزيد من مشكلات الطفل لدينا الثقافة الذكورية أو تفضيل إنجاب الولد وتمييزه على البنت، وبالتالي يتم اللجوء لخطوط نجدة الطفل، مع أن الإنجاب أمر بيد الله وحده لأنه سبحانه القائل: «لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إنَاثًا ويَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ، أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وإنَاثًا ويَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ» الآيتان 49-50 سورة الشورى. ومن المؤسف أن البعض ما زال يعيش في الجاهلية في معاملة الإناث، مع أن الله حرمها في قوله تعالى في وصف تصرفات آباء الجاهلية: «وإذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وجْهُهُ مُسْوَدًّا وهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاء مَا يَحْكُمُونَ» الآيتان 58 - 59 سورة النحل».
وأضافت: «إذا طبق المسلمون تعاليم دينهم فلن يحتاجوا إلى خطوط نجدة الطفل، لأن رعاية الشريعة الإسلامية للطفل لا تبدأ منذ ولادته، بل قبل ذلك بكثير، وتحديداً في مراحل اختيار كل من الزوجين للآخر، ثم فترة الحمل والولادة. فمن حق الطفل على أبويه أن يحسن كل منهما اختيار الآخر بمعايير الشريعة التي تحقق مصلحة الأمَّة والأسرة والطفل».
الصحة النفسية
ويحذر الدكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس، من خطورة الاتجاهات المعاصرة في الغرب المؤدية إلى تفكيك الأسرة ثم البحث عن حلول لمشكلات الطفل عن طريق خطوط النجدة، أو غيرها من الوسائل، في حين تحث الأديان على تكوين الأسر ذات الأواصر المتعددة، وفي إطار التزامات وحقوق متبادلة، مما يجعل كلاً من الأب والأم في حالة التزام ديني تجاه الأولاد، ومطالبين بتهيئة البيئة لهم في مجالات الصحة والتغذية والتربية والتعليم وغيرها.
ويرى الدكتور سيد أنه «لتفعيل الأهداف المرجوة من ذلك الخط، يجب الارتقاء بأفكار المجتمع وبمستوى العاملين بالخط، وإعطاؤهم العديد من الصلاحيات لمباشرة عملهم في إطار من السرية، حفاظاً على أسرار الأسر والأطفال، فالكثير من انحراف الأطفال سلوكياً يرجع الى التفكك الأسري أو المستوى العلمي والثقافي للآباء، أو النظرة الأنانية وسعيهم لتحقيق لمصالحهم الخاصة».
وطالب صبحي بوضع «خطط قومية ورسم سياسات لدعم الأسرة، وفتح قنوات الحوار بين المدرسة والأسرة، والاهتمام بالتربية، ونشر الوعي والثقافة لدى الأسرة عن مراحل النمو النفسي للأطفال وكيفية التعامل مع كل مرحلة، وتدعيم التواصل بين أفراد الأسرة ودعم ثقافة الديمقراطية الأسرية، واستمرار لغة الحوار بين أفرادها، وتوعية الوالدين والقائمين على الرعاية بأخطار القهر والعنف الأسرى تجاه النشء، فهذا أفضل ألف مرة من اللجوء إلى خطوط نجدة الطفل».
تحريض
ترى الدكتورة عزة كريم أن القضية ذات شقين، «أولهما إيجابي إذا افتقد الآباء والأمهات للرحمة فخط النجدة هنا يحمي الطفل من قسوتهما، والشق الثاني إذا تمت إساءة استخدامه بتحريض من الآباء ضد الأمهات أو العكس، واستخدام الأطفال وسيلة لتنفيذ مخططات المكيدة والانتقام. ولهذا فلابد من تبني أساليب متطورة ومستحدثة في التنشئة والتعليم، الذي يتمحور حول النشء ودورهم ومشكلاتهم الحياتية المختلفة، وأساليب الاتصال والإقناع وصياغة قوانين حماية لهم، وتطبيق استراتيجيات لوقايتهم وتدريب إختصاصيين اجتماعيين ونفسيين في المدارس للاكتشاف المبكر للمشكلات وحلها، مع المحافظة على السرية المطلقة وتنشيط دور مجالس الآباء للمدارس، حتى يكتسب الأطفال الثقة بالنفس والصدق وعرض ما يتعرضون له من مشكلات».
ودعت الدكتورة كريم إلى البحث عن حلول ابتكارية جاذبة قادرة على التأثير على الوالدين، وتقديم منظومة القيم والأخلاق لهم بصورة تجعلهم يستشعرون مسؤوليتهم أمام الله ثم أمام مسؤولي المجتمع إذا قصروا في حق أولادهم. كما يمكن تشجيع كبار الكتاب والمفكرين والمخرجين والفنانين على تناول المشكلات التي يتعرض لها الأطفال والحلول المقترحة في أعمالهم بما يدعم نشر ثقافة تماسك الأسرة، وكذلك دعم دور الجمعيات الأهلية والمؤسسات المعنية بالنشء للتوعية.
كانت معاناة الأطفال مع قسوة بعض الآباء والأمهات وراء انتشار فكرة خطوط نجدة الطفل في أكثر من دولة عربية، حيث يستمع المسؤولون عن تلك الخطوط لشكاوى الأطفال ويسعون لحلها، حتى لو اضطرهم الأمر لمواجهة الآباء. لكن إلى أي مدى تنسجم فكرة خطوط نجدة الطفل مع الدين؟ وماذا لو أسيء استخدامها في حالة الخلافات الزوجية وحرض أي من الزوجين أطفاله على التشكي من الطرف الآخر؟