في مصر حجاب البنات بالإقناع لا بالإكراه
الحجاب, سلمى المصري, شمس البارودي, د. مهجة غالب, د. مبروك عطية, جمال البنا, د. عبلة الكحلاوي, د. سيد صبحي, د. محمد عبد المنعم البري
02 يوليو 2012في البداية تؤكد الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية، أن التدرج منذ الصغر ومحاولة التعويد بالممارسة والمشاهدة لحجاب الأم والأخوات الأكبر سناً، هو أفضل طريقة تشجع البنت على الحجاب وليس إجبارها، لأنه إذا تم التعامل معها بعنف وقسوة فإن هذا سيؤدي إلى نتائج عكسية، وسيكون حجاباً عن غير اقتناع، بل إنها قد تكرهه وتنتهز أقرب فرصة لخلعه إذا ابتعدت عن أعين الأمهات والآباء، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله».
ودعت الأمهات إلى التعامل بوعي وعقلانية مع بناتهن في قضية الحجاب، «حتى لا تؤدي الشدة إلى ما لا تحمد عقباه. والأفضل أن يوضحن لهن أن الحجاب يحافظ على حيائهن من أن يخدش من الذئاب البشرية، لأنه يمثل رمز العفة. وقد أمرنا الإسلام بالمحافظة على الحياء بوجه عام، وحياء المرأة خاصة في مرحلة المراهقة بشكل خاص. فقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن لكل دين خُلقا ً وخُلق الاسلام الحياء». ولا شك في أن من هذا الحياء المحافظة على عفة المرأة بارتداء الحجاب حتى لا يخدش بمعاكسة، أو طمع من الرجال الذين لا يخشون الله، فهذا الحياء أهم ما يميزها عن الرجال ويحفظ لها كرامتها وإيمانها، ولهذا قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الحياء والإيمان قرناء جميعا ً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر».
اكتئاب ونفور
وعن الجوانب النفسية في قضية إجبار البنت على الحجاب إذا رفضته، وخاصة في مرحلة المراهقات، قال الدكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس: «لا شك أن الإنسان اختصه الله بمشاعر رقيقة دون بقية الكائنات الحية، كما ميزه بالعقل حتى يكون الحساب على التشريعات الدينية، ومن هنا تأتي أهمية التعويد منذ الصغر على ما نريد من سلوكيات، سواء كانت مرتبطة بالدين أو بالحياة عامة، ولهذا قيل «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر والتعليم في الكبر كالنقش على الماء».
وأوضح أن على الأم أن تعود ابنتها على الحجاب، بأن تضعه أمامها وتؤكد لها بالأفعال قبل الأقوال محاسنه وفضائله، وأن فيه رضا الله واحترام البشر، باعتباره رمزاً للعفة واحترام المرأة لنفسها حتى لا تفترسها نظرات الرجال، إذا كانت غير محجبة. وبالتدريج تجد الأم ابنتها محبة للحجاب ومقبلة عليه بحب وليس بإكراه.
وأنهى صبحي كلامه بالتأكيد أن الفطرة السوية للمرأة لا تتصادم مع كل ما فيه مصلحة الأنثى في المحافظة على نفسها، والالتزام بتعاليم دينها، على أن تتم النصيحة للبنات بارتداء الحجاب بالحكمة والعقلانية والتعود حتى تجد قبولاً، لأن الإنسان بطبعه يكره الإجبار، وإذا تم إكراه البنت فإن هذا سيؤدي إلى إصابتها بالاكتئاب النفسي والنفور من الحجاب.
الاقتناع أولاً
وقالت الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر: «الحجاب ليس حسب المزاج الشخصي، أو حرية شخصية ترتديه المرأة أو لا ترتديه، لأنه أمر شرعي، ونحن في تلك الأحكام يجب أن نلتزم قوله تعالى في الآية 36 من سورة الأحزاب: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا». لكننا في الوقت نفسه لا نريد حجاباً ظاهرياً فقط، بل نريد اقتناعاً به حتى لا تتم الإساءة إليه بتصرفات مخالفة للدين، وهذه مسؤولية الآباء والأمهات في التربية الإسلامية الصحيحة منذ الصغر، لأن البنت عادة ما تقلد أمها في كل شيء، فإذا تم دعم هذا التقليد بوعي ديني بفرضية الحجاب، فإن البنت سترتديه بكل سهولة ودون مشكلات».
ورفضت غالب التضييق على البنت واضطهادها والقسوة عليها لمعالجة تقصير الآباء والأمهات في التربية الصحيحة على حب الحجاب منذ الصغر، وهذه مسؤوليتهما أمام الله لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته».
وأنهت الدكتورة مهجة كلامها بالدعوة إلى التقليل من الجدل أو الفحش في القول أثناء محاولة إقناع البنت بالحجاب، لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه وما كان الحياء في شيء إلا زانه»، وقوله أيضاً: «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار».
التدريج
يرى الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، وجوب ارتداء المرأة للحجاب شرعاً، متى بلغت سن التكليف الشرعي، وهو البلوغ وبداية ظهور علامات الأنوثة. والدليل على أن القضية ليست حرية شخصية يكون فيها للبنات حق قبول أو رفض أو تأخير وتأجيل الحجاب، قوله تعالى: «وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» آية 31 سورة النور.
وقوله تعالي «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أن يُعْرَفْنَ» آية 59 سورة الأحزاب.
ويرى الدكتور مبروك عطية أنه إذا كان الإكراه مرفوضاً، لكنه ليس مبرراً لترك فريضة الحجاب، وإنما يجب علي الوالدين بدلاً من ترك البنات دون حجاب تعريفهن فرضيَّته شرعاً، وأن تتم التربية الدينية على أسس صحيحة، يتم من خلالها إقناع البنات تدريجاً منذ الصغر، وتعريفهن بأهمية ستر البنات لزينتهن إرضاء لله وصيانة لأعراضهن.
فريضة
ويقول الدكتور محمد عبد المنعم البري، رئيس جبهة علماء الأزهر: «الحجاب فريضة ربانية في الإسلام، ومن ينكرها من ذكر أو أنثى، فقد أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، وبالتالي يخرج من الملة لأنه لم يعترف بنص قرآني وجحده. أما من لم ترتده تكاسلاً أو جهلاً بحكمه أو تقصيراً مع يقينها أنه فريضة دينية، فهي آثمة شرعاً، وعليها المسارعة بالتوبة بارتدائه والالتزام بآدابه، باعتباره شعار العفّة وعنوان انتماء ترفعه كل مسلمة على هدىً من ربها لأنه دعوة كل الأنبياء. وعلى الآباء والأمهات أن يقنعوا بناتهم بالحجاب وأهميته وذلك بتعليمهن الدين من صغرهن».
ويؤكد البري أن الحشمة وتغطية الشعر محبَّذان لدى أتباع كل الأديان، بدليل ارتداء الراهبات الحجاب حتى يكنَّ أكثر تقرباً إلى الله. وقد دعا الإسلام إلى الحجاب لزوجات النبي، صلى الله عليه وسلم، باعتبارهن أمهات المؤمنين والقدوة لكل النساء، فقال تعالى: «يا أيُّها الذين آمنُوا لا تَدْخُلُوا بيوتَ النَّبيِّ إلاَّ أن يُؤذَن لَكمْ إلى طعَامٍ غير ناظرين إناهُ ولكنْ إذا دُعِيتُم فادخُلُوا فإذَا طَعِمْتُمْ فانْتَشِرُوا ولاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحديثٍ إنَّ ذَلِك كانَ يؤْذِي النَّبيَّ فِيسْتحِي مِنكُم واللَّه لا يستحْيِي مِنَ الْحقِّ وإذا سَألْتُمُوهنَّ متاعاً فَاسْألُوهنَّ من وراء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أنْ تَنْكِحُوا أزْوَاجَه مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً» الآية 58 سورة الأحزاب.
بدأت القضية بتصريحات صحافية للفنانة المعتزلة شمس البارودي عن إمكان دخول ابنتها الفن، فقالت: «أنا لا أجبر ابنتي على فعل شيء، والدليل على ذلك أنني لم أجبرها على ارتداء الحجاب، وهي ليست محجبة الآن وأتمنى لها ارتداء الحجاب قريباً». ونصحت شمس البارودي الأمهات والآباء بعدم إجبار بناتهم على ارتداء الحجاب، حتى لا يكرهنه فيكونوا كمن أرادوا علاج ضرر أصغر بضرر أكبر، لكن عليهم الدعاء لهن بالهداية مع محاولة إقناعهن بالحوار مهما استغرق ذلك من الوقت. فإذا كان هذا رأي فنانة اعتزلت وتحجبت منذ سنوات طويلة، فماذا يقول علماء الدين عن موقف الدين من إجبار الآباء والأمهات لبناتهم على الحجاب؟
ظلم
ويفجّر الباحث الإسلامي جمال البنا مفاجأة، بتأكيده أن الحجاب ليس فرضاً أصلاً، وبالتالي ليس من حق الأم أو الأب الكلام مع بناتهما فيه، لأن الحجاب المقصود في الآيات هو تغطية فتحة الصدر وليس الشعر، أي لا تتعرى وإنما ترتدي الملابس العادية المنتشرة في مجتمعها. ومن حق البنت، التي يجبرها والدها أو أمها على ارتداء الحجاب، أن تلجأ إلى القضاء لرفع الظلم عنها إذا تم التمادي في أمرها بالحجاب رغماً عنها، لأن هذا يتنافى مع حريتها الشخصية، والإسلام أمر باحترام الحريات ورفض الغلظة والفظاظة أو التعامل مع الآخرين بغير رفق، وقد وصف الله رسوله، صلى الله عليه وسلم، بالرحمة والرفق، فقال: «فَبِما رَحمةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهم ولَو كُنتَ فَظَّاً غَليظَ القلب لانفضُّوا مِن حَولِكَ فاعفُ عَنهُم واستَغفِر لَهم وشَاوِرهُم في الأمر فإذا عَزَمتَ فَتَوكَّل على اللهِ» الآية 159 سورة آل عمران. ولاشك أن البدء بالنصيحة واللين أفضل ألف مرة من الإجبار على أي شيء، فقال تعالى: «وَلا تَستَوي الحَسنَةُ وَلا السّيّئةُ ادفَعْ بالَّتي هِي أحسَنُ فإذا الذِي بَينَكَ وَبينَهُ عَداوةٌ كأنَّهُ وَليٌ حَمِيمٌ» الآية 34 سورة فصلت. وقال صلى الله عليه وسلم: «لم يوضع الرفق على شيء إلاّ زانه ، ولا نُزع من شيء إلاّ شانه».
وإذا كان الإسلام أمرنا بالرفق مع الناس عامة، فما بالنا بالتعامل مع الابنة التي هي جزء من والديها، أليست أولى بالرفق وعدم الإجبار على أمر لم يأمرها الدين به، بل الله نفسه يرفض الإكراه على اعتناق الدين، فقال تعالى: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» الآية 256 البقرة.
فما بالنا بالإكراه على الحجاب بحجة أنه فريضة دينية، استناداً إلى قوله تعالى في القرآن: «وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا» الآية 31 من سورة النور. وهذا الاستدلال خاطئ وليس خاصاً بالشعر، الذي لا يجب تغطيته شرعاً، وإنما أمر بالحشمة بوجه عام دون تحديد.