'بيت عبدالله' يرسم الإبتسامة على شفتَي الموت أمام البحر

رعاية الطفل / الأطفال, مرض السرطان, عيسى حموتي, قضية / قضايا الطفل / الأطفال, الكويت, التعايش مع المرض, مواجهة المرض

06 أغسطس 2012

في «بيت عبدالله» في الكويت، يتولّى فريق من الأشخاص المحبّين والشجعان واحدة من أصعب القضايا الإنسانية التي يمكن تخيّلها، ألا وهي توفير الدعم والعناية للأطفال المرضى المقبلين على الموت ولعائلاتهم الحزينة.
يقوم أفراد هذا الفريق بقيادة مارغريت الساير، مؤسِّسة ومديرة الجمعية الكويتية لرعاية الأطفال في المستشفى  (
kACCH)، بتكريس وقتهم وجهدهم في  «بيت عبدالله» للأطفال، المشروع الريادي على مستوى الشرق الأوسط، والمنشأة الأشمل في العالم التي تُعنى بالأطفال الذين يعانون ظروفاً صحية ومراحل متقدمة من الأمراض المستعصية والحالات الحرجة الميؤوس من شفائها، حيث يقدم لهؤلاء الأطفال وذويهم كل الرعاية الطبية والدعم النفسي والاجتماعي للتخفيف من آلامهم بغض النظر عن جنسياتهم.
«لها» زارت «بيت عبدالله» في مقره الجديد بمنطقة الصليبيخات الذي افتتحه ولي العهد الشيخ نواف الأحمد والتقينا الرئيس التنفيذي للبيت السيدة رشا الحمد التي صحبتنا في جولة داخل البيت ألقت خلالها الضوء على هذا المشروع الإنساني الرائد والمتميز.


بدأت رشا  الحمد الحديث عن فكرة تأسيس البيت وظروفه فقالت:

«عام 1989، نظمّت الجمعية الكويتية لرعاية الأطفال في المستشفى سلسلة من المحاضرات حول موضوع مدى إدراك الأطفال لمسألة الموت. وكانت تحضرها أم لطفل اسمه «عبدالله» كان يعاني مرض السرطان. وكان عبدالله قبل ذلك في لندن حيث خضع لإجراءات استشفائية مؤلمة وأمضى أوقاتاً طويلة في المستشفى، إلى أن لم يعد ثمة أمل في نجاته، فما كان من عائلته إلا أن عادت به إلى الكويت. ويومها وعدت أم عبدالله ابنها الذي عانى كثيرا بأنها ستعتني به في المنزل بحيث لن يضطر بعد الآن للإقامة في المستشفى. في ذلك الحين لم يكن قد مضى الكثير من الوقت على تأسيس جمعيّة مساعدة الأطفال في المستشفى «كاتش» التي أسستها السيدة مارغريت الساير وتمكنت من مساعدة أم عبدالله رعاية ابنها في المنزل، بدعم من فريق من الأطباء والممرضات وغيرهم من المتخصصين في معالجة الألم لدى الأطفال والرعاية التلطيفية. وقد أتاح هذا التعاون المذهل لأفراد الفريق على مدى الأشهر الستة التي تلت لعبدالله أن يعيش العديد من الأيام الخالية من الألم والمليئة بالمرح إلى جانب عائلته وأصدقائه قبل أن يموت بسلام بين ذراعي أمه، قبل أسابيع قليلة من بلوغه عامه الخامس.

وشكّلت شجاعة عبدالله هذه مصدر وحي لجمعية KACCH للعمل على تشييد مكان خاص للأطفال المرضى الذين على غراره، قد لا يدركون سن البلوغ. وإحياء لذكرى عبدالله أطلق اسم «بيت عبدالله» على هذه المنشأة المتطورة جداً. وهي عبارة عن مركز للعناية بصحة الأطفال أنشأته الجمعية، وحصل على ترخيص من وزارة الصحة الكويتية. وتركّز الرعاية فيه على السيطرة على الألم، والتخفيف من حدة أعراض المرض بالنسبة إلى المرضى الذين لا أمل بشفائهم. والهدف من وراء ذلك هو جعل كل دقيقة في حياة هؤلاء الأطفال، الذين يعيشون أياماً معدودة أو ظروفاً صحية مهدّدة لحياتهم مهمّة، من خلال التخفيف من حدة أعراض المرض بواسطة الرعاية التلطيفية التي تشمل العناية النفسية والاجتماعية، والدعم العاطفي والروحي لعائلاتهم وأصدقائهم».

- اخترتم أن يكون بيت عبد الله مركزا للرعاية العلاجية والنفسية لا يشبه المستشفيات إطلاقا؟
نعم، فعلى الرغم من أنّ «بيت عبدالله» هو مركز للرعاية الصحية، فإنّه لا يشبه المستشفى ولا بأي شكلٍ من الأشكال، وهذا بفضل الرؤية الخلاّقة للمهندسة علياء عبد الرحمن الغنيم التي صمّمت المنشأة كمشروع تخرّجها من جامعة الكويت، قسم الهندسة المعمارية.
ناقشنا علياء في مفهوم وفلسفة بناء «بيت عبدالله» لرعاية الأطفال، وحاجات الأطفال التي تختلف عن حاجات الكبار، بالإضافة إلى صعوبات إدخال الرعاية الصحية القائمة على السيطرة على الألم والرعاية التلطيفية في دولة الكويت. فأتت بتصميم جسّد كل هذه العناصر، وكان مدهشا.
ومن الأشياء التي ضمّتها المنشأة دولاب دوّار ذو مقاعد، وبساط سحري، وممشى على السقف مع أبراج مراقبة، وشاليهات. عندما فكّرتُ بالأمر فهمتُ أنّ الشاليهات تناسب تماماً البيئة الثقافية، لأنّ الكويتيين يقصدون الشاليهات على الشاطئ عندما يريدون الاسترخاء. ومثلاً عندما تسأل جمعيات مثل Make A Wish أو «تمنّى» الأطفال عمّا يرغبون فعله، معظمهم يقول إنه يرغب في زيارة مدينة ترفيهية مثل «ديزني لاند»، وبالتالي فإنّ الدولاب الدوّار ذا المقاعد هو أحد عناصر هذه التجربة. أما البساط السحري فهو عبارة عن ممشى متقلّب وملوّن يجذب الأطفال بشكل كبير. في حين يسمح الممشى على السطح وأبراج المراقبة للأطفال وذويهم بحرية اكتشاف مشهد البحر والاستمتاع به ومراقبة الطيور على الرمل.

- كم استغرقت الفكرة من وقت حتى خرجت الى النور؟
ما يقارب عشرين عاماً.

- كيف تتوزع الرعاية في «بيت عبدالله»؟
تتركّز الرعاية على السيطرة على الألم، والتخفيف من حدة أعراض المرض بالنسبة الى المرضى الذين لا أمل بشفائهم. والهدف من وراء ذلك هو جعل كل دقيقة في حياة هؤلاء الأطفال الذين يعيشون أياماً معدودة أو ظروفاً صحية مهدّدة لحياتهم أياما سعيدة بين أهلهم، من خلال التخفيف من حدة أعراض المرض بوساطة الرعاية التلطيفية التي تشمل العناية النفسية والاجتماعية، والدعم العاطفي والروحي لعائلاتهم وأصدقائهم.

- ماذا عن طاقم العمل في «بيت عبدالله»؟
الإدارة العليا تتمثل في الرئيس التنفيذي  ويليه مدير العمليات، مدير الموارد البشرية، رئيس قسم الهيئة الطبية ورئيس قسم التمريض. إضافة إلى انه لدينا العديد من السيدات الفاضلات المتطوعات في العمل بالبيت هن أفراد اللجنة التنفيذيّة للجمعية: سعاد المفرج ولمياء العبدالكريم  والشيخة انتصارالصباح وكريستين شعبان، بالإضافة إلى منسقة الجمعية ماري ديمبسي بوز. وأعضاء اللجنة التنفيذية بالإضافة إلى غيرهم يعملون كمتطوّعين مع الجمعيّة منذ تأسيسها. علماً أن هذه الجمعية الكويتية هي منظمّة خيريّة تساعد الأطفال وعائلاتهم في التغلب على الضغوط العصبية الناجمة عن الإقامة في المستشفى.

- حدثينا عن حالات خاصة ونماذج من المرضى لديكم؟
بدأنا تقديم خدماتنا لمرضى السرطان وسنقوم في المراحل اللاحقة بتقديم تلك الخدمات للأطفال ذوي الحالات الحرجة والمستعصية.

- وما عدد الحالات التي استقبلها «بيت عبدالله»؟
نستقبل حاليا الأطفال الذين تتطلب خدماتهم الطبية الرعاية المنزلية وهي تقارب ثلاثين حالة.

- من هو المريض الذي ترك بداخلك ذكرى لا تنسينها أبداً؟
كل مريض له ذكرى خاصة، وكل من يدخل «بيت عبدالله» يصبح فردا من أفراد هذا البيت، الجميع يعملون لراحته ويسعون لتحسين حالته النفسية وجعله يتغلب على فكرة المرض ويعيش أيامه الأخيرة في راحة وسلام. ونحن نحاول قدر الإمكان أن نلبي أمنيات الأطفال المرضى ونحققها لهم حتى نسعدهم.

- مثل ماذا؟
مثل بعض الأطفال الوافدين الذين يرغبون في رؤية أهاليهم في موطنهم فنقوم بتدبير أمر سفرهم وتحقيق أمنيتهم برؤية ذويهم المقربين في الوطن الأم، مثل طفل يرغب في رؤية جدته وجده. كما أتذكر أحدى المريضات من البنات تمنت أن يكون لديها عطر خاص مسجل باسمها فقمنا باتصالاتنا بإحدى شركات العطور التي قبلت أن تنفذ رغبة هذه الفتاة وتم صناعة عطر لها باسمها... عموما نحن نعمل جاهدين لتحقيق أمنيات الأطفال المرضى مستخدمين كل إمكاناتنا واتصالاتنا لتحقيقها لنزلاء «بيت عبدالله».

- من يمول «بيت عبدالله»؟ وهل يحتاج المزيد؟
المشروع قائم بشكل أساسي على التبرعات سواء كانت من الأفراد أو المؤسسات، ولا يخفى عليكم في هذا السياق أن تقديم الخدمات الطبية المتخصصة المميزة يتطلب الكثير من المال والجهد، وأن أي نوع من التبرعات يساهم وبشكل كبير في نجاح المشروع وخاصة التبرعات النقدية التي نستقبلها من داخل الكويت وخارجها.

- هل من مواصفات خاصة للعاملين لديكم؟
 تم تعيين الطاقم الإداري في «بيت عبدالله» بدقة ولكننا حاليا في حاجة الى تخصصات طبية وخاصة في مجال الرعاية التلطيفية للأطفال من أطباء وأعضاء التمريض الذين يملكون سمات شخصية مثل الصبر والتعاون والعمل ضمن روح الفريق الواحد والعائلة الواحدة والقدرة على التعامل مع حالات الأطفال الحرجة.

- ماذا ينقص «بيت عبدالله»؟
إننا في المرحلة الأولى من بداية التشغيل، ومن أهم احتياجاتنا في هذه المرحلة التمويل المتواصل لتقديم خدمات «بيت عبدالله» للأطفال وتحقيق أحلامهم وإسعادهم هم وعائلاتهم. 

- ما هي شروط الإقامة في «بيت عبدالله»؟
عدد الحالات كما ذكرنا من قبل هو ما يقارب ثلاثين حالة، ولدينا لجنة تدرس كل حالة قد يتم تحويلها من وزارة الصحة في الكويت وذلك للأطفال الذين يعانون حالات المرض الحرجة أو المستعصية.

- كلمة اخيرة؟
في نهاية هذا اللقاء لا بد أن أذكر إن «بيت عبدالله» يوفر دعما طبيا واستشارات طبية طوال أيام الأسبوع وعلى مدار الساعة (24 ساعة في اليوم). ويوفر أيضاً خدمات سكنية واجتماعية وترويحية ترفيهية مناسبة للطفل عندما تكون المشاكل الطبية والاجتماعية خارجة عن قدرات المنزل. كما يخفف التوتر والانفعال والخوف المرافق لدخول الطفل المريض المستشفى. ويقدم مساعدة إختصاصية ودورية للأطفال الذين يمرون بالأيام وباللحظات الأخيرة من حياتهم وإلى عائلتهم لإرشادهم بلطف إلى الطريق الذي لا يرغب احد في السير فيه وهو الموت.