قصة غريبة...

جريمة, خطف, رجل / رجال مباحث, النيابة العامة, بلاغ

08 أكتوبر 2012

للمرة الأولى تقف أمٌّ أمام النيابة بتهمة خطف ابنها. لم يكن الخطف لرغبتها في حضانة ابنها. ولكنها كانت تسعى إلى شيء آخر. نسجت قصة من خيالها. واحتجزت ابنها الصغير الذي لم يتجاوز عامه العاشر مع بعض الأشقياء الخطرين لابتزاز زوجها. الجريمة لم تحدث من قبل. حب المال هو البطل الرئيسي وطفل صغير كان قدره أن يتحوّل إلى مشهد في مسلسل من تأليف أمِّه التي دبّرت لخطفه وأثارت الذعر في قلب والده. ولكن رجال المباحث كشفوا خطة الأم مديحة التي توالت اعترافاتها المثيرة...


وافقت قبل سنوات على الارتباط بالتاجر العجوز الذي يكبرها بخمسين عاماً. كانت تعلم أنها سوف ترث زوجها بعد سنوات قليلة. ولكن الرياح لم تأت بما تشتهي السفن. مرت السنوات ولم يتحقق للزوجة الشابة ما أرادت. بدأت تشعر أن ثروة زوجها تتسرّب من بين يديها، فالابن الأكبر للزوج كان يسيطر على كل شيء. أصاب الزوجة الذعر من وفاة زوجها دون أن تحصل على أي شيء، خاصة أنها أنجبت من الزوج ثلاثة أبناء. وتحوّل قلق مديحة إلى ساعات طويلة كانت تمضيها في غرفتها بمفردها تبحث عن حلّ لهذه الأزمة. لم تكن تتصوّر أن تخرج من «المولد بلا حمص»، كما يقول المثل الشعبي. خاصة أنها أفنت حياتها وأضاعت شبابها مع زوجها العجوز. زوجها كان يتعامل معها وأولاده بشكل جيد. لكن مديحة لم تكن تأمن مكر أبناء الزوج، خاصة ابنه الأكبر الذي كان يكرهها ويعرف نواياها جيداً.

أدركت مديحة أن زوجها الذي بدأ يعاني أمراضاً، إذا مات في هذا التوقيت فإن ابنه يحيى سيطردها وأبناءها ولن يمنحها أي شيء. قررت مديحة أن تقترح على زوجها بيع قطعة أرض يملكها وتبلغ قيمتها مليوناً و500 ألف جنيه، وذلك بحجة القيام بمشروع ناجح يؤمن لها مستقبلها. رفض الزوج العجوز في البداية، لكنه استسلم في النهاية أمام إلحاح زوجته التي شعرت بأنها الفرصة الأخيرة أمامها. انتزعت مديحة موافقة زوجها. وعرضت الأمر على نجله الأكبر يحيى، لكنه رفض بحسم. أكد أنه لن يوافق مطلقاً على بيع الأرض. أصاب مديحة الإحباط الممزوج بالذهول. لم تصدق أن الأمل الأخير أمامها ضاع. ضاقت الدنيا أمام الزوجة التي حاولت أن تتماسك، لكنها أدركت أن كل شكوكها نحو رغبة ابن زوجها في الاستيلاء على التركة وحده في محلّها.


وسيلة أخرى

بدأت مديحة تفكر في وسيلة أخرى للحصول على أموال زوجها العجوز الذي أقعده المرض. وقعت عيناها على باسم ابنها الأصغر. كانت تدرك أنه يمثل لوالده الكثير، فالأب كان يعشق ابنه آخر العنقود.
أضاء الشيطان مصباحاً في عقل الزوجة. وتداعت الأفكار في عقلها بسرعة الصاروخ. ماذا لو أصاب باسم مكروه؟ ماذا لو خُطف وطلب الجناة مبلغاً كبيراً مقابل إعادته؟ الإجابة أن الأب سيتأثر. وسينفذ كل تعليمات الجناة، وسيدفع كل ما يملكه مقابل إعادة الطفل.
راقت الفكرة للزوجة وقررت تنفيذها فوراً. وراحت تخطط بشكل دقيق لخطوات الجريمة، لأن أي غلطة قد تساوي الكثير. عرضت الأمر على إحدى قريباتها، وطلبت منها أن تساعدها في تنفيذ الخطة. وأكدت مديحة لقريبتها أنها ستحصل على فدية كبيرة من زوجها وستكافئها بسخاء.

وافقت منال على الاشتراك مع قريبتها في هذه الجريمة. أكدت لها أنها ستقوم باستئجار بعض المسجلين الخطرين لمساعدتها حتى تبدو الجريمة محكمة دون أن يشك أحد أنها لعبة من الزوجة. بدأت مديحة ومنال تنفيذ أولى خطوات الجريمة. وعلى مدخل الشارع الذي تسكنه والدة باسم جلس اثنان من المسجلين الخطرين في سيارة صغيرة ينتظران اللحظة المناسبة التي اتفقا مع منال عليها. وفي هذه الأثناء كانت مديحة تمسك بابنها الصغير في طريقهما إلى منزلها. تعمّدت مديحة أن تسير ببطء وهي تقترب من السيارة. وفي لحظات نزل أحد المسجلين الخطرين من السيارة وانتزع الطفل من يد والدته التي أجادت تمثيل دورها وهي تحاول المقاومة. لكن المتهم دفعها لتسقط أرضاً وهي تطلق صرخاتها المدوية! انطلقت السيارة بسرعة كبيرة وسط ذهول الجميع. لم يستطع أحد التدخل، خصوصاً بعدما هدد أحد المتهمين الجميع بمسدس كان يحمله. راحت الأم تبكي وتلقي باللوم على جيرانها الذين وقفوا موقفاً سلبياً أثناء الجريمة التي شهدها الجميع.

عادت مديحة إلى منزلها وقصّت ما حدث على زوجها وأسرتها الذين أصابهم الذعر. وتحرك يحيى ابن زوجها متجهاً إلى قسم الشرطة وقدم بلاغاً بما حدث، واستشهد بسكان الشارع. وبدأت أجهزة الأمن عملها لكشف ملابسات الحادث. واستمع ضابط المباحث الى أقوال الأم التي أدلت بأوصاف المتهمين والسيارة.
طلب ضابط المباحث من الأم إبلاغ الشرطة في حالة تلقيهما اتصالات من العصابة لطلب فدية. ومضت الساعات ثقيلة على الأب الذي كان يبكي بحرقة على نجله الأصغر الذي كان يملأ المنزل ضحكاً وأملاً.

فجأة رن جرس الهاتف، وأسرع يحيى ليرد، وانتهت المكالمة في أقل من دقيقة. المتحدث كان حاسماً: فدية مليون جنيه وإلا قتل الطفل وإرسال جثته إلى والده.
اضطر يحيى لأن يخبر والده بمضمون المكالمة. وبلا تردد أكد الأب أنه مستعد لفداء ابنه الأصغر بكل ما يملك حتى لو باع ملابسه. فقرر يحيى إخطار رجال المباحث الذين قرروا سراً وضع هواتف الأسرة كلها تحت المراقبة. وطلب الضباط من يحيى أن يتفاوض مع العصابة لكسب الوقت ومحاولة خفض المبلغ.


مهلة

استمرت الاتصالات بين العصابة ويحيى. والأم تطلب منه سرعة الاستجابة لهم حتى لا يضيع منها ابنها. والأب يعرض على يحيى أن يسحب كل رصيده من البنك وعرض قطعة الأرض التي يمتلكها بأي ثمن. لكن يحيى طلب من العصابة مهلة لتدبير المبلغ.

في هذه الأثناء كانت أجهزة الأمن قد اقتربت من تحديد شخصية أحد المتهمين، وبدأت رحلة مطاردته. كان المتهم يغيّر مكانه كل بضع ساعات، وكأنه كان يشعر بمطاردة رجال المباحث. وفي مكمن على الطريق الصحراوي تمكنت أجهزة الأمن من ضبط المتهم أثناء ذهابه إلى الشقة التي تحتجز فيها العصابة الطفل باسم. وبصرامة شديدة طلب مدير مباحث الجيزة اللواء كمال الدالي من المتهم تحديد مكان باسم فوراً. لم يجد المتهم أمامه سوى الاعتراف وأرشد الشرطة إلى مكان المخطوف.

وبحذر شديد حاصرت الشرطة المكان، وتأكد رجال المباحث من وجود الطفل مع شخص واحد غير مسلح. ودهمت المباحث الشقة وسط ذهول المتهم الذي استسلم على الفور. واصطحب الضابط الطفل متجهاً إلى منزل أسرته. امتزجت الدموع بصيحات الأب العجوز الذي حمد الله على عودة ابنه سالماً. لكن الزوجة مديحة كانت مصدومة مما حدث وانتابها الخوف، خاصة بعد أن أكد الضابط أنه سيستجوب المتهمين للوصول إلى شركائهما. أسقط في يد الزوجة التي كانت تدرك أنها على أعتاب السجن. وعاد الضابط إلى قسم الشرطة وبدأ في استجواب المتهمين اللذين أكدا أن سيدة تدعى منال هي التي استأجرتهما لتنفيذ تلك الجريمة وابتزاز والد باسم مقابل خمسة آلاف جنيه.

وأرشد أحد المتهمين إلى مكان منال، وعلى الفور تم القبض عليها. وظهر الذهول على ملامحها وهي تعترف قائلة: «أنا لم أخطط للجريمة. ولكنني كنت أساعد قريبتي في الحصول على ميراثها الذي يسعى نجل زوجها للاستيلاء عليه. ولهذا خططت معها لخطف ابنها بشكل تمثيلي والاحتفاظ به في شقة مفروشة حتى تحصل مديحة على نصيبها من الإرث». ألقت الشرطة القبض على مديحة وسط صدمة زوجها وابن زوجها اللذين لم يتوقعا ما حدث.
وقالت الزوجة في اعترافاتها: «رغم خطورة ما فعلته وتعريضي ابني لخطر داهم، لم أجد أمامي أي حلول أخرى للحصول على نصيبي من تركة زوجي في حياته، ولم أكن أتوقع أن تنتهي الحكاية هذه النهاية المأسوية».
قررت النيابة حبس الزوجة بعدما وجهت إليها تهم الخطف والبلاغ الكاذب والتحريض على جريمة.