بعد ما فعله محمد فؤاد وحمادة هلال...
حمادة هلال, الشيخ يوسف البدري, محمد فؤاد, د. مبروك عطية, د. عبلة الكحلاوي, أدلة شرعية, د. صبري عبد الرؤوف, جدل ديني
29 أكتوبر 2012جائزة بضوابط
وعن الضوابط الشرعية لسجود الشكر قالت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية: «لا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة من الطهارة وستر العورة أو الحجاب للمرأة أو استقبال القبلة، ولا تشترط فيه العلانية أو أن يتم أمام الجمهور، كما يفعل لاعبو الكرة أو بعض الفنانين، بل الأفضل أن يكون بين الإنسان وربه حتى يبتعد عن شبهة الرياء، مع العلم أن هذه السجدة إن فعلها أمام الجماهير لا شيء فيها، طالما أن الموقف يستحق الشكر لله».
وتشير الدكتورة عبلة إلى أن الحكم الشرعي في سجود الفنانين أمام الجمهور «يتوقف على عدة عوامل، أهمها طبيعة ما يقدمه هذا الفنان، فمثلاً إذا كان يقدم غناءً دينياً يمثل دعوة للأخلاق الفاضلة أو محبة الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، فهذا الفن ليس محرماً وبالتالي لا أجد غضاضة في السجود لله شكراً مع ضرورة استحضار النية وإخلاصها لله، وليس مجرد السجود تحية للجماهير التي يمكن تحيتها بأي شكل آخر غير السجود الذي يجب أن يكون لله، والنية لا يعلمها إلا الله، وهو الذي يحاسب عليها لقوله، صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وطالبت الدكتورة عبلة بعرض القضية على المجامع الفقهية، مثل مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، لإصدار فتوى شرعية متكاملة في قضية سجود الفنانين أثناء الحفلات الغنائية، مثلما أصدرت تلك المجامع الفقهية فتاوى في سجود لاعبي كرة القدم مما قلل الجدل حولها. ولا بد أن تسارع المجامع الفقهية إلى حسم القضية لوقف الجدل حولها، خاصة أن بعض المتعصبين قد يتخذ منها مدخلاً لتوجيه اتهامات للفنانين.
في انتظار فتوى
ويتفق معها الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، بدعوته إلى عرض القضية بتفاصيلها على المجامع الفقهية التي عليها أن تستمع إلى وجهة نظر بعض الفنانين الذين سجدوا على خشبة المسرح، مثل محمد فؤاد وحمادة هلال، وذلك لوضع الضوابط الشرعية في قضية سجود الشكر.
وأوضح عطية أن مشروعية سجدة الشكر «تأتي من كونها تعبيراً عن شكر الإنسان لربه أن وفقه لطاعة أو دفع عنه نقمة، وهذا ما نفهمه من حديث أبي بكرة حيث قال: «إنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا جَاءَهُ أَمْرُ سُرُورٍ أَوْ بُشِّرَ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شَاكِرًا لِلَّهِ»، والقول الراجح في صفة سجود الشكر أنه لا يجوز فيه تكبير في أوله أو في آخره أو تشهد أو سلام».
ودعا الفنانين إلى الالتزام «بما تفتي به المجامع الفقهية حتى يكون الفعل الشرعي، مثل سجود الشكر، في مكانه الصحيح وفي وقته المناسب، فلا يتحول إلى «موضة» أو سلوك بلا معنى، الى درجة قد تجعل الراقصة تسجد لله شكراً على خشبة المسرح عندما يستقبلها الجمهور بالتصفيق الحاد، أو عند انتهائها من الرقص، أو حتى بين الفقرات، فهذا نوع من الاستهزاء بالأحكام الشرعية التي يعاقب فاعلها، حتى ولو كان الظاهر من فعله أنه يسجد لله شكراً».
وناشد أهل الفن التعبير عن الشكر بالكلام فقط، «حتى تصدر تلك الفتوى الشرعية من المجامع الفقهية لنعرف حكم الشرع في السجود تحية للجماهير، لأن هذا المكان قد يكون غير لائق بهذا السجود بصرف النظر عما إذا كان ما يقدمه الفنان حلالاً أو حراماً، وبالتالي فإنه يمكن الخروج من المحظور الشرعي أو الأمر الذي فيه شبهة بتركه موقتاً، حتى يتم التعرف على الحكم الشرعي، وذلك امتثالاً لقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيِّن وإن الحـرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».
وأنهى الدكتور مبروك بدعوة الفنانين إذا كانوا راغبين حقيقة في السجود شكراً لله، الى جعل ذلك «بينهم وبين ربهم، أما إذا كانوا يقصدون بالسجود تحية الجماهير فقط فلينتظروا حتى يعرفوا فتوى المجامع الفقهية».
تمهّلوا واسألوا
دعا الدكتور محمود مزروعة، العميد الأسبق لكلية أصول الدين في جامعة الأزهر، لاعبي الكرة والفنانين إلى «التوجه الى دار الإفتاء أو الأزهر لاستصدار فتوى شرعية في هذه القضية، لأنها مستحدثة ولم يرد فيها نص صريح بالتحريم أو التحليل، وإذا حصلوا على فتوى بجواز ما يفعلونه من السجود، سواء كان شكراً لله أو تحية للجماهير فإنه لا يستطيع أحد انتقادهم على هذا الفعل، أما إذا أفتوهم بحرمة هذه السجدة فعليهم الامتناع، وهذا هو التصرف الصحيح، لأن الفقهاء هم أهل الاختصاص هنا وسيصدرون حكمهم بعد الاستماع إلى مبررات اللاعبين والفنانين في السجود. وقد أمرنا الله بسؤال أهل الاختصاص إذا حدث جدل أو بلبلة في قضية ما، فقال تعالى: «... فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» آية 43 سورة النحل».
وحذر الدكتور مزروعة من يسجد «تحية للجماهير من المكابرة ورفض النصيحة الشرعية، لأن جرمه سيكون أكبر لأنه علم الحكم الشرعي وأصر على المخالفة، ونخشى أن يكون ممن قال الله فيهم «قُلْ أَبالله وآياته وَرَسُولهِ كُنْتُمْ تَسْتَهزئون» آية 65 سورة التوبة».
وأنهى الدكتور مزروعة كلامه بدعوة الفنانين إلى «تقبل النصح من الدعاة، لأن هذا ليس انتقاصاً من شأنهم إنما هم حريصون على أن تكون سلوكياتهم وفق أحكام الشرع، أما من يرفض الالتزام بما سيقوله الفقهاء فهو ممن قال الله فيهم: «وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» آية 206 سورة البقرة . ونحسب الفنان الذي يقوم بالسجود لديه نية طيبة وفطرة سليمة وليس ممن يرفضون النصح الذي هو واجب شرعي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
غير مستحبٍّ
يشير الدكتور صبري عبد الرؤوف، أستاذ الفقه المقارن في كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، إلى أن الخلاف في مشروعية سجود الشكر يعدُّ خلافاً ضعيفاً، لمخالفته ما ثبت عن النبي، صلى الله عليه وسلم، وعن كثير من أصحابه الذين كانوا يسجدون لله شكراً في وقت اليسر أو زوال عسر كتعبير عن الامتنان لله على فضله ونعمه وستره.
وأشار إلى أن بعض الفقهاء «اختلفوا في كون سجود الشكر على النعم المتجددة أم المتكررة، إلا أن الجمهور يرى أن سجود الشكر عند النعَم المتجددة التي يمكن وصولها أو عدم وصولها، ولهذا فإن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالى عليه وتجددها في كل وقت، واستدلوا على كثرة نعم الله واستمرارها، فلو سجد الإنسان عليها باستمرار فلن يتوقف عن السجود أبداً، لقوله تعالى: «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ» آية 18 سورة النحل».
وعن سجود بعض الفنانين على خشبة المسرح أو أمام الجمهور، يؤكد الدكتور صبري أنه لم يرد فيه نص صريح بالتحريم، لأنه أمر مستحدث أو قضية معاصرة، إلا أن الحلال والحرام فيه يتوقفان على ملابساته، فإذا كان يؤدي إلى حرام فهو حرام والقاعدة الفقهية تؤكد أن «كل ما أدى إلى الحرام فهو حرام»، أما إذا لم يكن يؤدي إلى حرام فهو ليس ممنوعاً، لكن في ضوء الضوابط الشرعية التي تحددها المجامع الفقهية.
وحذر «الفنان أو الفنانة، بصرف النظر عن اسمه أو اسمها، من أن يقدم فناً يؤدي للمعاصي، ومع هذا نجده، أو نجدها، يسجد أو تسجد تحية للجماهير وليس شكراً لله. وهنا يكون السجود حراماً لأنه ليس لله وإنما شكر أو تحية للجماهير التي يمكن تحيتها بأي صورة أخرى غير السجود الذي له علاقة بالشعائر الدينية ممثلة في سجدة الشكر».
وأنهى الدكتور صبري كلامه بقوله: «أخشى أن يتحوّل هذا الأمر إلى مجرد تقليد شكلي فقط بلا مضمون، وبالتالي تكون السجدة هنا تحية للجماهير فقط وليس فيها أي نوع من الشكر لله، وهذا الأمر يتطلب الاستماع إلى رأي المجامع الفقهية في جواز السجود تحية للجماهير فقط، دون ارتباط هذا السجود بالشكر لله، خاصة أن هذا السجود قد يقوم به فنان غير مسلم كنوع من تحية الجماهير».
فعل صحيح ولكن!
هاجم الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سابقاً، من يسجد لله شكراً من لاعبي الكرة أو الفنانين، مؤكداً أن هذا فعل صحيح في غير محله أو مناسبته، وبالتالي يتحول صاحبه من فاعل لطاعة إلى عاصٍ لله، وإلا فما هي النعمة المباحة شرعاً التي تستحق السجود لله شكراً أن منحه الله إياها؟ وهل تسجيل هدف في مرمى الفريق الآخر أو أداء أغنية كلماتها مخالفة للشرع أو مشهد ساخن في فيلم أو مسرحية ليس فيها ذكر لله يستحق سجود الشكر؟!
ووصف الشيخ البدري ما يفعله لاعبو الكرة والفنانون، من السجود أمام الجماهير باسم «سجدة الشكر»، بأنها نوع من الاستهزاء بالشعائر الدينية التي يأثم فاعلها، ولهذا لا بد من امتناع الإنسان، أياً كان عمله، عن السجود، إلا إذا كان قد أنعم الله عليه بنعمة معترف بها شرعاً، أو حفظه من سوء أو دفع عنه نقمة، والتعبير عن الشكر هنا يكون بالسجود بين الإنسان وربه، وليس أمام الجماهير.
ورد الشيخ البدري على من يتهمونه بالتشدد قائلاً: «نحن هنا لسنا معسرين، وإنما نضع النقاط على الحروف في الأحكام الشرعية، حتى لا يصل الأمر إلى سجود الشكر في صالات الديسكو والملاهي الليلية بحجة شكر الله على الإعجاب الجماهيري، مع أن الله حذرنا من ذلك بقوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» الآيتان 6-7 سورة لقمان.
جائز شرعاً
جدير بالذكر أن مجمع الفقه الإسلامي في السودان أجاز سجود لاعبي الرياضة بشكل عام بعد تسجيل الأهداف أو الفوز في المسابقات، لأن هذا يدخل تحت باب «الشكر لله».
ونقل عن المجمع قوله بجواز سجود لاعبي كرة القدم عند تسجيل الأهداف في مرمى غيرهم، موضحاً أن سجدة الشكر هي سجدة واحدة يسجدها المسلم عند حدوث نعمة ويثاب على فعلها، وهي سجدة لا سلام بعدها وليس من شرطها اتباع القبلة، وما يفعله لاعبو كرة القدم بالسجود في الملعب إن أحرزوا هدفاً أو فوزاً له شواهد، ويساهم في نشر الدعوة في مثل هذا المقام، واللاعب الذي يسجد يشكر الله تعالى على نعمة توفيقه لإحراز هدف يرى أن إحرازه لهذا الهدف نعمة تستوجب الشكر، ولهذا فإن سجود لاعبي الكرة يعد «إقامة لشعيرة» وهي شكر الله، ولا يعد بدعة أو أمراً مكروهاً.
في النهاية ننتظر من المجامع الفقهية في الأزهر وغيره من المؤسسات الإسلامية الكبري إصدار فتوى رسمية في سجود الفنانين، مثلما أصدر مجمع الفقه في السودان فتوى بجواز سجدة الشكر للاعبي الكرة.
جدل فقهي أثاره قيام المطرب محمد فؤاد بالسجود شكراً لله في حفلة غنائية، ومن قبله المطرب حمادة هلال الذي سجد أيضاً أثناء أحد الاحتفالات الفنية، فانقسم العلماء فريقين، أحدهما يرى ذلك مباحاً كتعبير عن الامتنان لله مثلما يفعل لاعبو كرة القدم، في حين عارض فريق آخر من العلماء هذه الوسيلة من التعبير لأنها في رأيهم منافية للشرع، وقد استند كل فريق إلى أدلة شرعية... فماذا قالوا؟
يعرّف الدكتور محمد داود، أستاذ الدراسات الإسلامية جامعة قناة السويس، سجود الشكر بأنه تعبير عن إحساس الإنسان بفضل الله عليه، والخضوع لله بوضع أشرف الأعضاء وهو الوجه على الأرض، وهذا السلوك فيه من شكر لله بالقلب واللسان والجوارح. وسجود الشكر من السنن النبوية الثابتة التي هجرها كثير من الناس في حياتهم، رغم كثرة نعم الله التي تستحق سجود الشكر، الذي يُشرع كلما حصلت للإنسان نعمة عامة أو اندفعت عنه نقمة، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة أو الأمة.
ويضيف: «سجود الشكر سنّة مشروعة يثاب فاعلها، إلا أنه لا بد أن تكون على نعمة مباحة شرعاً، وليس سجود شكر على قضاء مصلحة أو منفعة مخالفة للشرع. ولهذا فإن لكل موقف حكمه الشرعي، فمثلا إذا قلنا سجود المطرب فإن الحكم يتوقف هنا على مشروعية ما يقدمه هذا المطرب، فإذا كان يقدم أغاني دينية أو وطنية أو لا تحض أو تؤدي الى معصية أو يستخدم الفن في ما ينفع الناس في دينهم وأخلاقهم وحياتهم الدنيوية، فهذا السجود جائز شرعاً. أما إذا كان يغني أغاني فيها ما يخالف الشرع أو التقاليد الفاضلة أو يدعو إلى استباحة المحرمات والمنكرات فهذا حرام شرعاً».