سعودية ترفض ملايين...

المملكة العربية السعودية, قضية / قضايا إجتماعية, جريمة قتل, العفو

05 نوفمبر 2012

بعد أن  تحوّل أولياء الدم في السعودية  إلى أولياء لتجميع الأموال من أجل توقيع العفو عن أبنائهم، وبعد انتشار ظاهرة طلب مبالغ مالية ضخمة من أجل العفو عن القاتل، ضربت المواطنة السعودية مرزوقة البلوي مثلاً لأروع أنواع العفو من دون أي مبلغ مالي، مع أن والد القاتل عرض عليها الملايين ومبانيَ سكانية، إلا أنها رفضت كل شي. « لها»  التقت بوالدة الضحية سهل البلوي الذي لقي حتفه قبل عامين إثر شجار، ليترك وراءه أماً أرملة وأربعة أشقاء.


بدأت أم سهل كلامها قائلة: «لو طلبت 100 مليون ريال  وحصلت عليها لن تعوضني عن ابني، لا شيء يعوضني عن ابني حتى لو ملكت مال قارون. العفو والصفح من شيم العرب الكرام، الأموال زائلة لا محالة». وأضافت: «ابني مقسوم له الموت حتى لو كان وسط صندوق ومحافظ عليه»... وتتذكر يوم الحادثة بألم وتقول: «طلبت منه أن يوصلني إلى المكتبة حتى أشتري بعض الكتب لأخته فقال لي بعد الصلاة نذهب، وخرج من المنزل إلى المسجد، ولكن حصلت مشاجرة مع بندرعايد البلوي، أدت إلى طعن ابني عدة طعنات أنهت حياته. كانت مشاجرة بين شابين، وأنا أعرف أنه لم ينوِ قتل ابني، ولكنه قضاء الله وقدره».

وتابعت: «بعد أن تأخر سهل ذهبت أقضي مستلزمات ابنتي بنفسي، وبعد عودتي إلى المنزل اتصلت بي إحدى الجارات وقالت لي إن ابني تشاجر مع أحدهم ونقل إلى المستشفى. ذهبنا مسرعين إلى المستشفى، ونزل الخبر علي كالصاعقة، ولكن كل شيء مكتوب بقدر من الله». وبصوت المؤمنة الصابرة قالت: «عرض علي والد بندر عمارة سكنية مقابل التنازل، ورفضت، ثم عرض مليون ريال، ورفضت أيضاً، ثم عرض مليوني ريال، ورفضت، لأنها لا يمكن أن تعوض عن ابني. قررت أن أتنازل عنه لوجه الله».

قابلت مرزوقة القاتل بندر في المحكمة وقال لها، بحسب روايتها، «رقبتي فداك، ولدك مات بين يدي». تكلّمت مع القاضي الذي أوضح لها أن القرار يعود إليها: «قال الشيخ كل شيء بيدك يا أم سهل، وبناتي كان لهن الدور الكبير في العفو فهن دائماً يحضضني على العفو لوجه الله». ذهبت إلى المحكمة وقلت للقاتل أمام القاضي: «يا بندر أنا معفيتك لوجه الله، أنا من ربيت سهل، وأنا أتنازل الآن لله ولا أريد إلا ما عند الله». وتقول أم سهل: «ترك ابني خلفه والدته الأرملة وثلاث شقيقات وشقيقا لم يتجاوز عمره 10 سنوات. كان هو المسؤول عنا  بعد وفاة والده- رحمه الله-، وأنا احتفظ بصورة سهل طيلة عمري بإذن الله».

وعن نصيحتها لمن يطلبون مبالغ ضخمة عوضاً عن القصاص قالت: «هناك مبالغة كبيرة في مجتمعنا في جمع الديات التي قد تصل إلى عشرات الملايين أحياناً، وهذا فيه إجحاف كبير في حق من وقع عليه الدم وذويه، وهذا بسبب ضعف نفوس البشر، ويأخذونها تجارة بالدم، مما يسبب عداوة وقطع المعروف بين الناس. يجب أن نشيع التسامح بين الناس من أجل الآخرة وليس من أجل أمور دنيوية، ومن المفترض أن أولياء الدم إما أن يطلبوا الدية المتعارف عليها شرعاً أو يعفوا لوجه الله ويطلبوا الأجر منه. إن الأجر العظيم بالعفو والصفح، ومن عفا وأصلح فأجره على الله، وما عند الله خير وأبقى، لماذا لا ننشر ثقافة العفو والتسامح بين الناس؟».

من جهتها، قالت سارة البلوي الشقيقة الكبرى لسهل: «والدتي لم تقبل كل ما عرض عليها من أموال، على الرغم من ضخامة الأموال والعمارات السكنية، بل فضلت أن تتنازل لوجه الله بعد صدور الحكم عليه بالقصاص». وتضيف:» نحن نعيش على راتب تقاعد والدي الذي لا يتجاوز ألفي ريال، ولا  نملك منزلاً، ولكن لدينا سكن من جمعية الأمير سلطان للإسكان الخيري والحمدلله».
يذكر أن أمير منطقة تبوك الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز تفاعل ، مع عفو أم سهل عن قاتل ابنها لوجه الله، ورفضها للملايين التي قدمت لها مقابل ذلك، أمر بتقديم مكافأة لها وتخصيص راتب شهري ودرس أوضاع أسرتها، دعماً وتكريماً لموقفها النبيل.