الثأر على الطريقة النسائية

قتل, المحكمة الابتدائية في الرباط., السلاح

07 يناير 2013

كانت تعيش في عذاب بعد مقتل شقيقها الأصغر حسن، صورته لم تفارق خيالها، فهو لم يكن بالنسبة اليها شقيقاً فقط وإنما كان ابناً أيضاً، وفي لحظة ضاع منها بعد أن لقي حتفه غدراً على يد شريكه في التجارة بسبب خلافات مالية. ومن يومها تحولت حياة كاميليا إلى عذاب وجحيم، حتى أنها غادرت مسكن الزوجية، وطلبت من زوجها أن يتركها تعيش بعيداً عنه لبعض الوقت. كانت النيران المشتعلة في قلبها تكفي لإشعال مدينة... أقسمت ألا تعيش حياتها بشكل طبيعي حتى تثأر لشقيقها، إلى أن جاءت اللحظة الحاسمة، فأخفت السلاح الآلي أسفل نقابها واتجهت إلى المحكمة حيث تتم محاكمة خصمها، وتوالت الأحداث...


إذا وصفنا ما كان يجيش بصدر كاميليا، فلا يكفي أن نسمّيه الرغبة في الانتقام، ولكنها ثورة عارمة من الغضب كانت تعصف بها وتحتل عقلها وقلبها طوال الستة أشهر الماضية، وكانت تتحيّن اللحظة التي تثأر فيها لأعز مخلوق لديها في الوجود.
كانت تضع في غرفتها صورة خصمها سعيد وتضع حولها دائرة حمراء، وكأنها تحفز نفسها، وتشحن بداخل شقيقها الآخر محمود بطارية الثأر، وتذكره بما جرى لشقيقه القتيل حسن جهاراً نهاراً أمام الجميع.

المشهد لم ولن تمحوه الأيام من وجدان الأسرة... الساعات التي سبقت الحادث كانت تشهد توتراً شديداً داخل منزل أسرة كاميليا، حسن شقيقها الأصغر يتحرك ذهاباً وإياباً داخل الشقة، يشعل سجائره الواحدة تلو الأخرى، ينظر إلى الشرفة بين الحين والآخر وكأنه ينتظر المجهول.

حاولت شقيقته أن تخفف عنه، ولكنه أكد لها أن شريكه لا يعرف المزاح، فهو هدده بالقتل في حالة عدم تصفيته الشركة بينهما، بينما لم يكن حسن يملك سيولة لسداد مستحقات شريكه، خاصة بعد أن تكبدت الشركة خسائر جسيمة خلال الأشهر الماضية بسبب سوء حالة السوق.
أكدت كاميليا لشقيقها أن شريكه يهدده بشكل صوري، وهو في الواقع لن يفعل شيئاً. لكن حسن لم يقتنع لأنه يعرف جيداً شريكه، وسرعان ما غادر المكان حتى يخفف عن نفسه وطأة التوتر.


المشهد الدامي

تابعت كاميليا شقيقها من الشرفة وهو يسرع الخطى مبتعداً عن المكان، فجأة توقفت سيارة مسرعة أمام حسن، نزل منها سعيد ودار بينهما حوار غاضب، لم تستمع كاميليا عباراته لكنها شاهدت شقيقها وهو يشيح بيديه. وفي لحظات حدث كل شيء، وانتهى كل شيء، أخرج سعيد سكيناً من ملابسه وطعن حسن أمام الجميع وتركه ينزف في الشارع وغادرت السيارة المنطقة وسط ذهول سكانها.

لحظات ثقيلة مرت على الجميع وهم لا يصدقون ما حدث أمامهم، وتحرك بعض المارة في محاولة لإنقاذ حياة حسن الذي كان ينازع الموت، وهرعت كاميليا إلى شقيقها وهي تصرخ بذعر ولا تصدق ما حدث أمام عينيها، وصلت سيارة الإسعاف لتنقل حسن إلى المستشفى في حالة شديدة السوء.

في الوقت نفسه تحركت مأمورية من قسم مصر القديمة إلى محل سكن المتهم للقبض عليه، وفي المستشفى أكد الأطباء لكاميليا وشقيقها محمود أن حالة شقيقهما سيئة للغاية، ولم يلبثوا أن أعلنوا وفاته.
بدت المسألة وكأنها كابوس مر على الأخت الكبرى التي كانت بمثابة الأم لشقيقيها، وظلت تتذكر آخر حوار بينها وبين حسن، وبكت بحرقة وهي تسترجع كلماته الخائفة، ومحاولاتها طمأنته. عصرت شفتيها غضباً وهي تتمنى أن تعود بها عقارب الزمن إلى الوراء حتى تمنع شقيقها من الخروج، لكن الأمر انقضى، وشقيقها لم يعد في عالمنا الآن، تحول إلى ذكرى لم تبق منها إلا صورة تتصدر منزل كاميليا وعشرات المشاهد المؤلمة التي تقتلها حين تتذكرها.

ظلت كلمة الثأر تسيطر على عقلها، يجب ألا يعيش قاتل شقيقها، قررت أن تحرمه من الحياة كما حرم أسرة من ابنها. أكدت لنفسها أنها يجب ألا تعيش مع زوجها الذي تعامل بسلبية مع الموقف، وكأنه حادث قضاء وقدر، ففكرت في طلب الطلاق، وبالفعل عرضت الأمر على زوجها الذي فوجئ بهذا الطلب الغريب من شريكة حياته طوال خمسة عشر عاماً.

الزوج أكد لزوجته أنه يقدر ظروفها، لكن عليها هي الأخرى أن تضع في الاعتبار أسرتها وأبناءها قبل أن تفكر في هدم أسرة بالكامل في لحظة غضب، لكن كاميليا كانت قد عقدت العزم على الأخذ بثأر شقيقها.
طلبت من زوجها أن يتركها تغادر إلى شقة عائلتها حتى تسترد شتات نفسها، فوافق لكنه لم يدرك أنها لن تعود إلى منزله.


محاولة فاشلة

خلال الاشهر التي تلت الجريمة كانت كاميليا تتابع القضية، اذ تمكنت الشرطة أخيراً من القبض على القاتل وبدأت إجراءات التحقيق معه ومحاكمته. تنفست كاميليا الصعداء، أخيراً جاءت اللحظة التي تحلم بها، ظلت تُذكِّر شقيقها الأصغر محمود بما حدث لشقيقه القتيل الذي مات غدراً دون ذنب.

نجحت كاميليا في تنمية الرغبة في الانتقام داخل محمود الذي أبدى استعداده للاستجابة لكل طلبات شقيقته وتنفيذ الدور المطلوب منه. وبدأت كاميليا تتحيّن اختيار ساعة الصفر لتنفيذ مخططها، وقررت تنفيذ جريمة الثأر أثناء أولى جلسات محاكمة القاتل، فاشترت بندقية آلية وسكيناً قاطعة، وأكدت لشقيقها محمود أنها تدربت على إطلاق النار من البندقية التي ستخفيها في ملابسها، وطلبت منه ارتداء نقاب. وبالفعل استقلت كاميليا وشقيقها سيارة أجرة واتجها إلى المحكمة منذ الصباح الباكر، وقررا الانتظار خارج المبنى حتى وصول سيارة الترحيلات التي تقل القاتل.

مضت اللحظات ثقيلة عليها، وجاءت الساعة الثامنة، توقفت سيارة الترحيلات أمام المحكمة، قلب كاميليا كان ينبض بقوة وهي تترقب اللحظة التي ستثأر فيها لأخيها، أمسكت بيد شقيقها الأصغر بقوة وربتت على ظهره وكأنها تشجعه، ونجحت في أن تبث فيه الرغبة في الانتقام. ودلفت إلى مدخل المحكمة، وفي لحظات أخرجت سلاحها الآلي استعداداً لإطلاق النار على قاتل أخيها. في هذه الأثناء صرخ محمود وهو ينادي على القاتل حتى يواجههما ولكن رجال الشرطة تداركوا الموقف بسرعة، وألقى أحد أفراد الشرطة بنفسه على المنقبة التي تصوب البندقية الآلية في مشهد سينمائي لا يتكرر كثيراً، لتطيش الرصاصات وتصيب جدران المحكمة وتثير الذعر والصراخ بين رواد القاعة.

وسارع محمود محاولاً طعن قاتل أخيه، لكن حرس المحكمة تمكنوا من القبض عليه. وظهر الذهول على وجه المتهم الذي لم يصدق أنه نجا من الموت بمعجزة، واقتادت الشرطة المنقبة كاميليا وشقيقها المتنكر إلى النيابة للتحقيق.
أصاب الانهيار كاميليا التي راحت تبكي بشكل هيستيري، ولم تصدق أن حلمها الذي أعدته منذ ستة أشهر ضاع منها... لم تستطع أن تثأر لشقيقها، وأمام رئيس النيابة اعترفت بالتخطيط للثأر من قاتل شقيقها، وأكدت أنها لن تترك ثأرها، بل ستخرج لتعاود المحاولة...