فتاوى تحريم تهنئة المسيحيين بأعيادهم مخالفة لآيات القرآن
فتاوى, د. علي جمعة, د. يوسف القرضاوي, شيخ الأزهر, د. عبلة الكحلاوي, د. نصر فريد واصل, مفتي مصر, د. سعاد صالح, علماء الدين, د. أحمد الطيب, آيات قرآنية
21 يناير 2013أثارت بعض الفتاوى المتشدّدة بتحريم تهنئة المسيحيين في أعيادهم حالة من الجدل حسمها علماء الأزهر الشريف برفضهم القاطع لها، مؤكدين أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يدعوان إلى السلام والتسامح والبر والقسط في التعامل مع أهل الكتاب، وقدموا الأدلة الشرعية الثابتة على هذا، ليحسموا بها محاولات التشكيك والتحريم التي روّج لها البعض حول تهنئة المسيحيين بأعيادهم، فماذا يقول علماء الدين؟ وما هي الأدلّة الثابتة التي يستندون إليها؟
لا مانع شرعاً
تفاعل الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المقيم في مصر حالياً، مع القضية فأصدر فتوى عن موضوع تهنئة المسيحيين بعيدهم، تؤكد أن الإسلام لا يمنع المسلمين من تهنئة المسيحيين بأعيادهم لكن بدون اشتراك المسلم فى الطقوس الدينية، التي هي من خصائص المسيحيين، ومن حقِّ كل طائفة أن تحتفل بعيدها بما لا يؤذي الآخرين، ومن حقها أن تهنِّئ الآخرين بالعيد، فنحن المسلمين لا يمنعنا ديننا أن نهنَّئ مواطنينا وجيراننا النصارى بأعيادهم، فهذا داخل في البر حيث قال الله تعالى: «لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» آية 8 سورة الممتحنة. ثم عرض بعد هذه الآية الذين يحرم تهنئتهم أو التواصل معهم فقال: «إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ». وبالتالي هذه التهنئة لا مانع شرعاً منها، وخصوصًا إذا كانوا يجاملون المسلمين ويهنئونهم بأعيادهم، لأن الله تعالى يقول: «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا» آية 86 سورة النساء.
دور الدعاة المستنيرين
هاجم الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، تلك الفتاوى التي تفرق بين الشركاء في الوطن، وتتنافى مع منهج الإسلام في التعامل مع الآخر، وإعلاء مبدأ المواطنة الذي لا يتعارض مع الدين، ولهذا لابد أن يكون للدعاة المستنيرين دورهم في مواجهة دعاة الفتنة، الذين يسيئون إلى الإسلام والمسلمين إذ لا مانع شرعاً من التهنئة بتلك المناسبة التي تقوي دعائم الوحدة الوطنية وتؤكد عظمة الإسلام وسماحته تجاه الآخر والشريك في الوطن.
ودعا واصل إلى تأمل اختيار القرآن للتعامل مع المسالمين من أهل الكتاب كلمة «البر»، حين قال: «أن تبروهم»، وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان في الحياة بعد حق الله تعالى، وهو»بر الوالدين»، حتى أجازت لنا آيات القرآن مؤاكلتهم، أي أن نأكل من ذبائحهم وكذلك مصاهرتهم بأن نتزوج من نسائهم، فقال تعالى في الآية 5 من سورة المائدة «الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ». ولا شك أن من لوازم هذا الزواج وتوابعه وجود المودة والتراحم بين الزوجين، وبالتالي أهليهما فقال تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم. وبالتالي فإن المسلم المتزوج من أهل الكتاب، وخاصة المسيحيات، مأمور بأن يحسن معاملتها وألا يمنعها من أداء شعائرها الدينية، بل وأن يسمح لها بالذهاب إلى الكنيسة، فهل الأخلاق الإسلامية السامية بهذا الشكل تحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم؟
وينهي واصل كلامه بالتساؤل: «هل يعقل أن تأكل طعامهم وتتزوج منهم ولا تقدم لهم التهنئة في أعيادهم أو تقدم لهم التعازي في مصائبهم؟ ولا يحسن بالمسلم أن يكون أقل كرماً وأدنى حظاً في حسن الخلق من غيره، وقد وصف رسوله رسالته بقوله «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»».
التهنئة والإحسان
يرى الدكتور علي جمعة، مفتي مصر، أن تهنئة غير المسلمين بالمناسبات الاجتماعية والأعياد الدينية الخاصة بهم، كعيد ميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية، جائزة شرعاً باعتبار أن ذلك يدخل في مفهوم البر وتأليف القلوب، شريطة ألا يشارك مقدم التهنئة فيما تتضمنه الاحتفالات بتلك الأعياد من أمور قد تتعارض مع العقيدة الإسلامية.
واعتبر الدكتور علي جمعة أن هذه التهنئة تأتي استجابة لقول الله تعالى: «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» آية 8 سورة الممتحنة. وبالتالي يجوز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم شريطة ألا تكون بألفاظ تتعارض مع العقيدة الإسلامية، وهذه التهنئة تندرج تحت باب الإحسان الذي أمرنا الله عز وجل به مع الناس جميعاً دون تفريق، لقوله تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً....» من الآية 83 سورة البقرة. وكذلك قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ....» من الآية 90 سورة النحل.
وأضاف الدكتور علي جمعة أن أهم مستند لجواز التهنئة النص القرآني الصريح، الذي يؤكد أن الله تبارك وتعالى لم ينهَنا عن بر غير المسلمين ووصلهم وإهدائهم وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البر فقال تعالى: «لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ».
وأوضح مفتي مصر أن الإهداء وقبول الهدية من غير المسلم جائز أيضاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدايا من غير المسلمين، حيث ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «أهدى كسرى لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل، وأهدت له الملوك فقبل منها». وقد فهم علماء الإسلام من هذه الأحاديث أن قبول هدية غير المسلم ليست فقط مشروعة أو مستحبة، لأنها من باب الإحسان، وإنما لأنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الموالاة والتهنئة
وترفض الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، استشهاد دعاة التعصب الديني، الذين يرفضون تهنئة المسيحيين أو حتى السلام عليهم في غير المناسبات الدينية، مستندين إلى تأويل تفسير قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» آية 15 سورة المائدة. وللعلم فإن مفهوم الموالاة يختلف عن التهنئة التي لا تعني الإيمان بما يؤمن به من أقوم بتهنئته، التي هي من باب المجاملة لا أكثر.
وتعجبت صالح من استشهاد من يحرمون تهنئة المسيحيين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحب رجل قوماً إلا حشر معهم»، «فإن من يتأمل تاريخ العرب والمسلمين في عصور الازدهار الحضاري، سيجد أنهم لا يعرفون هذا التمييز والتعصب ضد أهل الكتاب، وخاصة المسيحيين الذين أوصانا القرآن بهم، وجاءت في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وحكام الدولة الإسلامية في عصور التقدم الحضاري، حيث تكون الفتاوى متماشية مع هذا التقدم والاستنارة، أما في عصور التخلّف والضعف فعادة ما تسود الفتاوى المتشددة تجاه المسلمين أنفسهم، وليس تجاه غير المسلمين فقط».
فتاوى مرفوضة
استنكرت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، سيلاً من الفتاوى المدسوسة على شبكة الإنترنت تحرّم تقديم التهاني للمسيحيين، باعتبار أن في هذا موالاة غير المسلمين الذين تجب مقاطعتهم، بل وتندد بعلماء الأزهر وقيادات المؤسسات الإسلامية الذين يذهبون للكنائس لتقديم التهاني في الأعياد المسيحية، مثل عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام.
ووصفت الدكتورة عبلة من يحرّمون التهاني للمسيحيين بأنهم ينبشون في دفاتر الفتاوى القديمة، ويستخرجون منها كل ما يضعف العلاقة الودية للمسلمين مع غيرهم ممن يعيشون معهم في الوطن، بحجة أن الله لا يرضى لعباده موالاة غير المسلمين أو التشبه بهم.
وأنهت الدكتورة عبلة كلامها بالتأكيد أن تلك الفتاوى المتشددة فيها مخالفة لآيات قرآنية صريحة أباحت البر والإحسان إلى أتباع الديانات السماوية.
التاريخ خير شاهد
يؤكد الدكتور محمد داود، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة قناة السويس، أن من يتأمل تاريخ المصريين سيجد أنه لم يعرف التمييز، وأنهم شركاء حقيقيون في الوطن الواحد، حتى أنهم يتشاركون في الأعياد والأفراح والأحزان من خلال إعلاء قيمة المشاعر الإنسانية وما بينهم من «عشرة العمر»، وهذا ثابت في المراجع التاريخية، حتى أن المقريزي قال في كتابه «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار»: «كان الأقباط يوقدون المشاعل والشموع العديدة ويزينون الكنائس, وكانت الشموع بألوان مختلفة وفي أشكال متباينة، فمنها ما هو على شكل تمثال ومنها ما هو على شكل عمود أو قبة ومنها ما هو مزخرف أو محفور، ولم يضيئوا الكنائس والمنازل بها فقط، بل كانوا يعلقونها في الأسواق وأمام الحوانيت، أي المحلات. ومن الطريف أن الفاطميين كانوا يوزعون بهذه المناسبة المجيدة الحلاوة القاهرية والسميط والزلابية والسمك المعروف بالبوري، وكان القبط يخرجون من الكنيسة في مواكب رائعة ويذهبون إلى النيل، حيث يسهر المسلمون معهم على ضفاف نهرهم الخالد, وفي ليلتي الغطاس والميلاد كانوا يسهرون حتى الفجر، وكان شاطئا النيل يسطعان بآلاف الشموع الجميلة والمشاعل المزخرفة، وفي هذه الليلة كان الخلفاء يوزعون النارنج والليمون والقصب وسمك البوري».
ويوضح الدكتور داود أن المسلمين مأمورون بالإحسان والبر بأهل الكتاب المسالمين، والبر يعني الإحسان والفضل، وهو فوق العدل، حيث أن معنى العدل لغوياً: أن تأخذ حقك. أما «البر» فهو أن تتنازل عن بعض حقك إحساناً للآخر، أما الذين نهى القرآن عن موالاتهم فهم الذين يعادون المسلمين ويقاتلونهم ويحاولون إخراجهم من أوطانهم بغير حق بسبب دينهم، كما فعلت قريش ومشركو مكة مع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كما كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يستقبل الوفود المسيحيين بمسجده ويرحب بهم ويسمح لهم بالصلاة في المسجد النبوي، وكان صلى الله عليه وسلم يقول «أنا أولى بعيسى ليس بيني وبينه نبي».
في البداية، يؤكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أن الأصل فى علاقة المسلمين بغيرهم، وفق ما أقرته شريعة الإسلام، هو السلم، وأن السلام والتعارف هما إحدى الغايات والمقاصد الإلهية التي خلق الله الناس من أجلها وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا.
ويضيف: «الإسلام هو دين السماحة لأنه أقام علاقاته مع أتباع الديانات والعقائد على أصل السلام والتعارف والتآلف، وسماحته مع الآخر تنطلق من أساس القوة التي تحفظ هذه السماحة من المهانة والاستهانة. وعلينا أن نحافظ على وحدة أبناء شعب مصر بمسلميه ومسيحييه، وعلى الارتباط الشديد والاحترام المتبادل بين مشيخة الأزهر والكاتدرائية وكل الكنائس والتعاون بينها، وأنا شخصياً أذهب إلى الإخوة المسيحيين في مناسباتهم الدينية للتهنئة، وأستقبلهم في مشيخة الأزهر لتلقي التهاني منهم في مناسباتنا الدينية، وهذه هي سماحة الإسلام مع كل المسالمين معنا، وخاصة المسيحيين الذين أثنى القرآن على علاقتهم بالمسلمين، فقال تعالى: «لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ(82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ(83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ(84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ» الآيات 82-85 سورة المائدة».
وأوضح شيخ الأزهر أن آيات القرآن الكريم تنادي أصحاب العقول السليمة والفطرة القويمة، بتدبر حقيقة أن كل الأديان هي من عند الله، وأنها جاءت لدعم الوحدة بين بني البشر، فيقول تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ» آية 285 سورة البقرة. ولا شك أن من مصلحة مصر، وغيرها من الشعوب التي تضمّ مسلمين ومسيحيين، أن يتوحدوا في مواجهة التحديات ولا يعطوا فرصة لدعاة الفتنة الطائفية، كما أن من يتأمل التاريخ الإسلامي سيجد الحفاوة التي استقبل بها نصارى نجران، حتى أنه سمح لهم بالإقامة بالمسجد النبوي فترة وجودهم في المدينة، وبل وسمح لهم بإقامة شعائرهم فيه، فهذا هو التطبيق العملي لسماحة الإسلام مع المسيحيين بوجه عام، فما بالنا بأقباط مصر الذين خصهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتوصية إذا فتح المسلمون مصر، فقال: «اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا». قَالَ المفسرون: «وَرَحِمُهُمْ أَنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُمْ، وَأُمَّ إِبْرَاهِيمَ ابْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ».