ثمن الزواج العرفي...

الزواج العرفي, مشكلة / مشاكل النسب, طفل / أطفال, دعوى قضائية, محكمة الأسرة

28 يناير 2013

القضية التي كانت تنظر فيها محكمة الأسرة في القاهرة غريبة من نوعها: الزوجة الشابة أقامت دعوى لإثبات زواجها ونسب ابنتها من زوجها بعد وفاته بأشهر. والمثير أن الزوجة تقاعست عن الاستمرار في خطوات القضية بسبب زواجها الثاني، لتُضيع حق ابنتها الوحيدة التي تعاطفت معها جدتها لوالدها وكذلك محامية الزوجة التي تأثرت بشدة بالطفلة التي ضاع مستقبلها. قررت المحامية الاستمرار لرد حق الطفلة وليس الأم التي تخلت عن حقوقها، وتتوالى المفاجآت في القضية التي تشبه وقائعها أحداث مسلسل درامي قديم.


وقفت المحامية الشابة أمام القاضي في محكمة الأسرة ومعها طفلة في عمر الزهور، سأل القاضي عن الأم والدة الطفلة بسمة، وبتردد أجابت المحامية أن الأم مريضة ولا تستطيع الحضور، واكتفى القاضي بالاعتماد على التوكيل الذي قدمته المحامية عن الأم، وانهمك في قراءة ملف القضية.
ربما لم تكن المرة الأولى التي تسعى فيها زوجة لإثبات زواجها بعد موت زوجها، لكن ظروف القضية نفسها كانت تختلف كثيراً عن القضايا السابقة، فوالدة الزوج المتوفى كانت متضامنة مع الزوجة، لكنَّ أبناءها رفضوا الإقرار بصحة زواج منال من حمدي طمعاً بإرث شقيقهم الراحل.


قصة حب

البداية كانت في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة، حمدي الشاب المكافح الذي بدأ حياته العملية منذ أشهر قليلة بالالتحاق بوظيفة ذات راتب متواضع في أحد المصانع، كان يعلم أن الحياة تحتاج إلى مزيد من الكفاح حتى يحقق أحلامه.
التقى منال حين كانت في الثامنة عشرة من عمرها، تعمل في وظيفة متواضعة بالمصنع الذي يعمل به، تلاقت الأعين، وتحدثت بلغة الحب، تعاطف حمدي مع ظروف منال التي تعيش وحيدة بلا أب ولا أم ولا أسرة.

اقترب منها وطلب أن تفتح قلبها له، وزالت الحدود بينهما، وباحت له منال بكل أسرارها بعدما شعرت وكأنها تعرفه منذ سنوات. لم تكن تستطيع أن تخفي عليه أي شيء، ولم تمض أيام على تعارفهما حتى صارحها بحبه، وأكد لها أنه يريد أن يتزوجها لكنه يخشى مفاتحة والدته في هذا الأمر، لأنها تشترط زواج شقيقه الأكبر في البداية.
شعرت منال بخيبة أمل، كانت تتخيل أن حمدي قد أرسلته إليها الأقدار لينقذها من الحياة البائسة التي تعيشها منذ سنوات، فتحت عينيها على دنيانا دون أن تجد الأب أو الأم. تولى جيرانها تربيتها، ولم تكمل دراستها وماتت كل أحلامها إكلينيكياً، وزهدت بالحياة، حتى ظهر حمدي في حياتها، وزرع الأمل في نفسها، لم تتخيل أن يضيع هذا الحلم مرة أخرى، فقررت أن تتمسك بالأمل حتى اللحظة الأخيرة.

أكدت لحمدي أنها تعتز بصداقته، فيما جزم لها بأنه سيفعل المستحيل حتى تصبح زوجة له. وباتت منال أسيرة لهذا الحلم، وعاد حمدي إلى منزله وهو يبحث عن وسيلة ينقذ بها حبه، حاول أن يفاتح والدته لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة، كان يعرف ردها النهائي، فهي لم تكن على استعداد للتفاوض في الأمر الذي حسمته خلال مناقشات سابقة.
مرت أيام عديدة والحيرة تحاصر الموظف الشاب الذي كان يحاول أن يقاوم عواطفه الجياشة تجاه زميلته، وأخيراً حسم أمره، اهتدى إلى فكرة ودعا الله أن توافقه عليها منال... في الصباح فاتحها برغبته في الارتباط بها بعقد زواج عرفي.

قبل أن تعترض منال أكد لها أنه سيوثق هذا العقد بعد فترة وجيزة، بعد أن يقوم بتمهيد الأمر لوالدته، لم تتردد منال التي كانت تحب زميلها وقررت الموافقة وهي ترى في هذا الأمر طوق النجاة لها، لتهرب من الحياة القاتلة التي تعيش فيها بلا أمل.
تم الزواج بشهادة اثنين من زملاء حمدي في المصنع، الذي استأجر لزوجته شقة مكونة من غرفة واحدة بجوار المصنع، وعاش مع زوجته أجمل أيام العمر.

لم يبخل حمدي على منال بشيء، كان يعمل ليلاً ونهاراً ليوفر لها متطلباتها ويعوضها عن غيابه عنها، بسبب حرصه على إخفاء أمر الزواج عن أسرته. ولم تمض شهور حتى زفت له خبر حملها، ووقع الخبر على حمدي كالصاعقة! كان من المفترض أن يطير فرحاً بهذا الخبر الذي يتمناه أي زوج، فكم تمنى أن يصبح أباً، وها هي زوجته الحبيبة تحقق له هذا الحلم، لكنه أدرك أنه وقع في أزمة حقيقية، ولم يعرف كيف سيواجه أسرته.


الأزمة

فكر الزوج في مطالبة زوجته بالتخلص من الجنين، لكنه تراجع مدركاً أنه سيخالف شرع الله بالتخلص من نفس حية، وفي النهاية قرر الاستسلام للأمر الواقع، ومرت الأشهر التسعة بسرعة، وأنجبت منال طفلتها بسمة التي كانت تشبه والدها بشدة.
وحين بلغت الأسبوع الأول من عمرها قرر الأب أن يفاتح والدته، وتحمل غضبتها، وأكد لها أنه يعيش أسيراً للأمر الواقع، وأكد لأمه أنه سيوثق زواجه من منال حتى يتمكن من كتابة ابنته باسمه. ولم تعترض الأم، طار الزوج فرحاً، وأثناء ذهابه إلى المحكمة لتوثيق الزواج اتصل بزوجته هاتفياً ليبث لها الخبر السار.

لم تصدق منال نفسها، طارت فرحاً، أكدت لزوجها أنه بث لها أسعد خبر في حياتها، أخبرته أنها تنتظره على أحرِّ من الجمر، لم تكن تعلم أنها على موعد مع مفاجأة قاسية وغير متوقعة بالمرة.
مكالمة أخرى تلقتها الزوجة من ضابط شرطة، أكد لها أن زوجها لقي حتفه أثناء عبوره مزلقان القطار، وكانت آخر مكالمة أجراها تخصها. أصاب منال الوجوم، لم تنطق بكلمة واحدة، تركزت أنظارها على طفلتها الصغيرة التي ستعيش بدون أب وبلا نسب، وانهارت الزوجة.

وبعد أيام اتصلت بها والدة زوجها، وأكدت لها أنها ستساندها في إثبات نسب ابنتها وإثبات الزواج، وتعاقدت الأم مع محامية للقيام بهذه المهمة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فقد تصدى أشقاء حمدي للأم ليمنعوها من هذا التصرف، وأكدوا لها أنهم لن يسمحوا بأن يشاركهم أحد في ميراث شقيقهم.
حاولت الأم أن تشرح لأبنائها الموقف، وتؤكد لهم أنها كانت تعرف أن حمدي كان في طريقه لتوثيق عقد زواجه بمنال، لكنّ أبناءها رفضوا تماماً. وأخفوا المستندات التي تخص شقيقهم ومنها بطاقته الشخصية، لكن الأم طلبت من المحامية أن تستمر في القضية التي أقامتها أمام محكمة الأسرة وحضرت معها الزوجة في جلساتها الأولى، وذلك بعد أشهر من وفاة الزوج.

وبعد فترة تعرفت منال على أحد زملاء زوجها المتوفى، وعرض عليها أن يتزوجها وأن يتولى تربية ابنتها. فكرت منال في الأمر، أدركت أنها ستعاني كثيراً في المحاكم في مواجهة أشقاء زوجها الذين هددوها وأكدوا لها أنها لن تحصل على شيء.
قررت منال أن توافق على عرض حسام زميل زوجها، وارتبطت به بعقد رسمي، لكن قضيتها الأولى ما زالت سارية بعد أن صممت المحامية أن تستكملها من أجل الطفلة بسمة التي قد يشاء القدر أن تعيش بلا أب ولا أوراق رسمية.
وما زالت القضية منظورة أمام القضاء ومصير بسمة مازال مجهولاً.