عودة ريا وسكينة...

ذهب, جرائم, خطف, عصابة, رجل / رجال مباحث

15 فبراير 2013

ريا وسكينة عادتا، لكن هذه المرة ليس في الإسكندرية، وإنما ظهرتا في أقصى صعيد مصر، في قرية «دينة» إحدى قرى محافظة الأقصر. وقد ساد الرعب هذه القرية، وصار الأهالي يخشون الخروج من المنازل أو ترك بناتهم يذهبن إلى المدرسة بمفردهن... جرائم قتل غامضة تم اكتشافها على غرار حكاية ريا وسكينة، وبعد ستة أشهر كاملة توصلت أجهزة الأمن إلى فك ألغاز هذه الجرائم، لتسقط عصابة الأم فادية وابنها ونجل زوجها وابنتها.


كانت اعترافات ريا وسكينة الصعيد تكشف تأثر المتهمين بالجرائم التي شهدتها الإسكندرية في بداية القرن الماضي بتوقيع ريا وسكينة وحسب الله وعبد العال. استعانت فادية بأسرتها لمشاركتها في جرائمها البشعة التي راحت ضحيتها عجوز في الرابعة والسبعين من عمرها وطفلة في عمر الزهور... من اجل الذهب قتلت فادية وعصابتها، وكما يقول المثل الشعبي المصري «قتلوا القتيل، ومشيوا في جنازته»، هذا ما حدث بالفعل، فالعصابة شاركت أسر المجني عليهما حزنهما، وأظهر أفرادها تأثراً بالحادث المريع الذي أثار الذعر في إحدى مدن محافظة الأقصر.

البداية كانت حين اختفت العجوز منى، فراحت أسرتها تبحث عنها في كل مكان. الجدة العجوز كانت في طريقها إلى زيارة إحدى قريباتها، لكنها اختفت فجأة، ودفع غيابها غير المبرر أسرتها إلى إبلاغ الشرطة اعتقاداً منها أنها تعرضت لحادث خطف.

أكدت ابنتها لرئيس المباحث أن أمها العجوز كانت تضع مجوهرات ثمينة. وبدأت رحلة البحث عن العجوز المختفية، المهمة لم تكن سهلة، لكن البلدة بالكامل شاركت في رحلة البحث عنها، وبعد أيام كان في انتظار أسرتها مفاجأة قاسية. فقد عثر أحد سكان أطراف القرية على جوال ملقى في أحد المصارف، وساعده جيرانه في انتشال الجوال الثقيل، وكانت المفاجأة اكتشاف جثة مشوهة لسيدة عجوز، واشتبه سكان القرية في أن تكون هذه الجثة للسيدة منى المختفية.

تم استدعاء أسرتها، وبسهولة وقبل إخضاع الجثة لتحاليل الحامض النووي تمكنت الأسرة من التعرّف على العجوز من خلال ملابسها. ولا شك في أن الصدمة كانت مروعة لابنة السيدة منى وأحفادها الذين لم يتوقعوا أن تنتهي حياه الجدة الطيبة هذه النهاية البشعة. فقد خنق الجاني الجدة واستولى على حليها الذهبية.
تم تشكيل فريق بحث من ضباط مباحث الأقصر لكشف ملابسات الحادث، ونشر رئيس المباحث أوصاف المصوغات المسروقة التي كانت تضعها القتيلة... ولم تمض سوى أيام حتى استيقظت القرية الصغيرة على جريمة مشابهة!


حكاية هاجر

الضحية هذه المرة الطفلة هاجر التي لم يتجاوز عمرها أربع سنوات. كانت تملأ منزل أسرتها بهجة وحيوية، فالأب موظف صغير، يعود من عمله في الثالثة بعد الظهر مرهقاً، لكن حواره اليومي مع ابنته لدى عودته من عمله كان يزيل كل متاعب اليوم.
عاد الأب من عمله ذات يوم ولم يجد ابنته. أكدت الأم أن الابنة خرجت كعادتها متجهة إلى منزل جدتها الذي يقع في الشارع نفسه، وبعد ساعة ذهبت الأم لكي تنادي ابنتها، لكنها لم تجدها عند جدتها. وأكدت الجدة أن هاجر لم تأت إليها من الأساس، لم تصدق الأم نفسها وسارعت بالبحث عن ابنتها في كل مكان، لكن دون جدوى.

وحين عاد الأب بدأ البحث من جديد، لكن الطفلة تبخرت. أبلغ الأب الشرطة، ومن جديد بدأت رحلة البحث عن الطفلة... وبعد أيام تتكرر المأساة، فقد عثر سكان القرية على جوال ملقى في المصرف الذي تم العثور على جثة العجوز فيه، واكتشف السكان داخل الجوال جثة هاجر.
انتشر الرعب في أرجاء القرية التي أدرك أهلها أن ثمة عصابة تخطف النساء والأطفال وتقتلهم لسرقة ذهبهن، على غرار مسلسل ريا وسكينة. على الأثر، فضّل كثير من الآباء أن يمنعوا بناتهم من الذهاب إلى المدرسة إلى حين القبض على العصابة، وقرر أهالي القرية فرض حظر تجوال إجباري على أنفسهم بعدم الخروج من منازلهم ليلاً.

انتشرت الشائعات في القرية لتزيد الخوف في النفوس، وحاول رجال المباحث أن يبثوا في نفوس السكان الطمأنينة، مؤكدين أن العصابة ستسقط حتما في قبضة العدالة لكن دون جدوى.
وأكدت الشائعات أن القتلى بالعشرات من النساء اللواتي اختفين من منازلهن، وأضافت أن ريا وسكينة ظهرتا من جديد، وتستدرجان النساء من سكان القرى المجاورة لقتلهن وسرقة مجوهراتهن.
في غضون ذلك، بدأت أجهزة الأمن تضع يدها على بعض المؤشرات التي تقود إلى مرتكبي الحوادث المريبة، وأشارت التحريات إلى ارتباط اسم فادية، ابنة السبعة والأربعين عاماً، بهذه الجرائم بعد ظهورها بصحبة السيدة العجوز منى قبل اختفائها بدقائق، وأفاد شاهد آخر أنه لمح ابنة فادية تلعب مع الطفلة هاجر قبل اختفائها أيضاً بدقائق.


السفاحتان

قرر رجال المباحث دهم شقة فادية وأسرتها بعد أن تأكدوا من معلومة عن قيام ابنتها ببيع قرط ذهبي إلى أحد تجار المجوهرات بمبلغ بسيط، وكانت مفاجأة قاسية لفادية التي أصابها الارتباك عندما شاهدت رجال المباحث أمامها.
لم تلبث فادية أن استعادت تماسكها وسألت رجال المباحث عن مرادهم، وبحسم طلب منها رئيس المباحث أن تأتي معه إلى قسم الشرطة. نظرت فادية إلى ابنتها، لكن رئيس المباحث طلب من الابنة إيمان أن تأتي هي الأخرى إلى قسم الشرطة.

وواجه رئيس المباحث المتهمتين بشكوكه، حاولت فادية الإنكار، لكن رئيس المباحث قرر مواجهة ابنتها بالجواهرجي الذي اشتري منها المجوهرات المسروقة. أسقط في يد إيمان، تلعثمت وهي تقول: «أنا ضحية أمي، هي التي خططت للجرائم وأنا شاركتها، دوري كان ينحصر في استدراج الضحايا، وبيع الذهب المسروق بعد ذلك».
تنفس الضابط الصعداء بعدماأدرك أنه وضع يده على أول الخيط لكشف غموض الجرائم المجهولة، وطلب من إيمان أن تواصل اعترافاتها، ووعدها بالوقوف معها أثناء التحقيقات بشرط عدم إخفاء أي معلومات.

واصلت المتهمة اعترافها قائلة: «كنا نعاني من أزمة مالية بسبب عدم وجود مورد رزق منتظم، رفض شقيقي العمل وأدمن المخدرات، وأصبح يحتاج إلى أموال للإنفاق على الكيف. والدتي قررت ارتكاب جرائم خطف للنساء وتخديرهن وقتلهن بعد سرقة ذهبهن، وبدأت الجرائم بقيامي باستدراج العجوز منى بحجة دعوتها لاحتساء الشاي، وقامت والدتي بتخديرها، وخنقها شقيقي واستولينا على مجوهراتها. وبعد ذلك أسرع ابن شقيقي الى وضع الجثة في جوال وحملها على عربة كارو وألقى بها في المصرف الذي يقع في أطراف القرية».

تكمل إيمان: «بعد أيام كررت الأمر مع الصغيرة هاجر، بعد أن أوهمتها أنني سأشتري حلوى لها، وقامت والدتي بتخديرها وخنقها شقيقي، وتخلّصنا من الجثة بالوسيلة نفسها. وصرّفت أنا الذهب المسروق، لكن أخي المدمن استولى على النقود ليشتري المخدرات. وكانت أمي تنوي تكرار جرائمها، لكن الشرطة لم تمنحها هذه الفرصة».
وأكدت المتهمة أن أفراد أسرتها كانوا يشاركون أسر الضحايا حزنهم لصرف الأنظار عنهم... ولم تجد الأم فادية سوى الاعتراف بجريمتها، وقررت النيابة حبس الأسرة بالكامل، وكانت مفاجأة للقرية بعد اكتشاف سر جرائم ريا وسكينة. وأثناء المعاينة التصويرية للجرائم كادت أسر الضحايا تفتك بالمتهمين لولا تدخل الشرطة.