خناقة زوجية والسبب: 'الباسوورد'

الزواج, الحياة الزوجية, طلاق, رأي الدين, د. فايزة خاطر

19 يناير 2014

في حياة كل منا صندوق من الذكريات، قد يحتفظ ببعضها على البريد الإلكتروني، ليأتي طلب شريك حياته بمعرفة كلمة السر «الباسوورد» لبريده كأمر مزعج قد ينهي العلاقة في بعض الأحيان، فقد أصبحت خصوصية «الباسوورد» الإلكتروني، سواء كان لموبايل أو إيميل أو أحد مواقع التواصل الاجتماعي، إحدى المشاكل الكبرى المهدّدة للحب والزواج، لدرجة أن إحدى المحاكم المصرية قضت بطلاق زوجة للضرر، مؤكدةً عدم أحقية الزوج في الاطلاع على عالمها الإلكتروني أو مراقبتها، وكانت الزوجة آثرت الطلاق على أن تمنح زوجها «باسوورد» البريد الإلكتروني، بعدما دخلت معه في نقاش حاد حول أحقيته في الاطلاع على بريدها ومراقبته، لشكه في سلوكها. «لها» ترصد مشكلة «الباسوورد» بين الأزواج، وتبحث عن الحلول قبل أن تتفاقم الأزمة لتصل إلى طريق مسدود.
 

لي لي (32 عاماً) عاصرت قصة طلاق صديقيها بسبب «الباسوورد» الذي حول حياتهما إلى جحيم.

تحكي قائلة: «كانا زميلي دراستي، وبحكم أن الزوجة كانت صديقتي المقرّبة أصبحت صديقة مشتركة بينهما، وكنت أتدخل للوساطة في حل مشاكلهما، خاصةً أن الخلافات في حياتهما بدأت منذ الخطوبة عام 2008، حينما بدأت صديقتي تعاني اعتراض خطيبها على صور «البروفايل» الخاصة بها بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، ولأنها كانت تدخل على الإنترنت من خلال الموبايل، ولم يكن تطبيق الموبايل آنذاك يسمح بإجراء العديد من التعديلات على الصفحة الخاصة، أعطته «الباسوورد» عن طيب خاطر.
لم يجد الخطيب غايته التي يبحث عنها في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فطلب من خطيبته كلمة سر بريدها الإلكتروني، وعندما رفضت هددها بالانفصال وتفاقمت المشاكل بينهما لمدة أربعة أشهر، فتدخلت بصفتي صديقتهما المقربة، وتم التصالح بعدما حصل على كلمة السر».

وتضيف: «تلصّص صديقي على البريد الإلكتروني لخطيبته، واكتشف محادثة بينها وبين حبيبها الأول، فعاود محادثته منتحلاً شخصيتها، بعدها أثار المشاكل معها مرة أخرى، ولم يهدأ له بال حتى اكتشف محادثة أخرى مع شخص تقدم لخطبتها ورفضته، فاشتعل قلبه غيرة ودبت المشاكل بينهما حتى أوشكا على الانفصال، اكتملت الزيجة لكن الزوج اعتاد وضع زوجته تحت حصار المراقبة، ولم يرحم حتى «باسوورد» هاتفها المحمول ليفتش بين الحين والآخر فيه لعله يجد رقماً غريبًا، وفي كل مرة كنت أتدخل للمصالحة بصفتي صديقة مشتركة بينهما». وتكمل لي لي: «الزيجة لم تستمر أكثر من عامين بسبب الشك الكبير، وانتهت عندما اكتشفت صديقتي عن طريق الصدفة خيانة زوجها الذي نسي حسابه على «فيسبوك» مفتوحاً ذات مرة فتصفحت الرسائل، حينها علمت أن خيانته سبب شكه الدائم في سلوكها فطلبت الطلاق بلا تردد».


مساحة خصوصية

في المقابل يؤمن محمد خفاجي، مصمم أزياء، بضرورة وجود مساحة من الخصوصية بين الأزواج، ويؤكد أنه لم يطلب من زوجته قط معرفة «باسوورد» بريدها الإلكتروني. ويقول: «الشك مبدأ مرفوض في الحياة الزوجية، والرجل إذا أراد خيانة زوجته لن يعوقه بريده الإلكتروني، وسيجد أكثر من طريقة للتحايل عليها، فقد ينشىء بريداً آخر مخصصاً للنساء أو يشتري خط موبايل مختلفاً عن الذي تعلمه زوجته ويتركه في سيارته قبل عودته إلى المنزل».

تلتقط زوجته ياسمين عبدالوهاب، مصممة أزياء، منه أطراف الحديث، وتقول: «ليس لديَّ أدنى فضول لمعرفة «باسوورد» محمد، وبحكم أننا نعمل معاً، كثيرا ما يعطيني «باسوورد» بريده الإلكتروني ويطلب مني أن أستخرج له بعض الأشياء، وفي كل مرة يطلب مني ذلك أقول له: «اعطني كلمة السر من جديد لأنني أنساها نظراً لأنها لا تشغلني»، ورغم أن محمد هو من يطلب مني فتح بريده الإلكتروني، فالفضول النسائي لم يتطرق إلى قلبي حتى أفتح رسائل غير التي خصني بها». ولا تعتقد ياسمين أن كونها شخصية غير فضولية هو السبب الوحيد في عدم شغفها بالتلصص على زوجها، بل تُرجع ذلك إلى الثقة الكبيرة الموجودة بينهما والتي يدعمها الحب والتفاهم. وتعترف بأن «الباسوورد» أصبح «خناقة» كل بيت، وتوضح: «كثيرات يتلصصن على هواتف أزواجهنّ، وفي بريدهم الإلكتروني لعلهنّ يكتشفن محادثات ورسائل مع أخريات، لكن هذا يرجع إلى كون الرجل غير صريح مع زوجته، أو لكونه عاشقاً للنساء «زائغ العيون»، فالزواج من «كازانوفا» أمر يرهق المرأة ويفقدها صوابها في أوقات كثيرة.


هامش من الحرية

أما عمر طوسون، فنان تشكيلي، فيرى أن كل طرف يجب أن يتمتع بهامش من الحرية. ويقول: «سؤال الزوجة عن «الباسوورد» أو محاولاتها لاقتحامه، لا يفرق عن سلوك الزوجة التي تفتش في جيوب زوجها ومحفظته».
ورأى أن الخصوصية من بديهيات العلاقة بين الرجل والمرأة، وعلى الطرفين الاتفاق حولها.
ورغم أن طوسون أعزب، لكنه يؤكد أنه لن يفكر مطلقاً في التلصص على زوجته أو طلب «الباسوورد» منها. ويضيف: «أما لو طلبته هي فسأمنحها إياه وأفتح حساباً إلكترونياً جديداً، لتتعلم أن الرجل لا يمكن تقييده، بل كلما ازدادت الثقة تلاشت الحواجز».


الثقة

تؤكد نهال عبد الرحمن، متزوجة من سبعة أشهر، أنها تملك «باسوورد» زوجها وهو كذلك، موضحة أن التفاهم أساس الحياة الزوجية، وأنه قادر على محو أي خلافات مهما كانت أسبابها، وأنها وزوجها لا يخفيان أي أسرار على بعضهما ويتواصلان في أدق تفاصيل حياتهما. وتتابع: « معرفة كل منا لـ «باسوورد» البريد الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي للآخر، يأتي في نطاق التواصل وليس محاولة التلصص». تؤكد نهال أن الحياة الإلكترونية لا تسبب لها هواجس الخيانة كما هو حال العديد من الزوجات، خاصةً أن زوجها خطبها من والدها عبر Skype من كندا حيث عمله، بناءً على كونهما زميليْ دراسة. وتضيف: «التفاهم بيني وبين إسلام يصل إلى درجة أنني على علاقة بزميلاته في العمل في كندا، حيث عرفني عليهنّ وأتواصل معهنّ بين الحين والآخر، مشيرة إلى أن زعزعة الثقة بين الأزواج هي السبب في خلافات «الباسوورد» أو الخلافات بشكل عام».


مخبر سري

من الجانب النفسي يؤكد الدكتور هاشم بحري، رئيس قسم الطب النفسي في جامعة الأزهر، أن خلافات الأزواج على «الباسوورد» نتاج طبيعي لعدم الثقة، وهي أزمة زوجية موجودة قبل عصر التكنولوجيا، موضحاً أن النساء في أميركا كن يستأجرن مخبرًا سرياً لمراقبة الأزواج قبل عصر الإنترنت، وبمواكبة التكنولوجيا أصبح «الباسوورد» البديل الذي سهل عملية تلصص الأزواج على بعضهم. يضيف أن الشك له علاقة بقدرة الإنسان على ثقته بنفسه، وقدرته على مقاومة الإغراءات وقوة شخصيته، والسيطرة على نفسه. ويتابع: «لذا أؤكد أن تلصص الأزواج ليس وليد اللحظة، وإنما سهله زمن التكنولوجيا، وفي رأيي أن من يطلب «الباسوورد» في حاجة إلى معرفة معلومات حال جدار كبير في العلاقة الزوجية دون معرفتها، وبالتالي على كلا الزوجين ترسيخ مبدأ الثقة والتفاهم أولاً».


إتيكيت الخصوصية

«ليس من حق أحد الزوجين التلصص على الآخر»، بهذه الكلمات بدأت ماغي الحكيم خبيرة الإتيكيت حديثها. وتوضح: «العلاقة الزوجية لها أصول وقواعد وإتيكيت يجب أن ينميه الأهل في أولادهم منذ الصغر، على رأسها احترام خصوصية الآخر، ومن ثمَّ يجب أن يتم الاتفاق على وجود الخصوصية منذ فترة الخطوبة حتى لا تنشب الخلافات بعد الزواج».  وأكدت أنه من المرفوض أن يشعر أحد الزوجين أنه تحت المراقبة طوال الوقت، لأن شريكه على علم بـ«الباسوورد»، فمن حق الزوجة أن تتحدث مع صديقاتها بحرية دون أن يخترق الزوج خصوصيتها، وكذلك الحق نفسه أصيل للرجل. وتضيف: «على الزوجين أن يعلما أن الزواج عقد شراكة وليس عقد ملكية، ومن حق كل واحد أن يكون له مساحة من الخصوصية».


رأي الدين

تؤكد الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، أن الزواج في الإسلام مبني على الثقة المتبادلة بين الزوجين، حيث حث الدين كلاً من الرجل والمرأة على اختيار شريك حياته بناءً على الأخلاق الطيبة، حتى يكون الزواج بينهما آيةً من آيات الله القائل: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً»، وقال صلى الله عليه وسلم للراغب في الزواج: «تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وقال أيضاً: «الدنيا متاع وخيرها المرأة الصالحة»، وقال للمرأة وأولياء أمورها: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». وأضافت أن الثقة بين الزوجين تجعل كلاً منهما لا يشك بالآخر لحظة، لأنه يعلم أنه أحسن الاختيار على أساس الدين والأخلاق، وبالتالي سيحترم كل منهما خصوصية الآخر، ولن يسعى إلى معرفة كلمة السر أو «الباسوورد» الخاص به، لأنه يعلم أن شريك حياته يخشى الله ويخاف أن يعصيه بأي إساءة استخدام لبريده الإلكتروني أو «فيسبوك» أو «تويتر»، أو أي وسيلة فيها خصوصية له، لقوله تعالى: «يَعْلَم خَائِنَة الْأَعْيُن وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ». وأنهت الدكتورة فايزة كلامها بأنه ليس من حق أي من الزوجين التجسس على الآخر لمعرفة أسراره وخصوصياته، إلا إذا ظهر له بوجه اليقين المؤكد، وليس لمجرد الشك، أنه يخالف تعاليم الدين والأخلاق بشأن العلاقة الزوجية القائمة بينهما، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا».