تمنح شهادة محو أمية زوجية مدارس للمقبلين على الزواج؟!

الزواج, طلاق, المدرسة, شريك حياة

08 فبراير 2014

اختيار شريك الحياة والتعامل معه، بدءاً من فترة الخطوبة وحتى ما بعد الزواج، ليسا أمراً سهلاً ينجح فيه الجميع، بدليل ارتفاع نسب الطلاق في مجتمعاتنا. ومن هنا بدأت تنتشر فكرة إنشاء مدارس لتعليم فنون الحياة الزوجية الناجحة، بواسطة مدربين مؤهلين يقدمون للشباب والفتيات دروساً في التعامل مع الطرف الآخر. فهل تجد هذه الفكرة نجاحاً ورواجاً في مجتمعاتنا؟ أم أن الحرج الاجتماعي قد يقف عقبة أمامها؟


في البداية يقول أحمد وجيه، مؤسس مدرسة «اتجوز صح»: «رغم أن عمري 23 عاماً فقط، أنا مهموم بقضية الزواج والطلاق من خلال عملي مذيعاً غير متفرغ في «راديو أون لاين». ومدرب تنمية بشرية، وأنا مثل أي شاب أرغب في الزواج، إلا أنني متوجس خيفة منه بسبب ما أراه حولي من الزيجات التي تنتهي بالفشل في النهاية، أو العلاقات الزوجية التي تمتلئ بالمشاكل. ومن منطلق «الحاجة أم الاختراع» بدأت البحث عن الحل العملي لمشاكل الزواج من خلال تشخيصها، فبدأت أولاً برصد أسباب المشكلات الزوجية وفشل العلاقات بين المتزوجين بل والمخطوبين، فوجدت أسباباً كثيرة جداً، ولهذا صممت على تنفيذ فكرة مدرسة «اتجوز صح» انطلاقاً من مبدأ «الوقاية خير من العلاج»، لأن الزواج أهم مشروع في حياة الإنسان، ويترتب عليه مستقبل الأجيال القادمة، ولهذا لا بد أن يكون مشروعي ناجحاً حتى يصبح الجيل القادم ناجحاً».

وعن كيفية نقل فكرته إلى حيّز التنفيذ قال: «قررت طرح الفكرة أولاً على صفحتي الشخصية على «فيسبوك»، ووجدت أن هناك 50 شخصاً طلبوا الانضمام إلى المدرسة، لكن في ذلك الوقت لم أكن أملك أي شيء، فلم يكن عندي مكان للتدريب ولا مدربون ولا حتى المواد التي يمكن أن أدرب المتقدمين عليها. وبدأت التواصل مع مدربي التنمية البشرية والإرشاد الأسري، وحصلت على دورات تدريبية في هذا المجال، فأصبحت العقبة الوحيدة أمامي هي المكان فقط، وبدأت إقامة الجلسات في أول الأمر عبر فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد ذلك عرض الفكرة على الأماكن التطوعية، مثل الأندية والجامعات والجمعيات الخيرية وغيرها، وانهالت علينا عروض كثيرة، لأننا لا نهدف إلى الماديات. ونحن الآن بصدد عقد اتفاق مع جمعية «صناع الحياة» برئاسة الدكتور عمرو خالد؛ لإلقاء محاضراتنا داخل مقراتها في مصر، ثم الانتشار في العالم العربي».

ويكمل: «أما الاستراتيجية التي ستقوم المدرسة بتنفيذها من أجل حياة زوجية ناجحة؛ فهي تتكون من أربع مراحل رئيسية:

الأولى: قبل اختيار شريك الحياة، وهي المرحلة الأساسية التي يترتب عليها نجاح أو فشل العلاقة، فإذا كان الاختيار مناسباً تكون العلاقة ناجحة.
الثانية: مرحلة الخطوبة وتأثرها بالعادات والتقاليد الشرقية والمسلسلات والأفلام، التي أعتقد أنها من أكبر أسباب المشكلات في فترة الخطوبة، لأنها تجعل الشباب والفتيات يعيشون في حالة «وردية» بعيدة عن الواقع، ولهذا نقوم من خلال المحاضرات بتعريف الشباب بأهمية فترة الخطوبة، وبكيفية التعامل مع الطرف الآخر خلالها، وتعريفهم بالموضوعات التي يجب أن يتحدثوا فيها لكي تكون خطوبة ناجحة.
الثالثة: تبدأ من عقد القران وليلة الزفاف والحفلة وما إلى ذلك، وما يجب أن يتم في تلك الفترة.
الرابعة: تبدأ بعد الزواج، وما يجب أن يتم بين الزوجين، وكيفية تفادي المشكلات التي قد تقع بينهما، وكيفية تربية الأطفال تربية صحيحة.
ولكل مرحلة لدينا معلومات مفيدة تزيد الإيجابيات وتقلل السلبيات، خاصةً إذا علمنا أن نسبة الطلاق الآن أصبحت تقارب الـ45 في المئة، غالبيتها في السنوات الأولى من الزواج، غير أن نسبة «الأمية الزوجية» تتعدى الـ90 في المئة، لهذا أعددنا مشروع «شهادة محو الأمية الزوجية»، ونتمنى تعميمه قبل الزواج مثلما تفعل ماليزيا التي تشترط وجود مثل هذه الشهادة».
أنهى أحمد وجيه كلامه بالتأكيد على آماله في نشر الفكرة على مستوى الوطن العربي، وأن يكون للمدرسة مقر في كل دولة.


تفاعل شبابي

هل يمكن أن يقبل الشباب والفتيات على هذه النوعية من المدارس؟

تقول عفاف حسام، 19 سنة طالبة جامعية: «سمعت عن هذه المدارس، وأرى أنها فكرة جديدة لتأهيل الفتيات والشباب للزواج المستقر، وتساعد على التقليل من المشكلات قبل الزواج وبعده، والحد من معدل الطلاق الناتج عن أسباب كثيرة، أهمها الاختيار الخاطئ وتصحيح المعلومات المغلوطة عن الزواج، وقد يتحفظ عنها البعض بالنسبة إلى الفتاة الشرقية التي قد تخشى تفسير إقبالها على الفكرة بأنها تعرض نفسها للزواج، أو تعاني «العنوسة» وتبحث بنفسها عن شريك حياة، مما يجعلها «رخيصة» عند من يرتبط بها، لكن هذا المفهوم لابد أن يتغير».

وتقول مي أحمد، 25 سنة موظفة: «أؤيد أي فكرة أو مبادرة إيجابية تسهم في إصلاح الواقع المرير، الذي يعيش فيه الشباب والفتيات بسبب تحكم العادات والتقاليد في تصرفات أولياء الأمور، مما يجعل كلفة أي زواج بسيط باهظة، فتكون «العنوسة» التي لا تقتصر على الفتيات فقط هي «سيدة الموقف»، ولهذا فإن وجود أفكار إيجابية مثل هذه المدارس أمر مطلوب، بشرط أن يكون العاملون فيها محترمين تم تأهيلهم وليسوا من الهواة، حتى لا تتم معالجة وضع خاطئ بشكل خاطئ، فتكون النتيجة أسوأ، ويتم تشويه مثل هذه المبادرات التي يمكن إذا جرت دراستها وتنفيذها جيداً أن تفيد عدداً كبيراً من أفراد المجتمع، خاصةً المقبلين على الزواج، بل المتزوجين والآباء، لأن الدراسات الاجتماعية أثبتت أن الفتاة العربية تعاني مشكلة نقص الثقافة عن تفاصيل الزواج والحياة الأسرية ومشاكلها وكيفية حلها، حتى أن العادات والتقاليد قد تجعلها تلجأ إلى السحر والشعوذة لحل مشكلاتها، لهذا فإن وجود مثل هذه المدارس وتنظيمها ندوات عن كيفية الزواج الصحيح والحفاظ على الأسرة أمر مفيد».


تعاون الإعلام

أما علي مجدي، مدرب في مدرسة «اتجوز صح» فيقول: «نحاول تأهيل الشباب للزواج الناجح، ابتداءً من كيفية اختيار شريك الحياة وحتى تربية الأطفال والتعامل مع أسرة كل من الزوجين بنجاح، حتى نعمل على الترابط الأسري الكبير، وليس الأسرة الصغيرة فقط. ونحن سعداء جداً ببذل الجهد لمساعدة الفتيات والشباب في هذه المرحلة الحرجة، ولا بد أن يبرز الإعلام دور هذه المدارس، حتى يتعرف كل طرف على كيفية اختيار الشخص المناسب والتعامل معه في المواقف المختلفة، لأن ما نقوم به من جهد ما لم ينشر إعلامياً سيظل المستفيدون منه قليلين جداً».


تواصل

ويقول محمد السيد فرغلي، رئيس اتحاد الطلبة بكلية التربية: «نقوم في الجامعة باستضافة كبار الخبراء في العلوم الاجتماعية والنفسية، بهدف نشر الوعي بين الطالبات والطلبة للحياة المستقبلية عندما يتخرجون ويستعدون لتكوين أسرة، ونتواصل مع عدد من المحاضرين الذين يعملون في مدارس تأهيل المقبلين على الزواج، واستضفنا بعضهم في كليتنا وكانت الاستفادة كبيرة، ولاحظت تأييداً بين زميلاتي وزملائي لفكرة هذه المدارس، حيث يطلبون من اتحاد الطلاب الاستضافة المستمرة لممثلي تلك المدارس التي تحمل مبادرات جادة لتصحيح الأفكار وبناء أسرة سوية متفاهمة. والطريف أن هذه المحاضرات التي نظمناها استفادت منها أسر الطالبات والطلبة، ممن يعاني أفرادها من مشكلات فى حياتهم الاجتماعية، ويفشلون في التعامل معها، ويحتاجون إلى من يمد إليهم يد العون بالمعرفة.
ولهذا أتوقع انتشاراً أوسع لهذه الأفكار الإيجابية، مثل مدارس الزواج، حتى تستطيع مجتمعاتنا أن تجتاز العقبات التي أدت إلى تأخر الزواج، مع أن الحل بسيط وبأيدينا، لكننا نخلق المشكلة ثم نشكو منها».


بارقة أمل

وتقول سارة محمود، 23 سنة خريجة جامعية: «هذه المدارس ناجحة في الخارج، وأتمنى وجودها في بلادنا العربية التي تعاني أمراضاً اجتماعية وتقاليد ظالمة، تدفع المرأة ثمنها في الغالب، لأنها تعيش في مجتمعات ذكورية لا تلتفت كثيراً إلى همومها. ولعل وجود مثل هذه المدارس لتأهيل المقبلين على الزواج يكون بارقة أمل في تصحيح الأفكار والمعلومات الخاطئة، لأن الإنسان عدو ما يجهل وفاقد الشيء لا يعطيه، وأتمنى أن تساهم هذه المدارس المبتكرة في سد الفجوة، لأننا فعلا نحتاج إلى أفكار جريئة لنشر الوعي لدى الفتيات والشباب، خاصةً بالنسبة إلى الخطوبة ومعرفة كيفية اختيار شريك الحياة بشكل صحيح، وكيفية حل المشكلات أثناء فترة الخطوبة، وكذلك بعد الزواج لأننا لاحظنا أن نسبة الطلاق أصبحت عالية ومتزايدة بسبب عجز الطرفين عن الوصول إلى حل للمشكلات. ومثل هذه المدارس تحاول منع حدوث المشكلة أصلاً، أو تخطي المشكلات الموجودة من خلال محاضراتها وتوعية الشباب بتفهم عقلية كل من الرجل والمرأة. فمثلاً من خلال المحاضرات يتعرف الشباب على طبيعة المرأة، وتتعرف المرأة على عقلية الرجل، خاصة أن الزواج بداية رحلة طويلة تتطلب مهارات كثيرة، سواء في التعامل مع شريك الحياة أو تربية الأطفال».


موروثات خاطئة

يؤيد الدكتور الوليد العادل، أستاذ علم النفس وخبير العلاقات الأسرية، إنشاء هذه المدارس، «خاصةً التي يفكر في إنشائها أصحاب المشكلة أنفسهم، وهم الفتيات والشباب الذين أراهم أكثر تطوراً فكرياً من آبائهم وأمهاتهم، بسبب وسائل التواصل في عصرنا، لتغيير بعض الموروثات الخاطئة التي أدت إلى جعل الزواج أمراً صعباً وتكلفته هائلة، مما أفقد كثيرين التحمس له أو حتى المساعدة أو الدعوة إليه. ومثل هذه المدارس سبقتنا إليها بعض الدول الإسلامية، مثل ماليزيا التي تشترط للمقبلين على الزواج اجتياز دورة تدريبية في المدارس المؤهلة للزواج، وتتم بشكل رسمي وتحت رعاية الحكومة».
وكشف أنه من خلال أسفاره الكثيرة وإقامته لفترات طويلة في الخارج مع زوجته، الخبيرة الأسرية عبير شاهين، لاحظ انتشار الأفكار الجريئة التي تستهدف التجهيز الفكري والنفسي للمقبلين على الزواج، وقرر مع زوجته إقامة مركز يقدم مثل هذه الدورات ابتداء من عام 2002. ولم يكتفيا بتقديم المحاضرات للنساء والرجال فقط، وإنما قدما مشروعاً متكاملاً إلى وزارة التضامن بأن تتولى رعاية وإنشاء مثل هذه المراكز المؤهلة للزواج في كل الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية الموجودة في كل المحافظات، على أن يكون الالتحاق بها والحضور فيها اختيارياً، ومن الممكن بالتدريج أن يكون الالتحاق بها والحصول على شهادة منها شرطاً قانونياً لإتمام الزواج.


أمثال معادية للزواج

رصدت الدكتورة عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، مجموعة من الأمثال الشعبية التي تشخص نظرة مجتمعنا إلى الزواج، وترى أنه مطلوب من مدارس الزواج تغيير المفاهيم الخاطئة في هذه الأمثال التي تشكل الوجدان المجتمعي، في النظر إلى هذه العلاقة الإنسانية، فمثلاً نجد أن هناك مثلاً شعبياً يقضي على الثقة في الرجال من جانب النساء «يا مآمنة للرجال يا مآمنة للمية في الغربال»، أي لا تثقي في الرجل إطلاقاً لأنه خائن أو لا يصلح لبناء أسرة مستقرة. على الجانب الآخر نجد مثلاً ينظر إلى المرأة على أنها سلعة يشتريها الرجل بماله، حيث يقول «بمالك وفلوسك بنت الأكابر عروسك»، ووصلت الأمثال الشعبية لدرجة الترويج إلى ما نعاني منه، من عدم التوافق السني أو العمري بين الزوجين، فنجد مثلاً عامياً يقول: «شيبة تدللك وشباب يبهدلك»، ومن الأمثال ما ينفر من الزواج أصلاً، فيقول: «الزواج أوله تدليل وآخره تذليل».

وتواصل الدكتورة عزة كريم استعراض الأمثال الاجتماعية المحبطة، التي يجب أن تعمل مدارس الزواج على تغييرها عملياً، من خلال الندوات والمحاضرات المكثفة، وأن تحاول وسائل الإعلام نشر ما تقدمه هذه المدارس الزواجية من معلومات صحيحة، مثل «حماتي الله يخليها وبنار جهنم يشويها»، وكذلك «على ابنها حنونة وعلى مراته مجنونة»، وهناك مثل يجعل الزواج قبراً، فيقول: «الحب بستان يضحك بالزهور، والزواج سجن نهايته القبور».
وأنهت الدكتورة عزة كريم كلامها بدعوة القائمين على أمر تلك المدارس الزواجية المستحدثة أن يحاولوا، وفق خطة واستراتيجية، إثبات أن عكس تلك الأمثال البالية هو الصحيح، بأن الزواج سكن ومودة ورحمة، كما وصفه الله، وليس معركة فيها فائز وخاسر، لدرجة أن وصية أهل الزوج له في تعامله مع زوجته الجديدة «ادبح لها القطة في ليلة عرسها»، في حين يقول أهل الزوجة لابنتهم «ظل رجل ولا ظل حيط، ولو كان خيال مآتة»، و«البنت عند أهلها ست ومتهنية وعند جوزها عبدة متربية».

CREDITS

تصوير : شيماء جمعة