ولاية الرجل على المرأة حقّ يراد به باطل أحياناً!

علماء الدين, المرأة, حقوق المرأة, د. عبلة الكحلاوي, د. آمنة نصير, د. مريم الدغستاني, د. نصر فريد واصل, د. فايزة خاطر, د. محمد عبد المنعم البري

26 أبريل 2014

المفاهيم المغلوطة والخاطئة حول ولاية الرجل على المرأة تجعل كثيرين يظلمون المرأة ويقيّدون حريتها وينتقصون حقوقها، وهو ما دفع مجموعة من الناشطات الى المطالبة بتقييد الولاية المطلقة للرجل على المرأة، خصوصاً ما يتعلق باشتراط موافقته على بعض المسائل، مثل التعليم والعمل والتنقل والتقاضي والعلاج. فماذا يقول علماء الدين عن ولاية الرجل على المرأة؟ وهل هي مطلقة أم لها ضوابطها؟ وهل تصبح الولاية أحياناً حقاً يراد به باطل ضد المرأة؟
 

توضح الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن شريعة الله سبحانه وتعالى جاءت بتكريم المرأة واحترام كيانها كإنسان، والعناية بأمورها مثل الرجل تماماً، دون تفرقة إلا بما يتصل بخصوصياتها، ولهذا قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» آية 97 سورة النحل.
وأضافت الدكتورة عبلة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو المثل الأعلى لكل المسلمين، خاصةً الرجال، في تعامله مع النساء كان من أشد الناس حرصًا على المرأة، فكان يحرص على أن يُكرمها ويرفع من شأنها بل ويشاورها ويحترم رأيها ويأخذ به في بعض المواقف، ولهذا قال في وصف علاقة النساء بالرجال: «إنما النساء شقائق الرجال».

وأشارت إلى أنه لا مانع شرعاً من تخفيف القيود على المرأة باسم «الولاية»، التي من المقرر شرعاً أنها لمصلحة المرأة وليست قيوداً تكبّلها وتمنعها حقوقها، ولهذا يجب الرفق بها والتخفيف من القيود عليها والاستماع إلى مطالبها العادلة، طالما لا تتناقض مع صريح أحكام الشرع الذي كرّمها، ولنتأمل دعاء النبي، صلى الله عليه وسلم: «اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم، فارفق به» ولهذا يجب الربط بين هذا الدعاء النبوي وبين حديث الرفق بالمرأة، حين قال صلى الله عليه وسلم موصياً الرجال بها: «رفقاً بالقوارير» و‏القوارير هي الزجاج الرقيق السهل الكسر.


تحذير

تحذر الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية جامعة الأزهر، من ممارسة أي نوع من أنواع التسلّط والقهر على النساء باسم «الولاية»، التي جعلها الدين للرجل على المرأة، لأنه من المفترض أن من ولي أمر إنسان يكون أحرص الناس عليه، حتى أنه قد يضرّ نفسه في سبيل مصلحة من ولاه الإسلام عليه.
وتعجبت الدكتورة آمنة من ظلم المرأة باسم الإسلام، مع أن الله سبحانه وتعالى الذي بيده كل شيء وهو الخالق، قد حرَّم الظلم على نفسه وهو من بيده النفع والضرر ولا يحاسبه أحد عما يفعل، حيث جاء الحديث القدسي الذي رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا».

وأنهت الدكتورة آمنة كلامها مؤكدة أن من يطالع النصوص الشرعية يجد أن المرأة مخلوق مُكرَّم مثلها مثل الرجل، لها حقوق وعليها واجبات، ولا يجوز ظلمها والجور عليها أو منعها حقاً من حقوقها باسم ولاية الرجل عليها، فهو ظلم يرفضه الدين الذي جاء لإنصافها من «الجاهلية الذكورية» التي أوصلت أبناء الجاهلية قبل الإسلام إلى وأدها حية وقتلها معنوياً أو امتهانها إذا أبقاها على قيد الحياة، وهو ما سجله لنا القرآن ليكون عبرة للرجال في كل العصور، فقال تعالى: «وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ. وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ. يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» الآيات 57 -59 سورة النحل.


إلى صُنّاع القرار

وترفض الدكتورة مريم الدغستاني، رئيسة قسم الفقه بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن تتحوّل العادات والتقاليد المخالفة للشرع إلى قيد على المرأة باسم الدين، وهو من ظلمها بريء، حيث وصف رسول الله صلى الله وعليه وسلم نفسه في علاقته بأهل بيته، وخاصة زوجاته، فقال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
وقالت الدكتورة مريم: «أساند المطالب العادلة للمرأة طالما أنها من قبيل الحريات والحقوق التي لا تتعارض مع صحيح الدين، لأن الإسلام جاء ومعه الكرامة والعزة والشرف والتقدير للمرأة، سواء كانت أماً أو ابنة أو أختاً أو زوجة، فأمر بما يكفل حقوقها ويحميها من الآخرين، ويكفينا فخراً أن الله خصنا نحن النساء بسورة كاملة من السور الكبرى بالقرآن وسماها باسم»النساء»، ولم ينزل «الرجال»، فهل بعد هذا يحول البعض الولاية على المرأة إلى سيف مصلط عليه».
ودعت الدغستاني صناع القرار في مختلف الدول العربية والإسلامية، إلى تقديم نموذج مشرف للعالم في رعاية النساء ورفع أي ظلم عليهن، فهذه أفضل دعوة عملية لنساء العالم للدخول في الإسلام بدلاً من ظلمها باسم الدين، وليتأمل الجميع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفحش والتفحش، وإياكم والشح فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، والبخل فبخلوا، وبالفجور ففجروا»، فقام رجل فقال: يا رسول الله، أي الإسلام أفضل؟ قال: أن يسلم المسلمون من لسانك ويدك». 


تصحيح المفاهيم

أوضح الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، أنه من المؤسف أن هناك بعض المفاهيم الخاطئة والمغلوطة عن حق الولاية للرجل على المرأة، إلى درجة أن كل من ينظر في واقعنا سيجد أن كثيرًا من الرجال قد أساؤوا استخدام حقهم في الولاية، متعللاً في ذلك بالنصوص الشرعية التي يتم تأويلها لخدمة أعراف ظالمة للمرأة، مع اعترافنا بأن الإسلام يقر العرف أو التقاليد ما لم تحلل حراماً أو تحرم حلالاً.
وحذر الدكتور نصر فريد واصل من قهر النساء في أي مجتمع باسم الولاية، التي وضع لها الفقهاء في مختلف العصور ضوابط شرعية لمنع تحولها إلى وسيلة للظلم، لأنه من المفترض أنها وسيلة رفق ورعاية بالمرأة في الأمور التي ليس لها بها علم.
ويشير الدكتور نصر فريد، إلى أنه من المؤسف أن بعض الناس يسيء فهم الآية الكريمة التي قال الله تعالى فيها: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» الآية 34 سورة النساء، حيث يخلط البعض بين القوامة والولاية.


مناقشة مفتوحة

 طالبت الدكتورة فايزة خاطر، رئيس قسم العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، علماء الإسلام من الجنسين، وكذلك ناشطات المجتمع المدني وخبراء القانون وصناع القرار في كل مجتمع عربي ومسلم، إلى الجلوس سوياً ومناقشة كل ما يتعلق بأمر ولاية الرجل على المرأة، وما هو في صالح الاستقرار الأسري والمجتمعي يتم إقراره، وما يتسبب في ضرر بالمرأة في مختلف مراحل حياتها يتم تغييره.
وأوضحت، أن هذا هو ما يأمرنا الله تعالى به حين حذر الرجال من الضرر بالنساء فقال: «وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُواْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا» آية 231 سورة البقرة، ولنتأمل الآية التي تحذر من ظلم النساء مثل قوله تعالى: «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ» آية 232 سورة البقرة، وقال: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ» الآية 6 سورة الطلاق.
وأنهت الدكتورة فايزة كلامها بالدعوة إلي إقرار العدل بين الرجال والنساء فيما لا يخالف النصوص الشرعية الصريحة، وذلك تنفيذاً للأمر الإلهي «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» الآية 58 سورة النساء، وليتذكر الجميع قول التوصية النبوية الخالدة مرتين في حديث واحد، حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء».


مطالبات مرفوضة

يقول الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر: «إن الشريعة جعلت الولاية للرجل على المرأة ومنحته حق القوامة عليها، لأن هذا متسق مع فطرة الله تعالى في خلقه، حيث جعل الرجل راعيًا للمرأة قائمًا على شؤونها من خلال ولايته عليها، وليس هذا أمراً محل نزاع أو جدال، وإنما الأفضل أن يكون موقف الجميع «سمعنا وأطعنا» لقول الله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا» آية 36 سورة الأحزاب.
وأوضح الدكتور البري، أن فطرة الله التي فطر عليها المرأة تحب أن يرعاها الرجل ويباشر شؤونها ولا تكون مستقلة عنه، لأنه الأكثر تأنياً وعقلانية وتحكماً في انفعالاته وأفعاله وعواطفه، على عكس المرأة التي تغلب عليها العاطفة، لكن المشكلة أن بعض نساء المسلمين الآن تأثرن بالأفكار الغربية الوافدة عن التحرر والاستقلال الكامل للمرأة عن الرجل، ورفض أي ولاية له عليها حتى في الزواج، بالدعوة إلى الاستناد إلى بعض الأقوال الفقهية التي تخالف رأي جمهور الفقهاء، مثل حق المرأة في تزويج نفسها رغماً عن أهلها، ورفض أي ولاية للأب أو الأخ أو أي رجل من عائلتها عليها، وإذا تزوجت طالبت بإسقاط أي ولاية للزوج عليها.
وأنهى الدكتور البري كلامه بالتأكيد أن المطالبة بإسقاط ولاية الرجل على المرأة، أو تحجيمها والحد منها، أمر مرفوض شرعاً، وسيزيد المشكلات الأسرية ويضاعف حالات الطلاق، ويزيد العنوسة، ولهذا فإن هذه المطالبات النسائية بالحد من ولاية الرجل ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.