قبل الزواج: مطلوب شهادة نفسية!

الزواج, اختصاصيي علم نفس, الحياة الزوجية, علم النفس, د. آمنة نصير

03 مايو 2014

رغم وجود قانون يلزم بالفحص الطبي قبل الزواج للتأكد من خلو الطرفين من أي أمراض عضوية قد تحول دون علاقة زوجية سليمة، لكن في المقابل لا يهتم أحد بالفحص النفسي رغم أهميته، خاصةً أن هناك مفاجآت نفسية قد يكتشفها كل طرف في الآخر بعد الزواج قد تفسد عليهما حياتهما.  فهل يمكن أن يتقبّل كل طرف أن يطلب منه الآخر شهادة نفسية بأنه صالح للحياة الزوجية؟ وما هي آراء علم النفس والاجتماع والدين؟

«عندما تكون لدى كل طرف فكرة عن المشاكل النفسية للطرف الآخر، سوف يتجنب كل منهما الضغط على الشق النفسي الضعيف لدى شريكه، وبذلك يتم تفادي مشاكل كثيرة»، بهذه الكلمات بدأت إسلام إبراهيم، مهندسة غرافيك، حديثها، ورغم أنها لم تفعل ذلك قبل زواجها، إلا أنها ترى أن الفحص النفسي يساهم في فهم مسبق لمشاكل كثيرة قد يستغرق اكتشافها وحلّها سنوات طويلة، ويساعد بالتالي الطرف الآخر على الوقوف بجوار شريكه لحل مشاكله النفسية، خاصةً إذا كان زواجهما مبنياً على الحب.

ويؤيدها في الرأي زوجها جلال علي (مهندس كمبيوتر) الذي يؤكد بدوره أهمية الفحص النفسي قبل الزواج، لأن اكتشاف أي مرض نفسي بعد ذلك قد يؤدي إلى فشل العلاقة الزوجية، بسبب عدم قدرة أحد الزوجين على تحمل المشاكل الناجمة عن مرض الآخر، خاصةً أن توابع المشكلة قد تمتد على الأمد الطويل، لأنها تعود بالسلب على شخصية الأطفال وصحتهم النفسية. ويشير إلى أن عدم إتمام الزيجة بسبب مرض نفسي ما لدى أحد الطرفين يعتبر أفضل بكثير من الانفصال في ما بعد، خاصةً في حالة إنجاب أطفال، لأنهم يكونون مهددين بأن ينشأوا بطريقة غير سوية بسبب انفصال والديهم أو نتيجة وجودهم في بيئة غير صحية.
 

تلافي العواقب

بدورها تؤيد داليا إبراهيم، موظفة في شركة طيران، الفكرة لأنها تتيح للطرفين فرصة التعرف على أي أمراض نفسية لدى أحدهما، كي لا يفاجأ الآخر بهذا بعد الزواج، خاصةً أن التغاضي عنها قد ينقل المرض وراثياً إلى الأبناء، كما أن اكتشافه بعد الزواج يؤدي غالباً إلى الانفصال، فيخسر المريض سمعته ويصعب زواجه مرة أخرى.
وتضيف أن الفحص يفيد أيضاً في تلافي العواقب التي يمكن أن تنجم عن تفاقم المرض، وأنها سمعت عن حالات كثيرة واجهت هذه المشكلة من والدتها التي تعمل اختصاصية اجتماعية، وتعرفت عن قرب على أكثر من سيدة فوجئن بأن أزواجهن يعانين أمراضاً نفسية والعكس، لكنَّ كلا منهن اضطرت للاستمرار في الزواج لأسباب شخصية، مثل وجود أطفال أو عدم توافر مصدر رزق، أو بسبب رفض الأهالي لفكرة الطلاق من الأساس.

وتؤكد داليا أن الاستمرار قد يؤدي إلى كوارث أحياناً، وتتذكر قصة حفرت في ذهنها لسيدة اكتشفت مرض زوجها النفسي بعد الزواج، ومع زيادة المشاكل واستحالة العشرة بينهما حاولت الطلاق منه كثيراً لكنها لم تنجح، وكانت النتيجة قيام الزوج بإشعال النار فيها ثم انتحاره.
ورغم معرفتها بكل هذه المشكلات، إلا أن داليا تؤكد أنها لم تخضع مع زوجها للفحص النفسي قبل ارتباطهما، وحمّلت المجتمع الشرقي مسؤولية ذلك، لأنه ما زال رافضاً لمثل هذه الفحوص، وتناشد الدولة أن تضع قوانين تلزم المقبلين على الزواج بإجراء هذا الفحص، على أن يكون حقيقياً وليس مجرد روتين.  وتضيف داليا أن هناك أمراضاً نفسية يستحيل معها الزواج، لكن توجد أمراض أخرى يمكن التعايش معها، لأنها تحتاج فقط إلى معاملة خاصة.
 

غير فعال

في المقابل ترفض الدكتورة دعاء محمد، صيدلانية، فكرة الفحص وتقول: «أرى أن الفحص لن يكون مجدياً، لأن من يحب سيرتبط بمن يريد مهما كانت عيوبه، كما أنه حتى في حال جعله إلزامياً سيتحول إلى مجرد إجراء شكلي مثل غيره من الفحوص التي سبق إقرارها. لكنها تشير إلى أن الفكرة قد تكون مقبولة ممن يرتبطون عن طريق «الصالونات»، لأن هذه النوعية من الزيجات تقوم أساساً على المعايير العقلية التي يستخدمها كل طرف لتقييم الطرف الآخر. وترى أن الفحص في هذه الحالة سوف يساهم في تفادي أي مشاكل مستقبلية ناتجة عن عدم توافر الفترة الكافية ليتعرف كل منهما على الآخر ويدرس طباعه.

ويؤيدها زوجها تامر محمد، رئيس قسم الشؤون الإدارية في شبكة إحدى القنوات الفضائية، في عدم الاقتناع بفكرة الفحص النفسي، مؤكداً بدوره أنه إذا تم تطبيقه فسوف يتحول إلى روتين مثلما يحدث في الفحص الطبي المطبق حالياً، خاصة أن جميع الأطباء الذين يكتبون التقارير الصحية للمقبلين على الزواج لا يصرّحون بأي أمراض لدى الطرفين، حتى في حالة اكتشافها، كما يرى أن الفحص النفسي لن يؤثر في قرار الطرفين، لأنه سيتم في آخر مرحلة قبل الزواج بعد كل التجهيزات والتكاليف والاتفاقات، وبالتالي يكون من الصعب التراجع عن الزواج حتى في حالة اكتشاف مرض ما.
 

بعد فوات الأوان

وتروي رضوى، وهي محاسبة في إحدى الشركات، معاناتها بعدما اكتشفت مرض زوجها نفسياً في أول أيام زواجهما: «بدأت أشك في مرضه في اليوم الثاني لزواجي، عندما وضعت بعض الاحتياجات البسيطة لتجف في الشرفة بعد غسلها، وفوجئت به يصرخ بأعلى صوته: هذه الملابس موجودة في الشرفة منذ ثلاثة أيام، فقلت له: كيف يمكن أن يحدث هذا ونحن لم نتزوج إلا بالأمس؟! وفي مرة أخرى فوجئت بنسيانه لبعض الأحداث وتوهم أشياء لم تحدث من الأساس، واكتشفت بعد ذلك أنه يعاني من الوسواس القهري، ويشك في كل ما حوله. ووصل به الحال إلى أنه حاول قتلي أكثر من مرة، كما حاول إجهاضي. وبعد تكرار هذه الأحداث والكوارث التي كانت تنجم عنها، صارحني بمرضه وقررت الوقوف بجانبه، لأن الأوان كان قد فات بعد أن أنجبت منه بسرعة، وبدأنا البحث عن العلاج رغم رفض أهله الاعتراف بمرضه، وبعد فترة رفض تناول الدواء وساءت حالته مجدداً».
وتؤكد رضوى أن كثرة المشاكل والخلافات أثرت على الحالة النفسية لها ولطفلتها التي أصبحت تبكي طول الوقت ولا تستطيع النوم، ونظراً إلى كل ذلك طلبت الطلاق الذي لم يتم حتى الآن.


مستعدة للفحص

على عكس الكثيرين، يبدو الذين لم يستقلوا قطار الزواج بعد أكثر حماساً للفكرة، حيث ترى سالمة أحمد، طالبة بكلية الآداب جامعة عين شمس، أن الفحص مهم وضروري للتأكد من سلامة شريك حياتها نفسياً، وتقول: «المرض النفسي مشكلة حقيقية، لأن تأثيره يمتد إلى المحيطين بصاحبه، وقد ينتهي بكارثة حقيقية».
وتؤكدأنها لا تمانع أن تخضع للفحص النفسي بدورها لكي يطمئن بال من يرغب في الارتباط بها، لكن حماستها للفكرة لا تعني أن رفضها سيكون تلقائياً إذا ثبت أن خطيبها يعاني من مرض نفسي، بل ستقف بجانبه حتى يشفى إذا وافق على مبدأ العلاج، لكنها ستضطر للابتعاد عنه إذا رفض الخضوع للعلاج، أو إذا كان التعافي من مرضه مستحيلاً.


حرية الاختيار

بدوره يرى ديفيد أشرف، بكالوريوس إدارة أعمال ولم يتزوج بعد، أن الفكرة مهمة ويجب أن يتم تفعيلها لتأسيس حياة سليمة مبنية على الصراحة بين الطرفين، لكنه يضيف: «أفضّل عدم إلزام المقبلين على الزواج به، فيجب أن يتم بالاتفاق بينهما إذا أرادا ذلك، وبشرط أن تظل نتيجته سرية لا يجوز لأحد الاطلاع عليها». ويشير إلى أن الفحص سيمنح الطرفين حرية الاختيار في إتمام مشروع الزواج من عدمه في حالة اكتشاف مرض الآخر، فإذا اختارا الاستمرار يصبح الطرف السليم ملتزماً بمراعاة الحالة المرضية لشريك حياته.


رأي علم النفس

دون تمثيل

كما اختلف المتزوجون وغير المتزوجين على أهمية الفحص، اختلف أيضاً علماء النفس والاجتماع والدين حول هذه الفكرة. والغريب أن رأي علم النفس يمضي في السياق المتحفظ نفسه، ويقول الدكتور يسري عبد المحسن، أستاذ الطب النفسي في كلية الطب جامعة القاهرة، إن الفحص النفسي قبل الزواج قد يضر بالعلاقة بين الطرفين أكثر من إفادتها، كما أنه قد يؤثر على صحتهما النفسية. ويبرر ذلك بعدم وجود قواعد ثابتة توضح مدى تآلف الشخصيات مع بعضها أو اختلافها، كما أن الفحص النفسي قد يظهر طبائع أو صفات شخصية لا يوافق عليها الطرف الآخر، مما يؤدي إلى إفساد الارتباط رغم إمكان تغيّر هذه الصفات بعد الزواج، بسبب متغيّرات الحياة. ويفضل الدكتور يسري ترك الفرصة الكافية للطرفين للتعارف على طباع بعضهما، مؤكداً أن هذا مفيد أكثر من الفحص النفسي، لكن بشرط أن يتعامل كل منهما بوضوح كافٍ مع الآخر دون تمثيل أو تحايل. هذا الكلام يصلح للظروف العادية التي تقتصر مشكلاتها على عدم التوافق، لكن ماذا عن الأحوال التي قد تشتمل على أمراض متقدمة؟ نسأل فيجيب الدكتور عبد المحسن موضحاً أن المشكلة الحقيقية تبدأ عندما يكون الطرفان مصابين بالمرض نفسه، هنا يشدد على عدم إتمام الزيجة قائلاً: «إذا ثبتت معاناة الطرفين للأمراض النفسية، أو في حالة وجودها في التاريخ المرضي لعائلتيهما، يكون الانفصال ضرورياً لأن هذا يرفع احتمالات انتقالها لأطفالهما بسبب العامل الوراثي، ومن أبرز هذه الأمراض حالات الفصام العقلي والاضطرابات الوجدانية ثنائية القطبين، مثل الهوس والاكتئاب».


المصارحة

بدوره يرى الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي، أن الفحص النفسي قبل الزواج غير مجدٍ، ويوضح: «من الممكن أن يكون أحد الطرفين مريضاً نفسياً، لكنه أثناء الفحص يكون في حالة جيدة، فلا تظهر عليه أي أعراض». ويؤكد أن «أمانة أهل المقبلين على الزواج أهم من أي فحص نفسي، فالمصارحة بالوضع النفسي مطلوبة، خاصةً أنه سيتم اكتشافه إن آجلاً أو عاجلاً، وستكون عاقبة الاكتشاف في هذه الحالة وخيمة، لأن الطرف الآخر سيشعر بخيبة أمل وفقدان الثقة بسبب الكذب وعدم المصارحة منذ البداية. كما أن بعض المرضى النفسيين يتعرضون لنكسات، خاصةً السيدات بعد الولادة، لأن هناك أمراضاً نفسية وعقلية تتفاقم في هذه المرحلة، وتكون احتمالات الإصابة أربعة أضعاف، إذا كن يعانين من أمراض نفسية مسبقاً».


فحص اجتماعي

يؤكد الدكتور رشاد عبد اللطيف، أستاذ تنظيم المجتمع في كلية الخدمة الاجتماعية، أنه رغم الأهمية الكبيرة للفحص النفسي قبل الزواج، لكن لن يتم تقبّل الفكرة اجتماعياً بسهولة، وذلك لأن هناك اعتقاداً خاطئا يسود في المجتمع، وهو أن كل من يذهب إلى الطبيب النفسي يعد غير سوي، ويفضل أن يتم إجراء الفحص تحت مسمى الفحص الاجتماعي وليس النفسي، حتى لا ينفر الناس من إجرائه، على أن يشمل حواراً أو «دردشة» اجتماعية تهدف للتعرف على الشخصية والتوعية بكيفية تحقيق السعادة الزوجية، ومن خلال هذا الحوار ستظهر الجوانب الشخصية للطرفين، كما ستظهر مؤشرات لسلامة أو معاناة أحدهما بمرض نفسي.
ويشير عبد اللطيف إلى أهمية التوعية بضرورة إجراء هذه الفحوصات من قبل وسائل الإعلام المختلفة والدراما وغيرها، لأن معظم المقبلين على الزواج ليس لديهم الوعي الكافي بأهميتها، ولا بالمشاكل التي قد تنجم عن عدم إجرائها، كما يرى أن هذه التوعية ستكون بداية بناء مجتمع سوي يحتوي على أسر مترابطة، مما يعود على النشء الجديد بالنفع.


الدين يؤيد

تؤكد الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة الإسلامية في جامعة الأزهر، أن الدين يؤيد الفحص النفسي وأيضاً الطبي للعروسين، لأنه سيعود على الأسرة والمجتمع ككل بالنفع، كما يمنع أي أضرار مستقبلية، ويجعل الزواج يقوم على أساس صحي سليم، بالإضافة إلى أنه من حق كلا الطرفين معرفة العيوب أو الأمراض التي يعاني منها الآخر قبل الزواج، لتلافي أي مشاكل تؤدي إلى الانفصال بعد الزواج. وعلى الرغم من ذلك، ترى نصير أن الفحص النفسي قد لا يكون مجدياً في حالات الزواج الذي يقوم على الحب، لأن الطرفين سيرفضان أي رأي مناقض لحبهما، خاصة أن المشاعر التي يحسّان بها في هذه المرحلة العمرية تسيطر عليها العاطفة، إلى درجة أن هناك زيجات تتم رغم عدم موافقة الأسر عليها. لكن الفحص النفسي قد يكون وسيلة إرشادية في حالة زواج «الصالونات»، بحيث يوضح المشاكل المستقبلية التي من الممكن أن تحدث مع شريك حياة لديه نقص ما أو أمراض نفسية معروفة، وفي هذه الحالة على الطرف الآخر أن يختار بين إتمام مشروع الزواج أو التراجع عنه، على أساس تقويمه لمدى تحمله لعيوب شريك حياته.