مفتي مصر يحسم الجدل: لا يوجد شيء اسمه 'فرح إسلامي'

علماء الدين, مفتي مصر, مصر, شوقي علام, د. نصر فريد واصل, د. مهجة غالب, د. عبلة الكحلاوي, د. سعاد صالح, د. فايزة خاطر, فرح إسلامي

04 مايو 2014

«فرح إسلامي» تسمية يطلقها البعض على حفلات زفافهم، لما فيها من طابع خاص، لكنها في المقابل تثير حفيظة آخرين ممن يرون في تلك التسمية اتهاماً لهم بعدم الالتزام الديني إذا لم يتبعوا شكل الأفراح المسماة إسلامية. وحتى يحسم مفتي مصر الجدل حول هذا المسمى، أعلن أخيراً في فتوى جريئة أنه لا يوجد شيء اسمه فرح إسلامي، فما هي أسانيده؟ وماذا يقول علماء الدين عن هذا الجدل؟
 

- بدأت القضية عندما سأل أحد الأشخاص دار الإفتاء قائلاً: «هل يوجد ما يسمى بالفرح الإسلامي؟ وما هي طريقته؟
أجاب مفتي مصر الدكتور شوقي علام: «يكثر ترديد هذا المصطلح (الفرح الإسلامي) على ألسنة الكثيرين، ولهذا المصطلح دلالات سلبية تترتب عليه، لأنه يعني أن أي فرح لا يكون على نفس الصورة هو غير إسلامي، وهذا غير صحيح».
وأضاف: «إقامة الحفلات والأفراح والاحتفال بذكرى المناسبات أمور تخضع للعادات، ولا توجد مراسم معينة ملزمة للناس كي يفرحوا بها في مناسباتهم، ولكن هناك أفراح واحتفالات فيها تجاوزات شرعية يحكم الإسلام بحرمتها، وذلك كالأفراح التي فيها عري ورقص وشرب للمخدرات والمسكرات، أو التي فيها غناء فاحش بذيء، فهذه المراسم لا تجوز شرعًا، ويأثم فاعلها». وأوضح الدكتور شوقي علام أن هناك أفراحاً أخرى متوافقة مع الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية، وهي التي تخلو من الأمور المذكورة سابقاً، فإذا احتفل المسلم بأي مناسبة، سواء كانت زواجًا أم عقيقة أم غير ذلك من المناسبات، وراعى خلو احتفاله من كشف العورات، ومن سماع الموسيقى الصاخبة التي تثير الشهوات والغرائز، ومن الكلمات البذيئة، ومن رقص النساء أمام الرجال الأجانب في اختلاط محرم، فإن هذا الاحتفال يكون موافقاً للشرع غير مخالف له، ولا يحسن بنا أن نصفه أيضاً بالفرح الإسلامي. وأما المسلم الذي يحتفل بمناسبة من المناسبات، ويكون لفرحه مظاهر محرمة كشرب خمور، وكشف عورات أو غير ذلك، فإن هذا الفرح يكون مخالفاً للشرع الشريف، وغير موافق له، وعلى المسلمين تنزيه أفراحهم وحياتهم مما يتعارض مع الشرع الحنيف.
 

بدع

يوافق الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، على فتوى المفتي الحالي، مؤكداً أن هناك العديد من البدع التي تظهر ملاصقة لكلمة «إسلامي» منها الأفراح والملابس وأدوات الزينة.
وأشار الدكتور نصر فريد، إلى أن هذه التسميات قد يكون هدفها في كثير من الأحيان «تجارياً» لتحقيق «بيزنس»، بدليل أن كثيراً من القائمين عليها غير ملتزمين دينياً، مما يعني أن السعي كله هو تحقيق الربح المادي. وأوضح الدكتور نصر فريد واصل أنه من حيث المبدأ ، من الواجب شرعاً أن نلتزم بآداب الدين في أفراحنا، دون تسميات قد تثير نفوس الآخرين، وكأنهم غير مسلمين، رغم أنهم قد يكونون أكثر التزاماً من غيرهم الذين يدّعون أن أفراحهم إسلامية.
 

لهو وغناء

تؤكد الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية بالقاهرة جامعة الأزهر، إلى أن الإسلام يدعو إلى الفرح والسرور في مناسبة الزواج، ‏وأباح الغناء الراقي والتهنئة فيما بين الناس في هذه ‏المناسبة والتهادي، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالفرح و‏بالوليمة للعرس والدعاء للعروسين بالقول: «بارك الله لك، ‏وبارك عليك، وجمع بينكما في خير» والغناء الذي ليس فيه مخالفة شرعية ففي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه ‏وسلم: «أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدف».
وأضافت الدكتورة مهجة غالب: «اللهو المباح في الأفراح مطلوب لإدخال الفرحة في نفوس العروسين وأسرهما، فقد قال الصحابيان قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري رضي الله ‏عنهما: «إنه رُخّص لنا في اللهو عند العرس..»، وكذلك في حديث عائشة رضي الله عنها أنها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار، فقال صلى الله ‏عليه وسلم: «يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو»، وفي رواية: «فهل ‏بعثتم معها جارية تضرب الدف وتغني».‏
وأنهت الدكتورة مهجة كلامها بأن الفرح مباح شرعاً بصرف النظر عن تسميته بالمفهوم المضمون، بأن يكون في حدود ما شرع الله وباجتناب ‏ما نهى عنه سبحانه من عدم الاختلاط وعدم التبرج ولا الموسيقى الصاخبة ولا الرقص الحرام ولا الغناء الفاحش أو ‏البذيء ولا أي منكر، وما عدا ذلك ففي الدين فسحة للفرح لعموم قول الله سبحانه وتعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» آية 58 سورة يونس.
 

آداب عامة

عن الضوابط الشرعية التي يجب أن يلتزم بها أي فرح، بصرف النظر عن توصيفه بأنه إسلامي من عدمه، تقول الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية ببورسعيد جامعة الأزهر: «يجب أن يلتزم الفرح بشروط محددة، أهمها ستر العورات وعدم الاختلاط المحرم بين الجنسين، واستخدام الآلات الموسيقية الهادئة، واستخدام اللائق من الأغاني والأناشيد دون ابتذال ودون استعراض للصوت، وعدم ارتفاع الأصوات إلى درجة الأذى للآخرين، والحفاظ على أوقات الصلاة وعدم تأخيرها، وعدم ممارسة أي منكر أو محرم من قول أو فعل تنفيذاً للأمر الإلهي في وصف أمة المسلمين: «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ....»آية 110 سورة آل عمران.
وأوضحت الدكتورة عبلة أنه من أراد طاعة الله تعالى في امتثال أوامره واجتناب نواهيه فليكن عمله مخلصاً، وبعيداً عن المظهرية أو الاستعلاء على الآخرين، ورمي غيره بالمعاصي حتى لو كان فرحه ليست به مخالفات شرعية، لهذا حذرنا الله من التكبر على الناس واتهامهم بالخروج عن الدين في أفراحهم، فقد روى صلى الله عليه وسلم، أن الله يقول: «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته» وأشارت الكحلاوي إلى أن الحساب عند الله بالنيات التي يجب أن تصحب العمل الطيب، ولا شك أن تنظيم أفراح بلا معاصٍ أفضل من الأفراح المليئة بالمعاصي، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
 

تحايل مرفوض

تشير مفتية النساء الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، إلى خطورة أن يطلق البعض على أفراحهم فقط لفظ «فرح إسلامي»، وكأنها تذكرة عبور إلى منطقة الحلال ورضا الله، ويتم تغليف ذلك بأن تكون تحيي الفرح فرقة تطلق على نفسها «فرقة إسلامية»، مما يؤدي إلى إراحة ضميره ويؤدي ما عليه كمؤمن صالح، وغيره أفراحهم غير إسلامية حتى ولو كانت منضبطة أخلاقياً ولا تتنافى مع تقاليدنا وأخلاقنا.
وأوضحت صالح أن هذه الأفراح، التي يطلق عليها «أفراح إسلامية» تشترك مع الأفراح العادية في نقاط كثيرة تجعل وصفها وحدها دون غيرها بالإسلامية غير جائز إطلاقاً من الناحية الشرعية والعرفية والاجتماعية، فمثلاً هذه الأفراح يتم استخدام الكثير من الآلات الموسيقية أو الاستعاضة عنها بأجهزة تصدر نفس الأصوات، واختراع أجهزة تصدر صوت الدف الذي يراه بعض المتعصبين الآلة الوحيدة الموافقة لما جاء في السنة النبوية.
وأشارت الدكتورة سعاد إلى أنه في بعض هذه الأفراح يتم تحويل كلمات بعض الأغاني المشهورة إلى كلمات أخرى مشابهة، لكن لها طابع ديني مع الاحتفاظ باللحن الذي يدفع الحضور إلى الرقص والتمايل على نغماتها. وأوضحت الدكتورة سعاد صالح، إلى أنه لا يجب أن يفهم هذا الاعتراض أو التحفظ على أنه دعوة إلى العري والموسيقى الصاخبة والأغاني الهابطة في الأفراح، لكنه دعوة إلى عدم الادعاء بأن ما يفعله البعض في أفراحهم هو الحقيقة الوحيدة المطابقة للدين وأن غيرها مخالف للشرع، حتى لو لم تكن فيه أي مخالفة للشرع، ولهذا يجب ضبط المصطلحات، لأن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْحَلالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمورٌ مَشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الْمُشْتَبِهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَدِينِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الْمُشَبَّهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَي حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكَ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلا إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ».
 

الجوهر لا المظهر

أوضحت الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، أن الالتزام بآداب وأحكام الشرع في الأفراح أمر مطلوب شرعاً، لكن المرفوض أن يطلق البعض على أفراحهم فقط صفة «الإسلامية» ويجردون الآخرين من ذلك، وكأنهم «غير إسلاميين»، مع أن أفراحهم قد تكون أكثر ابتعاداً عن أي مخالفة شرعية، بل إن أصحاب الفرح الذي لا يطلق عليه إسلامي قد يكونون أكثر انضباطاً بآداب الإسلام في حياتهم العادية وليس في الأفراح فقط.
وأضافت الدكتورة فايزة: «بعض هذه الأفراح التي يطلق عليها أصحابها صفة «الإسلامية» فيها كم من التلوث السمعي والصخب، حيث يتم استخدام سماعات عالية الصوت، مما يسبِّب تلوثاً سمعياً شديداً وضيقاً للعديد من الناس المرضى في بيوتهم، إذا كانت هذه الأفراح تقام في الشوارع أو على مسارح مكشوفة في المناطق الشعبية، وتتلقى الفرقة التي تحيي الفرح أجراً كبيراً لقاء ما تقوم به، لأنها وظيفة ومصدر رزق، رغم أن مثل هذا العمل الأفضل أن يكون تطوعياً من قبيل مجاملة الإسلاميين لبعضهم.
وأنهت الدكتورة فايزة كلامها بالتأكيد أن بعض الأفراح التي يطلق عليها إسلامية قد تخل ببعض الشروط الشرعية، مثل نقطة الاختلاط أو عدم الحفاظ على مواعيد الصلاة أو مزج ذكر الله سبحانه وتعالى بالموسيقى، وما لا يليق من الكلمات، والسبب غالباً هو احتراف بعض الفرق إحياء هذه الأفراح متخذة الدين كوسيلة للترويج واللعب على وتر المشاعر الدينية، دون أن تكون لديها نية حقيقية وراء هذا العمل غير الكسب فقط، ولهذا فإن كل هذه الأمور تجعل لصق صفة «الإسلامية» بها لا يجوز إطلاقاً، بل هو تجنٍ على الإسلام الذي يهتم بالجوهر قبل المظهر.
وأنهى الدكتور مزروعة كلامه بالتأكيد على أن «الأفراح الإسلامية» من البدع الحسنة التي يثاب فاعلها، في حين يأثم من يحاربها، لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».