علماء الدين يحذرون: لا تنبش في ماضي زوجتك!

المشاكل الزوجية, د. آمنة نصير, د. عبلة الكحلاوي, د. سعاد صالح, د. فايزة خاطر, د. مبروك عطية, د. سيد صبحي, علماء الدين

31 مايو 2014

كثير من المشاكل الزوجية تشتعل إذا ما قرر الزوج النبش في ماضي زوجته، وحتى إذا لم يكن في هذا الماضي ما يسيء، فإن مجرد البحث فيه يفتح باباً أمام الشك والغيرة، ويؤدي إلى عواقب غير محمودة.
لكن هل ما يفعله الزوج هنا جائز شرعاً؟ وهل يمنحه الشرع الحق في التفتيش عن كل ما كانت تفعله زوجته قبل ارتباطهما؟


في البداية تشير الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بالإسكندرية جامعة الأزهر، إلى أنه لا يجوز للزوج محاسبة زوجته على ماضيها أو سؤالها عنه، لأنها لم تكن قد ارتبطت به بعد، ولهذا فإن محاسبة كل من الزوجين لشريك حياته على ماضيه نوع من الظلم من الناحية الشرعية، وقد نهى الإسلام عن الظلم، وقد جاء في الحديث القدسي أن الله حرم الظلم على نفس وحرمه بين عباده فجاء في نصه: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم».
وأنهت الدكتورة آمنة كلامها بتأكيد أن النبش في الماضي يؤدي إلى إفساد الحاضر وتدمير المستقبل، لأنه من المفترض أن كلاً من الزوجين سأل عن الآخر وتعرف عليه خلال فترة الخطوبة، ولسنا جميعاً ملائكة، بل كلنا أخطاء، وهذا ما أكده  النبي صلى الله عليه وسلم: «كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».


الستر والشك

أوضحت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية ببورسعيد جامعة الأزهر، أن الستر مبدأ إسلامي أصيل، ولهذا قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إن الله حيي ستير، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر»، وقد عرف الفقهاء «الستير» الذي يستر على عباده كثيراً من القبائح والفضائح ولا يفضحهم في المشاهد، ويحب الستر من عباده على أنفسهم، ويكره المجاهرة بالمعصية والمفاخرة بالفاحشة.

وأوضحت الدكتورة عبلة، أنه انطلاقا من مبدأ الستر وعدم المجاهرة بالذنب وطالما أن صاحب أو صاحبة الماضي قد تاب إلى الله وصلح عمله، فلا يجوز شرعاً محاسبته أو محاسبتها على الماضي الذي ستره الله وتاب الإنسان منه.
وأشارت الدكتورة عبلة، إلى أن النبش في الماضي والتفتيش عنه مرض يورث الشك الذي قد يؤدي إلى الطلاق بل والقتل، ولهذا عمل الإسلام على علاج هذه المشكلة بدعوة الرجل إلى اختيار صاحبة الدين والأخلاق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«تنكح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». وعلى الجانب الآخر أمر المرأة وأهلها أن يكون اختيارهم للرجل شريك حياة المستقبل على أساس الدين والأخلاق أيضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».


منع الفتنة

أما الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بالقاهرة جامعة الأزهر، فتؤكد أن الله يعفو عن كل أخطاء الماضي بالتوبة الصادقة، ويفتح لنا باب التوبة والرجوع عن الأخطاء، فقال: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» آية 53 سورة الزمر.
وتعجبت الدكتورة سعاد صالح، من سعي الرجال إلى معرفة ماضي الزوجة بعد سنوات من الزواج، في حين يرفض أن تبحث زوجته عن ماضيه، وإذا وجدت فيه ما يسيء إليه فيقول: «أنا رجل لا يعيبني شيء»، مع أن الله ساوى بين الجنسين في التكاليف الشرعية والحساب على الأخطاء، فقال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ» آية 97 سورة النحل.
وعما يفعله أحد الزوجين إذا سأله الآخر عن ماضيه، تقول الدكتورة سعاد صالح: «كل زوج وزوجة أعلم بنفسية وشخصية شريك حياته، وبالتالي فإن الأمر يتوقف على تقدير الموقف، انطلاقاً من القاعدة الفقهية: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح»، والأفضل لهما العيش في الحاضر وليس النبش في الماضي، الذي لن يغير من الأمر شيئاً، بل إنه سيفتح أبواب فتنة وتهلكة، وقد نهانا الله عن ذلك بقوله: «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» آية 195 سورة البقرة.
 

التجسس

تحذر الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، من أن يتحول كل من الزوجين إلى «جاسوس» على أسرار وماضي الآخر، مما يحيل حياتهما إلى جحيم نتيجة افتقاد الثقة بينهما واستبدالها بالشك والريبة، التي تنهي العلاقة الزوجية وتؤدي إلى تبادل الاتهام بالخيانة، مع أن الله حرَّم التجسس على أي إنسان، فما بالنا بالزوجين اللذين يفترض أنهما ستر على بعضهما، فقال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ» آية 12 سورة الحجرات.

وطالبت الدكتورة فايزة الزوجين بفتح صفحات جديدة بيضاء كلها ثقة ومودة ورحمة، وأن يغفرا لبعض الأخطاء التي وقعت بعد الزواج وليس قبله فقط، كما يفعل الشكاكون والشكاكات، الذين يخالفون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنّ فَإِنَّ الظَّنّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَاد اللَّه إِخْوَانًا»، وبالتالي لا يحق لأحد الزوجين سؤال الآخر عن ماضيه أو محاسبته عليه أو طلب الصدق منه في الحديث عنه، وخاصةً إذا كانت قد تمت التوبة منه والندم عليه، فإذا ما سأل أحدهما الآخر عن ماضيه، فليحاول احتواء الموقف بشكل لطيف دون كذب.  
وأشارت الدكتورة فايزة، إلى أن الزوجين في ميزان الشرع، سواء في الثواب والعقاب، ويحب أن يتحلى الجميع بالصفح والسماح، فكما أن لها أخطاء في الماضي فإن للزوج أخطاء، وقد عفا الله عن هذه الأخطاء بالتوبة الصادقة، ولهذا يحرم النبش فيها والبحث عنها حفاظاً على الأسرة من وساوس ومؤامرات شياطين الإنس والجن، ولهذا قال الله تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» آية 195 سورة آل عمران.  
 

العفو والصفح

يؤكد الدكتور مبروك عطية، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن حساب كل من الزوجين مع الآخر يبدأ من يوم الزواج وليس قبله، وطالما تاب كل منهما من أخطاء ما قبل الزواج وستره الله فلا يجب شرعاً البحث عن هذا الماضي، بل يجب التشجيع على التوبة التي يحبها الله، فقال في القرآن الكريم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» آية 222 سورة البقرة.
وأشار الدكتور مبروك، إلى أن فعل السوء بجهالة يعفو الله عنه ويجب على البشر أن يكونوا كذلك، حتى يثابوا من عند الله، ولهذا قال الله تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» آية 17 سورة آل عمران.

 وكشف الدكتور مبروك، أنه ليس من الشرع أن تخبر أحداً حتى ولو شريك حياتك، بما سبق أن وقع منك، بل على كل طرف أن يستتر بستر الله ويحمد الله على الهداية، بدليل ما جاء في الحديث النبوي أن ماعزاً الأسلمي رضي الله عنه لما أقرَّ بالزنى عند النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه». وفي رواية أخرى أن ماعزاً جاء لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما قبل أن يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له كل واحد منهما: «تب إلى الله، واستتر بستر الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده». وبالتالي فإنه يجب شرعاً على كل من الزوجين ألا يسأل الآخر عن ماضيه، وهنا يتم سد باب الفتنة التي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم من الفتنة والسعي إليها، فقال: «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها».  

وأنهى الدكتور مبروك كلامه بتأكيد أنه لا يجوز للزوج أن يسأل زوجته عن ماضيها، لأنها إن كانت وقعت في شيء من المحظورات فإن أخبرته فضحت نفسها وكشفت ما رغب الشرع في ستره، وقد يكون ذلك سبباً لطلاقها، وإن كذبت عليه فلن يستفيد شيئاً، فليس له أن يسأل ويتحرى، كذلك لا يجوز للزوجة سؤاله عن ماضيه بعد أن تم الزواج، والأفضل لهما أن يتصفا بما وصف الله به نفسه، حين قال «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ» آية 82 سورة طه.
 

المصارحة

أما الدكتور محمود مزروعة، العميد الأسبق لكلية أصول الدين جامعة الأزهر فقال، أن الزواج يجب أن يقام على الصدق والأمانة في المعلومات، حتى لا يحدث بعد الزواج ما لا تحمد عقباه، ولهذا وصف الله الزواج بـ«الميثاق الغليظ» الذي يجب أن يتم بعد معرفة وتحرٍ كامل من كل طرف عن الآخر، حتى يكون الزواج كما وصفه وجعله آية من آياته، فقال: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية21 سورة الروم.

وأشار الدكتور مزروعة، إلى أنه يجب أن يتخير الزوج شريكة حياته على أساس أخلاقها وأخلاق أسرتها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «تخيّروا لِنُطَفِكُم فإنّ العرق دسّاس» وقال أيضاً «إياكم وخضراء الدّمن، قالوا: وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ فقال: المرأة الحسناء في المنبت السوء».
عما تفعله الزوجة أو الزوج إذا سأل الآخر عن ماضيه، أوضح الدكتور مزروعة أن الفقهاء اختلفوا، إلا أن الأفضل أن يصارح كل منهما الآخر بما حدث، وأنها كانت غلطة وتمت التوبة منها والندم عليها قبل الزواج، ولم يعد لها أي تأثير عليهما، وأنصحهما بتجنب الكذب الذي قد يتكشف فيما بعد، فتكون النتيجة أسوأ في الدنيا والآخرة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا، وعليكم بالصدق فإن الصدق بر، والبر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً»، والصدق هنا أمر إلهي حيث قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» آية 119 سورة التوبة.
 

فتنة اجتماعية

تؤكد الدكتور عزة كريم، أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث، من أنه لا يوجد بشر على وجه الأرض في أي مجتمع بلا ماضٍ أو أخطاء، وإذا قمنا بحساب كل إنسان إلى ماضيه الذي تاب منه فإننا سنفتح أبواب جهنم على كل الأسر أو غالبيتها، لأنه إذا دخل الشك من الباب خرج الحب من الشباك كما يقولون، وكلنا أصحاب ذنوب لكن الله سترنا وعلينا ألا نسعى لفضح الآخرين.
وأوضحت الدكتورة عزة أنه من الأفضل طي صفحات الماضي، لتبدأ الحياة الزوجية منذ يوم عقد القران، لأن كلاً منهما يكون شريكاً في الحياة وتكون الزوجة في عصمة زوجها، أما قبل ذلك فينبغي البعد عنه وعدم التفكير فيه، لأنه لن يأتي بخير والجدل حوله سيزيد المشكلات الزوجية.
 

ازدواجية نفسية

عن رؤية علم النفس للقضية يقول الدكتور سيد صبحي، أستاذ الصحة النفسية في جامعة عين شمس: «لا شك أن نفسية الزوجين الشرقيين يغلب عليها الغيرة، التي قد تكون محمودة إذا كانت معتدلة، أما إذا دخلنا في دوامة البحث عن الماضي فإن هذه الغيرة ستتحول إلى غيرة مذمومة، ستقضي على الاستقرار الأسري، إن لم يصل الأمر إلى الطلاق والفضائح للأسرة والأولاد، ونحن في مجتمع لا يرحم».
وتعجب صبحي من غفران المجتمع لأخطاء الرجل قبل الزواج، في حين يحاسب المرأة عليها، حتى إن تابت عنها، ففي هذا ازدواجية وتمييز مرفوضان شرعاً وعقلاً.