قانون مكافحة التحرّش في السعودية... هل سيخرج إلى النور؟

المرأة السعودية / نساء سعوديات,مجلس الشورى السعودي,التحرش,المجتمع السعودي

ميس حمّاد (جدة) 19 أكتوبر 2014

كانت الصحف السعودية قد نشرت منذ مدة خبراً يفيد بأن مجلس الشورى السعودي سحب مشروع قانون مكافحة التحرش بعد عرضه قبل نحو خمسة أشهر، وأن نظام مشروع مكافحة التحرش الذي تقدم به أربعة أعضاء، هم الدكتور عبد الرحمن العطوي، والشيخ الدكتور ناصر بن داود، والدكتور ناصر الشهراني، والدكتور عبد العزيز الهذلق، وأربعة من السيدات الأعضاء هنّ الدكتورة لبنى الأنصاري، والدكتورة دلال الحربي، والدكتورة حمده العنزي، والدكتورة منى آل مشيط، اعتبره بعض المعارضين أنه يعزز مفهوم الاختلاط. «لها» ناقشت في هذا التحقيق مع أصحاب الاختصاص صحة ما تداولته بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي عن سحب قانون مكافحة التحرش، ليبقى الرأي متأرجحاً بين مع وضد، دون الاختلاف على مبدأ حاجة المجتمع السعودي إلى قانون كهذا.


د. العنزي: القانون موجود وقائم، وكل مافي الأمر أن طرحه تأخر

أكدت عضو مجلس الشورى الدكتورة حمده العنزي أن ما تم تداوله في وسائل الإعلام حول صرف نظر مجلس الشورى عن قانون مكافحة التحرش أمر «غير صحيح،  وكل ما في الأمر أنه تم تأخير طرحه، لكنه موجود وقائم. وأنا من ضمن اللجنة المكونة من ثمانية أعضاء والتي عملت على إعداد هذا النظام، ولم نتلقَّ أي خبر بأن المجلس قد سحبه، على العكس من ذلك تماماً. وقد تم تقديمه منذ ما يقارب الثمانية أشهر. ولنكن واقعيين، لدينا مقاومة لكل القوانين المتّصلة بالأمور التي يرون أن فيها شيئاً من التجاوزات والمساس بالدين، أو إلى ما إلى ذلك. كما أن مجلس الشورى مؤسسة حكومية، كأي مؤسسة أخرى، لابد أن تتلمس واقع الجمهور، وتضع يدها على الجرح، كما يقال، لتعرف هوية المستقبل. وأنا أرى أن المجلس يعمل على تهيئة الجمهور، ولا أُخفي أن هناك معارضين للقانون، وهناك من تقدّم بخطاب يطلب إلغاء هذا القانون. لكننا نأمل، مع وجود الانفتاح الفكري في الآونة الأخيرة، في ظل وجود الملك عبد الله وسياسته التنويرية، وفي ظل وجود المؤسسة التشريعية الأولى، مجلس الشورى، أتأمل أن تتحرّك الكثير من قضايا المرأة».

وأضافت أن «مجلس الشورى لديه نوع من السياسة الحكيمة التي تهدف إلى إعداد الأمور التي تخدم المجتمع في المستقبل بهدوء. وأعتقد أن سبب تأخيره هو دراسته، والتمعن فيه، قبل إصدار قرار مباشرته بموافقة المجلس».

وأوضحت أن قانون مكافحة التحرش المقدَّم إلى مجلس الشورى يختلف عن ما قُدِم في نظام الحماية من الإيذاء، قائلة: «هناك نقاط جوهرية بين القانونين، فقانون الحماية من الإيذاء قصر الحماية من الإيذاء، أو المعاقبة، على أن يكون الشخص وصيّاً على الشخص، أو مُكلّفاً، أو له عليه ولاية، كأن يكون رئيسه في العمل، أو كفيله، أو والداً، أو خالاً، أو عمّاً. أما بالنسبة إلى الغرباء، فمشروع الحماية من الإيذاء لا يحمي الغريب من الغريب، ويحمي النساء من الجانب الأسري. لكن في مكان عام، وأماكن التسوق، والمساجد، نجد أن الحماية من الإيذاء لا يمكنه إنصاف المرأة أو مساعدتها. أما في قانون التحرش، فنعمل على تغيير الفكرة السائدة ومفادها أن المرأة هي فقط من يُتحرش بها، فالقانون نص على أنه قد يكون المُتحرَش به رجلاً أو طفلاً. وفي قانون التحرش نعمل على حماية فئات المجتمع بكل أطيافه، كما أن هذا القانون سيقف عند مسائل كانت تُحال على الأحكام التعزيرية في القضاء. لذلك أجزم بأن قانون الحماية من التحرش هو الأقوى والأشمل لجميع فئات المجتمع، ويهتم بمسألة الحماية في الأماكن العامة».


د. فاضل: اعترضت على وجود نظام يكافح التحرش تجنباً لازدواجية القوانين

قال عضو مجلس الشورى وأستاذ العلوم السياسية الدكتور صدقة فاضل إن «مجلس الشورى اهتم اهتماماً شديداً بمسألة التحرش الجنسي، بل برز اهتمامه قبل نحو ست سنوات عندما تقدم أحد الأعضاء بمشروع نظام لمكافحة التحرش الجنسي، ورحب الأعضاء  الآخرون بهذا المشروع، وشرعوا في درسه. لكن وفي هذه الأثناء، وصل من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مشروع نظام شامل ومتميز، وهو نظام الحماية من الإيذاء، لكنه لم يشمل التحرش الجنسي والجرائم الجنسية، ولذلك كان الرأي في ذلك الحين أن يضمَّن نظام مكافحة التحرش الجنسي. وافق مقدم المشروع على ذلك وتم التصويت، فقررت الغالبية أن يصدر نظام شامل تحت مسمى نظام الحماية من الإيذاء. وأعدنا صياغة نظام الحماية من الإيذاء ورفع النظام إلى المقام السامي، وتمت الموافقة عليه، وبالتالي اعتمد وأصبح من الأنظمة المعمول بها في السعودية، وبدأ تطبيقه قبل نحو سنتين». وأضاف: «مكافحة التحرش الجنسي غُطيت في هذا النظام، ولا يوجد أي سبب مقنع لإصدار نظام مستقل، لأن ذلك يصب في خانة ازدواجية القوانين، والأنظمة. لذا بعدما تقدم بعض الأخوة الأعضاء بمشروع نظام لمكافحة التحرش الجنسي، رأت الغالبية أنه ليس ضرورياً بما أن هناك نظام حماية شاملاً. وأنا من الأشخاص الذين عارضوا وجود نظام جديد يخص التحرش الجنسي فقط. ولا أحد يعترض على المبدأ، لكن الاعتراض هو على عدم تكرار الأمر بما أن هناك نظاماً متكاملاً يتضمن في مواده مكافحة التحرش الجنسي».

وعن إحالة القانون على لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية في الشورى، بعدما رأى أعضاء في المجلس أن هذا القانون يُعزز مفهوم الاختلاط، قال فاضل:«بكل صراحة أستغرب إحالته على اللجنة الإسلامية والقضائية، لأن المفروض أن تناقشه لجنة الشؤون الاجتماعية في المجلس، لكن ربما سينظر إليه من وجهات نظر أخرى. أنا لا اعتقد أن هذا النظام سيخرج إلى النور لأن هناك أعضاء في لجنة الشؤون الإسلامية مقتنعون بأن ما صدر يكفي. وإذا وافقت عليه اللجنة سيعرض مرة أخرى، وستبدأ المعارضة، ومن بعدها سنرى أي كفة سترجح».


د. حمّاد: الاختلاط العام غير محرّم

قالت عضو المجلس التنفيذي ولجنة الثقافة والنشر ولجنة الأعضاء في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين حمّاد إن «من عارض قانون مكافحة التحرش بحجة أنه يعزز الاختلاط، يجب أن يعلم أن الاختلاط العام غير محرم، الخلوة هي المحرمة، فالموظفات اللواتي يعملن في المستشفيات وجودهن في هذا المكان طبيعي، وهنّ معيّنات من الدولة. وهناك مجالات كثيرة تعمل فيها المرأة فيها اختلاط. في الطواف حول الكعبة، عندما نؤدي العمرة، أو مناسك الحج، هناك اختلاط، فعن أي تعزيز لمفهوم الاختلاط يتحدثون؟! قد تكون معارضتهم للقانون سببها عدم توجيه عقوبات للرجل، وإدانة المرأة كمسؤول رئيسي في عملية التحرش. ماذا نفعل؟ هل ننشئ شوارع خاصة للنساء ومثلها للرجال، وساحة طواف خاصة للنساء، ومسعى خاصاً بالنساء، لنتفادى الاختلاط؟! الاختلاط فطرة طبيعية في كل الأزمان والعصور، وفي عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كان هناك اختلاط». وعن وجود بدائل عن قانون التحرش قالت: «بخصوص نظام الحماية من الإيذاء، إن كانوا يرضونه بديلاً، فإننا نجد أنه عند وضع اللائحة  التنفيذية للنظام لم يجرِ الالتفات إلى موضوع عقاب التحرش. ودعيني أذكر حادثة حصلت معي قبل أكثر من عشر سنوات، عندما ذهبنا للحج أنا وشقيقتي، وكنا في حملة مليئة بالشيوخ، وعندما ذهبنا لطواف الإفاضة، طلب منا أحد الشيوخ تغطية وجهينا، مع أن إحرام المرأة في وجهها وكفيها، لكنه لم يطلب من الرجال غض البصر!». أضافت حمّاد: «لم أكن أتصور أن أعضاء مجلس الشورى سيعارضون هذا القانون الذي يتضمن عقوبات رادعة للمتحرشين، سواء في الأماكن العامة أو داخل المنزل، لأنه وللأسف الشديد نجد أن المرأة تتعرض للتحرش والاغتصاب  من داخل أسرتها وأقرب الناس إليها».


عبد الله العلمي: عدم إصدار هذا القانون يُفقِد المرأة  الكثير من حقوقها

من جانبه، قال الكاتب السعودي عبد الله العلمي أن مسألة صرف مجلس الشورى النظر عن قانون مكافحة التحرش «ليس بجديد، فهو قد بدأ في تشرين الثاني/نوفمبر 2008، أي قبل ستة أعوام، حين درس المجلس مشروع قانون لتحديد عقوبة جريمة التحرُّش، ووضع العقوبات المناسبة لها في مجال  العقوبات التعزيرية،  في الجرائم ذات الصبغة الأخلاقية. ولم يتحمس المجلس كثيراً لدرس المشروع. وفي 2012 قرر إدراج مشروع نظام مكافحة التحرُّش ضمن نظام الحماية من الإيذاء. في آب/أغسطس 2013 صدر قانون الحماية من الإيذاء، مكوّناً من 17 مادة ضعيفة يواجه المدانون بالإيذاء بموجبها عقوبة ناعمة هي الحبس لمدة أقصاها سنة واحدة، ودفع غرامة هزيلة لا تتعدّى 50 ألف ريال. أما أين سيصل الأمر، فالنتيجة المتوقعة من شقين: إما نجاح المتشددين في المجلس في دفن القانون، أو إصداره بصيغة هزيلة، بحيث لا تحصل المرأة على أدنى حقوقها. والوضع لايبشر بالخير، خصوصاً بعد مطالبة أحد أعضاء مجلس الشورى أخيراً بإزالة كل ما يتعلق بعمل المرأة، كبيع المستلزمات النسائية، وغيرها من مجالات العمل، ووصف بيئة عمل المرأة بأنها غير آمنة في مجتمع الرجال لأنها بيئة مختلطة!».

ولفت العلمي إلى أنه «ربما من أسباب معارضة إقرار قانون مكافحة التحرُّش، هو اعتراض بعض المتشددين على تقنين الأحكام القضائية، أو عدم الرغبة في الاعتراف ولو ضمنياً، بوجود «اختلاط» بين الجنسين. من الأسباب الأخرى أن سحب القانون لم ينبع من الواقع الفقهي في التحليل والتحريم وفق ثوابت الدين، بل جاء من منطلق الشك والتشكيك في أخلاق المرأة بالدرجة الأولى. والنتيجة كانت مع الأسف مشروع نظام للحماية من الإيذاء لا يلبي أدنى متطلبات مكافحة التحرُّش. كذلك، أصدر داعية باحث عن الشهرة، عدة تسجيلات بالصوت والصورة، يَدَعِي فيها أن القانون يفتح الباب أمام الدعارة، رغم أن القانون بحد ذاته ينطلق من تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية القائمة على صيانة العرض، وكف الأذى، ومعاقبة المعتدي».

ورأى أنه لا يوجد بدائل لهذا القانون، لأن «السعودية وقعّت إعلان الأمم المتحدة للقضاء على العنف ضد المرأة  في العام 1993، والاستراتيجيات النموذجية لذلك الإعلان في العام 1997. و لدينا في السعودية 131 نظاماً ولائحة تشدد على رعاية وحماية حقوق الإنسان، وتتوافق مع التشريعات الإسلامية، والاتفاقات الدولية، ومع ذلك ما زالت حوادث العنف والتحرش بالمرأة في ازدياد.  لذلك لا يوجد بدائل، خصوصاً مع الانفتاح الذي يشهده المجتمع وانطلاقة المرأة السعودية في مجالات العمل العام. والذين يسعون لطرح البديل هم أنفسهم من يعارضون عمل المرأة وابتعاثها، وسفرها، بل وخروجها من بيتها».

وحذّر من أن «الاستمرار بمعاملة المرأة كالقاصر أو المجنون، تحق الوصاية عليه منذ أن يولد حتى يتوفى! وعدم إصدار هذا القانون يُفقِد المرأة حقوقها المدنية والسياسية والمالية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والأسرية.  والأخطر هو إخضاع المرأة للأهواء والعادات والأعراف والتقاليد التي ستضر بالمرأة وبالمجتمع بأكمله».