في محاولة للحدّ من ازدياد حالات الطلاق: وزارة العدل السعوديّة تطلق مشروع«مؤشرات الطلاق»

طلاق,المجتمع السعودي,السعودية,المستشفى,المحكمة

ميس حمّاد (جدة) 30 نوفمبر 2014

التسرع في طلب الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية، قضية شائكة تقلق المجتمع السعودي. ومع أن أسبابها متعددة، فإن عبارة «أنتِ طالق» ووجود «صك إثبات الطلاق» في المحكمة، كافيان  لتحقيق انفصال الزوجين. ورغم كل الجهود، بلغت نسبة الطلاق 21.5 في المئة على مستوى السعودية، بعدما كانت 23 في المئة في العام 2004، وذلك بحسب دراسة حديثة صدرت عن مركز العمران الأسري التابع لجمعية البر في مدينة الإحساء. وتعتزم وزارة العدل السعودية إطلاق مشروع «مؤشرات الطلاق» قريباً، وتلزم بموجبه الزوجين الراغبين في الانفصال توضيح الأسباب عبر الإجابة عن عدد من الأسئلة، لكي يُسمح لهما بتقديم طلب الطلاق أمام المحكمة. فهل مازالت هذه المسألة، بحاجة إلى «وقفة» قبل حدوث الطلاق بين الطرفين؟ سؤال ناقشته «لها» مع أصحاب الاختصاص، لعلنا نستبين الأسباب التي ترفع معدلات الطلاق في السعودية.

مها في العقد الثالث من عمرها، تعمل ممرضة في مستشفى.

تعرفت على طليقها محمد الذي يعمل موظفاً إدارياً في المستشفى ذاته. هي تكبره بخمس سنوات، إلا أن شرارة الحب اشتعلت بينهما، وقررا الارتباط، رغم معارضة أهل الزوج بحجة أنها تكبره في السن. وتزوج الحبيبان بعد فترة خطوبة قصيرة لم تتعدَّ الأربعة أشهر.  تتحدث مها عن قصتها قائلة: «أحببته كثيراً وشعرت بأنه الشخص المناسب، ولم ألتفت يوماً إلى فارق السن بيننا، رغم تحذيرات عائلتي. في البداية كانت الأمور بيننا تسير بشكل طبيعي، ولكنها تغيرت للأسف بعد أن عدنا من شهر العسل، وبتنا نختلف على أبسط الأمور بل أتفهها. ووصل الخلاف ذات مرة بيننا أنه مدّ يده وضربني، وصرخ بوجهي بأنني وإن كنت أكبره في السن، سأبقى المرأة التي يجب أن تطيع زوجها وتراعي شؤون عائلته وأوامر والدته. هذا الأمر أثار غضبي كثيراً ولم أتحمله، فعدت إلى بيت أهلي، إلا أن والدي تدخل وأعادني إلى منزل الزوجية، لكنني ظللت أتنقل بين بيتي وبيت أهلي، والخلافات على أشدها بيني وبينه. بعد مُضي شهرين فكرت في الطلاق، إلا أن القدر لم يقف بجانبي لأنني كنت حاملاً، وعائلتي رفضت فكرة الانفصال، فقررت أن أتحمل، لعل خبر قدوم طفل قد يُهدئ من طيشه واستمرار غضبه. لكني رضيت بالمرّ والمرّ لم يرضَ بيّ، فاختلفنا مرة أخرى، وفي كل مرة كنت أشعر بأن حساسية السن لها شأن كبير في ذاته. وبدأ الصراخ وتحطيم أغراض المنزل، ثم ضربني وأهانني، فخرجت بعباءتي إلى الشارع، وأوقفت سيارة أجرة وذهبت إلى منزل عائلتي. وما أن وصلت حتى سقطت فاقدة للوعي، ونقلوني إلى المستشفى حيث أخبر الطبيب أبي بأن الجنين مات».

تضيف: «لم أشعر بأي حزن تجاه الجنين الذي فقدت، بل على العكس فرحت كثيراً بأنه لن يكون هناك أي فرصة لأصبر على هذه الحياة. فطلبت من أبي بالبدء بمسألة الطلاق، وكان زوجي ووالدته مستعدين لذلك،  وقررا إنهاء حياتنا الزوجية. وفور خروجي من المستشفى، أرسل إلى ورقة طلاق لزواج لم يستمر سوى ثلاثة أشهر».

كشف الأسباب قبل دخول المحكمة

قال مستشار وزير العدل للبرامج الاجتماعية الدكتور ناصر العود،  إن مشروع «مؤشرات الطلاق سيرى النور قريباً»، مؤكداً أن «معرفة الأسباب المؤدية إلى طلاق الزوجين أمر مهم جداً، للمساهمة في وضع حلول قد تحد من هذه الظاهرة. ومع عدم إثبات الأسباب، لن يتمكن الطرفان المتنازعان من أخذ موعد لإثبات الطلاق، إلا بعد الإجابة عن 10 أسئلة. كما أن هذه المؤشرات تعد بمثابة الخدمة الاجتماعية التي تقدمها وزارة العدل، للباحثين، والمهتمين، بمعرفة البيانات، والراغبين في تحليلها وتقديم الحلول في ضوئها».  ولفت إلى أنه «من المؤكد أن الأسباب الخاصة من الصعب معرفتها، أو إلزام الطرفين البوح بها، فالمؤشرات ستركز على معرفة البيانات الديموغرافية للطرفين كمرحلة أولى».

ووصف الطلاق بأنه «مشكلة اجتماعية ونفسية، لذلك عزمنا على وضعها ضمن أولويات العمل في الوزارة التي تسعى بمشاركة جهات بحثية واجتماعية لإيجاد الحلول الناجعة لها. وهذا هو هدف مشروع المؤشرات التي توضح أسباب الطلاق».

وشرح العود ما تتضمنه هذه المؤشرات بقوله: «المؤشرات تتضمن ثلاثة محاور رئيسية وتنطلق من الجهود البحثية القائمة على التحليل والاستقراء، وتتبّع للمعطيات الإحصائية في السعودية. هذا المحاور هي:

المحور الأول: مؤشرات تتعلق بالخصائص الدينية الاجتماعية، ويشمل السؤال فيه التوافق العمري بين الزوج والزوجة، وعدم وجود تباين كبير في سن كل منهما،  إضافة إلى التوافق العلمي والثقافي، وتوافق العادات والتقاليد بين الزوجين، ونظرة كل من الزوج والزوجة إلى الحياة الزوجية، مما يعني القدرة على التوافق الفكري بينهما.

المحور الثاني: مؤشرات تتعلق بالخصائص الاقتصادية، وتشمل: تحديد المهر والنفقة، وتحديد السكن ونوعه، وكيفية التعايش بين الزوجين، وتحديد عمل الزوجة، ومدى تقبل الزوج ذلك، واستقلالية الصرف لها دون تدخل الزوج، ما لم يكن هناك تراض بينهما.

المحور الثالث: المؤشرات التي أدت إلى حدوث الطلاق بين الزوجين، وتندرج في شقين، الأول يختص بمؤشرات تتعلق بالحالة العمرية للزوجين والأبناء، وذلك وفق الأسئلة التالية: كم عمر كل من الزوج والزوجة؟ كم عدد الأبناء  إن وجد؟ كم أعمار الأبناء؟ هل هذا الزواج هو الأول للزوج؟ هل يوجد لدى الزوج زوجة أخرى؟ هل الزوجة سبق لها الزواج؟
وأما الشق الثاني، فيتناول مؤشرات تتعلق بالحالة الاجتماعية والاقتصادية، وفق الأسئلة التالية: هل لدى الزوج قصور في الإنجاب؟ ما المستوى التعليمي لكل من الزوج والزوجة؟ هل الزوجة تدرس حاليا؟ هل الزوج يتعاطى مسكرات أو مخدرات؟ هل الزوج سريع الانفعال؟ هل الزوجة سريعة الانفعال؟».

وأشار العود إلى أن رؤية المشروع  تتضمن «المساهمة في تقديم المعلومات الدقيقة عن نسب الطلاق في السعودية، في حين تقوم رسالته على توفير بيانات إحصائية موثقة لحالات الطلاق، ومعلومات أولية عن طالبي الطلاق أو فسخ عقد النكاح أو الخلع من مراجعي المحاكم. أما أهداف المشروع فتشمل دراسة مشكلة الطلاق وأبعادها الاجتماعية والعدلية، وتحديد أهم المؤشرات التي تساهم في التسبب بالطلاق بين الزوجين، وتوعية الأسرة الحالية والمقبلة على الزواج بأهم المؤشرات، وتعريف المهتمين بالمؤشرات لأخذها في الاعتبار عند معالجة المشكلة والتحذير من الوقوع فيها، وإعداد البرامج الإرشادية والتوعوية للحد من هذه المشكلة، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتحقيق التكامل المجتمعي في الحد من مشكلة الطلاق، وإعداد معايير ومؤشرات تكون بمثابة الدليل الوقائي وتوضح أسباب مشكلة الطلاق وعلاجها».

النجيدي: لا بد من استشارات أسرية بسبب ازدياد المشكلات الاجتماعية

قال المستشار الأسري لمركز التنمية الأسرية في مركز العمران الأسري حجي النجيدي إن «المركز استطاع أن يساهم في تعزيز الروابط والعلاقات الأسرية، والتثقيف والتوعية، كما أن خدماته تستهدف جميع الفئات، من أطفال وشباب ونساء ورجال بغرض بناء أسرة مترابطة ومتلاحمة من دون هموم أو مشكلات تدمر النسيج الاجتماعي، بالإضافة إلى تعزيز قيم المحبة والتواصل بين أفراد الأسرة».

ولفت إلى أن «الاستشارات المتنوعة والبرامج والورش التدريبية التي يتبناها المركز، مفعّلة لجميع المواطنين، لأن حاجة المجتمع تستدعي وجود المراكز الأسرية، وأيضا تستدعي هذه الاستشارات، بسبب ارتفاع معدلات المشكلات الاجتماعية المتنوعة التي تواجهها بعض الأسر وتحتاج إلى من يعينها لحلها».

 وأوضح أن المركز «لا يتوقف دوره عند معاينة المشكلة وحلها، بل نهدف إلى رفع كفاءة عناصر الأسرة في التفاعل بعضهم مع بعض، تجنباً لتكرار المواقف التي تفتك بالأسرة وتفكك كيانها، لذلك وجدنا أنه لا بد من تبني برامج، محاولين من خلالها تقديم جميع أنواع الاستشارات من جانب متخصصين، لدعم أنماط حياة أسرية سعيدة، ولمساعدة الأزواج على فهم بعضهم، وتصحيح الأساليب التربوية غير السليمة، وزيادة وعي أفراد المجتمع بالتعامل مع مشكلاتهم».

جمعية المودة الخيرية للإصلاح الاجتماعي

كشفت جمعية المودة الخيرية للإصلاح الاجتماعي في جدة أنها نجحت في الإرشاد الأسري بالمقابلة بين 80 في المئة من الحالات التي استقبلتها الجمعية، عبر المحاكم ودوائر التنفيذ، منذ مطلع العام الحالي. عن هذا الأمر قال رئيس مجلس إدارة الجمعية الدكتور أنس بن عبد الوهاب زرعه إن «قسم الإرشاد الأسري في الجمعية تمكن بالمقابلة من تقريب وجهات النظر بين 505 أسر والحيلولة دون وقوع الطلاق من إجمالي الحالات التي استقبلتها وهي 637 حالة، في الوقت الذي تواصل فيه الإصلاح بين 44 حالة، وتعذر الصلح في 88 حالة. كما قدمت الجمعية خدماتها لـ438 أسرة في حاضنة الزيارات الموقتة للأبناء».

وأكد «سعي الجمعية لتحقيق المزيد من المنجازات، بما يساهم في تحقيق الاستقرار الأسري، لتكون الجمعية منارة مرشدة لتحقيق الاستقرار الأسري عبر التدريب والإرشاد، والمساهمة في بناء المجتمع، والحفاظ على الأسرة. ولا ننسى في هذا الإطار جهود وزارة الشؤون الاجتماعية ودعمها للجمعيات الخيرية الأسرية».

CREDITS

تصوير : محمد يحيى