مطلقون يرفعون شعار رد استعادة «الثقة» فهل ينجحون؟

طلاق,مطلقون,المجتمع

أحمد جمال (القاهرة) 31 يناير 2015

الطلاق تجربة قاسية تزداد صعوبتها على المرأة تحديداً، بسبب نظرة المجتمع الظالمة إليها وتحميلها مسؤولية فشل الزواج من دون منحها حق الدفاع عن نفسها. و يعاني مطلقون ومطلقات كثيرون صدمات نفسية قد تصل إلى عزلة اجتماعية يفرضونها على أنفسهم. لكن بعض هؤلاء قرروا عدم الاستسلام لتلك الحالة، واندمجوا معاً في جمعية ترفع شعار «استعادة الثقة». فما هي تجارب هؤلاء، وإلى أي مدى نجحوا فعلاً في استعادة ثقتهم بأنفسهم؟

في البداية التقينا عبير الأنصاري مؤسسة الجمعية ورئيستها، لتروي لنا أهدافها ومشكلاتها، فقالت: «فكرت في إنشاء الجمعية بعد مروري بتجربة الطلاق وما تتركه من آثار نفسية مدمرة. أنا ضحية زوج إيراني عشت معه قصة حب كبيرة وتزوجنا في لندن حيث يعيش منذ فترة طويلة ويحمل الجنسية البريطانية. اكتشفت خيانته لي، وصبرت قليلاً حتى يكبر ابناي منه، فارس وجود، ويستطيعا الاعتماد على نفسيهما ومواصلة تعليمهما في لندن». 
وأضافت: «عندما اطمأننت نسبياً إلى مستقبل ابنيَّ، واجهته بخيانته لي واعترف، فما كان مني إلا أن أصررت على طلب الطلاق، وحصلت عليه ورجعت إلى مصر وقررت الاستقرار فيها ابتداء من عام 2003. ولاحظت ما يعانيه المطلقون والمطلقات في الوطن العربي من الأزمات النفسية والاجتماعية الكبيرة التي قد تؤدي بهم إلى الانتحار أو التقوقع على الذات، إلى درجة الإصابة بأمراض نفسية مستعصية، ولهذا قررت الاندماج في النشاط الاجتماعي، لكن بشكل مختلف من خلال تأسيسي جمعية «عودة الثقة والتأهيل النفسي للمطلقين والمطلقات». وحصلت على موافقة وزارة التضامن، وقمت أخيراً بضم الأرامل إليها لحاجتهن إلى الدعم النفسي والتثقيفي، واستطعت أن أضع كل خبراتي الحياتية والتعليمية في خدمة أهداف الجمعية التي تقوم على التطوع، حتى أن كثيراً من المحاضرين الذين نستضيفهم يرفضون تقاضي أي مقابل من شدة إعجابهم بفكرة الجمعية وأهدافها النبيلة في مساندة الآخرين والعمل على إسعادهم وإخراجهم من محنتهم».

خطّافة رجال

وتواصل عبير كلامها قائلةً: «أدركت أن الطلاق ليس نهاية الحياة للمرأة، بل يمكن أن يكون بداية لحياة جديدة أفضل، عندما تستفيد من التجربة السابقة وتتعامل مع آثارها بذكاء. ولهذا قررت دراسة كل ما يتعلق بالنفس البشرية وأخطائها وكيفية علاجها والرجوع إلى الحياة من جديد، من خلال الاعتماد على النفس. لهذا درست علم الإدارة، ونفّذت مشاريع خاصة بي أخدم بها المجتمع، ومنها جمعية «عودة الثقة للمطلقين والمطلقات»، بعدما لمست خوف الزوجات في مجتمعاتنا العربية من أي سيدة مطلقة، لأنها من وجهة نظرهن «خطّافة رجال». وبمرور الوقت، تبدأ صداقاتها وعلاقتها بالانحسار، نتيجة نظرة الريبة والخوف منها باعتبارها متهمة دائماً. ولهذا قررت السعي بشكل عملي لإنشاء كيان اجتماعي يكون مقصوراً على سيدات في مثل وضعي الاجتماعي، لما رأيته من معاناة نفسية لكثير من المطلقات وأطفالهن. من هنا ولدت فكرة الجمعية التي يُشترط في أعضائها من الجنسين أن يكونوا جامعيين ومطلّقين. كما نعقد لقاءات مستمرة بين أعضاء الجمعية لتبادل الخبرات وعرض التجارب للاستفادة من الأخطاء وعدم تكرارها، والمساعدة في تحسين الوضع النفسي والاجتماعي، من خلال ندوات يحاضر فيها خبراء علم النفس والاجتماع، ومحاولة البحث عن حلول عملية واقعية لكل عضو من خلال الرؤية الجماعية».

وأكّدت عبير أن أعضاء الجمعية في تزايد مستمر، ولا يشترط الحضور وإنما يمكن التواصل معها من خلال الإنترنت. وتضم الجمعية اختصاصيين نفسيين واجتماعيين متاحين طوال اليوم لتقديم الدعم والنصيحة لكل المطلقات والمطلقين الذين يتزايد عددهم في المرحلة السنية ما قبل 35 سنة. 
وتشير الأنصاري إلى أن الجمعية لا تكتفي بتنظيم دورات للنساء والرجال وأطفال الطلاق، وإنما تقيم رحلات مشتركة يتعايش فيها المطلقون والمطلقات وأطفالهم، مما يجعل كل فرد منهم يشعر بأنه ليس وحده ضحية الطلاق، بل إن هناك آخرين في مثل حالته وخرجوا من الأزمة. ولهذا تتحول هذه الرحلات الترفيهية إلى منتديات ثقافية، بما تحويه من حلقات نقاشية بين كل الأطراف.

مشكلة نفسية

وتروي عبير تجربة فريدة، فتؤكد أنه كان لديها في الجمعية طفل يشعر بالحرج الشديد لكون أبويه مطلقين، وكان يعاني مشكلة نفسية حقيقية. وبعد حضوره محاضرات الأطفال التثقيفية، استطاع أن يلقي هو بنفسه في مدرسته محاضرة تحت عنوان «أمي وأبي مطلقان وأنا لست محرجاً»، ثم ظهر في برنامج تلفزيوني ليتحدث عن تجربته ورؤيته الجديدة وعدم خجله بل وفخره الشديد بأبويه.
وتنصح عبير كل المقبلين على الزواج بأن يكتبوا جدولاً مكوناً من ثلاثة أعمدة، الأول عنوانه «أبيض» فيه كل الصفات التي يحبها في الطرف الآخر، أما الثاني فعنوانه «رمادي» يكتب تحته كل ما يكرهه في الطرف الآخر، لكن يستطيع أن يتعامل معه، أما العمود الثالث «أسود» ففيه كل ما لا يستطيع أن يتقبله ومطلوب من الطرف الآخر أن يعمل على تغييره. ثم يتبادل الطرفان الجدولين ويعلقانهما في مكان ظاهر للاسترشاد بهما.  وتنهي عبير كلامها مؤكدة أن الاستفادة من أخطاء الزواج الأول، والصراحة والوضوح مع النفس قبل الآخرين، تضمن للمطلقين والمطلقات النجاح في الزواج الثاني، وتضيف: «هذا ما حصل بالفعل، فقد تزوج كثير من أعضاء الجمعية من بعضهم أو من خارج الجمعية، وتسير حياتهم بشكل أكثر استقراراً، وما زالت علاقتهم بنا قائمة لنقل تجاربهم القديمة والجديدة إلى غيرهم حتى يستفيدوا منها».

نظرة ظالمة

تقول ولاء طنطاوي، مدرّسة لغة إنكليزية، إنها تعرفت إلى الجمعية قبل سنوات عبر الإعلام، إذ كانت إحدى الفضائيات تستضيف عبير الأنصاري وتزامن ذلك مع سيرها في إجراءات الخلع من زوجها الذي لم يعش معها في منزل الزوجية سوى شهر واحد ثم سافر إلى الإمارات واستقر فيها وأخذ يراوغ في العودة إلى مصر ورفض سفرها إليه، وهذا ما جعلها تطلب الخلع وتصر عليه لغيابه عن مصر حوالى السبع سنوات. تضيف: «فعلت مع زوجي السابق المستحيل من أجل ابنتي الوحيدة التي أنجبتها منه، لكنه كان يقابل هذا بالجحود والنكران، وتنكر لكل أشكال المساعدات التي قدمتها له من أجل استمرار الحياة، وبالتالي لم يكن أمامي من سبيل سوى طلب الخلع الذي حكمت لي المحكمة به أخيراً، حتى أعيش حرة وأتفاعل مع أعضاء جمعية التأهيل النفسي للمطلقات. وقد استفدت كثيراً من خلال المشاركة في المحاضرات التي استضفنا فيها أستاذة علم نفس واجتماع، لتحدثنا عن كيفية الخروج سريعاً من الآثار النفسية للطلاق وسبل التعامل مع النظرة الاجتماعية الظالمة إلى المطلقة وأبنائها. وللأسف تكون هذه النظرة أشد ظلماً مع المختلعة مثلي. والحمدلله اجتزت هذه المرحلة الصعبة بسرعة، لأنني في الحقيقة لم أكن متزوجة من زوج يتقي الله أو يقوم بواجباته الزوجية والأسرية، ولهذا وجدت نفسي في هذه الجمعية التي يجب أن تستفيد منها كل المطلقات والمختلعات». 

تسامح وتفاؤل

يروي المهندس محمد أبو النجا (51 سنة) قصته مع الجمعية فيقول: «تعرفت إلى الجمعية قبل خمس سنوات بعد انفصالي عن زوجتي نتيجة عدم التوافق الذي وصل إلى درجة التضاد الحاد بيننا، مما جعل الحياة مستحيلة رغم محاولتي الحفاظ عليها من أجل ابني الوحيد. إلا أن هذه الأماني تبخرت وذهبت أدراج الرياح، وأصبح الطلاق هو الطريق الوحيد للخلاص».
وأضاف: «ساعد انضمامي إلى الجمعية في انتشالي من التمزق النفسي الذي كنت أعانيه بسبب الطلاق وخوفي على مستقبل ابني الوحيد وافتقادي الشديد له، وقد جلست مع كثير من المطلقين والمطلقات واستمعت إلى الأسباب التي أدت إلى طلاقهم، وقارنتها بأسباب طلاقي نتيجة الأزمات المستمرة مع زوجتي السابقة، واكتشفت بعض جوانب القصور من جانبي، سواء معالجة بعض المشكلات الزوجية أو طريقة التعامل مع الأزمات. وهذا ما سيساعدني كثيراً في تجربتي الجديدة، فأنا أفكر جدياً في الزواج وأبحث بتأنٍ عن «بنت الحلال»، سواء من داخل الجمعية أو خارجها».
 يضيف: «استفدت من انضمامي إلى الجمعية التسلح بالتسامح مع مطلقتي، والعفو عما سبق، وبدء صفحة جديدة، والتخلص من الميول العدوانية، وألا نتخذ من ابننا الوحيد وسيلة للانتقام المتبادل كما يفعل كثير من المطلقين والمطلقات. وقد أثر هذا التفكير الإيجابي في نظرتي إلى الحياة وبعث عندي روح التفاؤل بأن التجربة الجديدة سوف تنجح».

تجارب الآخرين

تناقض الصفات والمبادئ بين الزوجين كان كلمة السر في طلاق المهندس هاني مطر من زوجته، بعد زواج استمر تسع سنوات وأثمر ثلاثة أولاد. يقول: «زواجي لم يكن تقليدياً، فقد كنت أعرف أم الأولاد قبل الزواج. إلا أن هناك طباعاً وصفات رئيسية لديها لم أكتشفها إلا بعد الزواج، وحاولت تغيير هذه الصفات لتكون متوافقة أو حتى متقاربة معي، إلا أنني فشلت تماماً، ولهذا لم يكن أمامي من سبيل إلا الطلاق». 
 يضيف: «تعرفت إلى الجمعية من خلال عملي في مجال الإنترنت، فقد قرأت خبراً عنها، فتواصلت معها وحضرت الندوات والمحاضرات التي تنظَّم في مختلف فنون الحياة وكيفية إدارة الأزمات، وخاصة الأسرية، من خلال الاستماع إلى الأكاديميين المتخصصين، وكذلك أصحاب تجارب الطلاق المشابهة من أعضاء الجمعية، مما جعلني أنظر إلى قضية طلاقي بشكل طبيعي وأنني لست الوحيد المطلق، وأن الحياة لم تنته، بل يمكن البدء من جديد، لأن الحياة حلوة والاستفادة من الأسباب المؤدية إلى الفشل في الزواج الأول تؤدي إلى النجاح في الزواج الثاني». وأوضح أن مشاركته في الجمعية جعلته ينظر إلى مشكلته مع مطلقته بشكل أكثر موضوعية، فقد اكتشف بعض الأخطاء في تعامله مع أم الأولاد، وذلك من خلال الاستماع إلى أسباب الطلاق من سيدات يعرضن مشكلاتهن الزوجية خلال اللقاءات، واعترف بجهله ببعض الصفات والسلوكيات التي لو عرفها لكان هذا قد أدى إلى تأخر الطلاق نسبياً، محافظة على مصلحة الأولاد.

أبناء المطلقين

عن الرؤية النفسية لما تقوم به جمعية التأهيل النفسي للمطلقين والمطلقات وأبناء الطلاق والأرامل، تؤكد الدكتورة إيمان شاهين، مديرة مركز الإرشاد النفسي في جامعة عين شمس، أن الطلاق أبغض المقبولات اجتماعياً لدى كل فئات المجتمع، ومن التجارب النفسية القاسية في كل الثقافات العالمية، نظراً إلى نتائجه السلبية على أفراد الأسرة الصغيرة، وخاصة الأولاد، وكذلك آثاره المدمرة على المجتمع، حتى أن قطاعاً عريضاً من «أطفال الشوارع» هم ثمرة الطلاق، سواء كان صريحاً ونهائياً أو موقتاً وصامتاً. 
ورأت أن فكرة الجمعية جيدة، «وليتها تنتشر في مختلف الدول العربية وبين الفئات الاجتماعية، لأن غالبية المطلقين والمطلقات يعانون من صدمة نفسية تفقدهم توازنهم، وتجعل نظرتهم إلى الحياة سوداوية. ولهذا فإن المطلق، سواء كان امرأة أو رجلاً، يحتاج إلى رعاية وإعادة تأهيل نفسي، لانتشاله من حالة التمزق النفسي الذي إذا لم يتم علاجه ومحاصرته فقد يؤدي إلى أمراض نفسية مستعصية، وهذا ما تقوم عليه فكرة الجمعية التي يجب أن تكون مدعومة من المؤسسات النفسية والاجتماعية». 
 وأنهت شاهين كلامها بالدعوة إلى أن تشمل نشاطات هذه الجمعية ومثيلاتها الرعاية النفسية لأبناء المطلقين وإعادة تأهيلهم نفسياً واجتماعياً، لافتقادهم القدوة، بعد تهشّم الصورة الجميلة للوالدين بالطلاق، مما قد يزيد انفلاتهم ووقوعهم فريسة لأصدقاء السوء. 

نظرة المجتمع

 يشير الدكتور نبيل السمالوطي أستاذ علم الاجتماع والعميد السابق لكلية الدراسات الإنسانية في جامعة الأزهر، إلى أن «المطلقة في مجتمعاتنا العربية مظلومة ومتهمة ومشكوك في سلوكها، فضلاً عن تحميلها في غالبية الحالات مسؤولية الطلاق، وبالتالي ليس هناك إنصاف لها، بل إنها مطمع في مجتمع يكثر فيه الكبت النفسي والعاطفي».
  ويلفت السمالوطي إلى أن «المرأة بطبيعتها حنونة وعاطفية، فضلاً عن كونها ذكية ومراوغة، إلا أن طلاقها، سواء كانت مظلومة أو ظالمة، يجعل المجتمع يرميها بكل النقائص ويصفها بأنها ليست ذكية أو حنونة أو وفية، بل يحكم عليها بأنها لن تنجح في زواجها اللاحق. ومن هنا تظهر أهمية الجمعيات التي تؤهلها نفسياً للتعامل مع هذه النظرات الظالمة ومحاولة تغييرها عملياً».
 وأشاد بتجربة جمعية إعادة الثقة والتأهيل النفسي للمطلقين وأبناء الطلاق، «مما يساعد على إعادة اندماجهم بشكل صحيح في المجتمع، بدلاً من العزلة الاجتماعية نتيجة إحساس المطلقة وأبنائها بأنهم منبوذون اجتماعياً. والعلاج الأمثل لذلك يكون بتقوية إرادة المطلق أو المطلقة وتغيير نظرته السلبية إلى المجتمع، وتغيير نظرة المجتمع إلى من شاءت الأقدار أن يحمل لقب مطلق أو مطلقة».