بعد صدور القرار التاريخي منح حق الحضانة للمطلّقات... سعوديات يحتفلن على طريقتهن الخاصة ويعلنّ «النصر»

السعودية,الدراسة,مجلس القضاء,القضايا,الحضانة,المرأة السعودية / نساء سعوديات,إنستغرام,حق الحضانة,الشريعة الإسلامية,المحاكم

رحمة ذياب (الدمام) 08 فبراير 2015

بعد أعوام طويلة عاشت خلالها المطلّقة في السعودية معاناة حقيقية لعدم قدرتها على حضانة أطفالها، تمكّن القضاء السعودي من إنصافها ومنحها «حق الحضانة»، لتخفيف المعاناة على المرأة الحاضنة بعد تسجيل الكثير من حالات تعسف الأزواج والذي أدى وفق وزارة العدل إلى حرمان بعض الأولاد المحضونين من حقوقهم المدنية، وتأخر بعضهم في الدراسة إثر المساجلات بين الأبوين. وكان المجلس الأعلى للقضاء وجّه قضاة المحاكم للتدقيق في قضايا الحضانة وبأهلية أحد الأبوين في شأنها، مع مراعاة مصلحة الأبناء عند الحكم، مع بذل مزيد من الاهتمام عند نظر هذه القضايا، في الوقت الذي شكّل مجلس القضاء لجنة لدرس قضايا العنف الأسري بشكل عام، والإجراءات المثلى لمعالجة القضايا المتعلقة بالولاية والحضانة، ومدى ملاءمة استمرار صلاحيتها لأحد الأبوين في ظل وجود أشكال معينة من العنف والظلم الواقع على الأولاد، إلا أن ارتفاع عدد قضايا الحضانة ومطالبة الأمهات برؤية أبنائهن، أديا إلى وضع حد فاصل للقضايا وإسدال الستار على المهاترات التي تحدث بين الأبوين لرؤية الأم أبناءها.

سعوديات يحتفلن بنيل حق الحضانة

بطريقة بسيطة وتحقيقاً للانتصار، أقامت إحدى المطلّقات في السعودية حفلة لمقرباتها بعدما تمكنت من نيل حق الحضانة من زوجها، وقد مضى على طلاقهما أكثر من 4 أعوام من دون أن تتمكن من رؤية أبنائها، فعندما تقدّمت بشكوى طلب أبنائها، وحكم القاضي بإصدار صك الحضانة لها، لم تسعها الفرحة داخل أروقة المحكمة في مدينة الرياض، وفضّلت التوجه بسرعة لأخذ أبنائها الأربعة بحكم قضائي تتشبث به، مؤكدة لـ «لها»: «أشعر بفرحة تغمرني، فلم تكن المرأة المطلقة في حسبان الحقوقيين، ولم تكن قادرة على رؤية أبنائها حال طلاقها، حتى لو كان طفلها رضيعاً، كان يحق للزوج أخذه، وهذا يتنافى مع الدين والعادات والتقاليد والقوانين الدولية أيضاً. فمن حق الأم أن تحتضن أبناءها في صغرهم كما احتضنتهم في رحمها تسعة شهور، فهل يعقل أن تجرد من أمومتها ويُسلب منها أبناؤها؟». وتضيف: «نظّمت حفلة بسيطة لصديقاتي وقريباتي، أعلنتُ النصر من خلالها على طليقي الذي حرمني رؤية زهور قلبي».

وللانستغرام حضور مميز في حفلات نيل حق الحضانة، حيث امتلأت غالبية الحسابات بصور لأبناء سعوديات حرموا من رؤية أمهاتهم أعواماً، بحسب تعبير أمهات فضلن الاحتفال «على طريقتهن الخاصة»، وفق تعبيرهن.
أما نورة عبدالله، فتجد أن «صك الحضانة، سلاح بيد المرأة، وكفيل بتخفيف حالات الطلاق في المملكة. فعندما يشعر الرجل أن الأبناء لن يكونوا له في حال الطلاق، سيتراجع عن قرار الطلاق. فكل ما كان موجوداً من قرارات، كان يصب في مصلحة الرجل، وحالياً بدأت تسحب منه الحقوق التي نالها لأعوام طويلة وفي اعتقاده أن حياة المرأة بيده. فمجرد التفكير بحرمان المرأة من أطفالها، حرام شرعاً ولا يجوز في أي من الديانات».
ما زالت إحدى المطلقات تنتظر الحصول على صك حضانة طفلتها، وتقول: «الإجراءات تختلف كلياً عن السابق، ابنتي مريضة وعمرها لا يتجاوز خمسة أعوام، ولم أرها منذ عام تقريباً، بسبب عدم حضانتي لها، ومحاولات عائلية عدة من أجل التوسط لرؤيتها كونها مصابة بمرض القلب. وما أود الإشارة إليه أن والدها يرفض ذهابها بشكل يومي إلى المدرسة، وعندما صدر قرار منح حق الحضانة للمرأة المطلقة، تغيّر مجرى قضيتي كلياً، وأنا على وشك استلام ابنتي خلال الأيام المقبلة».
وأكدت أخرى: «اضطررت لإدخال أبنائي مدرسة خاصة، لعدم وجود أوراق رسمية وتهديد زوجي المستمر لي بأخذهم إذا طلبتُ أي شيء، مما جعلني أعمل ليل نهار حتى أوفر مصاريف المدرسة الخاصة»، مُعْربة عن أملها في سرعة تنفيذ هذا القرار، ومضيفة: «هناك أطفال لم يستطيعوا إجراء عمليات جراحية، بسبب تعسف الآباء ورفضهم الموافقة على إجرائها».

آراء الاختصاصيين

بيّن المحامي عدنان الصالح أن الأصل في الشريعة الإسلامية أن تكون الحضانة للأم. لذا، فإن بعض أهل العلم يرون أن الحضانة تكون للأم ومن بعدها لأم الأم، وهذا هو القول الذي رجّحه ابن عثيمين، مضيفاً: «من الأصل الشرعي نستمد القانون، فالأولوية للمرأة ولا يمكن مخالفة أوامر الشريعة، وحقوق المرأة في الإسلام بدت واضحة في العديد من النصوص القرآنية. وربط القاضي السابق يوسف السفارين بين حصول المرأة على حق الحضانة، وانخفاض معدلات الطلاق وقضايا النفقة والحضانة، موضحاً: «حصول المرأة على حق الحضانة أبرز إنجاز لعام 2014، فقد أحدث نقلة جادة في حياة المرأة التي لطالما تخبطت في أروقة المحاكم لرؤية أبنائها، وحالياً ستختلف الأمور كلياً، فمن حقوق الأم حضانة أبنائها، وهو حق شرعي لا يمكن النقاش به».

الأثر النفسي

على صعيد الآثار النفسية، قال الاختصاصي النفسي فيصل البعجان إن الطفل خلال السنوات الخمس الأولى من حياته يحتاج الى الكثير من الرعاية والحنان والاستقرار الداخلي. وإذا أثّر الصراع القائم بين الأبوين في إشباع كل احتياجاته خلال هذه السنوات، فإن الطفل يصبح أسير المرحلة التي عاش فيها هذا النقص في الإشباع ويظل متقوقعًا داخلها حتى بعد انتهائها ودخوله في المرحلة التالية لها. أما فترة ما بعد الطلاق التي ينتظر الطفل خلالها الحكم بالحضانة لأحد الأبوين، فتكون من أكثر الفترات العصيبة التي تمر في حياته، حيث إن كلاً من الأبوين يحاول جذبه تجاهه وإقناعه بأنه ينتمي إليه وإلى أسرته ولا ينتمي إلى الطرف الآخر، وهي محاولة منهما لتشكيل هويته، مما يجعله يعيش في صراع شديد يصوّره كالسلعة التي تشترى ولا يراعى فيها ضعفه وإنسانيته. الأمر الذي يستمر معه حتى مرحلة الرجولة فتتأثر ملامح شخصيته وسبل اتخاذه قراراته، مضيفاً: «الحكم بحق الحضانة لمصلحة الأم يشكل نوعاً من الاستقرار لنفسية الطفل الذي ربما يذهب ضحية خلافات وأحقاد».

أهمية القرار

يهدف القرار إلى تمكين المرأة التي صدر لها حكم شرعي بحضانة أولادها من التصرف نيابة عنهم أمام الجهات الرسمية  ما عدا السفر، وإنهاء تعسف أو مساومة بعض الأزواج في أمور تتعلّق بمصالح الأولاد في المدارس والمستشفيات دون السفر، مشيراً إلى أن بعض المحاكم سجلت حالات تعسف اتضح لدى مكاتب الصلح أن الهدف منها الضغط على الأم الحاضنة لتسليم الأولاد ليس لرغبة الأب بهم بقدر التشفي من الزوجة.
حيث اتضح للمجلس الأعلى للقضاء أن النظر الشرعي خوّل بحكمه القضائي الأم بأن تكون هي الحاضنة لأولادها، والحضانة تتعلق بأمور خطرة للغاية كالتربية والتنشئة وحفظ الطفل  في دينه وماله وعرضه، وهي لا تقارن بأي خطورة أخرى، بل إن مراجعة الجهات الرسمية وتخليص شؤونه منفعة محضة لا يعتريها أدنى شك.

وأضاف أن الأحكام القضائية تشير إلى أن المرأة وفق الأصول الشرعية تُنصّب أحياناً لتكون ولية على غيرها أو ناظرة على الأوقاف، وفي هذا أحكام عدة منذ نشأ القضاء الشرعي في المملكة، والقضاء يفرّق بين كونها حاضنة وكونها ولية، فليس لها أن تتصرف تصرف الولي بموجب صك الحضانة، ولذلك منعها قرار المجلس من البت في موضوع سفر المحضون لأنه يتطلب إذن الولي.
ولفت المجلس الأعلى للقضاء إلى التوجيه الصادر سلفاً عن محاكم الأحوال الشخصية بأن تكون القضايا الأسرية في جلسة واحدة، وألا تتجاوز في كل الأحوال أسبوعاً فقط، ما عدا ما يقتضيه الوجه الشرعي، خاصة ما يلزم شرعاً بعث حكمين وفق ملابسات القضية.

وكانت وزارة العدل أكدت أن طلب الحكمين بين الزوجين لا يكون إلا في حال حصول شقاق وخلاف طارئ بينهما، وليس في حال التصدع والتنافر القلبي أو عدم وجود التلاقي العاطفي بسبب البون الشاسع بينهما في السن أو التفكير أو العادات أو خلافها، كما يحصل في حالات الإجبار على الزواج، أو صدمة الزوجة بأحوال للزوج يصعب معها استمرار الزواج إلا بالمزيد من التعقيد، وحينها تتقدم الزوجة بدعوى طلب الطلاق، لا بسبب شقاق طارئ، بل لأسباب تتعلّق بسلوكه أو عاداته غير المرضية أو بغضه أو إساءته في التعامل معها على خلفية تتعلّق بسلوكه، فهذا مما لا يعبر عن شقاق عارض نتج منه خلاف يتطلب بعث حكمين.

عقوبات صارمة

أصدرت محاكم التنفيذ في بعض مناطق المملكة منذ بدء العمل بقضاء التنفيذ العام الماضي 40 حكماً على أزواج متعنتين في تنفيذ حكم لمصلحة الزوجة المطلقة أو المرأة الأرملة بحضانة ابنها، وحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح من شهر إلى ثلاثة أشهر بسبب عناد الزوج واستغلال السلطة والتأخير في استخراج وثائق رسمية للإبن وفق المادة 95 من نظام القضاء.
وكشف مستشار وزير العدل للمسؤوليات الاجتماعية الدكتور ناصر العود أن القرارات الأخيرة، ومنها رفع مدة السجن إلى أكثر من ثلاثة أشهر، تصب في مصلحة المرأة والتخفيف من معاناتها ما بعد الطلاق نتيجة تعنت الأزواج في تطبيق الأحكام، بالإضافة إلى مماطلة الزوج في تنفيذ الحكم الصادر، سواء بزيارة الابن أو النفقة.
وأوضح العود أن هذه الأحكام لا يصدر فيها الحكم مباشرة ولا يتدخل فيها القاضي مباشرة، إلا بعد جلسات للصلح بين الزوجين من خلال جمعيات متخصصة في التوفيق بين الأزواج وورود تقارير الى القاضي.