سيدات يبحثن عن «الجنتلمان» ورجال يتهربون من سمعة «الخروف»

الجنتلمان,سيدات,الرجل

عزيزة نوفل (جدة ) 15 فبراير 2015

بابتسامة رقيقة ونظرات حانية يفتح لها الباب ويحمل لها أغراضها الثقيلة، ومن دون إشارة أو طلب يعامل هذا الرجل سيدته على أنها ملكة، فيعشق تدليل هذه الأنثى بكل ما أوتي من إطراءات وكلام عذب وأسلوب لبق، قد يظن البعض أنه مسلسل درامي رومانسي يصور قصة عاشقين في إحدى الدول غير العربية، إلا أنه بلا شك يعكس صورة الرجل «الجنتلمان» الذي تود الكثيرات من السيدات الحصول عليه، في حين يتهرب الرجال المحليون من ذلك السيناريو الذي لا يمكن أن يتحقق سوى في المسلسلات والأفلام العاطفية، خوفاً من نظرة المجتمع المحلي التي ستمنحه لقب «الخروف» أو الضعيف الشخصية بجدارة. فمن المستحيل أن يسمح لنفسه بأن يكون مثل الخاتم في إصبعها، كون ذلك سيخدش رجولته وكبرياءه. فكلما كان غليظ التصرفات، بارد العواطف وقاسي الأسلوب، كان ذكراً لا تحكمه أنثى! تصرفات هوجاء قاسية خارجة عن إطار الأخلاق والأدب، وقد لا تعكس مشاعر هذا الرجل تجاه هذه السيدة سواء كانت زوجته أو أخته أو حتى أمه، لكنه يفضل ستار الجفاء والقسوة لأسباب سيتم تقصيها في هذا التحقيق، الذي سيكشف عن الفرق بين مصطلح «الجنتلمان» و«الخروف» محلياً...

اتباع السنن النبوية لا يشمل فن التعامل عند البعض
وفي تعليق على المصطلحين، يقول هاني القرشي (39 عاماً): «للأسف نظرة مجتمعنا تحكم على الرجل بأن يكون قاسياً وشديداً، فمن المعيب أن يكون الرجل لطيفاً وحنوناً مع زوجته وأولاده، وهذا بلا شك يخالف ما جاءت به سنّة نبيّنا عليه الصلاة والسلام، إذ ورد في أحاديث عدة أنه كان في منتهى الخلق مع زوجاته، وأكثر عطفاً وحناناً على الأطفال».

ازدواجية الرجل في التعامل
ومن وجهة نظر مشابهة، يؤكد يوسف دهان (30 عاماً) أن كون  الرجل يتحمل مشقات الحياة وتبعاتها لا يعطيه الحق ولا يجيز له أن يكون قاسياً ومتعالياً. فميزة الطيبة واللين لا تقلل من هيبته، فكما قال عليه أفضل الصلاة والسلام: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه». والواضح في مجتمعنا المحلي ازدواجية تعامل الرجل بشكل عام، فنجده في محيط أهله وزوجته شخصاً، وفي محيط أصدقائه شخصاً آخر، وقد يعود السبب الى مشاكل تعتري محيطه العائلي، فيغير معاملته بعض الشيء.

اللطف والتهذيب أصبحا من الصفات الشاذة
تعتقد السيدة جيهان سندي (45 عاماً)، أن مصطلح «الخروف» لا يتشابه أبداً مع مصطلح «الجنتلمان». فالرجل «الجنتل» هو الرجل المهذب الذي يعامل جميع النساء بأخلاق، كأن يمنح سيدة أحقية أخذ دوره في الأماكن المزدحمة، أو يساعد بتصرف لبق أي امرأة تحتاج الى المساعدة في مكان عام. أما بالنسبة الى المصطلح الآخر وهو «الخروف»، فترى جيهان أن الرجال المحليين هم من أطلقوه على أنفسهم، وتحديداً على الرجل الذي يقوم بمساعدة زوجته أو أخته بقصد التخفيف عنهما، كون المجتمع المحلي لا يعترف بهذا النوع من الرجال، لذلك يعتبرون التصرفات اللطيفة تصرفات شاذة.

مصطلح «الخروف» متداول في أوساط المراهقين والشباب
وفي تفسير آخر لمصطلح «الخروف»، ترى منار حمادي (27 عاماً)، أن بداية ظهور هذا المصطلح كانت عند المراهقين وفي أوساط الشباب. وتعتقد أن هذا المصطلح المستحدث والذي ينبع من جهل ينطبق على شريحة من الشباب، خصوصاً الذين يحاولون أن يحظوا بعلاقات عاطفية خارج اطار الزواج، وهناك من يقومون بدفع تكاليف باهظة على الاتصالات الهاتفية والهدايا لفتاة قد لا يعرفونها أبداً. ولهذا يطلق على هذا النوع من الشباب لقب «الخروف»، وأعتقد أن الرجل المهذب لا بد من أن يكون تعامله جيداً مع كل الناس وليس السيدات فقط.

«الجنتلمان» لا مكان له في مجتمعنا
وتشخّص السيدة وفاء المصري (45 عاماً) جفاء أو قسوة الرجل المحلي بأسباب تعود الى طبيعة التربية والمجتمع، بحيث ترى أن الكثير من الشبان والرجال يجهلون فن التعامل بشكل عام، ومع السيدات بشكل خاص. وقد تكون العادات والتقاليد هي السبب الذي جعل من فكرة معاملة السيدة بلطف واحترام شيئاً يقترب من المحرّمات. فعلى سبيل المثال، قد يرى أحدهم سيدة متعبة من حمل أشياء ثقيلة وتحتاج الى المساعدة، ولا يحرك ساكناً مخافة أن يُتهم بالتحرش بها، لأن الفكرة السائدة في المجتمع تقضي بألا يتصرف الرجل بلطف مع المرأة إلا لغاية في نفسه، لذا أجد أن من الصعب وجود نموذج «الجنتلمان» في مجتمعنا.

عدوى التصرفات الفظة تنتقل بين الشباب
أما عبدالرحمن سليم (31 عاماً)، فيرى أن سبب افتقار الشباب الى فن التعامل مع السيدات يعود الى البيئة المحيطة. فبدءاً من المدرسة يسخر الزملاء من بعضهم بعبارة «دلوع أمه أو حبيب أمه» لكون أحدهم يعامل والدته بحنان وتهذيب، في وقت يحاول أن يثبت قوته أمام زملائه الباقين من خلال إعطاء الأوامر لأخته بشكل فظ حتى لو كانت تكبره بسنوات، ومن بعدها تنتقل عدوى هذه التصرفات لتشمل الزوجة والأولاد أيضاً، إذ من الممكن أن يتباهى هذا الرجل بفظاظة ردّه على زوجته لو حاولت مكالمته هاتفياً أمام أصدقائه ولا يتوانى عن إنهاء المكالمة من دون ان يسمع ما تريده.

«الجنتلمان» يحاط بأعين الحساد
«الجنتلمان» موجود ولكنه نادر»، كان هذا تعليق السيدة أم عبدالعزيز (33 عاماً)، إذ ترى أن الرجال المهذبين واللطفاء مع السيدات موجودون بندرة، ولذلك هم أشبه بطفرة جينية يتم تداولها في أوساط السيدات على أنها أعجوبة، حيث يتم في الجلسات النسائية تخمين سبب كون هذا الرجل خاتماً في إصبع زوجته بأنه نتيجة سحر عملته الزوجة لكي تحظى بالدلال. وأحياناً هناك بعض الناس يخفون ذلك خوفاً من الحسد أو العين، كون هذه الفكرة مستهجنة لدى الكثيرين. ولكن في النهاية لا يمكن تخمين أسرار البيوت وخفاياها، فمن الممكن أن يتعمد هذا الرجل التصرف أمام الناس بقسوة، في حين يكون داخل بيته حملاً وديعاً، والعكس صحيح بحيث يتصنع اللباقة والتهذيب في الظاهر بينما يخفي عن الناس أنه رجل عنيف داخل بيته.

عمل المرأة سبب لعدم لباقة بعض الرجال
وعن أسباب ندرة «الجنتلمان» في المجتمع المحلي، تعتقد الاختصاصية الاجتماعية في وزارة الصحة نادية السراج أن سبب قلة اللباقة والتهذيب عند غالبية الرجال يعود الى عوامل عدة مرتبطة ببعضها. فللبيئة والموروث الثقافي تأثير مهم في سلوكيات الرجل. وكما هو سائد، فالتعامل بود وتهذيب مع المرأة قد يعطي انطباعاً بالضعف عند الكثيرين، كما أن عنصر التنشئة والتربية مهم جداً في صقل سلوكيات الرجل، إذ إن نشأة الشاب في بيت يقوم على احترام الأب للأم تولّد لديه دافع التصرف بأدب مع كل سيدة تواجهه في حياته. كذلك يشكل الأصدقاء والمحيط الاجتماعي عنصراً مؤثراً في مسألة التعامل بلباقة وتهذيب. وأخيراً يبرز عامل مهم يتعلق بعمل المرأة، حيث تعتقد شريحة من الرجال أن السيدة التي تعمل ستكون نداً لهم وستُسحب منها صفات الأنوثة، وبالتالي لن يتم التصرف معها بلباقة أو لطف، إضافة إلى أن من الممكن أن تُلقى عليها مسؤوليات تفوق قدرتها فتُستثنى من الاهتمام والرعاية. ولكن لا تنكر السراج وجود فئة من الرجال يتمتعون بذوق رفيع وفن التعامل بالكلمات الرقيقة، خصوصاً مع زوجاتهم، وحتى بعد مرور سنوات على زواجهم، وهذا يعود على الأغلب الى التنشئة والبيئة المحيطة.

تهميش واجب لباقة الرجل مع المرأة
تؤكد الدكتورة منى الصواف استشارية طب نفسي ورئيسة قسم الأمراض النفسية في مستشفى الملك فهد في جدة وخبيرة دولية في علاج الإدمان عند النساء، أن كثيرات من السيدات يطالبن بضرورة تمتع أزواجهن بفن اللباقة واللطف في التعامل معهن، رغم كون ذلك واجباً إلا انه هُمش، وجُعل أمر الجفاء والقسوة من المسلّمات التي يجب على المرأة القبول بها، وذلك يعود بلا شك الى خلط الرجال بين مفهوم الرجل والذكورة. فالرجل عبارة عن إنسان له مشاعر ويتعامل بحكمة من خلال الحوار الراقي مع الجنس الآخر سواء كانت أماً أو زوجة أو أختاً. أما مفهوم الذكورة فيتعلق بالسيطرة والديكتاتورية في التعامل.

أسباب إطلاق مصطلح «الخروف» على الرجل اللبق
تعتقد الدكتورة الصواف أن سبب إطلاق مصطلح «خروف» على الرجل اللبق والمهذب يعود إلى اعتياد الكثير من الرجال على نموذج الرجل الغليظ لفترة طويلة، ومن ثم لُفت انتباههم الى نوع آخر من الرجال المختلفين عنهم، يعتمل لديهم حس الرفض والاعتزاز بما هم عليه ومحاولة السخرية وإطلاق النعوت والأوصاف السلبية، رغبة في الدفاع عن سلوكهم وموقفهم الذي لا يتماشى مع ديننا ولا مع سنن نبيّنا الكريم، وهذا نوع من الدفاعات النفسية السلبية التي يبرر بها الرجل أخطاءه في التعامل والسلوك. وهناك الرجال الذين يتمتعون بالازدواجية في السلوك. فخلف الستار يطبّقون سلوكيات «الخروف»، في حين انهم في العلن لا يتمتعون بأي حس من اللباقة، فمن الممكن أن يترك الزوج زوجته تحمل طفلها وأغراضها الثقيلة وتمشي خلفه على بعد عشرة أمتار من دون أي مساعدة. والقصد من هذه التصرفات السلوكية أحياناً هو خوف الرجل من فقدان السيطرة على المرأة، كون مجتمعنا يغذي في الصبيان والأطفال الذكور مفهوم «سيد البيت» وصاحب الأوامر المُطاعة. لذا تؤكد الصواف أن تنشئة الجيل على مبدأ المساواة في التعامل أمر مهم جداً ويحدّ من المشاكل الزوجية والطلاق.

«الإتيكيت» لا يقتصر على جنس وسن معينة
وتخص السيدة أميرة الصايغ خبيرة الإتيكيت مجلة «لها» بنبذة من كتابها الرابع الذي يتناول موضوع «أزواجنا والاتيكيت»، ويكمل جانباً مهماً من تحقيقنا، حيث تحاول من خلاله لفت المجتمع الى كون «الإتيكيت» أو فن التعامل لا يقتصر على جنس أو سن معينة كما هو شائع. فالرقّة في التعامل من أسس الإتيكيت واللباقة التي من الواجب أن يتمتع بها الجميع من دون استثناء. وتعتقد الصايغ أن الرجال في مجتمعنا يتجنبون ممارسة فن الإتيكيت بحجة أن ذلك سيعطيهم صفة أنثوية أو ضعفاً في الشخصية، فالألفاظ المهذبة والنظرة الحانية المعبرة والصوت الهادئ المنخفض والبعد عن العنف والانفعالات... كلها صفات ضرورية لا بد من أن يتحلى بها الرجل والمرأة على حد سواء، لأن تمتع الفرد بصفات اللباقة والتهذيب سيجعل منه شخصاً جيداً في أعين الناس، سواء أمام أقاربه أو رؤسائه أو شريكة حياته. فالرجل «الجنتل» أو الراقي هو الذي تنطبق عليه معايير السلوك الصحيحة والمظهر الجميل ولباقة الأسلوب مع جميع الناس بمختلف أجناسهم وأعمارهم.  ومن الأخطاء الشائعة التي «يقع» بها الرجل وتفتقر الى اللباقة، انتقاد زوجته أمام الآخرين أو أمام أبنائها وإظهار سلبياتها، كون هذا النوع من النقد لا يعطي أي نتيجة إيجابية. كذلك تكرار العبارات مثل: «أنا أكدّ وأعمل لتوفير المال لكم» من الأمور غير المستحبّة والتي تجرح مشاعر الأنثى، فيجب أن يعلم الرجل أن زوجته هي أَولى الناس بالمعاملة الحسنة واللباقة بحكم الرابط القوي الذي يجمعهما. فحتى أسلوب العتاب أو النقد لا بد من أن يكون لطيفاً ومهذباً ومن دون انفعالات أو كلام جارح يقلل من شأن الزوجة.