شابّات سعوديات يبتكرن طرقاً جديدة في تقديم الطعام

شابات سعوديات,المجتمع السعودي,المرأة السعودية,Food Truck,الطعام

ميس حمّاد (جدة) 18 أبريل 2015

مشاريع نسائية جديدة باتت تقتحم المجتمع السعودي، وتُغير من نظرة الكثيرين الى ما قد تستطيع المرأة السعودية الشابة أن تحققه من ابتكارات ونجاحات الواحد تلو الآخر، لتترك بصمتها الواضحة والخارجة في الوقت نفسه عن التقليد، وتشهد قبولاً واستحساناً كبيرين من أفراد المجتمع بمختلف أطيافه وفئاته العمرية. ففكرة عمل المرأة في الـ  Catering من المنزل، تحولت إلى مشاريع ناجحة من خلال جهود نسائية شابة، تبتكر أفكاراً جديدة فتبدأ كمشاريع صغيرة لتكبر وتحصد نجاحاً في الأوساط النسائية السعودية، ما جعل مثل هذه المشاريع تترك بصمة واضحة في عالم الأعمال، وإن تحققت تلك البصمة بالخروج عن السائد، خاصة في مجال تقديم الطعام. في هذا التقرير، تستعرض «لها» مشروعين نسائيين حققا نجاحات كبيرة داخل المجتمع السعودي وخارجه، بجهود مؤسِّسات هذين المشروعين.

EAT... شاحنة طعام للمناسبات الخاصة

Food Truck أسستها شابة سعودية في مقتبل العمر، وبدعمٍ ذاتي. شغفها بطهو الطعام حوّل هوايتها إلى عمل، ومصدر ربح وفير. أسست مشروعها Eat وهي عربة طعام تدخل المنازل وفق الطلب لتشارك في المناسبات، كأعياد الميلاد وحفلات التخرج، وصولاً الى الأفراح. تسعة أشهر هي عمر تلك الشاحنة التي باتت تستقبل آلاف الطلبات، وتلقى إقبالاً متزايداً عليها.

ريم أفندي، سعودية، أنهت دراستها الجامعية في جامعة الملك عبدالعزيز، ودرست التصوير ما بين لندن ودبي ومصر، وعملت في هذا المجال مدة ثماني سنوات، ولا تزال. تهوى الطهو بشكل جنوني، وكانت تعد الطعام لصديقاتها عندما يزرنها في المنزل، حتى أنهن كنّ يطلبن منها إحضار الطعام الذي تعدّه في المنزل الى بعض المناسبات التي كانت تجمعهن. ومن هنا بدأت اقتراحات الأصدقاء تنهال عليها بضرورة إنشاء مشروع خاص بالطعام. وتضيف أفندي: «أحب أن أبتكر أنواعاً مختلفة من الطعام، وعندما كنت أدرس في الخارج، كنت أسعى دائماً الى تلقي دروس في الطبخ».

إحدى صديقاتها الشغوفات بالطبخ، ألهمتها فكرة مشروع يتعلق بالطعام وتحضيره وابتكاراته، عن ذلك تقول: «اتفقت معها على أن تكون الفكرة مشروعاً يدرّ علينا أرباحاً مادية، ويتعلق بالطبخ، ولا يُشبه أي مشروع لبيع الطعام أو مطعماً ما، فبحثنا عن أفكار غريبة ومتجددة، ولأنني أحب تناول الطعام من شاحنات الغذاء Food truck، خاصة عندما كنت في لندن، بدأت الفكرة تكبر في داخلي، وأيقنت أن المشروع لا بد من أن يكون عربة تحوي مطبخاً متكاملاً، كما أن هذه الفكرة ليست معروفة في السعودية، فالأمر يقتصر على عربات بيع الآيس كريم المركونة عند الشواطئ وفي المتنزهات. وكنا نرغب أن نضع عربة الطعام في مكان عام، لكن ولظروف المجتمع السعودي ولكوننا فتيات، لا يُسمح لنا بهذا العمل، لذلك قررنا أن تكون شاحنة طعام للمناسبات الخاصة والحفلات، كالتخرج وأعياد الميلاد. ولعل أغرب الطلبات التي وصلتنا أخيراً: شاحنة في الأعراس!».

بدأت أفندي مشروعها من الصفر، وكان الهاجس الأول الذي يلاحقها، أين تجد الشاحنة الملائمة للمشروع، والمتطابقة مع ما رسمته، فبحثت من طريق الانترنت عن إمكانية إحضار شاحنة والتكلفة وأوراق النقل من الخارج والجمارك، وغيرها من الأمور... عن ذلك تقول: «وجدت من خلال الانترنت شخصاً يصنع الشاحنات في مدينة الخبر شرق السعودية. اتصلت به، ولم أكن على يقين تام بمدى صدقه، كما أنني لا أعرف إلا صديقة واحدة تعيش في المنطقة الشرقية، وهذا الشخص أيضاً يعيش بعيداً عنها، لكنني جازفت وحددت معه ما أريد، وحجم الشاحنة، وأعطاني تفاصيل معينة للأبواب، ومواصفات عالمية، حتى أنه لم يكن يعرف الغرض من هذه الشاحنة، وكان يتحدث إلي ويقسّمها بطريقة الكرفان الخاص بالرحلات، من ثم أخبرته بأنني أريدها فارغة من الداخل، وأرسلت إليه مبلغاً من المال رغم أنني لم أتيقّن من هويته. وبعدما أحضر الأوراق والعقود إلى منزل صديقتي، اطمئن قلبي، خصوصاً أنني كنت خارج السعودية، من ثم تم إرسالها إلى جدة، وكل ما رأيته عبارة عن صندوق فارغ، لا بلاط فيه ولا إضاءة. ومن هنا بدأت التفكير في بنائه من الألف إلى الياء، وواجهت صعوبات في إقناع كثيرين بتركيب مطبخ في شاحنة، إضافة الى الألوان الداخلية والديكور واللون الخارجي للشاحنة».

استغرقت الـ Food Truck شهرين من العمل الدؤوب لتقف على قدميها، وتحققت رغبة أفندي في البدء بهذا المشروع من دون أن يسبقها إليه أحد أو يقلدها مشروع آخر، وتضيف: «كانت صديقاتي يساعدنني في نهاية الأسبوع عندما تتوافر لديهن الفرصة وأوقات الفراغ، بحيث كنا ننتقي الأشياء سوياً ونتشاور حول الألوان والأدوات التي يجب أن تُستخدم في الشاحنة. حتى أن عائلتي وخصوصاً والدي، لم تتركني وساعدتني بدورها في الأعمال التي تتطلب سباكة أو كهرباء. كما أنني لم أنته من بناء هذه الشاحنة بعد، فمن يرى الديكورات من الداخل يجد أنها غريبة وغير تقليدية، وكل شيء قديم وتحديداً المشروبات الغازية. وفي رمضان يتغير «لوك» الشاحنة. وأذكر أننا عدّلنا أشياء في الشاحنة في عيد ميلاد فيراري لتتلاءم مع أجواء المناسبة».

تطبخ أفندي وصديقتاها الشيف ماجدة الدليجان وسارة السبيعي في الشاحنة، «لكن سارة مسؤولة عن الإدارة واستقبال طلبات المناسبات، وتشارك في عمل Hotdog لأنه الأسهل بالنسبة إليها. ولدينا قائمة طعام تحوي البرغر والأكل السريع، لكن كل الأطباق التي نقدمها هي من صنع منزلي، وتتضمن السلطات والشوربة وقطع الدجاج والأطباق البحرية والأسماك... هذا إضافة الى الحلويات. ولأننا لمسنا حب الأطفال الكبير لطبق الملوخية، فقد وضعناها في القائمة الخاصة بالأطفال. وبعد كل مناسبة، نقترح أطباقاً ونقوم بطهوها وإضافتها الى القائمة. أحياناً، وخروجاً على الأمور التقليدية، نضع السلطات في ما يشبه الأكواب البلاستيكية، والأطعمة في boxes صغيرة، والبرغر في حاملة الكوب Holder cup، وهي أمور تُلفت انتباه الجميع وتلاقي استحسانهم. وفي كل مناسبة، نحرص على الوقوف على الانتقادات والايجابيات لبلوغ الأفضل».

وتؤكد أفندي: «في بداية الأمر لم تكن العائلة مقتنعة كثيراً بهذا المشروع، حتى أنهم أطلقوا النكات على الشاحنة، عندما كانت تقف في حديقة المنزل بأنها صندوق الدنيا، أو صندوق العجائب! وما إلى ذلك من الطرائف، لكنني لم أتراجع عن تحويل فكرتي إلى مشروع يكون واقعياً، لا بل مميزاً لا شبيه له. إلا أن نظرتهم تغيرت بعدما بدأنا العمل. وبعد مُضي تسعة أشهر، طلب مني والدي أن يكون هو المسؤول عنه بدلاً مني وذلك لتعلقه الشديد به».

تتسع الشاحنة لأربعة أشخاص فقط، لكن إن «رغب آخرون في الدخول والتصوير، فقد يتسع لعدد كبير منهم، وأذكر مرة أنه استطاع 15 شخصاً الدخول اليه للتصوير». وأشارت أفندي إلى «أن داخل الشاحنة، يتم إعداد القهوة وخبز الحلويات وتحضير العصائر. وفي الخارج محطات للباستا وأخرى للبرغر، ليشاهد الناس Live Cooking، وفي إمكانهم أن يصنعوا الشطائر، بالطريقة التي تناسبهم».

ثلاثة أيام، هي المدة الزمنية التي يحتاج اليها طاقم عربة Eat، ليستعد لكل مناسبة، «وإن كانت لدينا مناسبتان في الأسبوع، يستغرق الأمر أسبوعاً كاملاً للتجهيز. فعلى سبيل المثال، مكونات السلطة لا نستطيع شراءها إلا يوم المناسبة، لئلا تذبل، فنجهزّها ونضعها داخل الثلاجة في الشاحنة. كما أن آلية الطلب تتم عبر الاتصال على الرقم الموجود في حسابنا على «إنستغرام»، إذ يبدأون بالسؤال عن التفاصيل والأسعار وقوائم الطعام وتحديد المناسبة التي تخصّهم، وبدورنا نسألهم عن المساحة، الموقع وارتفاع السقف، ذلك أن الشاحنة كبيرة، ولا نستطيع إدخالها في مكان صغير. وبعد الموافقة على الطلب، وقبل الدفع، يذهب مهندس من جانبنا لمعاينة الموقع، تفادياً لأي عائق قد يحدث».

وعن تقبل المجتمع السعودي فكرة مشروعها، تؤكد أفندي: «كل المناسبات التي طلبت Eat، كانت من عوائل كبيرة ومعروفة. وفي رأيي، فإن تقبل هؤلاء الفكرة وترحيبهم بها، دليل نجاح. وفي ما بعد، لم يقتصر الطلب على الفتيات فقط، بل شمل أيضاً سيدات كبيرات في السن، خاصة في مناسبات العشاء، ومع أنهن لا يرغبن كثيراً في تناول البرغر والبطاطس في المناسبات الاجتماعية، فقد وجدنا ترحيباً منهن، وذلك من باب التغيير».

د بيازة: الاستمتاع بطريقة الضيافة الراقية السعودية

لكل منهما تخصص مختلف ومهنة مختلفة، لكن جمعهما حلم تحقق على أرض الواقع، ليلبّي متطلبات السوق السعودي واحتياجاته، ويضاهي الشركات المنافسة، ويسد الثغرات الموجودة في مجال الضيافة، فأسستا شركة تموين محلية تقدم خدمات مميزة، وتحافظ على نكهة الطعام السعودي الأصيلة في المناسبات الداخلية والخارجية.

نوره عبدالرحمن الهويش هي الشيف التنفيذي في شركة دبيازة، وتعتبر تحضير الأكل لعائلتها وأصدقائها من «أرقى تعابير الحب والشغف، خصوصاً خلال تحضير الأطباق الممزوجة بحس التذوّق الرفيع الذي تعلمته من خلال سفري إلى الدول الأوروبية وخصوصاً سويسرا، ما أدى إلى صقل حاسة التذوّق لدي وتطوير موهبة الطهو، من خلال الخضوع لبعض الدورات المختلفة في هذا الشأن».

أما نوف أحمد مسعود فهي سيدة أعمال متخصصة في  صنع وتصميم وإطلاق علامات تجارية محلية وعالمية، لاكتسابها خبرة في هذا المجال، من طريق عملها في التسويق في أهم الشركات: يونيليفر وميماك اوجيلفي المتخصصة في مجال الدعاية والإعلان. تقول: «تعرفنا إلى بعضنا من خلال الأقارب والأصدقاء المشتركين، وعلاقتنا العملية بدأت قبل صداقتنا، وقرارنا تكوين شراكة كان بدافع أسباب مهنية بحتة، والحمد لله وفّقنا في مبتغانا».

-كيف بدأ مشروع دبيازة؟ وما أصل التسمية؟

الفكرة ولدت من طريق دمج مشروعين مختلفين مع بعضهما بعضاً، فالمشروع الأول كان مطبخ لوليته Lolita's Kitchen لنوره عبدالرحمن الهويش التي كانت تُمارس هوايتها في الطبخ من طريق تقديم أكلات عالمية، تحضّرها في المنزل بناء على طلبات الزبائن الخارجية، وقد اشتهرت بأصناف عدة تتميز بالجودة والذوق الرفيع، فأصبحت لها بصمتها الخاصة في عالم الطبخ. 

أما المشروع الثاني، فهو «ممتلكاتي المعاصرة» لنوف أحمد مسعود التي تهتم بإطلاق علامات تجارية محلية بأسلوب عالمي وعصري. إذ قامت مسعود بدراسة السوق المحلي ومتطلباته، فاتضح لها أن هناك فرصاً استثمارية في مجال التموين، فانبثقت لديها فكرة «دبيازة» التي تجسدت على أرض الواقع في أواخر 2012، والتي استطاعت من خلالها ان تلبي حاجات السوق.  

أما التسمية، فتعود الى والدتي لولوة عبدالرحمن الملا، التي كانت مسؤولة بدورها عن الدراسة التسويقية، ومصممة العلامة التجارية للمشروع. وقد استُوحي الاسم من طبق شهير في المطبخين الحجازي والسعودي، ويتوافق مع مقاييس الضيافة العالمية.

-والتحديات التي واجهتكم في بداية المشروع؟

لكل عمل تحدياته الخاصة، إذ واجهنا في بداية المشروع تقبل المجتمع عمل النساء في خدمة الضيافة، ذلك أن هذه الخدمة تعتمد في نظرهم على العمالة الأجنبية. لكننا وبعد مدة قصيرة من إطلاق دبيازة، استطعنا تلمس رضا جميع عملائنا الذين سعينا جاهدين إلى تلبية مختلف أذواقهم وطلباتهم وتقبّل ملاحظاتهم. كما أن ارتفاع نسبة المبيعات والطلبات، وزيادة عدد الفريق العامل في دبيازة يعتبران عنصر نجاح مهماً.

-ماذا عن أول تجربة عشاء وأين؟

أول تجربة عشاء نُظمت للأميرة جواهر بنت ماجد آل سعود، في قصر المنصورية في جدة للترحيب بالوفد التركي القادم الى المملكة العربية السعودية. 

-من يُشرف على الطعام؟ 

تنقسم دبيازه إلى قسمين رئيسين: المطبخ، والتنظيم والتنسيق. وتشرف الشيف نوره الهويش على المأكولات.

-كيف تتم عملية ترتيب المائدة وتنسيقها؟

هناك نوعان من تنسيق المائدة: تنسيق دبيازه الكلاسيكي، وتنسيق دبيازه الخاص الذي يتماشى مع فكرة الحفل، بحيث نحرص على تقديم الطعام بأفضل طريقة ممكنة، للاستمتاع بمائدة شهية ومنوعة. فالجودة والحب هما أساس الطبق الناجح، والمنظر الجميل مطلوب دائماً، لكنه لا يكفي.

-كيف لمستم تقبّل المجتمع السعودي لدبيازة؟ 

تقبّل المجتمع السعودي أخيراً فكرة المشروع بشكل واضح، قد تُرجم في نجاح المشروع وشهرته المحلية.

-كيف تقرأون فكرة عمل المرأة بالـ Catering من المنزل إلى مشاريع نسائية سعودية؟  

السوق السعودي متعطش الى مشاريع في هذا المجال تستهدف الطبقة المخملية الراقية، وهذا من أهم أسباب ارتفاع الطلب على خدمات دبيازة، إضافة إلى وجود أفكار تسويقية حديثة تضيف إلى تجربة الزبون.  أما بالنسبة الى المشاريع المنزلية المستهدفة من الطبقة المتوسطة، فهناك الكثير منها، والمنافسة شديدة جداً بينها.