علماء الدين: لا مساومة على حضانة الأطفال مقابل الخلع!

علماء الدين,الحضانة,حضانة الأطفال,د. عبلة الكحلاوي,د. عفاف النجار,د. محمد عبد المنعم البري,طلب الخلع,د. حامد أبو طالب

أحمد جمال (القاهرة) 26 أبريل 2015

«زوجي منعني من حضانة أطفالي بعدما خلعته»! كان هذا ملخص شكوى تقدمت بها أخيراً زوجة الى محكمة الأسرة، وكان رد الزوج أنه اشترط على زوجته منذ البداية أن تتنازل عن حضانة أطفالها إذا ما لجأت يوماً الى حقها في الخلع. فهل مساومة المرأة على حضانة أطفالها مقابل الخلع جائزة شرعاً؟ وهل يحق للزوج أن يشترط عليها ذلك؟ «لها» تسأل علماء الدين.

في البداية يعرّف الدكتور حامد أبو طالب، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية، الخلع شرعاً بأنه «قرار تتخذه الزوجة بفراق زوجها بعوض يأخذه الزوج منها أو من غيرها بألفاظ مخصوصة، ولا يمكن الزوج أن يعود إليها»، وقد سمّي بذلك لأن المرأة تخلع نفسها من الزوج كما تخلع اللباس من بدنها، والدليل الشرعي المستند إليه قول الله تعالى: «الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (آية 229) سورة «البقرة».

وأشار الدكتور أبو طالب إلى أن من الأسباب الداعية للفراق بالخلع، إذا كرهت الزوجة زوجها وظنت ألا تؤدي حق الله في طاعته، جاز طلب الخلع على عوض تلتزم به لدفع ضرر حقيقي عنها، ولهذا كره الإسلام طلب الخلع مع استقامة الحال، بل إن بعض الفقهاء حرّمه استناداً إلى قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة».

 وأوضح الدكتور أبو طالب، أن من حق الزوجين وضع أي شروط في الزواج، ويجب الوفاء بها ما لم تكن عليها مآخذ شرعية أو تتنافى مع النصوص القطعية، ولكن شرط منع المختلعة من حضانة أطفالها لا يضرّها فقط، وإنما يضر أولادها الذين هم في حاجة ماسة إليه، ولهذا يتم تغليب مصلحة الطفل على أي شرط يمنع الأم من حضانتهم، طالما كانت صالحة ومؤهلة لذلك.

شرط مرفوض

وعن جواز اشتراط الزوج على زوجته التنازل عن حضانة الأبناء إذا طلبت الخلع، أوضح الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر، أن هذا الشرط من الشروط الفاسدة، حتى ولو كان مثبتاً في عقد الزواج، لأنه غير جائز شرعاً، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلَّ حراماً»، ومن يتأمل هذا الشرط سيجد فيه ظلماً واضحاً وأكيداً للزوجة بحرمانها من حقها المقرر شرعاً في حضانة أولادها لو اختلعت من زوجها، مع أنها استخدمت حقها الشرعي في إنهاء الحياة الزوجية عن طريق حق الخلع الذي يقابل حق الطلاق للزوج».

وأكد الدكتور جمال فاروق، أن الحالة الوحيدة التي قد يسمح فيها للزوج بمنع زوجته المختلعة من حضانة أولادها، إذا كانت سيئة السمعة ومنحرفة أخلاقياً بشكل واقع لا غموض فيه، ويقدم أدلة حقيقية بذلك إلى المحكمة، وأنه يريد حمايتهم من انحرافها وليحذر انتقام الله منه إذا اتهمها بالانحراف ظلماً وزوراً، من طريق استئجار شهداء الزور مثلاً لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل يا رسول الله وما هن؟ قال الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات». أما إذا كانت الزوجة المختلعة منحرفة أخلاقياً فعلاً، فهنا تنتقل حضانة الأطفال- وفق رأي غالبية الفقهاء- إلى الجدة من الأم محافظة عليهم، فإذا امتنعت أو كانت متوفاة مثلاً، تنتقل الحضانة إلى الأب وأمه.

وحذر الدكتور جمال فاروق الأزواج من التجبر والاستغلال وظلم الزوجات المختلعات من حضانة أولادهن، لأن في هذا ظلماً حذّرنا الإسلام منه، فقال الله تعالى: «يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ» (آية 52) سورة «غافر».

يتنافى مع الشرع

وصفت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في بورسعيد- جامعة الأزهر، اشتراط الزوج على زوجته التنازل عن حضانة أولادها إذا اختلعت منه مستقبلاً، بأنه يتنافى مع المقصد الشرعي من الزواج، الذي جعله الله آية من آياته، وليس مقصلة ووسيلة للابتزاز المسبق مع سبق الإصرار والترصد، فقال الله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».

وأوضحت أن هذا نوع من الاشتراط الباطل الذي فيه اعتداء على أحكام الشرع التي تقرر أن الحضانة الطبيعية للأم، لأنها بالفطرة الأحرص على مصلحة أولادها، بل إنها تضحّي بنفسها في سبيلها، ولعل هذا ما جعلها في ما بعد أحق الناس بحسن معاملة الأبناء لها قبل الأب، فقد جاء ‏‏رجل إلى رسول الله ‏‏(صلّى الله عليه وسلّم)، ‏‏فقال: «يا رسول الله، ‏من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال الرسول: أمك. قال الرجل: ثم من؟ قال الرسول: ثم أمك. قال الرجل: ثم من ؟ قال الرسول: ثم أمك، قال الرجل: ثم من؟ قال الرسول: ثم أبوك».

وأنهت الدكتورة عبلة الكحلاوي كلامها، مؤكدة أن من حق المختلعة – إذا كانت تقية ومظلومة من زوجها السيِّئ في دينه وخلقه – أن ترفع أمرها ومظلمتها إلى القاضي ليبطل هذا الشرط الظالم، لأن الظلم حرمه الله سبحانه وتعالى على نفسه وحرمه على الناس، فقال سبحانه وتعالى في ما رواه رسول الله في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا».

ظلم للمختلعة

تؤكد الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، أن حرمان المختلعة من حقها في حضانة أطفالها، سواء كان هذا شرطاً في عقد الزواج أو أمراً يريد أن يفرضه الزوج، أمر مرفوض شرعاً ويتنافى مع توصية الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) للرجال بالنساء خيراً، حتى وهو في مرض الموت، حيث قال: «استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله».

وأوضحت الدكتورة عفاف أن الإسلام دين الرحمة والرفق بالضعفاء، ومنهم النساء، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة». ومعنى «أحرج»، أي أحذر الناس من تضييع حقهما وأشدد عليهم في ذلك. وأضافت: «أليس في ما يفعله الأزواج من منع زوجاتهم المختلعات من حضانة أولادهن ظلم نهانا رسول الله عنه، حيث قال: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلّوا محارمهم».

وأنهت الدكتورة عفاف كلامها محذّرة الأزواج والزوجات من الظلم، لأن الأبناء يدفعون ضريبة ذلك قائلة: «حدد الله مصير الظالمين والمظلومين وعلى كل من الزوج والزوجة، اللذين بينهما مشكلات بسبب الخلع أو حتى الطلاق، أن يختارا مع أي فريق يحب أن يكون؛ في ضوء قول الله تعالى: «تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ» (آية 22) سورة «الشورى».

حق الزوج

على الجانب الآخر، يقول الدكتور محمد عبدالمنعم البري، الأستاذ في كلية الدعوة الإسلامية- جامعة الأزهر: «مع رفضنا التام لأي ظلم في العلاقة الزوجية، سواء من الزوج أو الزوجة، إلا أن الزوجة إذا ارتضت الشرط من دون إكراه فيلزمها تنفيذه، لقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» (الآية 1) سورة «المائدة»، وكذلك قول الفاروق عمر بن الخطاب: «مقاطع الحقوق عند الشروط».  وطالب الدكتور البري، المجامع الفقهية التي تعتمد على الاجتهاد الجماعي في مناقشة القضية، بإصدار فتوى شرعية متكاملة يكون فيها ضمان لحقوق الأزواج والزوجات في حالة الخلع، الذي أصبح أمراً سهلاً ويتم لأتفه الأسباب، وقد يكون من بينها تعلق الزوجة بغير زوجها، فهل يترك أولاده لها ليضيعوا وينحرفوا، أم يحتفظ بهم ليحسن تربيتهم. ويشير الدكتور البري إلى أن من حق الزوج التمسك بتنفيذ ما اشترطه في بداية الزواج، ويجب ألا يجبرنا تعاطفنا مع الزوجة المختلعة على عدم إعطاء كل ذي حق حقه، ومع هذا يجب رفع الأمر إلى القاضي لدراسة القضية من مختلف جوانبها وإصدار حكمه المنصف. 

ضوابط قانونية

عن الأساس القانوني الذي تستند إليه الزوجة في طلب الخلع، مع الاحتفاظ بحقها في الحضانة، يقول الدكتور أحمد حسني، أستاذ القانون في كلية الشريعة والقانون ونائب رئيس جامعة الأزهر: «تعد المادة 20 من القانون الرقم 1 لسنة 2000م، هي الأساس القانوني لنظام الخلع، وتقرر بموجب هذه المادة إجراءات نظام الخلع الصحيح، والتي تبدأ بكتابة صحيفة افتتاح الخصومة ولا يلزم فيها إيراد الزوجة أسباب طلبها الخلع، أو إيراد الوقائع المؤدية إلى إحداث الضرر الموجب للخلع، بل يكفي فقط إيراد أنها تبغض الحياة الزوجية، وأنه لا سبيل لاستمرار الحياة الزوجية بينهما وتخشى ألا تقيم حدود الله».

 وأضاف الدكتور أحمد حسني: «المحكمة ملزمة بالنظر في دعوى الخلع فقط، ولا تبحث في أسباب قانونية أو شرعية معينة أو أضرار محدودة، حيث تنحصر مهمتها في محاولة الصلح بين الزوجين، فإذا أخفقت وتوافرت شروط الخلع حكمت به وفقاً لرغبة الزوجة مع تمكينها من حضانة أولادها، بصرف النظر عن أسباب الخلع إذا كانت مقنعة أو غير مقنعة، مع العلم أن الأصل أن يقع الخلع بالاتفاق، وهو ما نص عليه القانون، فإذا ما رفض الزوج إتمام الخلع يكون للزوجة إقامة دعوى الخلع أمام المحكمة المختصة، وفقاً لقواعد قانون المرافعات، على أن يتم السير في إجراءاتها من خلال عرض مقدم المهر المسمّى بالعقد، والذي قبضته من زوجها وتتنازل عن جميع حقوقها المالية، مع التأكيد على أن هدايا الخطبة ومنها الشبكة والهبات ليست جزءاً من هذا المهر، ولا تلتزم الزوجة بردّها، لكن من حق الزوج قانوناً المطالبة بها وفقاً لأحكام القانون المدني باعتبارها من الهبات، وكذلك منقولات الزوجية ليست جزءاً من المهر حتى تلتزم الزوجة بردّها».

وأشار الدكتور أحمد حسني إلى أنه لا يجوز قانوناً تنازل المختلعة عن حقها في الحضانة، ولا يجوز للزوج مساومتها عليه أو حرمانها منه، لأن تنازل الزوجة المختلعة يكون عن حقوقها المالية فقط دون حقوق أولادها من الزوج إذا كانوا في حضانتها، وإقرارها بالتنازل عن جميع حقوقها المالية والشرعية التي حددها القانون بأنها مؤخر الصداق ونفقة العدّة ونفقة المتعة، إضافة إلى ردّها مقدم الصداق، وبالتالي لا يجوز أن يكون الخلع مقابل إسقاط حضانة الصغار أو نفقتهم أو أي حق من حقوقهم.

وعن المدة المسموح بها قانوناً للزوج للامتناع عن تسليم الأولاد لحضانة أمهم المختلعة، يؤكد الدكتور أحمد حسني أنه إذا فشلت جهود المحكمة في التدخل لإنهاء النزاع بين الزوجين صلحاً مرتين، فعليها أن تثبت حكمها هذا في محاضر الجلسات خلال مدة لا تقل عن ثلاثين يوماً ولا تزيد على ستين يوماً، لمحاولة لم شتات الأسرة من طريق ندب الحكمين من أهل الزوج وأهل الزوجة، لتقريب وجهات النظر، وإن لم يتوافر حكمان من أهلهما عيّنت المحكمة حكمين من علماء الإسلام، ومهمتهما إنهاء دعوى الخلع صلحاً من دون التطرق إلى تحديد مسؤولية أي من الزوجين عن انهيار حياتهما الزوجية، لأن دعوى الخلع لا تستند إلى خطأ أو ضرر أحدثه الزوج بزوجته، بل أساسه البغض النفسي للزوج ورغبة الزوجة في إنهاء الحياة الزوجية، ومدة الحكمين لا تتجاوز الثلاثة أشهر حرصاً على مصلحة الصغار، وتحكم المحكمة بالخلع وتسليم الأولاد لحضانة أمهم، حتى لو ترسخ في عقيدة المحكمة أن الزوج لم يخطئ ولم يصب زوجته بضرر أو أذى، ويكون الحكم بالخلع نهائياً غير قابل للطعن فيه.