قيل وقال

سوق «البالة» يروّج للمستعملات إلكترونياً

التسويق,فنون الدعاية,التقنية الإلكترونية,مقتنيات مستخدمة,عقارات,أجهزة كهربائية,أثاث,«ثقافة «البالة

عزيزة نوفل (جدة ) 30 مايو 2015

ليسوا رجال أعمال، ولا حتى تخصصوا بدراسة التسويق أو فنون الدعاية والإعلام، وتنحصر إمكاناتهم البسيطة بتسخير التقنية الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي لعرض مقتنيات مستخدمة، سواء كانت تخصهم أو كانت تخص أفراداً آخرين. عقارات وأجهزة كهربائية وأثاث ولوازم أطفال... أحذية وفساتين وحتى أنتيكات، والمثير أن الإقبال على هذه البضائع المستعملة يزداد مع ازدياد رغبة الناس بالتوفير واقتناء ما ليس متوافراً في الأسواق التقليدية. وتشهد القطعة النظيفة وغير المستهلكة مزايدات تصل إلى درجة المشادات العلنية... إنها ثقافة «البالة» تعود بقوة بحلّة جديدة تستهوي الكثير من الباحثين عن التألق والتوفير في الوقت نفسه، وانتقاء ما يناسبهم من دون عناء البحث مع إمكانية المساومة على السعر بكل سهولة... آراء مختلفة حول شراء البضائع المستخدمة إلكترونياً، والكشف عن عيوب تلك الصفقات من خلال تجارب البعض في السطور الآتية في هذا التحقيق...

ابتاعت فستان زفافها المستعمل إلكترونياً
مريم عبدالله (25 عاماً) عروس جديدة، كانت موازنتها لشراء فستان زفاف ضئيلة نوعا ماً، ولكنها في الوقت نفسه كانت تبحث عبر الإنترنت عن صور لفساتين زفاف لمصممين معروفين، فوقعت عيناها على إعلان لبيع فستان مستعمل في مدينة أخرى. وعلى رغم خوفها من عدم ملاءمة الفستان لقياسها أو ألا يكون مطابقاً للصورة التي يظهر بها، أغراها ثمن الفستان وجازفت بالتواصل مع صاحبته، وبعدما اتفقتا على كيفية الدفع والاستلام، مع شرط إعادته إن لم يناسبها، ذُهلت مريم بالفستان الذي أعجبها إذ بدا كالجديد تماماً، ووجدت من خلال تجربتها أن ليس من العيب أو المشين شراء أي شيء مستعمل، بل على العكس تماماً، هي وسيلة لتبادل المنافع.

«غرفة نوم مستعملة» بيعت بسعر مقارب لسعرها الأصلي
ولظروف الابتعاث خارج المملكة، قرر عبدالعزيز محمد (26 عاماً)، بيع غرفة نوم الزوجية التي لم يمض على شرائها سوى شهرين ولم تُستعمل أبداً لكونه لا يزال في مرحلة الخطوبة، حيث باءت بالفشل كل محاولاته لإعادة تلك الغرفة إلى محل المفروشات واستعادة نقوده، علماً أنها كلفته مبلغاً مادياً باهظاً، ولم تُقدّر بثمن مناسب من جانب بائعي الأثاث المستعمل الذين بخسوا في ثمنها، مما دفعه الى تصويرها وعرضها على أحد الحسابات المخصصة في «إنستغرام» لبيع الأثاث المستعمل، حيث بيعت خلال أسبوعين من عرضها بسعر مقارب لسعر شرائها، بعدما عاينها المشتري وتكفّل بمصاريف النقل.

تهوى شراء البضائع الأصلية المستعملة
ثريا صالح (24 عاماُ) تعشق التنويع والتأنق، وكونها لا تزال طالبة لا تملك دخلاً مادياً ثابتاً، كان من الصعب عليها شراء الحقائب أو الساعات الأصلية المرتفعة الثمن، حيث تمكنت أخيراً من الوصول الى أحد الحسابات الإلكترونية التي تبيع بعض السلع الأصلية المستخدمة بسعر مناسب، إضافة الى تمكنها من التواصل مع صاحبة السلعة وطلب صور أكثر. وترى ثريا أن المقلق في هذه الصفقة هو عدم الصدقية، فقد تكون السلعة مقلّدة وغير أصلية. ولكنها في كل مرة كانت تطلب ضمانات من صاحبات تلك السلع من خلال تصوير فواتير الشراء إن وجدت، وتعد هذه الصفقة مفيدة لكلا الطرفين، إذ استطاعت ثريا شراء كل ما تريده بسعر توفيري، إضافة إلى أن مالكات تلك السلع الفائضة استطعن التخلص منها وجني مبلغ مادي في الوقت نفسه.

خسرت نقودها على فستان «مُهترئ»
أما مها عمر (32 عاماً) التي تعرضت أخيراً لعملية احتيال، بعدما اتفقت مع إحدى السيدات التي كانت عرضت فستانها المستعمل للبيع من طريق حساب في «إنستغرام» مخصص للمستعملات، فقد خُدعت لسوء الحظ بسعر الفستان وصورته المعروضة، ولم يخطر في بالها التأكد من جودة الفستان قبل تهورها وتحويلها المبلغ كاملاً، حيث وصلها الفستان من طريق شركة الشحن وكان في حالة سيئة جداً، حيث بدا أنه قد استُعمل مرات عدة، فكان مشقوقاً من الأسفل، إضافة إلى تهتّك قماشته... وعندما اتصلت بالسيدة صاحبة الفستان بغية ردّه واستعاده مالها، رفضت الأخيرة الرد على اتصالاتها ولم تتجاوب معها.

تخلصت من فستان زفافها لتستفيد منه أُخرى
وترى زينة غسان (27 عاماً) أن فكرة تبادل المنافع من طريق بيع ما هو مستعمل وفائض ليستفيد منه شخص يحتاج إليه بسعر مقبول ليست معيبة ولا تدل على الفقر أو الحاجة المادية. ففستان زفافها بقي في خزانة ملابسها ما يقارب الثلاث سنوات، وعلى الرغم من رغبتها في الاحتفاظ به ليبقى ذكرى لزواجها، كانت متضايقة لوجوده في الخزانة وشغله حيزاً كبيراً من دون الاستفادة منه، بعدما كانت قد ابتاعته من أحد المحلات المشهورة بسعر يتجاوز الـ 10 آلاف ريال... ما دفعها الى عرضه للبيع بنصف سعره تقريباً، بغرض الاستفادة منه قبل أن يتلف، وكانت سعادتها غامرة لدى سماعها أن الفستان ناسب العروس التي حَوّلت إليها المبلغ مسبقاً.

المناسبات العائلية كثيرة وتحتاج إلى موازنة
فساتين السهرة مكلفة وعمرها قصير... ذلك ما بدأت به جمانة علي (36 عاماً) حديثها. فالمناسبات العائلية وحفلات الزفاف التي غالباً ما يحضرها الأشخاص نفسهم، تجعل من الصعب شراء فستان سهرة باهظ الثمن لكل مناسبة، وهذا ما حتّم عليها اللجوء إلى طرق أخرى مثل استعارة فستان من إحدى صديقاتها، أو الذهاب أحياناً إلى بعض المشاغل النسائية التي تبيع بعض الفساتين المستعملة، وأحياناً استئجارها لليلة واحدة، وبذلك تتمكن من تأمين قيمة الفستان، إضافة إلى توفير مساحة في خزانتها ببيع فساتين مر عليها الزمن وأصبحت موديلاتها غير صالحة للارتداء.

حسابها على «إنستغرام» وسيط لبيع المستعملات وشرائها
أم عبد الإله (33 عاماً)، سيدة استغلت التقنية من أجل مشروعها الشخصي الذي يدر عليها أرباحاً وهي في منزلها، وذلك من خلال عرض بعض السلع المستخدمة من طريق حسابها على» إنستغرام»، والذي يضم أكثر من خمسين ألف متابع، وتطلب عمولة مقابل البيع تساوي 10 في المئة من سعر القطعة المستعملة، حيث تأتيها طلبات من كثير من الراغبين ببيع مقتنياتهم المستعملة من أثاث وأجهزة إلكترونية وملابس ومستلزمات أطفال وأدوات زينة. وتحبّذ أم عبد الإله عرض حالة السلعة ومدة استعمالها، إضافة الى سبب البيع، بغية عدم الغش والخداع. ورغم ذلك يصلها العديد من الشكاوى لعدم رضا المشتري عن حالة السلعة، فتضطر الى توضيح فكرة أنها ليست سوى وسيط يعرض هذه المقتنيات المستخدمة ولا علاقة لها بالاتفاق الذي عُقد بين البائع والمشتري.

ليس من المعيب شراء المستعمل
ويعتقد فايز عبدالسلام (42 عاماً)، أن تبادل الأشياء المستعملة أمر نبيل ويساعد الناس على التخلص من مشاكلهم المادية، والتوفير على أشخاص آخرين لا يستطيعون شراء الجديد من السوق. فهناك من يضطرون إلى الانتقال إلى بلد آخر أو بيع أثاثهم بسبب الطلاق أو أزمة مادية، وهذا ليس مشيناً أو مخجلاً. فالعملية تقتضي بيع الشيء لمن يحتاج إليه والاستفادة في الوقت نفسه من ثمنه، ولكن لا بد من التأكد من السلعة قبل شرائها والحصول على ضمانات، خصوصاً إذا تم الاتفاق مع أشخاص مجهولين عبر مواقع الإنترنت المخصصة لذلك أو من طريق حسابات لأشخاص يروّجون لكل ما هو مستعمل، لئلا يتعرّض الطرفان للاحتيال أو السرقة أو الغش.

«الأنتيكات» جوهرة المقتنيات المستعملة
ويعتقد تركي باصم (45 عاماً) صاحب مجموعة حجازي وحجازية، أن فكرة ابتياع أشياء مستعملة كانت معيبة قديماً ويخجل الناس من البوح بها، حيث كان السيد باصم من هواة جمع المقتنيات القديمة و»الأنتيكات» وتخزينها في بيته على شكل تحف فريدة، وكان قديماً يشتري تلك المقتنيات من طريق المعارف والأصدقاء والأقارب ويحاول التواصل هاتفياً مع صاحب السلعة أو مقابلته شخصياً. لكن ومع تطور التكنولوجيا والهواتف الذكية، أصبح يبتاع كل شيء ومن مختلف دول العالم من طريق الإنترنت، إضافة الى مشاركته في مزاد محلي مشهور في جدة لبيع «الأنتيكات» وشرائها، والذي يقام بشكل شبه يومي بعدما أصبح مرخّصاً من وزارة التجارة. وبعد هواية التخزين والاقتناء، انتقل تركي الى مرحلة إدارة هذه الهواية وبيع قطعه الفريدة بواسطة حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يعجز عن وصف فرحته بإقبال الناس ودهشتهم مما يعرضه وكتابتهم التعليقات التي تؤكد حنينهم إلى ذكريات الماضي وتعلقهم بتلك القطع، والمزايدة على أسعارها بشكل جنوني لكونها قد تعود إلى خمسين سنة أو أكثر.

الزبائن غير الجديين والمترددون يسببون الخسائر
ويرى السيد تركي أن المتاجرة بـ «الأنتيكات» أصبحت تشكل هوساً بالنسبة إليه، فهو يبتاع يومياً بمبالغ كبيرة، إضافة إلا أنه يشعر بالإرباك عندما يخسر سلعة معينة في أحد المزادات، فتجارة «الأنتيكات» تحتاج إلى «صبر أيوب ومال قارون وعمر نوح»... ورغم مزايا التجارة الإلكترونية التي تتيح فرصة المزايدة لوقت مفتوح يصل الى 24 ساعة، وشراء القطعة وبيعها بضغطة زر، فإن وجود بعض الزبائن المترددين وغير الجديين في الشراء قد يسبب خسارة له في كثير من الأحيان، إذ قد يمر أسبوع ويطالب المشتري بعده باسترداد ماله متذرعاً بعدم مطابقة السلعة للصورة، ما يُكبّد تركي خسائر الشحن وتحويل المبلغ وذلك للحفاظ على سمعته في السوق.

المتاجرة بالمستعملات إلكترونياً إيجابية لكل الأطراف
ويؤكد المحلل والكاتب الاقتصادي ورجل الأعمال راشد الفوزان أن مسألة انتشار بيع السلع المستعملة من طريق وسائل التواصل الاجتماعي وعلى شبكة الإنترنت شيء إيجابي ويفسح في المجال أمام كثير من المستفيدين ليكونوا أصحاب أعمال وتجاراً بطريقة بسيطة ومحدودة، لا تشكل ضرراً لأحد، كون السوق في النهاية يُبقي على الأفضل. كما أن هذه الخطوة وانتشارها محلياً تزوّد الناس بالكثير من المفاهيم والقيم التي تدفعهم الى استغلال ما لديهم وعدم إتلافه أو رميه بلا اكتراث، إضافة إلى تعميم صفة الاستخدام الجيد والمحافظ على السلعة، سواء كانت ملابس أو سيارات أو أثاثاً بغية الاستفادة منها في ما بعد، من طريق بيعها أو التبرع بها على سبيل المثال. وينوّه الفوزان بأن تجارة البضائع المستعملة متداولة منذ زمن، سواء عالمياً أو محلياً في الأسواق الشعبية التي تخصص أياماً معينة في الأسبوع لبيع السلع بمختلف أنواعها... ورغم النظرة الإيجابية إلى تلك الظاهرة، إلا أنه يُحبذ وجود تراخيص وتنظيم لهذا السوق الإلكتروني لضمانة حقوق كل الأطراف وتلافياً لحدوث مشاكل.

الجمجوم: «يفضل احتواء تجار المستعملات بتراخيص ميسرة وفرض الرقابة عليهم»
وتوافق الفوزان، المصممة وسيدة الأعمال بتول الجمجوم التي تؤكد أن ليس من المعيب تبادل المنافع باستخدام هذه الوسيلة، وتسخير التقنية لهذا الغرض، وترى أن تجارة الفساتين والأزياء المستعملة معروفة محلياً في مشاغل ومحلات نسائية تبيع هذه الفساتين أو تؤجّرها، إضافة إلى جمعيات خيرية تجمع الفساتين المستعملة لهدف خيري ولمساعدة المحتاجين. وتعتقد أن إتاحة الفرصة من طريق المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي تجنّب الكثير من السيدات مشقة الخروج إلى الأسواق وعناء البحث. ومع أن التسوق الإلكتروني يتيح الشراء بأسعار مناسبة مادياً، ترى أن تزايده بشكل مستمر قد يؤدي إلى فوضى ومشاكل، لذلك تلمّح الجمجوم إلى ضرورة وجود جهة تحتوي هذه الحسابات والمواقع وتنظّم العمل بتراخيص ميسرة وسهلة مع فرض رقابه عليهم لتفادي حدوث غش أو احتيال.