حالات استثنائية وظروف خاصة: متى يلعب الرجل دوراً مزدوجاً في البيت؟

الرجل والمرأة,العائلة,تربية الأولاد,دوراً مزدوجاً,ظروف استثنائية,صحّة نفسيّة

دينا الأشقر شيبان 19 يوليو 2015

عبر التاريخ، يقوم كلّ من الرجل والمرأة بالدور المرسوم له من قبل المجتمع. فالرجل هو المُعيل الأوّل، والمسؤول عن سلامة العائلة وأمانها، فيما المرأة هي ربّة المنزل المسؤولة عن التربية والاهتمام بالأولاد... لكن مع تطوّر الحياة واتباع نمط العيش السريع، لا بدّ من مواكبة العصر ومتابعة التغيير الحاصل في الأدوار الاجتماعية والعائلية والعمليّة لكلا الجنسين. إذ أصبح التعاون بين الشريكين سيّد الموقف والمشاركة في الواجبات والحقوق أمراً واقعاً!
من جهة أخرى، قد يضطرّ أحد الشريكين أن يؤدي دوراً مزدوجاً في البيت ومع الأولاد. فالأسباب كثيرة والنتيجة واحدة!
فكيف ينعكس هذا الواقع الجديد على العائلة والأولاد؟ وما الذي يخلّفه من تبعات نفسيّة وجسدّية وحتى اجتماعية وعمليّة في الشخص الذي يؤدي الدورين معاً؟


قد تجري الرياح بما لا تشتهي السفن أحياناً! إذ لا توجد ضمانة صحية او نفسية لأيّ إنسان، وكلّ واحد بيننا عُرضة للإصابة بمرض جسدي أو أزمة نفسية، ما يؤثر في محيطنا وعائلتنا وعلاقتنا بالشريك الآخر.
في بعض الأحيان، تفرض الظروف إعادة نظر في الواجبات والمسؤوليات ويجب بالتالي إعادة هيكلة الأولويات في حياتنا. فلم يعد الحدّ الفاصل ما بين دوري الرجل والمرأة في المجتمع والحياة العائلية واضحاً تماماً، بل تتداخل الأدوار مع الحق بالمساواة بين الطرفين.
يتشارك الأب والأم في التربية الحديثة للأولاد ليتكامل دوراهما، إلاّ أنه قد يضطرّ أحدهما لأسباب قاهرة الى أن يقوم بالمهمّتين معاً، بسبب غياب الطرف الآخر لظروف استثنائية.
تشرح الاختصاصية في علم النفس والأستاذة المحاضرة في الجامعة الدكتورة كارول سعادة الأسباب التي قد تدفع بالرجل إلى القيام بالدورين معاً، عارضةً أبرز الانعكاسات النفسية والاجتماعية للموضوع. كذلك تفسّر الاختصاصية في علم التربية رولا صدقة تأثير الأمر في الأولاد والعلاقة العائلية ككلّ.

رجل وامرأة
أحياناً، تفرض الظروف الحياتية على المرء إعادة ترتيب أولويّاته بسبب المشاكل أو العوائق التي قد تصادفه في حياته اليوميّة. تقول صدقة: «تتأثر الأدوار التي يؤديها كلّ من الرجل والمرأة بالمهمات التي أوكلها إليهما المجتمع عبر التاريخ. فالمُتعارف عليه أنّ دور الرجل قياديّ، وواجبه إعالة أولاده وزوجته وتأمين حاجاتهم وحمايتهم. أمّا دور المرأة فرعائي، وواجبها الاهتمام بالمنزل ومتطلّبات أولادها وزوجها وتربية نشء صالح».
لكن من الطبيعيّ أن تتغيّر الظروف، فيتداخل دور الرجل والمرأة في بعض الأحيان، كونهما شريكين متساويين في الحقوق والواجبات. فلا دور حصرياً لأحدهما من دون الآخر، بل إنّ المشاركة في العمل خارج المنزل وداخله وفي التربية أمر بات من المسلّمات في عصرنا الحديث هذا.

ظروف استثنائية
تفسّر د. سعادة: «غالباً، لا يمكن تحديد متى يبدأ دور احد الوالدين وينتهي دور الآخر من حيث التربية، بل إنّ التعاون والمشاركة في القرارات هما أساس النجاح. كما قد تتحتّم على احدهما التضحية إثر ظروف معاكسة أو أوضاع استثنائية قاهرة. فعلى سبيل المثال، يُضطرّ الرجل إلى لعب دورين في المنزل في بعض الحالات، كالوفاة أو الطلاق، أو مرض الشريكة أو سفرها. وبإمكانه القيام بذلك على أكمل وجه، وإن صادفته بعض المطبات والعثرات».
وتقول: «في حالة الترمّل، يغيب الوجود الأنثويّ عن البيت، ما يضع الرجل أمام خيارات محدودة، كالاهتمام بعائلته بمفرده، أو طلب المساعدة من الأقارب والمحيطين، أو الاستعانة بمربّية. حينها يكون وضعه صعباً من الناحية النفسية، بفعل الضغوطات العاطفية وألم فقدان الشريك ومحاولة التأقلم منفرداً والإمساك بزمام الأمور للمحافظة على الروابط العائلية والإحاطة بأولاده من دون تقصير قدر المستطاع».
وتضيف: «في حالة الطلاق، يكون الوضع أقلّ وطأة من الموت، إذ يتمّ تقاسم المسؤولية بين الأبوين وإن لم يعودا تحت سقف واحد. فالسلطة والعناية والاهتمام والرعاية تكون موزّعة بين الإثنين بالتفاهم والاتفاق».
من جهة أخرى، «إذا مرضت الشريكة، تتأثر العائلة كلّها، إذ إنّ التغيير الحاصل في نمط الحياة الروتينية ينقلب رأساً على عقب. ويجد الزوج نفسه في حيرة، بين تقديم الرعاية والدعم لزوجته وتأمين متطلبات أولاده والإحاطة بهم عاطفياً وأكاديمياً». أمّا في حالة السفر، فيكون الأمر مؤقتاً ويتطلّب بعض الصبر وتقسيم المسؤوليات وتنظيم جدول الأعمال.

ضغوط نفسيّة
إنّ الشخصيّة المحصّنة والقويّة قادرة على مواجهة الصعاب بأقلّ ضرر من تلك القلقة أو الاتكالية. تؤكد د. سعادة ان «الرجل يرزح تحت وطأة ضغوطات نفسيّة واجتماعية وحتى عمليّة في محاولة منه للتأقلم مع حالته الجديدة عندما يُضطرّ إلى التنسيق ما بين دوره الأصلي والدور الذي «أُجبر قصرياً» على ممارسته. وهذا الأمر منوط بشخصيّته التي قد تتحمّل كل العوائق أو لا تتحمّلها. لكن من المؤكّد انّ الاكتئاب سوف يعتريه في مرحلة ما، خصوصاً في حال غياب المساعدة الخارجية من الأهل والمقرّبين. فبينما يمثّل الرجل صمّام الأمان لعائلته وأولاده، يحتاج بالطبع إلى سند، أو شخص يسمعه ويساعده، معنوياً وعملياً حتى لا يقصّر تجاه أولاده فينعكس ذلك سلباً على حياته الاجتماعية والعملية الخاصة».

وضع الأولاد
تؤكّد صدقة أنّ «غياب الأمّ صعب للغاية على الأولاد، لكن بالإمكان التخفيف من هول الخسارة قدر المستطاع، عبر الاستعانة بصورة أنثويّة محبّبة إليهم، كالجدّة أو الخالة أو العمّة أو حتى إحدى صديقات العائلة أو معلّمة أو مربّية. فهذا النقص في صورة الأمومة والفراغ العاطفي المهول قد يؤديان إلى تداعيات نفسيّة لا تُحمد عُقباها، تبعاً لعمر الولد. وتختلف طرق التعبير عن الألم والخسارة بين ولد وآخر، ما يصعّب أحياناً تشخيص الحالة بالعين المجرّدة». لذلك من المهمّ تعويض النقص الحاصل بشتى الوسائل، تجنباً لتشرذم العائلة. فالطفل الصغير قد يبكي أو يُظهر حزناً نفسياً من خلال أمراض جسديّة، وأمّا المراهق، فينتفض على الواقع الأليم ويحاول حرق المراحل والوصول إلى سنّ الرشد مهما كلّف الأمر، أو البحث عن «صورة العائلة والأم» في مكان آخر، وهذا أيضاً أمر خاطئ.
لكن من ناحية ثانية، ترى صدقه أنّ «الأمر الإيجابيّ شبه الوحيد الذي قد ينتج من هذه المُعضلة، هو تقرّب الأب من أولاده ووجوده  معهم أكثر، والمشاركة في شؤونهم والانتباه إلى تفاصيل كان يغفل عنها سابقاً، وهذا أمر يستفيد منه الطرفان، اللذان يتشاركان الحنان والعطف والمحبّة».

حدود واضحة
تشدّد د. سعادة على «ضرورة رسم حدود واضحة للعلاقة ما بين الأب والأولاد والأشخاص الذين يساعدونه. فالمرجعيّة الأولى هو الأب، والقرار قراره، وليس لأحد ممن يساعدونه أن ينقض صلاحياته. لكن بعض الأمور يجب تركها «للمرأة» الموجودة حالياً كبديل من الأم، خصوصاً في حال التعامل مع فتيات. ذلك أنها تكون مؤهّلة أكثر للتفاهم معها والاهتمام بها جسدياً ونفسياً ومساندتها وإسداء النصائح إليها». وهذا يرفع الهمّ عن كاهل الأب الذي قد يرتبك في التعامل مع بعض الأمور النسائية ويُخفّف أيضاً عن الفتاة التي ترتاح أكثر مع امرأة «مثلها».

صحّة نفسيّة ونصائح
تقدم الدكتورة سعادة بضع نصائح للأب الذي يقوم بتربية الأولاد بمفرده حتى يُحافظ على رباطة جأشه وسلامة عقله:
● يجب تكريس وقت فراغ خاص بالرجل، والتفرّغ لهوايات بعيدة عن جوّ العائلة والأولاد والواجبات الإجتماعية.
● يجب ممارسة الرياضة التي تساعد على الراحة النفسية والصحة الجسديّة.
● يجب طلب المساعدة من الأهل والمحيط من دون خجل أو تكلّف.
● يجب مصارحة الأولاد بالوضع المستجدّ والتعاون معهم.
● يجب تقسيم المسؤوليات والواجبات وتحديد الأولويات وتنظيم الجداول منعاً لزيادة التوتر والضغط.

شهادات حيّة
جورج نصرالله أرمل فقد زوجته منذ نحو أربع سنوات وهو أب لولدين مراهقين. يقول إنّ مرحلة الصراع مع المرض كانت صعبة جداً من الناحية النفسية، بحيث كان عاجزاً عن تقديم المساعدة الفعلية لزوجته، وكان يشعر بأنّ ما يقوم به في البيت من المسلّمات أصلاً، كونه شريكها في السراء والضراء. من البديهيّ أن تتأثر العائلة كلّها في هذه الظروف، وقد كان التأقلم مع الحالة الجديدة بطيئاً وصعباً بعض الشيء، فبعدما ترمّل، بدأ ينظّم حياته ليتمكّن من المضيّ قُدُماً مع أبنائه، في بيت غاب عنه الحضور الأنثويّ. استعان الأب بخادمة مؤقتة لتقوم بالعمل المنزليّ، لكن عبء المسؤولية لا يزال عليه، بعدما كان على الطرفين. أما من حيث الأولاد، فيشير إلى أنّ الخسارة كبيرة ولا تعوّض، لكنهم تعلّموا رويداً رويداً القيام بواجباتهم ليتعاونوا، وقد أصبحوا في سنّ تخوّلهم تحمّل شقّ من المسؤولية. ويؤكّد أنّ وجود العائلة الكبيرة حوله يحفّزه على المضيّ والمثابرة وعدم الاستسلام.

جاد سلمان مطلّق وهو أب لفتاة وصبيّ لم يبلغا بعد العاشرة من العمر. يرى جاد أنّ الطلاق كان الحلّ الأنسب لفضّ النزاعات المستمرّة بين الشريكين، لكنه يحاول ألّا ينعكس ذلك على أولاده. فقد حصل على حق الحضانة المشتركة مع طليقته وهما يتوليان رعاية الأولاد معاً ويأخذان القرارات الصعبة معاً. عندما يزوره أولاده، تتولّى جدّتهم رعايتهم، لكنه هو من يهتمّ بالتفاصيل الدقيقة. وهو على اتصال دائم بطليقته، ويشاركان أولادهما في كل المناسبات. يقول إنّ المسؤولية زادت، والأمور في المنزل تغيرت، وبات أكثر استقلاليّة وأكثر انهماكاً، لكن لا مانع لديه، فقد اعتاد الأمر بعد مضيّ سنتين. وكلّ ما في الأمر هو إعادة ترتيب الأولويات. بداية لم يتقبّل الأولاد الموضوع بصدر رحب، ونشبت خلافات معه، لكنهم أدركوا الآن أنّ محبّتهم لن تزول من قلبه، وأنه يحاول جاهداً أن يؤمّن لهم ما يحتاجون.