مواقع الاستشارات الإلكترونية بين سرّية «الفضفضة» وحلول «تخرب البيوت»

أسئلة جريئة,ومشكلات عميقة,أسرار البيوت,الانترنت,مواقع الاستشارات

عزيزة نوفل (جدة ) 16 أغسطس 2015

أسئلة جريئة ومشكلات عميقة تفضح أسرار البيوت، تُعرض ومن دون أسماء على صفحات الانترنت لتلقى اهتمام الكثيرين ممن يحاولون إما إبداء الرأي أو اقتراح حلول جذرية أو بسيطة، متيحة لصاحب المشكلة المجهول فرصة «الفضفضة» بسرية تامة، وتلقي كمّ هائل من التعليقات والردود من أشخاص من مختلف الجهات والأعمار والثقافات... فكرة قد تكون إيجابية وتحيطها جوانب مفيدة، ولكن هل تلك الصفحات والمدونات الإلكترونية قادرة على حل أكثر المشكلات الزوجية تعقيداً؟ وهل بإمكانها الإنصاف وتحليل الموقف الذي يواجهه صاحب المشكلة المعروضة منطقياً؟ هذا ما سنكشفه في التحقيق التالي حول مواقع الاستشارات النفسية والأسرية على الشبكة العنكبوتية.

لم تندم على طرح مشكلتها على الملأ
خشية البوح للعائلة كانت سبباً لتوجه غالية رشيد (33 عاماً)، الى إحدى مجموعات موقع «فايسبوك» لطرح مشكلتها مع زوجها لعلها تجد حلاً من ذوات الخبرة والأكبر سناً. وتبعاً لكونها تعيش في بلد آخر، تجد صعوبة في البوح لعائلتها بما تعانيه من قسوة زوجها، فلن تستفيد شيئاً سوى زيادة قلقهم وحزنهم عليها. لذلك فضّلت البوح بمشكلتها بسرية تامة على تلك الصفحة سعياً منها لإيجاد طريقة لحل مشكلاتها مع زوجها من دون اللجوء الى الطلاق. ورغم أملها في الحصول على نصيحة جيدة، فقد نصحها الكثير من المعلّقين بطلب الطلاق، هذا إضافة إلى نشر بعض الأشخاص السلبيين ردود تهكّم وسخرية على طريقة عرضها للمشكلة... لكنها وجدت ضمن الردود بعض الأشخاص الذين منحوها الأمل وعبارات المواساة، ما جعلها غير نادمة على طرح مشكلتها عبر تلك الصفحة.

فرصة لتبادل الخبرات والمعلومات
وترى فاطمة رائد (26 عاماً)، أن لصفحات الاستشارات الإلكترونية الكثير من الميزات، خصوصاً في المجالات التربوية والأسرية، حيث إنها طرحت ومنذ فترة قريبة مشكلتها مع طفلها على أحد أطباء الأطفال الذي كرّس صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي لاستقبال الأسئلة والاستشارات، حيث كانت تعاني فاطمة مع طفلها العنيد والفاقد الشهية على الطعام. في ذلك الحين، نصحها الطبيب باتباع أحد الأساليب لتحسين قابلية طفلها على الطعام. وبعدها بأسابيع عدة، تواصلت مع الطبيب نفسه لشكره على تلك الطريقة الفعالة. ومن خلال هذه التجربة، تجد فاطمة أن تلك الصفحات هي صورة من التكافل والتعاون وتبادل الخبرات التي تتم بسرية ومن دون جهد أو تكلفه مادية.

الحيرة دفعتها الى طلب آراء محايدة خارج نطاق العائلة
الرغبة في الحصول على رأي من طرف محايد، دفعت شذى قاسم (21 عاماً)، لطلب المشورة من طريق إحدى صفحات الاستشارات الزوجية والأسرية على الانترنت. فبعد تقدم عريس لها، وجدت إلحاحاً من عائلتها على الموافقة وعقد القران بشكل سريع كون العريس «لُقطه»... فمستواه العلمي والمادي العالي، جعل عائلتها توافق على الفور، ولكن هاجس شذى تجاه عائلة العريس وخوفها من التورط بخطوبة فاشلة جعلاها في حيرة من أمرها بين سماع ما يمليه عليها أهلها أو التصرف وفق قناعاتها. وبعد طرح مشكلتها التي ذكرت فيها بعض التفاصيل المهمة، أشارت عليها الأكثرية بضرورة التأني وعدم الرضوخ لإلحاح أهلها، كونها لا تزال في مقتبل العمر وقد تحظى بشخص تكون مقتنعة به تماماً. وهذا ما حصل فعلاً، حيث اكتشفت لاحقاً أن تلك الخطوة كانت صائبة ولم تندم عليها أبداً.

قصص الزواج والطلاق ومشاكل الحموات والخيانة هي أكثر ما تطرحه صفحات «الفضفضة»
لمياء الدباغ (26 عاماً) إحدى المتابعات الشغوفات بمجموعة  خصصت لعرض المشكلات الأسرية والزوجية على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك». ورغم أنها لا تعاني أي مشكلة ملحّة، لكنها تحب الاطلاع على مشاكل العديد من السيدات، والتي تتناول غالباً قصص الزواج والطلاق والخيانة ونوادر «الحماة والكنّة»، حيث تجد لمياء نفسها أكثر وعياً من ذي قبل حيال تلك المشكلات، بل تكوّنت لديها صورة واضحة عن كيفية الحُكم على المواقف والتعامل مع الناس في الحياة الواقعية. فقراءة قصص الناس ليست مسلّية وحسب بل تمنحها الخبرة والاطلاع على ما يدور خلف الأبواب المغلقة.

الخجل من ارتياد المراكز النفسية سبب في انتشار هذه الصفحات
وترى السيدة بشاير العامودي (36 عاماً)، أن إنشاء مثل هذه الصفحات بادرة إيجابية وتخدم الجميع، وخصوصاً في ما يتعلّق بمجال الاستشارات النفسية والزوجية والأسرية، كونه لا تزال هناك شريحة كبيرة تخجل أو ترفض الخضوع للعلاج أو الذهاب لطلب استشارة من إحدى العيادات أو المراكز التقليدية، حيث وفرت تلك الوسيلة السرية التامة وعدم التكلفة المادية، إضافة الى تعدد مجالات الاستشارات لتشمل الجوانب الطبية والنفسية والغذائية والجنسية، كما تمنح متابعي الصفحات نوعاً من الوقاية والثقافة والوقوف على مختلف الآراء والتحليلات.

الاستشارة الإلكترونية زادت «خالد» حيرةً
في المقابل، تجد فئة الشباب والمراهقين صعوبة بالغة في معرفة طريقة التعامل مع المواقف وتحديداً الصعبة منها، وأحياناً قد يسيطر الخجل والخوف عليهم فيمنعهم من مجرد التفكير في الذهاب الى مراكز الاستشارات النفسية. فخالد القادري (21 عاماً)، طلب منه أحد أصدقائه رأيه في مشكلة تخص ابن الجيران في الحي، بعدما اكتشف أنه يتعاطى المخدرات، حيث إن صديق خالد كان شديد الارتباط بهذا الشاب المدمن ويعرف أسرته جيداً، ما جعله شديد القلق ودائم التفكير بتلك المشكلة، إذ عرض خالد تلك المشكلة وقتها على إحدى الصفحات المخصصة للاستشارات النفسية والأسرية، وحصل على ردود وحلول كثيرة جعلته في حيرة أكبر، فمنهم من رجح تحذير الشاب المتعاطي، وبينهم من وجد أن إبلاغ أسرته هو الحل الأمثل، فيما اقترحت البقية التبليغ عنه. وكانت الطامة الكبرى أن لكل حل من هذه الحلول تداعيات سلبية قد تضرّ بصديق خالد، ما عزز لديه فكرة البقاء من دون حل ومقاطعة ابن الجيران فقط.

كثر يتقمّصون دور«المصلح الاجتماعي» للتسلية والحصول على صداقات
فتح انتشار صفحات الاستشارات مجالات وآفاقاً كثيرة، وأتاح الفرصة أمام الكثيرين لتقمّص دور الاختصاصي النفسي أو المصلح الاجتماعي... هذا ما حصل مع يارا عبدالعزيز (21 عاماً)، والتي كانت تعاني مشكلة عائلية خاصة تؤرقها ولا تستطيع البوح بها لأحد، إلى أن عثرت على أحد الحسابات لعرض مشكلتها، ولتشكل متنفساً للحصول على حل أو كلمات تواسيها وتعطيها الأمل. وهذا ما حدث فعلاً حين وصلتها رسالة خاصة من أحد المعلّقين، تفيد بأنه اختصاصي في علاج المشكلات النفسية والأسرية، وقد يمتلك الحل لمشكلتها، ولكنه يحتاج الى بعض التفاصيل من طريق مكالمة هاتفية. وبعد محادثات مطوّلة معه، اكتشفت أنه مجرد شخص يتسلّى ويود التعارف لا أكثر، مما جعلها لا تثق كثيراً بجدية وصدقية ما تعرضه تلك الصفحات.

متابعة التعليقات والردود وحذف السيء منها... مهمة المشرف على الصفحة
في خضم البحث عن إحدى الجهات المسؤولة عن تلك الصفحات، صرح أحد مشرفي مجموعة للاستشارات الأسرية على موقع «فايسبوك» والذي فضل عدم ذكر اسمه أو اسم مجموعته، أن صفحته التي يشرف عليها هو وزملاؤه تم إنشاؤها منذ أكثر من عامين، لإتاحة الفرصة أمام الكثيرين لعرض مشاكلهم بسرية ومن دون ذكر أسماء، وليتلقوا حلولاً من مشرفي المجموعة المتخصصين في مجالات متنوعة، من علم النفس والاجتماع والدين والتربية، إذ تتيح هذه المجموعة للكثير من المتابعين الاطلاع على المشاكل والردود والتعليق عليها... ما يُحمّلهم عبء مراقبة الصفحة على الدوام وقراءة التعليقات، لأن هناك عدداً من الأشخاص غير المحترمين الذين يحاولون التعليق بسذاجة ودعابة للفت النظر فقط. لذا فإن مسألة إنشاء هذه الصفحات الاستشارية صعبة وتتطلب وقتاً وجهداً ومتابعة دؤوبة من القائمين عليها.

«الفضفضة الإلكترونية» مريحة ولكن...
من الاختصاصيين الذين كرسوا حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لاستقبال الاستشارات وإسداء النصائح، كان هناك حساب المستشار النفسي في مركز التنمية الأسرية والمدرب المعتمد دولياً في تطوير الذات عبدالعزيز سعد الدواس، والذي أشار الى أن نظرة المجتمع أصبحت أكثر إيجابية وانفتاحاً من السابق في ما يتعلق بالعيادات النفسية. ولكن ارتفاع أسعار الاستشارات في هذه المراكز، إضافة الى وجودها المقتصر على المدن الكبرى، دفعا الكثيرين للبحث عن طرق أخرى مثل صفحات الانترنت والمدونات الالكترونية. ويعتقد الدواس أن فكرة عرض المشاكل الأسرية والزوجية على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من دون التأكد من هوية المختص أو كفاءته خطأ فادح قد يقع فيه الكثيرون. فبالنسبة الى المشاكل النفسية، قد يتلقى المُستشير رأياً يزيد مشكلته تعقيداً لكونه لا يناسبه ولا يناسب طبيعة شخصيته وخلفيته الأسرية والاجتماعية. وعلى الرغم مما تمنحه هذه «الفضفضات» الإلكترونية من راحة للشخص، لكنها في المقابل قد تتخذ منحىً سلبياً بدلاً من ذاك الايجابي، إذا جاء الرد من أشخاص غير متخصصين. ويرى الدواس أن تجربته في مجال استقبال الاستشارات من طريق التواصل الهاتفي، أثمرت كثيراً في علاج المشاكل النفسية والأسرية كعدم الثقة بالنفس والاكتئاب والرُهاب الاجتماعي والتحرش الجنسي. وهذا يعتمد في الدرجة الاولى على طبيعة المشكلة وحدّتها، لأن في بعض الأحيان تحتم الحالة التوجه السريع الى مركز أو عيادة للمتابعة المستمرة والمنتظمة.

الفرق بين الرأي والعلاج
وتعقيباً على كلام الدواس، تؤكد المستشارة النفسية والغذائية خزاري الصايل المديرة التنفيذية لمركز خزاري للاستشارات في المنطقة الشرقية، أن هناك أقساماً متعددة للاستشارات النفسية والأسرية، وهي تتدرج من مجرد رأي الاختصاصي إلى الاستشارة العلاجية ومن ثم الوقائية. وتعتقد الصايل أن مواقع الاستشارات تعطي نتائج ايجابية بنّاءة أحياناً في ما يتعلّق بالرأي أو بالاستشارة في ما يتعلّق بالمشاكل السطحية البسيطة، التي تعتمد على منهجية معينة في طرح الحلول للحالات النفسية المعروفة العلاج كمص الإبهام لدى الأطفال أو قضم الأظافر، ولكن لا تستطيع هذه الصفحات الاستشارية إعطاء علاج جذري لمشاكل أكثر تعقيداً، مثل المشاكل الزوجية والأسرية، لأن الأساس في حل أي مشكلة يكمن في التشخيص الذي يكشف معلومات وتفاصيل دقيقة لا بد من معرفتها لتحليل شخصية الشخص، وتوضيح خطة العلاج الأمثل إن كانت المشكلة نفسية فردية. أما بالنسبة الى المشاكل الزوجية، فلا بد أيضاً من تحليل شخصية الزوج وردود أفعاله، وهذا يمكن أن يتم بطرق غير مباشرة ومن دون زيارة المركز. والأهم من ذلك هو متابعة ومراقبه ما يحدث من تغيرات. ومن هذا المنطلق، ترى الصايل أن من الإيجابي وجود هذه الصفحات التي تهدف الى حل المشكلات العامة، لكن لا بد من الانتباه الى صدقية الاختصاصي المشرف على الصفحة وكفاءته العلمية، كما تتمنى أن يتم الالتفات الى أسلوب العلاج الوقائي للمشاكل النفسية والأسرية، لأن ذلك من شأنه أن ينشر الوعي والثقافة المجتمعية بشكل فعال.

لا بد من مراقبة هذه المواقع والصفحات
واستكمالاً لما ذُكر، يشير الدكتور منصور عبدالرحمن بن عسكر، الأستاذ المشارك في علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الى أن مسألة انتشار مثل هذه المواقع الاستشارية وطرق التواصل عبر الهاتف لحل المشاكل والأزمات الأسرية، تعود الى عامل الخصوصية التي يتميز بها المجتمع السعودي، والتقاليد المحافظة التي تحبذ غالباً حل المشاكل من طريق الأقارب. والجدير ذكره أن تلك البادرة انطلقت من أميركا لحل مشكلة الانتحار، وامتدت من ثم إلى العالم بشكل موسع. وتعد طبيعة المرأة وتكوينها النفسي من أكثر ما يدفعها الى «الفضفضة». لذا وتبعاً لإحصائية خاصة بالمراكز الأسرية في المملكة العربية السعودية للراغبين بالاستشارات، أكدت النتائج أن الأكثرية سيدات بنسبة 80 في المئة من مجموع المراجعين للاستشارات الأسرية، ما ساهم في انتشار فكرة تداول الاستشارات من طريق الانترنت أو التواصل عبر الهاتف للبحث عن حلول. ويرى الدكتور عسكر أن صدقية هذه المواقع أو الصفحات الالكترونية تُعتمد كثيراً لانضوائها تحت راية مركز مرخص من وزارة الشؤون الاجتماعية أو طبيب أو اختصاصي معروف... ومن هذا المنبر، لا بد من المطالبة بوجود مظلة لهذه المواقع والصفحات لمتابعة محتوياتها باستمرار وضمان صدقية المتخصصين فيها والتعريف بكفاءتهم في المجال النفسي والأسري.