عرسان تضعهم مهنهم على القائمة السوداء

الشغل ليس عيباً,مهن,القائمة السوداء,نظرة دونية,البنشرجي,السبّاك,جرّاح التجميل,الطبيب النسائي,المهنة العسكرية,تأخر سن الزواج,الارتباط بالمهنة

عزيزة نوفل (جدة ) 22 أغسطس 2015

تتردد على مسامعنا عبارة «الشغل ليس عيباً»، والكثير منا يقولها من دون وعي باعتبار أن أي مهنة شريفة هي مصدر رزق لا يعيب صاحبه، ولكن الواقع يثبت عكس ذلك. فهناك نظرة مجتمعية دونية تسلّط على أصحاب المهن البسيطة أو غير المتعلمين، ومن الصعب جداً تقبل شريك حياة يمارس مهنة بسيطة ذات دخل مادي متدنٍ. نظرة متفشية لها الكثير من المؤيدين بمبرراتهم ومعتقداتهم، ولكن هل وصل الحد بالفتاة أن ترفض عريساً ذا كفاءات عالية ومدخول مادي مرتفع لأسباب تتعلق بطبيعة عمله؟ فتيات يضعن شروطاً وقيوداً على مهنة شريك المستقبل معتقدات أن في ذلك ضماناً للوفاء والمسؤولية والحياة الزوجية السعيدة. يتناول هذا التحقيق أكثر المهن التي ترفضها الفتاة لشريك المستقبل، وآراء مثيرة للجدل وردود قوية من أصحاب هؤلاء المهن في هذه السطور...

«البنشرجي» والسبّاك مرفوضان بشكل مطلق
القيود والشروط تزداد يوماً بعد يوم، ولكن المفروغ منه على حد قول جوهرة جمال (29 عاماً) خريجة جامعية، هو الرفض القطعي للعرسان ذوي المهن اليدوية مثل الكهربائي أو السبّاك أو الميكانيكي، لكون المجتمع يحكم بشكل عام على أصحاب هؤلاء المهن بفقر الثقافة والتعليم، إضافة الى عامل نقص المادة وشحّها، فالفتيات أصبحن ينظرن الى الزواج نظرة مادية لظنهن أن المادة هي التي توفر الراحة والسعادة على الدوام، كما تضع الكثيرات نصب أعينهن حالة أهل العريس ومستوى معيشتهم، كون «البرستيج» شيئاً مهماً جداً، فسكنهم في أحياء فقيرة أو عشوائية يطيح فكرة الارتباط بالعريس- ابنهم للأسف وإن كان ذا خلق أو يملك وظيفة جيدة.

جرّاح التجميل والطبيب النسائي في صدارة «البلاك ليست»
وبعيداً من الشرط المادي وحب المظاهر، تتمسك غالبية الفتيات بآراء ومتطلبات ضرورية في ما يتعلق بمهنة شريك المستقبل، فلا المال ولا الجمال ولا حتى الحسب أو النسب تحول دون الرفض بسبب طبيعة مهنته. فأبرار ناصر (26 عاماً)، وضعت قائمة سوداء بأصحاب المهن المرفوضة، والتي يأتي على رأسها جرّاح التجميل وطبيب النساء والتوليد. وتفسر عدم تقبلها أصحاب هؤلاء المهن، بكونها شديدة الغيرة وتنتابها مخاوف من الخيانة، إذ ترى أن كثرة احتكاك أصحاب هؤلاء المهن بالنساء تجعلهم أزواجاً «بصّاصين»، ما يقلل نسبة وفائهم لزوجة واحدة.

الرجل إنسان ولا بد من أن يقارن
تؤكد فرح صالح (25 عاماً)، صعوبة تقبل المرأة وجود زوجها في مهن تقتضي رؤية الأجساد، كون الرجل في النهاية إنسان ولا بد له من أن يعقد مقارنات بين السيدات اللواتي يزرنه في عيادته، وبين شريكة حياته وأم أولاده. وتندرج في قائمة جرّاح التجميل وطبيب النساء الكثير من المهن التي تتوجب الاحتكاك بالجنس اللطيف، كالعاملين في مجال الديكورات أو بائعي العطور والمستلزمات النسائية. لذا تفضل فرح أن يكون شريك حياتها يمارس مهنة إدارية أو هندسية لا يتخللها احتكاك مفرط بالجنس اللطيف.

السفر والمبيت خارجاً ممنوع
بعد جرّاح التجميل، تضع مروى عايد (22 عاماً)، مهنة الطيار أو المضيف على لائحة القائمة السوداء، بحيث ترى أن الوفاء والإخلاص من المبادئ المهمة التي لا بد من توافرها في زوج المستقبل. وتبعاً لتغيرات الحياة وسهولة الوصول الى المغريات في أي وقت وأي مكان، أصبح من الصعب ضمان وفاء الشخص صاحب المهنة العادية كالإداري أو المحاسب، فكيف بأصحاب مهن كجرّاح التجميل أو الطيار أو المضيف، ممن يحتكون بشكل أساسي بنساء مختلفات، إضافة الى ما تتطلبه طبيعة عملهم من السفر والمبيت خارج المنزل لأيام أو لأسابيع أحياناً.

«خطّافات الرجال» كثيرات... وحزام الأمان مهنة من دون سيدات
وتوافقاً مع كل ما سبق، تشير ميساء عبدالله (27 عاماً)، الى أن مسألة المهنة ورغم كونها لا تعد مقياساً لضمان الوفاء وعدم حصول خيانة، لكنها حزام أمان لكل فتاة أو سيدة تود العيش من دون الشعور بالغيرة أو الخوف وتحمّل المسؤولية كاملة، لذلك  ترى أن الارتباط بجراح تجميل أو طبيب نسائي أو طيار أمر صعب من كل النواحي، خصوصاً أن «خطافات الرجال» كثيرات ولا بد من الحذر.

الزواج بطيار مرغوب في بعض الحالات
أما رشا محمد (45 عاماً)، فتروي تجربتها مع الزواج بطيار، مؤكدة أن ظروفها ساعدتها على تقبل الزواج بصاحب هذه المهنة، فهي سيدة لها مشاغلها الكثيرة وعملها الخاص الذي تديره بنفسها، إضافة إلى أنها سبق وتزوجت وأنجبت أبناء أصبحوا كباراً، لذلك كان الزواج بطيار مواتياً لها ولظروفها، إذ يتغيب معظم أيام الأسبوع ويأتيها في نهاية الأسبوع، أي في وقت تفرغها وصفاء نفسيتها، ما يخلق بينهما جواً من التناغم والانسجام ويبعد المشاكل والخلافات.

«لا أرغب في تزويج ابنتي لطبيب»
ومن وجهة نظر مختلفة، ترى نادية أحمد (42 عاماً)، أن الجراحين بكل تخصصاتهم يشكلون خطراً على استقرار الحياة الأسرية. ورغم النظرة السائدة التي تبجّل مسمّى «الدكتور»، ترى نادية أن لهذا اللقب ضريبة تدفعها الزوجة والأولاد، فهي ليست كباقي الأمهات تحلم بأن تزوج ابنتها لطبيب، لتأكدها وعن سابق تجربة، من أن الأطباء والجراحين بشكل عام يتصفون بالقسوة والجفاء وبرودة الإحساس، إضافة الى تغيّبهم الدائم عن البيت والأسرة ورمي أعباء الحياة والأولاد على عاتق الزوجة في الكثير من الأحيان، فحياة الأطباء الاجتماعية بشكل عام غير مستقرة ومتوترة أيضاً.

صاحب المهنة العسكرية محروم من تولّي مسؤوليات الزواج
وفي فضفضة نسائية، تروي فوزية عبدالسميع (44 عاماً)، تجربة ابنتها مع الزواج من رجل في السلك العسكري، وتؤكد صعوبة هذا الزواج لما يتطلبه من غياب طويل يُحمّل الزوجة أعباء ومسؤوليات كثيرة، فابنتها البكر تزوجت منذ ما يقارب السنتين وهي بسبب ظروف عمل زوجها قضت معظم أيامها في بيت أهلها، لأن زوجها يغيب لما يقارب الشهرين أو الثلاثة أشهر من دون انقطاع، حتى اتصالاته شحيحة جداً، وأن أكثر ما يحزنها هو إنجاب ابنتها مولودتها الأولى في فترة غياب زوجها، وعلم صهرها بأبوّته من طريق رسالة نصية. لذلك ترى فوزية أن من الصعب جداً الزواج برجل ذي مهنة تمنعه من التكفل بمسؤولية أسرته.

والدها العقيد كان ولا يزال مثالاً للزوج القاسي والصعب
وبالنسبة الى الزواج بأصحاب المهن العسكرية، تؤكد السيدة منال سعيد (36 عاماً)، ومن خلال تجربتها، أن الزواج برجل عسكري أمر صعب للغاية. فوالدها المتقاعد حديثاً والذي كان عقيداً سابقاً في الجيش، كان ولا يزال شديد القسوة وصعب التعامل، ما جعلها ترفض زوجاً يعمل في هذا المجال، لكونها عايشت تجربة والدتها كزوجة وكانت إحدى بنات أصحاب هذه المهنة، لذلك لا تحبذ أبداً الزواج بمن يمتهنونها.

المال الحلال هو أساس قبول مهنة العريس
وبعيداً من المهن التي تستلزم الوفاء أو المسؤولية أو رقة القلب، ترى فاطمة ياسين (33 عاماً)، أن كل المهن السالفة الذكر يصعب على حواء تقبلها وتستغرق وقتاً للتفكير ملياً بخطوة الارتباط بعرسان يمتهنونها. وإضافة الى ما سبق، تضيف مهنة المحامي، التي تجد أنها تعتمد بشكل أساسي على أخلاق العريس ومبادئه، حيث إن أكثر ما يهم فاطمة هو الرزق الحلال، البعيد من الغش والتحايل وسلب الأموال. والمحامي من وجهة نظرها قد يدافع عن أشخاص مختلسين أو مجرمين ويتقاضى لقاء ذلك أموالاً حراماً، لذا تُدرج فاطمة المحامي في قائمة العرسان غير المرغوبين أو المحتاجين الى تفكير أكثر من غيرهم.

الطيارون أكثر تعداداً للزوجات من المضيفين
ووفقاً لثالث أكثر مهنة تخاف الفتاة الارتباط بأصحابها من خلال هذا التحقيق، يقول محمد عبداللطيف حلواني (25 عاماً) يعمل مضيفاً على متن طائرات الخطوط الجوية السعودية منذ حوالى العام، إن الأكثرية يحكمون على عمل المضيف أو الطيار بطريقة سيئة، كونه كثير الأسفار وغير مستقر في حياته، إضافة الى اختلاطه بالعنصر النسائي خلال عمله. وفي الحقيقة، يمكن النظر الى مسألة غياب صاحب هذه المهنة بطريقة إيجابية، فأصدقاؤه وزملاؤه في هذه المهنة متزوجون ويتمتعون بعلاقات زوجية جيدة، وأوفياء جداً لزوجاتهم، حتى أن بينهم من ترقّى ليصل الى درجة مشرف، حيث إن غياب المضيف أو الطيار عن المنزل يساهم في تجديد العلاقة والاشتياق الى كلا الطرفين. ويرى محمد أن من النادر جداً مصادفة مضيفين متعددي الزوجات، على عكس الطيارين، وذلك تبعاً لدخل الطيار المادي العالي نسبياً في معظم الأوقات. وتجنباً للمشكلات، من الممكن أن يوفر للزوجة مسكناً بالقرب من منزل أهلها، كما أن انشغال الزوجة بعمل ما سيجعلها تنسى تماماً فترات غيابه الطويلة. فالمسألة هي مجرد تعوّد وتفاهم أولاً وأخيراً.

جرّاحو التجميل أكثر عرضة لتعدد الزوجات وتأخر سن الزواج
وتبعاً لما ذكرناه في هذا التحقيق، ووفقا لآراء غالبية السيدات والفتيات، أُدرجت مهنة جرّاح التجميل وطبيب التوليد والطيار، ضمن أكثر المهن التي يصعب على الفتاة تقبّلها في شريك المستقبل. ورداً على ذلك، يؤكد الدكتور فايز عبدالباقي اختصاصي التجميل في جدة وعضو الزمالة الأميركية لجراحة التجميل، وعلى نحو شخصي، أنه يصعب على جراح التجميل البحث عن شريكة حياة تتفهم طبيعة عمله، مما يرجح تأخر أصحاب هذه المهنة في الزواج وازدياد احتمال زواجهم أكثر من مرة، حيث كانت مسألة الغيرة بالنسبة إليه سبباً في عدم زواجه بثلاث سيدات، قبل زواجه منذ سنتين في عمر 40 عاماً. فمسألة وجود زوجة تتقبل طبيعة هذا العمل ومشقاته صعبة جداً، حيث تتلخص الإشكالية غالباً في ثلاث نقاط: أولاً، كثرة الاحتكاك بالجنس اللطيف وطبيعة العمل التي تحتم على جراح التجميل أن يكون لبقاً وأنيقاً وذا لسان عذب. ثانياً، كون جراح التجميل يعد من الشخصيات المشهورة ودائماً ما يحظى بالأضواء ومن الممكن أن تصله هدايا من معجبات ورسائل ودية واتصالات في أوقات غير مناسبة، وثالثاً يكون من الصعب على الزوجة البقاء مع زوج يصنع الجمال من دون أن تحاول بكل ما تملك مجاراة ذلك والتدقيق في نفسها على نحو مبالغ. لذلك لا بد من وجود معادلة وثقة بين الطرفين لتفادي المشكلات، ولا بد لجراح التجميل التعامل بمهنية واعتبار كل السيدات اللواتي يقصدن عيادته مريضات ولا تربطه بهن أي علاقات شخصية.

المرأة لا تُلام على غيرتها
يوضح الدكتور مازن عابد بشارة استشاري أمراض النساء والولادة والعقم وأطفال الأنابيب وجراحة المناظير في عيادات الأولى في جدة، أن المجتمع لا يستطيع التغاضي عن طبيعة الرجل وطبيعة المرأة «فالرجل رجل والست ست»، والأنثى لا تلام إذا غارت على زوجها بسبب طبيعة عمله، خصوصاً إذا كانت تستوجب كثرة اختلاطه بالسيدات كطبيب النساء والتوليد، ولكن الإشكالية الفعلية أمام أصحاب هذه المهنة تكمن في انتقاء شريكة حياة تستطيع تحمل المسؤولية بشكل شبه كلي، لأن طبيعة العمل في مجال طب النساء والتوليد تتطلب غياباً لفترات طويلة والخروج والعمل لساعات متأخرة من دون راحة، ما يفرض على الزوجة أن تكون الأم والأب في معظم الأوقات، وهذا ما يشكل فعلاً صعوبة في انتقاء شريكة الحياة التي تستطيع تحمل هذه المسؤولية وتقبّلها.

الصعوبة في تقبّل مهنة الطب النسائي عند الأزواج أكثر من الزوجات
أما الدكتور نبيل برشا البروفسور المساعد واستشاري العقم وجراحة المناظير النسائية في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية وجامعة الملك سعود للحرس الوطني في جدة، فيوضح أن المجتمع عموماً يرجح صعوبة تقبل الزوجة لطبيعة مهنة زوجها في مجال الطب النسائي والتوليد، لكن الواقع عكس ذلك، فمن خلال تجربة الدكتور نبيل ووفق تجارب زملائه ومتدربين، يؤكد أن زواج الطبيب الذكر لا يشكل إشكالية بتاتاً، كما أن نسبة تعداد الزوجات لدى المتخصصين في هذا المجال تساوي نسبة العاملين في مجالات أخرى، عكس الطبيبات السيدات اللواتي يعملن في هذا المجال، إذ يجد لديهن تأخراً في سن الزواج وازدياد عدد مرات الزواج. ويعتقد الدكتور نبيل أن لا بد من المصارحة من البداية حول طبيعة العمل وضغوطاته، إضافة الى التركيز على أهمية أن صاحب هذه المهنة لا يستطيع أن يكون نشطاً من الناحية الاجتماعية والأسرية، وقد يكون مقصّراً جداً في الزيارات والمناسبات، وهذا ما أصبحت الكثيرات يتقبلنه أكثر من السابق.

الارتباط ليس بالمهنة بل بالأخلاق
في الختام، تشير مشرفة الشؤون الاجتماعية في مستشفى الأمل والكاتبة السعودية سوزان المشهدي، الى ان الحقيقة الواضحة لرفض أصحاب هذه المهن، تعود الى ما تسمعه الكثيرات من قصص وروايات، مما يجعلهن يخشين الخيانة، حيث من المفترض أساساً أن يتمحور الارتباط حول شخصية الإنسان ومكنوناته الثقافية وقيمه الأخلاقية أكثر من مجرد النظر الى مهنة...  فبائع المجوهرات يتعامل كثيراً مع السيدات، مثله مثل اختصاصي التوليد الذي يمارس مهنة في غاية الإنسانية، وأعجب فعلاً للتناقض الواضح في شخصياتنا بحيث تصر الكثيرات على التعامل مع الطبيب النسائي لكفاءته المهنية الطبية في هذا المجال، في وقت ترفض أخريات الزواج به، وهذا يعود بلا شك الى الخيالات والحكايات التي نتبادلها، بحيث ننسى الجوهر والأخلاق، وهذا الخوف غير مبرر، لأنه يجب أن يرتكز على اختيار صاحب الشخصية الواضحة والملتزمة مهنياً وأخلاقياً بغض النظر عن نوع مهنته. وهذا الخوف نلمسه أيضاً لدى الارتباط بزوجات طبيبات أو صحافيات وغيرهن حيث يتم التغاضي عن مكونات الأنثى الفردية، بل التركيز فقط على مهنتها المجردة.