قضايا غريبة في محكمة الأسرة تثير جدلاً دينياً: هل تطلبين الطلاق إذا نسي زوجك عيد ميلادك؟

قضايا,محكمة الأسرة,جدلاً دينياً,الطلاق,عيد ميلادك,شرع,الأسباب الخفية,فراغ عاطفي,دلع مدمّر

أحمد جمال (القاهرة) 23 أغسطس 2015

هل يحق لك شرعاً المطالبة بالطلاق إذا نسي زوجك عيد ميلادك، أو لم يحضر لك هدية في عيد زواجكما، أو دخل البيت في يوم الحب من دون أن يحمل باقة من الورد؟ سؤال يطرح نفسه، بعد قضايا عدة شهدتها محاكم الأسرة في مصر أخيراً، تطالب فيها بعض الزوجات بالطلاق لهذه الأسباب، فماذا يقول علماء الدين؟ تفجرت القضية بسبب ما شهدته محاكم الأسرة من دعاوى قضائية تطلب صاحباتها الطلاق لأسباب غريبة. فالمهندسة «منة الله» تطلب الطلاق لأن زوجها نسي عيد ميلادها، والمحاسبة «رحمة» تطلب الطلاق لأن زوجها نسي عيد زواجهما الخامس، والثالثة سيدة الأعمال «شويكار» تطلب الطلاق لأن زوجها نسي تقديم هدية «عيد الأم» لوالدتها، مما أشعل الخلافات الزوجية ليس بين الزوجين فقط، وإنما بين الزوج وحماته التي تضامنت معها ابنتها بالطبع، والرابعة شعرت بالتجاهل الكبير من زوجها، الذي لم يحضر لها هدية ولو وردة في يوم الحب.

غير جائز شرعاً
يشير الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، إلى أن الطلاق في الإسلام هو انفصال الزوجين عن بعضهما بعضاً، وقد عرّفه الفقهاء بأنه: «حل عقد النكاح بلفظ صريح أو كناية مع النية وألفاظ الطلاق التي ينطق بها الزوج السليم العقل أمام زوجته، في حضورها أو في غيابها، أو ينطقها أمام القاضي في غيابها وفق شريعة الإسلام».
وأشار إلى أنه لا يجوز شرعاً طلب الطلاق بسبب نسيان أو حتى تجاهل الزوج لبعض المناسبات أو المجاملات الاجتماعية الخاصة بالزوجة أو أهلها، لأنها في حقيقتها مناسبات من قبيل تقليد الغرب وليس لها أصل ديني في الإسلام، حتى يكون الزوج مجبراً شرعاً عليها، بحيث يثاب إذا فعلها ويأثم إن تركها.
وطالب الدكتور نصر فريد، القضاة بعدم الاستجابة لتلك الدعاوى القضائية الغريبة، التي لا تنم عن رجاحة العقل والحكمة، حيث يصل الأمر إلى خراب البيوت وتشريد الأسرة بناءً على مجاملة اجتماعية لا أساس لها في الشرع، حيث يقول الرسول (صلّى الله عليه وسلّم): «لا ضرر ولا ضرار».

تصرفات غريبة
يتعجب الدكتور سيف رجب قزامل، العميد السابق لكلية الشريعة والقانون في طنطا - جامعة الأزهر، من هذه الدعاوى الغريبة، التي يراها نوعاً من الرفاهية المفرطة التي تعانيها هؤلاء الزوجات، اللواتي يتخذن من تجاهل الأزواج لهذه المناسبات مدخلاً للانفصال، بسبب مشكلات أخرى دفينة ومختلفة، وشعارهن المبدأ الميكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة».
ويشير إلى أن هذه المناسبات الاجتماعية رغم ما فيها من بعض الإيجابية في تنشيط العواطف والروابط الاجتماعية، لكنها من الناحية الشرعية أقرب إلى «البدعة»، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».
ويطالب الدكتور قزامل الزوجات بالتحلّي بالحكمة والعقلانية والبعد عن التفكير في ما هو أبغض الحلال إلى الله، وهو «الطلاق»، نظراً الى ما فيه من تشرّد للأسرة وخراب البيوت، ولهذا جعله الإسلام الحل الأخير لأي مشكلة مستعصية، وليس الحل الأول لأي مشكلة، حتى ولو كانت تافهة أو يمكن حلّها من خلال الحوار.

كائن عاطفي
تشير الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في الإسكندرية - جامعة الأزهر، إلى أن المرأة كائن عاطفي رقيق بطبعه، ولهذا فهي سرعان ما تتأثر بالكلمة البسيطة الجميلة والرقيقة للتعبير عن الحب - في عيد الميلاد أو عيد الزواج، وكذلك تعد مثل هذه المناسبات - بصرف النظر عن اختلاف الفقهاء في توصيفها الشرعي – فرصاً للتعبير عن المشاعر الصادقة بهدية، ولو كانت وردة بسيطة، ولهذا قال (صلّى الله عليه وسلّم) «تهادوا تحابوا».
وأضافت الدكتورة آمنة أن الإسلام دين يحثّ أتباعه على البحث عن السعادة للنفس والآخرين، حتى أنه جعل مجرد الابتسام صدقة، لأن الابتسامة إحدى وسائل غرس الألفة والمحبة بين الناس، ولهذا فهي سنّة نبوية ووسيلة دعوية ومفتاح للقلوب، وكنز تنفق منه مع أهلك وإخوانك وجيرانك وكل من تقابله وتدعوه، بل إنها صدقة لا تكلف ديناراً ولا حتى درهماً، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) «تبسمك في وجه أخيك صدقة».
وأنهت الدكتورة آمنة كلامها، مطالبة الأزواج بالبحث عما يسعد زوجاتهم، ولو بكلمة رقيقة أو هدية بسيطة ومتواضعة، وأن يتم انتهاز تلك المناسبات الاجتماعية أو الشخصية لإسعاد الزوجات، في وقت عزّ فيه الفرح وكثُرت الأحزان والهموم التي تحاصر الزوجات، فهذا السلوك الزوجي الراقي من الرجال سيساعد على إطفاء أي فتنة زوجية، وبالتالي يتم تطبيق مبدأ «الوقاية خير من العلاج».

الرقة مع الزوجات
دعت الدكتورة عبلة الكحلاوي، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في بورسعيد - جامعة الأزهر، الأزواج إلى قراءة سيرة رسولنا (صلّى الله عليه وسلّم)، ليجدوا أنه رغم أنه أعظم الناس قدراً؛ كان يملك قلوب أصحابه بوجهه البسَّام وابتسامته المشرقة وكلماته الطيبة، لأنه طبق ما قاله الله تعالى عن حاله مع أصحابه: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» (آية 159) سورة «آل عمران»، ووصفه أحد الصحابة بقوله: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم دائم الْبِشْرِ، سهل الخُلُق، لَيِّنَ الجانب».
وأوضحت الدكتورة عبلة الكحلاوي، أن بنات حواء يتصفن برقة المشاعر، ولهذا فأقل كلمات تؤثر فيهن، ولهذا يعجبني جداً قول ابن عُيَينة: «البَشَاشَة مصيدة المودَّة، والبِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن». وقد وصفت أم المؤمنين عائشة سلوك زوجها (صلّى الله عليه وسلّم) معها ومع غيرها فقالت: «كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان رجلاً من رجالكم، إلا أنه كان ضحاكاً بسّاماً».
وأنهت الدكتورة عبلة الكحلاوي كلامها، مؤكدة أن الابتسامة في الوجوه أسرع طريق إلى القلوب، فإذا استعملها الزوج في المناسبات الاجتماعية المختلفة التي تهم الزوجة وأهلها، فإن هذا سيكون له الأثر الطيب في نزع فتيل الخلافات الأسرية، ووقتها لن تفكر الزوجة في رفع دعاوى قضائية للطلاق بسبب تجاهل الزوج أو نسيانه مجاملتها أو مجاملة أهلها بكلمة أو هدية، لأن الله فطر الخَلْقَ على محبة صاحب الوجه المشرق البسَّام، ولهذا كان نبيّنا (صلّى الله عليه وسلّم)، أكثر الناس تبسُّماً، وقد قال عنه عبدالله بن الحارث: «ما رأيت أحداً أكثر تبسّماً من رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم».

الأسباب الخفية
طالبت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات - جامعة الأزهر، التفتيش عن الأسباب الحقيقية التي تجعل الزوجة تفكر في طلب الطلاق، لأن تجاهل الزوج مناسبة اجتماعية أو شخصية، سبب غير مقنع، وإنما هناك مشكلات أخرى أوصلتها إلى هذا القرار المدمر لأسرتها، مع أن الحل الإسلامي موجود وحدده الشرع في قول الله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا» (آية 35) سورة «النساء».
وأشارت الدكتورة إلهام إلى أن خراب البيوت بسبب تجاهل أو نسيان مجاملة اجتماعية أو شخصية، ليس بالأمر الهيّن، لكن الزوجات يحببن الثناء، ولهذا يجب تنبيه الأزواج للاهتمام بمثل تلك المناسبات.
وتنهي الدكتورة إلهام شاهين كلامها، مؤكدة ضرورة اهتمام الأزواج بمشاعر النساء وعواطفهن، ليس من خلال الهدايا الثمينة فحسب، وإنما عبر ابتسامة أو وردة أو حتى كلمة حب، فهذه أكثر تأثيراً في الزوجة من هدايا ثمينة مع استمرار المشاحنات الزوجية، ولهذا لا بد من أن يراعي الأزواج مناسبات زوجاتهم، ولو من باب المعروف والإحسان، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق».

الرفض والنصيحة
يطالب الدكتور محمد رأفت، العميد الأسبق لكلية الشريعة والقانون وعضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، القضاة بعدم الاستجابة لمثل هذه الدعاوى القضائية، التي تضر بالأسرة والمجتمع، وعليهم توجيه النصح والإرشاد بالحسنى لهؤلاء الزوجات، بأن يتقين الله في أزواجهن ويحافظن على أسرهن من الدمار، وهذه النصيحة واجبة شرعاً من القضاة، وكذلك من المحيطين بهؤلاء من أهلهن وصديقاتهن وأقاربهن، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم».
وأضاف الدكتور رأفت عثمان: «مؤسسة الزواج في خطر شديد بسبب استهتار بعض الزوجات بقيمة الأسرة، ولهذا لا بد من أن يرفض القاضي مثل هذه الدعاوى الغريبة، لأنه مكلّف شرعاً بإقامة العدل، بناءً على ما لديه من حجج وبراهين يستند إليها، وسيحاسبه الله تعالى عليها، لأنه سبحانه القائل: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (آية 58) سورة «النساء».
وأنهى الدكتور رأفت كلامه، مؤكداً أن الزوجة التي تستهتر بالزواج، حتى أنها تطلب الطلاق لأتفه الأسباب، هي زوجة آثمة شرعاً ويجب نصحها بأن تتقي الله في زوجها وأولادها، وأن تتوقف عن التقليد الأعمى لكل ما هو وافد، لأن لكل مجتمع أعرافه وتقاليده وقيمه الدينية والأسرية، ولا شك في أن ما لدينا يختلف تماماً عن الغرب.

فراغ عاطفي
عن التحليل النفسي لمثل هؤلاء الزوجات، قالت الدكتورة إيمان فوزي شاهين، مديرة مركز الإرشاد النفسي في جامعة عين شمس، إن الزوجات اللواتي يلجأن الى المحكمة طلباً للطلاق بسبب تجاهل أزواجهن مناسبات اجتماعية عامة أو مناسبات شخصية، يعانين «فراغاً عاطفياً» من الزوجة إلى الزوج، ولهذا فإن نسيان الزوج مناسبة ما يكون بمثابة «القشة التي قصمت ظهر البعير».
وأشارت الدكتورة إيمان إلى أن لا بد من أن يعمل الأزواج على تفريغ «الكبت والحزن» الموجود في العقل الباطن لدى زوجاتهم، قبل أن يخرج إلى مركز أو بؤرة الشعور، ليعبّر عن نفسه بأشكال أخرى يرفضها الناس، مثل طلب الطلاق لعدم المجاملة في المناسبات الشخصية أو حتى العامة، وتتخذه وسيلة للتخلّص من الحياة الزوجية كلها، بحجة أو سبب قد يراه البعض مقبولاً اجتماعياً في حين يعترض عليه آخرون.

دلع مدمّر
يرفض الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة، السلوك الذي قامت به هؤلاء الزوجات من رفع دعاوى قضائية للطلاق، مؤكداً أن هذا نوع من الاستهتار بأقدس علاقة إنسانية بين البشر، ألا وهي العلاقة الزوجية.
ويكمل: «أعتقد أن هؤلاء الزوجات ينتمين إلى الأسر الشديدة الرفاهية، التي يتحوّل فيها الزواج والطلاق إلى أمور «دلع مدمر»، حيث لم تتم تنشئة هؤلاء الزوجات على مفاهيم المحافظة على الأسرة والتضحية في سبيلها، ولهذا نجدهن يضحّين بالأسرة كلها لأتفه الأسباب».
ويطالب الدكتور أحمد زايد، الأسرة ووسائل الإعلام ومؤسسات التعليم والثقافة، بنشر الوعي لدى مختلف فئات المجتمع، خاصةً لدى ذوي التنشئة المرفهة – رجالاً ونساءً – حتى يقدسوا الاستقرار الأسري، لأن الأسرة المتماسكة المتحابة هي اللبنة الرئيسية في بناء مجتمع قوي، والعكس صحيح، وقد شخَّص ابن خلدون القضية بقوله: «المغلوب مولع دائماً بتقليد الغالب»، حتى لو كانت الأسر الغربية مفككة وأصبح كثير منها مجرد شكل من دون مضمون حقيقي.
وأنهى الدكتور أحمد زايد كلامه، مؤكداً أن التقليد الأعمى لكل ما جاء من الغرب، خاصةً في ما يتعلق بالمناسبات الشخصية، أضر بالشخصية العربية والإسلامية، حيث تم الانشغال بالمظاهر في هذه الاحتفالات ونسيان الجوهر الحقيقي للأسرة التي يجب أن يتفانى أفرادها في خدمة بعضهم وليس الاستناد إلى أسباب وحجج واهية لإنهاء العلاقة الزوجية، لأن الزوج لم يهنِّئ زوجته أو أمها أو أباها بمناسبة أعياد ما أنزل الله بها من سلطان.