بعد عامين على تسكّعها في الشوارع: اكتشفوا أنها أنثى!

الشوارع,أنثى,التكسع في الشوارع

نسرين محمد (القاهرة) 26 سبتمبر 2015

أكثر من عشر ساعات قضاها المحقق مع ذلك الطفل المشرد، في محاولات مستميتة منه للوصول إلى أي بيانات قد تفيد في التعرف إلى أهله، بعد أن ألقي القبض عليه في أحد الميادين الشهيرة يتسول من المارة. لكن بعدما فشلت كل محاولات المحقق حتى في معرفة اسم هذا البائس، كانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد على الإطلاق.


محمود، هكذا عرّف الطفل بنفسه لوكيل نيابة وسط القاهرة، الذي مثُل أمامه للتحقيق معه بعدما تم ضبطه وهو يتسول من المارة وسائقي السيارات في ميدان طلعت حرب الشهير... وبعد أن اختلق رواية وهمية ادّعى خلالها وفاة والده وحجز والدته في أحد المستشفيات، حيث تعاني مرض السرطان، وتوليه الإنفاق على ثلاثة من الأشقاء، عاد الطفل ليقول إنه يُدعى سيد وليس محمود، ليصاب المحقق بالذهول بعدما كاد يتعاطف معه تقديراً لظروفه.
شعر المحقق بأنه أمام طفل عنيد لا يروي الحقيقة، فبدأ يغير أسلوبه في الحوار معه علّه يصل إلى الحقيقة، ليبدأ من جديد مع «علي»، وهو الاسم الذي اختاره الصغير هذه المرة وهو يغير روايته مؤكداً أنه من إحدى محافظات الدلتا، حيث حضر مع والدته منذ سنوات عدة لزيارة أهل والده الذي توفي منذ مولده، إلا أن الأم صدمتها سيارة لتلفظ أنفاسها الأخيرة، ويجد نفسه وحيداً في ظلام الشوارع يتخذ من أسفل الكباري فراشاً له.

التحدي
كاد وكيل النيابة يصدق هذه الرواية، لكن سؤالاً وجّهه الى هذا الصغير الذي بدا للجميع ضحية، لكنه في الحقيقة لم يكن إلا كاذباً يتلاعب بعواطفهم، وقبل أن يغلق أوراقه سأله عن البلدة التي حضر منها، ليذكر بلدة غير التي ذكرها منذ خمس دقائق، وليتأكد المحقق أنه أمام قصة وهمية جديدة.
بدأ الأمر يدخل في نوع من التحدي بين المحقق الذي تفرض عليه مهنته الوصول إلى الحقيقة، وبين هذا الطفل الذي يحاول بكل ما أوتي من ذكاء أن يضلله عنها. وقبل أن تبدو على وكيل النيابة علامات الاستسلام، شاء القدر أن يضع أمامه شيئاً لم يتوقعه على الإطلاق، بل لم يصدقه في بداية الأمر، وظن أنه مجرد خطأ ارتكبه ذلك الطفل الذي ترسم أتربة الشوارع معالم وجهه. الطفل الذي عرّف نفسه بخمسة أسماء مختلفة، وتراوح عمره ما بين التاسعة والحادية عشرة كما ادّعى، طلب من وكيل النيابة أن يذهب إلى الحمام أثناء التحقيق معه، وهو ما استجاب له على الفور، واستدعى عسكرياً من الخارج ليصحبه إلى هناك.

المفاجأة
بعد خمس دقائق، عاد الطفل بصحبة مرافقه الذي انفرد بوكيل النيابة وهمس في أذنه ببضع كلمات كانت كفيلة لترسم على ملامحه الدهشة غير مصدق ما يسمع. أخبر الحارس وكيل النيابة أنه اصطحب هذا الصغير الى حمام الرجال، لكنه طلب منه دخول حمام السيدات المجاور له، وأنه يشكك في كونه أنثى وليس ذكراً كما يدّعي. شعر وكيل النيابة بأنه أمام لغز في غاية الصعوبة، عليه إيجاد حل له قبل أن ينصرف، وبدلاً من أن يجمع أوراقه ويهمّ بالانصراف بعدما حان موعد مغادرته العمل، خلع بدلته من جديد، وقرر ألا يترك التحقيق قبل أن يصل الى الحقيقة.

الخداع
لجأ المحقق إلى حيلة، حيث استدعى أحد أفراد السكرتارية الخاصة به وطلب منه استخراج خطاب بعرض الطفل على الطب الشرعي لتحديد سنّه، وما إذا كان ذكراً أو أنثى، وقبل أن يكمل كلماته بدأ الصغير يشعر بالخوف، ووجد نفسه مجبراً على الاعتراف، لكن هذه المرة بالحقيقة.
لم يكن هذا الطفل إلا فتاة تدعى أمل، تبلغ من العمر عشر سنوات، توفي والدها منذ عامين وتزوجت والدتها من عمّها الذي بدأ يقسو عليها بدلاً من أن يعوضها عن حنان الأب الذي افتقدته.

جحود الأم
لم تبال الأم باستغاثات صغيرتها، وتركتها فريسة في يد عمّها يفعل بها ما يشاء، الأمر الذي وصل إلى إصابتها بعاهة مستديمة في وجهها، حتى كانت اللحظة الحاسمة التي اتخذت فيها أمل قرارها بترك المنزل من دون أن تعلم أين تذهب، حتى استقر بها الحال أسفل أحد الكباري في محافظة الشرقية، بعد أن استقلت القطار المتجه إليه.
ظنت الصغيرة أن الشارع سيكون أكثر رحمة بها من أهلها، لكن حلمها لم يدم طويلاً، حيث حاول أحد أطفال الشوارع الاعتداء عليها جنسياً أثناء نومها ليلاً، لكن صرخاتها كانت كفيلة بأن تنقذها قبل أن يتمكن منها، بعد أن تجمع حولها المارة واستدعوا الشرطة.
وكإجراء طبيعي، استدعت الشرطة أهلها لتسلّمها، بناءً على قرار النيابة الصادر بذلك، لتدخل المسكينة في حفلة تعذيب جديدة على يد عمّها عقاباً لها على هروبها من المنزل.

الهروب الأخير
لم يكن أمام الصغيرة غير الهروب مرة أخرى، لكن هذه المرة كان هروباً بلا عودة، بعد أن تخلصت من كل ملامحها كأنثى، فحلقت شعر رأسها وارتدت ملابس الأولاد حتى يفشل رجال الشرطة في إعادتها الى أهلها ثانيةً، وتحمي نفسها من انتهاكات الشوارع. اختارت أمل القاهرة هذه المرة، لتغيب وسط الزحام عن أعين أهلها الذين فشلوا في إيجادها، لتعيش أكثر من عامين وسط أطفال الشوارع كذكر من دون أن يتوصل أحد الى تحديد هويتها كأنثى، حتى أُلقي القبض عليها وهي تتسول في الميادين من دون كشف حقيقتها.
ورغم أن أمل روت الحقيقة كاملة، لكنها أصرت على ألا تذكر أي بيانات قد تساعد في الوصول إلى أهلها، بعدما رفضت العودة إليهم تماماً، ليصدر قرار بإيداعها إحدى دور الرعاية التي دخلتها هذه المرة كفتاة بعد ثلاث مرات أُرسلت إليها كذكر، من دون أن يتبين أحد حقيقة هويتها.