قيل وقال

ماذا إذا تحوّلت الحاجة للهاتف إلى مرض

الحاجة,مرض,هاتف,سيطرة الهاتف,الهاتف,الهاتف الخليوي,الأمان

كارين اليان ضاهر 04 أكتوبر 2015

نعجز في أيامنا هذه عن متابعة أعمالنا الروتينية من دون الهاتف إذ بات يشكل جزءاً لا يتجزأ من حياتنا. صحيح أنه بات يشكل ضرورة، لكن ماذا إذا تحوّل تعلّقنا الشديد به إلى حالة مرضية وفقدنا السيطرة على أنفسنا وعليه وصار يسيطر هو على حياتنا؟ يجد كثر صعوبة في تصوّر حياتهم من دونه وكأن فقدانه يعني نهاية العالم.
هل يمكن أن يقودنا اتكالنا على الخليوي في أمور حياتية كثيرة إلى خلل اجتماعي ونفسي خطير، بعدما بات يؤثر بشكل واضح في العلاقات الاجتماعية التي تبدو اليوم «فارغة» من أي مضمون، كما تؤكد المعالجة النفسية شارلوت خليل؟ مما يدعو إلى التشديد على الوعي لرسم الحدود اللازمة حتى لا تتحوّل حاجتنا إلى هذه «الآلة» مرضاً نفسياً وصحياً ولئلا يُصاب المجتمع بخلل لا يستهان به.


سيرج طراد: لو أضعته أشتري آخر مباشرةً
يعجز سيرج عن التخلي عن هاتفه اياً كانت الظروف. أما إذا فقده في أي لحظة فهو متأكد من أنه سيبكي وسيسارع مباشرةً إلى شراء هاتف جديد يضع فيه مجدداً كل المعلومات التي كان يحتوي عليها هاتفه المفقود.
وقد حدث له مرةً أن اضطر إلى شراء هاتف جديد بأسرع وقت. لكن في المقابل، وعند الخروج مع الاصدقاء ممن هم غير ناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي يتغاضى عن استعماله، أما إذا كانوا مثله ناشطين فيبقيه معه طوال الوقت ويركز عليه. كما يصر على إطفائه ليلاً.

لمى فليفل: يشعرني بالأمان
هاتف لمى الخليوي هو رفيقها الدائم الذي لا تستغني عنه وتحمد الله لأنها لم تضيّعه مرة لأنها تعجز عن تصوّر ما قد يحصل لها عندها. لكنها تؤكد في المقابل أنه لو حصل ذلك فستشتري آخر خلال لحظات. وعند الخروج مع الأصدقاء، يختلف استعمالها الهاتف وفق أصدقائها، فإذا كانوا من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، تعمل على تنزيل الصور على Instagram و Twitter في اللحظة نفسها، وإلا تتركه صامتاً وتضعه جانباً وتتحقق منه من حين الى آخر لتتأكد من عدم وجود أي اتصال طارئ، لكنها تعجز عن إطفائه ليلاً، كما تعجز عن الخروج من دونه لأنه يشعرها بمزيد من الأمان.

جيسي أبي خطار: هو صلة الوصل مع العالم والناس
هاتف جيسي هو بالنسبة اليها صلة الوصل مع العالم والناس. أما فقدانه فيحرمها من هذا التواصل وتشعر بالضياع وكأن شيئاً في غاية الاهمية قد سُلب منها.
لذلك عندما نسيته مرةً في المنزل وتذكرت ذلك وهي في منتصف الطريق عادت لتحضره على وجه السرعة. وفيما لا تطفئه أبداً وتجد صعوبة في حمله اينما ذهبت، إلا أنها تحاول ألا تستخدمه بكثرة عند الخروج مع الاصدقاء إلا عند الضرورة.

إيزابيل بعقليني: هو صديقي المقرّب
بكل عفوية تؤكد إيزابيل أنها تعمد مباشرةً إلى شراء هاتف جديد لو أضاعت هاتفها الذي هو صديقها المقرّب. وقد حصل ذلك معها مرة عندما فقدت هاتفها في دبي وكانت متوجهة إلى المطار فاشترت آخر جديداً ما إن وصلت إلى لبنان. في المقابل، هي قادرةً تماماً على إطفائه عند الخروج مع الأصدقاء وعلى عدم التحقق منه في كل لحظة.


المعالجة النفسية شارلوت خليل: يصبح التعلّق بالهاتف مرضياً عندما يسيطر على حياتنا ونفقد السيطرة عليه

- متى يصبح التعلّق الشديد بالهاتف الخليوي مرضياً؟
يمكن أن يتحوّل التعلّق الشديد بالهاتف الخليوي كما بات شائعاً في أيامنا هذه إلى نوع من الفوبيا عندما يصبح لدى الشخص خوف كبير لسبب غير منطقي من فكرة فقدانه أو بابتعاده عنه مما يسبب له توتراً وقلقاً. أما مصطلح الـNomophobia المرتبط بالتعلّق الشديد بالهاتف الخليوي فقد ظهر في انكلترا عام 2008 بعد إحصاءات أُجريت على البريطانيين تبين فيها أن نسبة 53 في المئة منهم تعاني توتراً شديداً عندما لا يكون الهاتف موجوداً معهم في مقابل نسبة 22 في المئة من الفرنسيين. فقد لوحظ أن النسبة مرتفعة في بريطانيا وارتفعت أكثر خلال بضع سنوات إلى 66 في المئة.

- هل يلاحظ أن التعلّق الزائد بالهاتف يحصل أكثر في فئة عمرية معينة؟
هذه الظاهرة تنتشر بين كل الفئات العمرية، خصوصاً لدى الشباب. كما يلاحظ أن النسبة الاعلى هي بين المراهقين لأنهم يعانون في هذه المرحلة من عمرهم استقلالية خفيفة نسبياً ويعتمدون بكثرة على هذه الوسيلة التي يجدون فيها مهرباً ويعجزون عن التخلي عنها، مما يؤثر في علاقاتهم وصحتهم وحياتهم. مما لا شك فيه أن ثمة أسساً في الحياة إذا اختلت تؤثر في الحياة عامةً، مما يؤدي إلى مشاكل عديدة. الشخص المتعلّق بالهاتف معتاد على التواصل مع آلة، مما يؤثر في وعيه.

- هل يلاحظ الشخص المعني أنه متعلّق بالهاتف بنسبة زائدة؟
قد يلاحظ من حوله أن ارتباطه بالهاتف قد تخطى الحدود المعقولة وأنه فقد السيطرة على الوضع ويحاولون توعيته. إلا أن البعض يغرق أكثر فأكثر.

- من هم الأشخاص الذين يغرقون إلى هذا الحد؟
بشكل عام هم الأشخاص الذين يعانون ضعفاً نفسياً وخللاً فيتعلقون بهذه الأمور ويفقدون السيطرة على أنفسهم. فمن يعاني خللاً نفسياً يذهب إلى حالات مرضية عديدة.

- ما قد يكون السبب وراء ذلك؟
السبب هو التعلّق الزائد بالهاتف بحيث أصبحت حياتنا كلّها مرتبطة به. حتى ان قصّة حياتنا كلّها مسجّلة فيه بالتفصيل، مما يزيد صعوبة التخلّي عنه خوفاً عليها. أصبح الهاتف بمثابة امتداد لنا وقطعة منا بحيث يستحيل التخلّي عنه. صرنا اليوم نتحدث عن الـIself وهذا الإحساس له تأثير كبير في الشخص.

- ما مدى تأثير ذلك في نمط الحياة وفي الشخص المعني؟
أصبح للابتعاد عن الهاتف تأثير كبير في البعض، سواء في حياتهم العاطفية والفيزيولوجية والنفسية فيعجزون عن تمضية 24 ساعة من دونه.

- كيف تختلف درجات التأثر نتيجة الابتعاد عن الهاتف بين شخص وآخر؟
يختلف ذلك وفق استعمالات الهاتف ومدى الحاجة إليه والتعلّق به، وما إذا كان استخدام التطبيقات فيه زائداً أو كان يحتوي على صور كثيرة وأرقام ومعلومات خاصة وتفاصيل مرتبطة بالعمل. كلما زادت المعلومات الخاصة بالحياة فيه زاد التعلّق بالهاتف. صحيح أن الهاتف سهّل علينا الكثير من الأمور في حياتنا فسمح بالتواصل مع الكل، لكن تخطي الحدود المقبولة يزيد من خطورته. الهاتف يؤمّن كل حاجاتنا ويرضي فضولنا من دون حدود. يمكن أن نرسم حياتنا كما نريد بهذه الطريقة، مما يفسّر التعلّق الشديد بالهاتف، خصوصاً أن وسائل التواصل قرّبت المسافات. هذا صحيح لكنها ألغت أيضاً العلاقات الحقيقية.

- أيهما أكثر تعلّقاً بالهاتف: المرأة أم الرجل؟
قيل إن النساء هن الأكثر تركيزاً على الهاتف كوسيلة تواصل اجتماعي مما يزيد تعلّقهن به لهذا السبب، لكن لا تتوافر إحصاءات وأرقام حول ذلك. مما لا شك فيه أن المرأة ناشطة أكثر في هذا المجال لكن لا يمكن تأكيد ذلك.

- هل من أعراض معينة يمكن ملاحظتها لدى شخص تخطى تعلّقه بالهاتف الحد المعقول؟
ثمة أعراض تظهر أن شخصاً وصل إلى حالة الفوبيا المرضية. فمجرد أن يسيطر الهاتف على الحياة، هو مؤشر، كأن يستيقظ الشخص صباحاً وأول ما يفعله أن ينظر إلى هاتفه أو أن يكون في جلسة مع الأصدقاء وكل تركيزه على الهاتف. هذه من المؤشرات التي تلفت النظر.

- ما الذي يمكن فعله حتى نحد من سيطرة الهاتف على حياتنا ويبقى وسيلة تسهل حياتنا لا أكثر؟
من المهم أن نتخلى عنه من وقت إلى آخر، مثلاً في العطلة نبعده عنا فنخفف من الاعتماد عليه ويخف ارتباط حياتنا به. يجب أن نكون مدركين أننا قادرون على التنازل عنه ويجب اتخاذ قرار فعلي في ذلك. صحيح أنه يسمح للناس بالتواصل مع بعضهم، لكن هذا التواصل صار من دون مضمون. ففي النهاية هو ليس وسيلة لحل المشاكل. إذا بقي اعتمادنا عليه بهذا الشكل، نتوجه إلى خلل اجتماعي يضرب العلاقات الاجتماعية.
فقد صار التواصل بين الناس أشبه بعلاقة وهمية. كما لا ننسى مدى تأثيره السلبي في صحة الإنسان وأثره النفسي نتيجة الخلل الاجتماعي. صحيح أن لاستعماله إيجابيات عديدة فنحن مضطرون إلى استعماله إلى أن نبقى مسيطرين عليه حتى لا يسيطر هو علينا، والوعي هو الأساس لندرك مدى ضرورته ومتى يمكن الاستغناء عنه.