المساعدات المادية قبل الزواج خوف من «المذّلة» وحذر من «الاتكالية»

المساعدات المادية,قبل الزواج,حذر من الاتكالية,خوف من المذلة,مختلف الجوانب النفسية,زوج المستقبل

جدة - عزيزة نوفل 25 أكتوبر 2015

حفلات زفاف على أعلى مستوى، وبيوت زوجية مؤثثة على أحدث الطرز وأفخمها، يليها شهر عسل في أعرق المدن الأوروبية وأعلاها تكلفة.  صورة قد توحي للوهلة الأولى أمام المدعوين والمعارف بمكانة العروس عند العريس الكريم كامل الأوصاف، في حين تختفي وراء الستار صراعات بين العروس والعريس على من يسدد تلك التكاليف، فهي لن تتنازل عما تريده من دلال في أجمل أيام عمرها، وهو لا يمكنه توفير كل تلك المتطلبات. وبين الموافقة والرفض، يقف العريس حائراً أمام مساعدات من جانب العروس أو أهلها، والتي يخشى في أحد الأيام أن تكون سبب كلمة تُشعل شرارة المشاكل في أول طريق حياتهما الزوجية، وفي الطرف المقابل تبقى تلك العروس قلقة بشأن مدى اعتماد زوج المستقبل عليها مادياً. قصص وآراء حول هذا الموضوع مدعّمة بتعليقات متخصصين على مختلف الجوانب النفسية والأسرية والاجتماعية والقانونية...


أخذ نصف مهرها ليُكمل تكاليف الزواج... ثم طالب به كاملاً لحصول الطلاق
ظن الناس بعد سماع خبر طلاقها أنها محسودة، في حين لم يعلموا أن السبب كمُن في تنازلاتها. شيماء عصام، 27 عاماً، حصلت على الطلاق بعدما خسرت كل شيء. بدأت القصة حين تقدم لها أحد معارفهم المقربين، وعلى الرغم من كون العريس بلا عمل، فقد تمت الموافقة، لأنه وكما يقال «معروف أصله وفصله». ولا تنكر شيماء أنها كانت متخوّفة في البداية لكونه بلا عمل، إلا أنّ أيام الخطوبة كانت كفيلة بأن تنسيها كل تلك التخوفات، وتعلقها الزائد به جعلها تنقاد لكل ما يقوله ويطلبه من دون نقاش. وبعد أشهر عدة من الخطبة، طلب منها أن تعطيه نصف المهر، لكونه لا يزال يؤثث البيت ويريد أن يقيم لها حفل زفاف، إضافة  إلى التزامه بمصروفات مادية كثيرة، ولم تتردد شيماء في إعطائه ما يريد، من دون إخبار أهلها بذلك، وكانت ترى أنّ تلك الخطوة ستقرّبها منه، وأنه سيعوّضها عنها مستقبلاً بعد الزواج ولن ينساها. لكن، بعكس كل تلك التوقعات، صُدمت شيماء بعد الزواج بمعاملته السيئة وإهانته لها ولأهلها بكل الأشكال، مما جعلها تندم على وقوفها إلى جانبه. وبعد أشهر عدة من الخلافات المتواصلة، طلبت شيماء الطلاق، وكانت المفاجأة حين رفع زوجها طلباً إلى المحكمة بردّ المهر المنصوص عليه في عقد الزواج، إضافة إلى الذهب الذي قدمه لها. وكانت ضربة موجعة إذ دفعت شيماء وأهلها ثمن التنازل والتضحية لمن لا يستحق.

«الجيب واحد» ولكن من دون استغلال
وفي قصة مشابهة كادت منى محمد، 23 عاماً، تقع ضحية تنازلاتها، بعدما خُطبت لابن جيرانهم، الذي كان يوهمها بحبّه، في حين كان يستغلّها ويطلب منها شهرياً مبالغ مادية، بحجج وذرائع مختلفة كتسديد قرض السيارة، أو دفع فاتورة الهاتف الخليوي، حيث كانت في البداية ترى أنه شيء إيجابي، من حيث تقوية العلاقة في ما بينهما، وكانت لا ترفض له طلباً من باب أن «الجيب واحد»، إلى أن أحست باستغلاله لها بشكل كبير بحيث أصبح يعتمد عليها في بعض المصروفات. وكانت الضربة القاصمة عندما طلب منها أن تتحمل هي مستقبلاً نصف إيجار المنزل، وما إن أبلغت عائلتها بما يحدث حتى تم فسخ الخطوبة على الفور.

عبارة «نشتري رجال» تفسَّر على أنها «بيعة»
هناك بعض العقليات التي تفهم أن التنازل والتضحية من علامات الضعف، مما يدفع الكثيرين للتمادي والحصول على ما لا يحق لهم. استطاعت حنان حمدي، 32 عاماً، تلقين زوجها درساً بعدما أصبح يتطاول عليها بالسخرية والكلام اللاذع، ويعود ذلك لكون والدها قد وافق على تزويجها منه بمهر أقل من أخواتها، والتكفل بمصاريف حفل الزفاف كاملة، مما جعل زوجها يظن أن والدها كان يريد الخلاص منها بتزويجها، في حين كانت مبادرة لمساعدتهما على الزواج، ورغبة من والدها بـ «شراء رجال» كما يقال، ولكن الحال انقلبت بعد الزواج لتصبح هذه المساعدة مصدر سخرية لاذعة، تطرق مسامعها عند أقل مشكلة، وحتى بعدما أنجبت له ولدين استمر في تعييرها بأنها كانت عالة على أسرتها. كلام جرح كرامة حنان ودفعها الى تقوية قلبها وترك ولديها والذهاب الى منزل والدها، الذي استشاط غضباً بما سمعه عن تلك الإهانة، ولم يتنازل ويدعها تعود إليه إلا بعدما قدّم ما يليق بمكانتها كـ «رضوى» عن الأذى الذي تسبب به.

زوجتي ساعدتني في تكاليف الزواج
أما عمر صادق، 26 عاماً، والمتزوج منذ ثلاث سنوات، فلا يرى مانعاً في التعاون المادي ما بين العريس والعروس، لإقامة حفل زفاف مبهر وعش زوجية مؤثث بذوق جميل. فبعد علاقة حب استمرت لأكثر من عامين، تقدّم عمر لخطبة فتاة أحلامه، حيث كان شرط والدها عدم إطالة فترة الخطوبة، وإقامة حفل الزفاف بعد أشهر عدة، مما دفعه الى بذل جهد إضافي في عمله لتوفير المهر و شراء «الشبكة»، والبحث عن منزل للسكن، حيث لم يكن في استطاعته تأثيثه بشكل كامل. وبعد مصارحته خطيبته بتلك الضغوطات، عرضت عليه أن تساهم معه من مُرتبها وتشتري بعض أثاث المنزل، إضافة إلى تقاسمهما تكاليف القاعة التي كانت تود أن تقيم فيها حفل الزفاف، حيث لم يرفض وقتها تلك المساهمة، إذ جعلته يشعر بالجميل والامتنان لذلك، وهذا ما قوّى أواصر علاقتهما بعد الزواج.

مساعدة الزوجة قد تصبح «مذلّة»
ويرى مازن عبدالرحمن، 34 عاماً، أن مبادرة الزوجة أو أهلها ومادياً بالتحديد، ستتحول مع الزمن إلى «مذلّة» للرجل، لذلك فهو مستعدّ للاقتراض من أي شخص غريب على ألاّ يطلب شيئاً من زوجته. ويقول مازن: «زوجتي موظفة في مصرف وتتقاضى مرتباً يضاهي مرتبي. ورغم ذلك، لا أجرؤ على طلب أي شيء منها، خصوصاً أنها لم تتورّع إثر الزواج عن تذكيري بكونها تكفّلت بمصاريف السفر لشهر العسل، وبأنها لم تكن مجبرة على ذلك، حيث جرحت تلك الكلمات كرامتي، وأبقتني حذراً في طلب أي مبلغ مادي منها، وإن كنت تحت ضغط أو ظروف صعبة».

«لا بد من أن يعرف قيمتها» ويتكبد بكل المصاريف من دون مساعدة
من خلال تجربتها، تقول وفاء إدريس، 49 عاماً، إن مساعدة العريس وإن كانت في ظاهرها إيجابية، ستنقلب مع الأيام إلى شيء سلبي ينغّص الحياة الزوجية، وبالتحديد في فترة الخطوبة بحيث يجب ألا تكون هناك أي مساعدة من العروس أو أهلها للعريس، لأن هذه البادرة قد تدفع بعض الشبان لأن يصبحوا أشخاصاً اعتماديين، ولا يشعرون بقيمة هذه الزوجة، «فما يأتي بسهولة يذهب بسهولة»، لذلك لا بد للعريس من إثبات قدرته على تحمّل المسؤوليات المادية، ليعطي انطباعاً بما سيقدمه في المستقبل لزوجته. والعروس التي تتنازل في بداية حياتها الزوجية ستبقى كذلك، فالتكبد والتعب في مصاريف تأثيث المنزل والزواج فرصة ليدرك العريس قيمة الزواج، شرط ألا يتم ذلك بصورة مبالغة، بل باعتدال.

مساعدة العريس في سبيل ما يسعدهم وليس ما يسعد غيرهم
تشير المستشارة الأسرية والاجتماعية الدكتورة زهرة المعبي الى أن الأساس يكمن في التيسير. فتيسير المهور وتكاليف الزواج أمام الشباب سيمكنهم من الاعتماد على أنفسهم وتحمل أعباء الزواج المادية، فلا مانع إذا وجد الأب في عريس ابنته الشخص الخلوق والواعي في أن يقدم له المعونة. وكذلك العروس، فإن توسمت في زوج المستقبل الصفات الحميدة والعطاء والعقلية المنفتحة والواعية، فهي أجدر بأن تمد له يد العون بما يعود عليهما بالنفع والسعادة كمصاريف السفر أو أثاث البيت، لأن ذلك سيضفي جواً من الألفة وتعزيز أواصر العلاقة الزوجية. وتعتقد المعبي أن السبب الرئيسي لمساعدة العروس عريسها مرده حب المظاهر والتفاخر، مما يجلب المشاكل في ما بعد، حيث إنها تريد حفل زفاف مكلفاً وغير مألوف، فتتكبد بمصاريف مطربة وضيافات غير ضرورية، وفي الواقع سيظهر صورياً للجميع أن العريس وأهله هم من تكبدوا بذلك. ومن هنا ضرورة التعاون مع زوج يقدّر ما تقدمه تلك الزوجة وأهلها، ويكون في سبيل ما يسعدهم وليس ما يسعد غيرهم.

عدم الفهم قد يؤدي
الى الاتكالية بعد الزواج
وتأكيداً على أهم نقطة في هذا الموضوع، يوضح المستشار النفسي والأسري ورئيس اللجنة النفسية في الغرفة التجارية في جدة الأستاذ جزاء بن مرزوق المطيري أن العلاقة الزوجية في مفهومها مبنية على التكامل وليس التنافس بين الزوجين، وأن العلاقة التكاملية لا بد من أن تبنى على أساس متين من المودة والرحمة والتعاون بين الطرفين لبناء شراكة أسرية إنسانية سامية المعاني. ويضيف المطيري أن المشكلة تقع بسبب الالتباس ما بين الفهم والمعرفة بالحياة الزوجية، فقد يعرف الطرفان بعضهما بشكل جيد في فترة الخطوبة، ولكنهما لم يستطيعا بعد فهم بعضهما البعض من الجوانب النفسية والشخصية والفكرية، ولذلك تدبّ الخلافات في السنة الأولى من الزواج، لعدم الدراية بهذه الجوانب وكيفية التعامل معها. وقد تشكل الأمور المادية أحد هذه الأمور، فالاتفاق في فترة الخطوبة على المشاركة المادية قد يصبح خطأ فادحاً ومشكلة أساسية إن لم يبنَ على أساس من الفهم، حيث تجد الزوجة نفسها وقد وقعت في شباك الندم على تقديمها ذلك التنازل، وترى الزوج يتجه ومن دون وعي نحو الاتكالية في جميع الأمور المادية مستقبلاً.

العلاقة الزوجية تكافلية لا تفاضلية
ويوضح استشاري علم النفس والسلوكيات الدكتور ماجد علي قنش، أن الحياة الزوجية بشكل عام حياة تكافلية لا تفاضلية، وأن المشاكل المادية التي غزت البيوت، تعود لأسباب عدم فهم الواجبات والمسؤوليات من جانب الطرفين. فالإنفاق كما هو متعارف عليه من مسؤولية الزوج، في حين تقع مسؤولية البيت والأولاد على الزوجة. وللأسف قد يعتقد بعض الأزواج أن له الحق في أن تشاركه زوجته في التكاليف المادية، في حين تدفع أنانية بعض الزوجات الى عدم المساهمة مادياً أو التخلي عن واجباتهن، إضافة الى المطالبة بحقوقهن، مما يؤدي الى التوتر في العلاقة الزوجية، ولهذا فالاتفاق منذ البداية هو حزام الأمان الذي سيضمن علاقة جيدة، وعدم حصول خلافات على الجانب المادي بالذات.

الحذر والاعتدال ضروري «عز نفسك تجدها»
ويرى قنش أن مشاركة الزوجة في أشياء غير ملموسة تدفعها بلا شك الى الندم، فمساهمة العروس في إقامة حفلة زفاف مكلفة ستطوى بعد ليلة، بخلاف مساهمتها في بناء عش الزوجية وتأثيث البيت، ولذلك قد تلجأ في لحظة غضب الى تذكير الزوج بما قدمته من مساهمة مادية. وللأسف، يعد هذا النوع من اللوم والمعاتبة مدمراً لنفسيات بعض الأزواج كونه يخدش كرامتهم، ويطيح الكثير من معاني الود بينهم، وكذلك بالنسبة الى تذكير الزوج لزوجته بأن مهرها قليل أو أن والدها «باعها» كونه يسّر زواجهما، قد يسبب ثغرة وخلافات قد تنتهي بالطلاق. ويؤكد الدكتور قنش أن مقولة «ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة» صحيحة نسبياً في هذا الجانب، ورغم دعوته الآباء الى خفض المهور، إلا انه يجد الاعتدال والحذر ضروريين تبعاً لمقولة «عز نفسك تجدها»، حماية لابنته وصوناً لحقها وقدرها، كون بعض الرجال يرون أن التيسير الزائد أشبه بتخلي الأهل عن ابنتهم.

المساعدات قد تقود أحياناً الى الطلاق
ومن ناحية شرعية وقانونية، يؤكد المحامي والمستشار القانوني ريان مفتي، أن الشرع رسم خطوطاً واضحة لحقوق الزوجة وواجباتها. وفي العُرف والدين فالمهر ومنزل الزوجية والنفقة كلها من الأمور التي تعد من مسؤوليات الزوج، والذي هو مُلزم بها، مهما كانت الزوجة مُقتدرة مادياً، والمساعدة في هذه الأمور سواء قبل الزواج أو بعده من باب الإحسان، فهذا شيء جميل سيعود عليها بالأجر. أما إذا كان من باب القرض الحسن، فهو شرعاً يبقى ديناً على الزوج حتى يردّه، وقد تحصل في بعض الأحيان انتهاكات من بعض الأزواج كأن يأخذ مهرها أو يقع بينهما طلاق ولا يرد لها ما دفعته من مبالغ لتأمين أثاث بيت أو غيره، وهذه الحالات والدعاوى موجودة في المحاكم وخاصة حالات الطلاق، وإذا تم إثبات عدم تسلّم الزوجة المهر بعد قسم اليمين، فعلى القاضي إصدار حكم الطلاق من دون رد مهر الزوج.