ماذا يقول عنه علماء الدين؟ زواج بفحوصات طبية مزيفة!

زواج بفحوصات طبية مزيفة,ماذا يقول علماء الدين,المأساة بعد الزواج,يعاني بعض الأمراض,طلب الطلاق

القاهرة - أحمد جمال 01 نوفمبر 2015

«زوجي خدعني وقدم تحاليل طبية مزورة لحالته الصحية قبل الزواج، واكتشفت المأساة بعد الزواج، ماذا أفعل؟ هل عقد زواجي باطل؟». هذه ليست فقط مأساة الزوجة التي اتصلت بالدكتورة سعاد صالح تطلب رأيها من خلال برنامجها «فقه النساء»، الذي تقدمه على إحدى القنوات، وإنما هي مأساة أخريات يكتشفن خداع أزواجهن في التقارير الطبية التي يقدمونها لإكمال الزواج كما يقتضي القانون، وبعد الزواج تكتشف الزوجة أن زوجها يعاني بعض الأمراض، فهل يكون عقد زواجها باطلاً لأنه بُني على كذب وتزوير؟ أم يحق لها طلب الطلاق؟ «لها» تسأل علماء الدين.


تلقت الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، خلال تقديمها برنامج «فقه النساء»، اتصالاً من زوجة روت لها مأساتها قائلة: «عشت قصة حب جميلة مع أحد زملائي في العمل، وقمنا بتجهيز عش الزوجية بكل ما نحلم به، وطلب المأذون منا إجراء التحاليل الطبية قبل عقد الزواج، وأحضر زوجي كل التحاليل التي تثبت أنه سليم تماماً من كل العيوب والأمراض».
وأضافت باكية: «بعد مرور شهور قليلة على الزواج، فوجئت بتدهور حالته الصحية، فضلاً عن تقصيره في أداء واجباته الزوجية منذ بداية الزواج، ثم اكتشفت من خلال تحاليل بعد الزواج أنه «عقيم»، رغم أن تحاليل ما قبل الزواج تؤكد أنه قادر تماماً على الإنجاب. باختصار، اكتشفت أن كل تحاليله الطبية قبل الزواج مزورة وقد خدعني بها، فهل من حقي طلب الطلاق؟ وهل خداعه لي وتزويره للتحاليل يبطل عقد الزواج، لأن ما قام على باطل فهو باطل، وماذا أفعل في محاولاته المستمرة لإجباري على الخلع للهروب من نتائج جريمته بتزوير التحاليل؟
حاولت الدكتورة سعاد صالح تهدئة المتصلة، قائلة: «هذا الزوج المخادع آثم شرعاً ومخالف لتعاليم الشرع الذي أمر بالوفاء بالعقود، ومن أهمها عقد الزواج الذي وصفه الإسلام بأنه «ميثاق غليظ»، ولهذا قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ». (آية 1) سورة «المائدة».
وأضافت الدكتورة سعاد: «هذا الزوج غير الصادق مع الله قبل الناس لا يستحق أن يعاشر، لأنه سيظل طوال حياته «كذوباً» ومخادعاً، طالما أنه يستحل الحرام ولا يحترم ما أبرمه من عقود وما قطعه على نفسه من عهود، بل احترف الكذب بدلاً من الصدق طوال حياته، باعتبار أن خديعته وتزويره بدآ قبل الزواج، مع أن الله تعالى أمرنا بالصدق، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» «آية 119» سورة «التوبة».
وأشارت الدكتورة سعاد إلى أن كل من شارك في هذه الجريمة الشنعاء وتستر عليها آثم شرعاً، ويجب عقابه قانوناً، ابتداء من أطباء التحاليل الذي خانوا الأمانة واستجابوا لإغراءات الزوج الكذوب وساهموا في تحقيق مخططاته للوقيعة بفريسته، وليس زوجته وشريكة حياته، وكذلك المأذون إذا كان على علم بهذه الجريمة وسكت فهو «شيطان أخرس» بسكوته عن الحق، وخائن لأمانته في عمله، مع أن الله أمرنا بأن نكون أمناء، فقال سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (آية 58) سورة «النساء».
وطالبت الدكتورة سعاد صالح هذه الزوجة المخدوعة برفع أمرها إلى القضاء، الذي عليه أن ينصفها ويقتص من كل من ساهم في تنفيذ هذه الجريمة ضدها، من الأطباء والمأذون بل وأهل الزوج إن كانوا على علم بتلك الجريمة وسكتوا، ومن حقها شرعاً طلب الطلاق للضرر والحصول على كل حقوقها الشرعية، من النفقة ومؤخر الصداق وقائمة المنقولات إذا كانت قائمة محل المهر، ويجب على الزوجة عدم الاستجابة لضغوط هذا الزوج الناشز العاصي، بإجبارها على الخلع للهروب من النتائج الكارثية لجريمته بالتلاعب في نتائج التحاليل الطبية.
وأنهت الدكتورة سعاد صالح كلامها مؤكدة أن الفحص الطبي قبل الزواج أصبح ضرورة شرعية وصحية، لأنه يحمي الأسرة من كوارث مستقبلية في ما يتعلق بصحة الزوجين وقدرتهما على العيش معاً والتوافق الصحي الذي لا يمكن فصله عن التوافق النفسي، وقد اشترط القانون إجراء هذه التحاليل حمايةً للطرفين، فلهذا يجب أن يكون الصدق «سيد الموقف» في ما يتعلق بها حتى تؤتي ثمارها المرجوة، ولا يقع الزوجان في مثل هذه المشكلة. ولهذا أمرنا الله تعالى بأن نكون مع الصادقين، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ» (آية 119) سورة «التوبة».

حق الزوجة
 يشير الدكتور مبروك عطية، الأستاذ في جامعة الأزهر، إلى أن من حق الزوجة رفع أمرها إلى القضاء لتطلب منه الفسخ السريع لعقد الزواج من هذا الزوج غير الأمين، الذي اتخذ من الكذب والخداع وسيلة لتحقيق مخططه، وقد خالف هو وكل من ساعده في جريمته أوامر الله ورسوله، حيث جاء في الحديث النبوي الشريف: «عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّاباً». ويوضح الدكتور مبروك، أن هذا الزوج الكاذب ليس من حقه شرعاً إجبار زوجته المخدوعة على الخلع، بل يستحق العقاب الرادع من القضاء على فعلته الأولى بتزوير التحاليل الطبية، ويمتد هذا الإثم الشرعي والعقاب القانوني إلى كل من ساعد في إتمام هذه الجريمة، ولو بالسكوت والصمت المريب، ومن حق الزوجة  المخدوعة مطالبة القضاء بفسخ عقد الزواج، لأن الزوج لم يلتزم بالصدق في تعاملاته ولم يوفِ بالشروط. ويؤكد الدكتور مبروك أن هذا الزوج يفتقد أدنى درجات الإيمان ولا يستحق أن يكون زوجاً من الأصل، لأن الإسلام وضع الأساس المتين للزواج الصحيح السليم، فقال الله سبحانه وتعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم». فهل مثل هذا الزوج يستحق السكن والمودة والرحمة التي قرنها الله بالزواج في الآية السابقة؟
ويلفت الدكتور مبروك عطية الى أن الفحص الطبي قبل الزواج هو مجموعة شاملة من التحاليل للرجال والنساء المقبلين على الزواج، وغالبيتهم لا يكونون على دراية تامة بحالتهم الصحية، ولذلك فإن التمتع بالصحة الجيدة أحد مقومات الزواج الناجح، ولهذا يجب شرعاً تطبيق القانون وإجراء تلك التحاليل من دون خداع أو تزوير، حتى يعرف الرجل والمرأة حقيقة حالتهما الصحية، وكذلك حالة شريك المستقبل إذا كانت هناك أي مشكلة يمكن علاجها بسهولة قبل الزواج، حتى لو تسببت في عدم إتمام الزواج من الأصل، فهذا أفضل مليون مرة من التزوير والخداع في أمور ستتكشف لشريك الحياة، إن عاجلاً أو آجلاً، وتتفجر مشكلات أكبر، خاصة إذا أثمر الزواج عن أولاد.

فسخ العقد
طالبت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات في جامعة الأزهر، بتفعيل سيف القانون الرادع في مثل هذه القضايا، لأن هذا الزوج وكذلك من عاونه من الأطباء أو حتى المأذون والأهل، لو علم هؤلاء جميعاً أنه سيُلقى بهم في غياهب السجون نتيجة هذا التزوير والخداع، لفكروا جميعاً مليون مرة قبل أن يرتكبوا جريمتهم، وكما يقال: «من أمن العقوبة أساء الأدب».
وأشارت الدكتورة إلهام إلى أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، لأن ولي الأمر أو القاضي هو من ينفذ أحكام الله في الأرض ويعاقب من أخطأ ويضاعف العقوبة مع التعمد وسبق الإصرار والترصد، ولهذا فإن على القاضي فسخ عقد الزواج هذا، لأن الزوج لم يكن صادقاً ولم يلتزم بالشروط المتفق عليها شرعاً وقانوناً، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إن أحق الشروط أن توفوا به: ما استحللتم به الفروج».  وطالبت الدكتورة إلهام، القضاء بسرعة الفصل في مثل هذه القضايا المتعلقة بالأعراض، خاصة إذا كان فيها استغلال وكذب وابتزاز، مثلما فعل هذا الزوج الذي لم يكتف بجريمته الأولى في التزوير، وإنما يكمل جريمته بالرغبة في إجبار زوجته على طلب الخلع حتى يحرمها من كل حقوقها وكأنها مفترية وتطلب الطلاق أو الخلع بلا سبب، كما أن القضاء البطيء ظلم للضحية التي تستحق سرعة الفصل في الإجراءات والإنصاف والسرعة في التنفيذ، خاصة أن الشرع يعطي الزوجة المخدوعة والمغرر بها حق المطالبة بفسخ عقد الزواج والاحتفاظ بكل حقوقها.

الصدق
أما الدكتورة سهير الفيل، وكيلة كلية الدراسات الإسلامية، فتؤكد أن الإسلام يعمل على استقرار الحياة الزوجية من خلال التحلي بالصدق والوفاء بالعقود والشروط، فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً»، ومن جميل ما قرأت في تلك القضية ما قاله الراغب الأصفهاني: «الوفاء أخو الصدق والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أن الوفاء صدق باللسان والفعل معاً، والغدر كذب بهما، وفيه مع الكذب نقض العهد، والوفاء يختص بالإنسان، فمن فقده فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وجعل الله العهد من الإيمان». وأضافت الدكتورة سهير الفيل، أن من حق الزوجة المطالبة بفسخ عقد زواجها من هذا الزوج، وبدلاً من أن يشعر بالخزي والعار من جريمته في تزوير تحاليله، يجبر زوجته على الخلع منه والتنازل عن حقوقها، فمثل هذا الشخص مكانه الوحيد هو السجن ونبذ المجتمع له بعد خروجه من السجن، لأنه آذى كل من حوله، فيكون الأفضل عزله عن المجتمع ليشعر بأنه منبوذ.

زيجات فاشلة
 يؤكد الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أن الإسلام وكل الأديان السماوية تعمل على إسعاد البشر من خلال التعاون في الخير والبعد عن كل ما فيه شر وإيذاء، فقال الله سبحانه وتعالى: «وَتَعَاوَنُواْ على الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ على الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (آية 2) سورة «المائدة». وأمر الله المجتمع الإسلامي بأن يكون أفراده إخوة متحابين، خاصةً من تربطهم علاقات إنسانية سامية، مثل الزوجين والوالدين والأبناء والجيران والأرحام وغيرهم، فقال الله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» (آية 10) سورة «الحجرات».
وأوضح الدكتور عثمان، أن مثل هذه الزيجات القائمة على الغش والخداع لن يكتب لها النجاح أبداً، بل إن الله سبحانه وتعالى تبرأ منها ولن تكون فيها بركة أبداً، فقد روى النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أن الله يقول في الحديث القدسي: «أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خانه خرجت من بينهما». وإذا كان الله قد تبرأ من هذه الزيجة المبنية على الخداع، من حق الزوجة مطالبة القاضي بالفسخ مع الاحتفاظ بكل حقوقها.
ودعا الأزواج لأن يتقوا الله في زوجاتهم أو يوفوا بالعقود والعهود والشروط، فهذا أمر إلهي وليس اختيارياً، فقال الله سبحانه وتعالى: «وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً» (آية 34) سورة «الإسراء». بل إن الله امتدح الأوفياء فقال سبحانه: «وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا» (آية 10) سورة «الفتح». وأنهى الدكتور محمد رأفت عثمان كلامه، مذكراً هذا الزوج وأمثاله من الأزواج الظالمين لزوجاتهم بأنهم على إثم عظيم لأنهم لا يحترمون العقود والشروط، وإنما اتخذوا من الغش والخداع وسيلة لتحقيق مآربهم في تضييع حقوق زوجاتهم وإجبارهن على الخلع ظلماً وعدواناً، مع أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) خطب الناس فقال: «اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف». {