قيل وقال

ما العمل مع المدير المتسلط؟

المدير المتسلط,الثقة في الذات,الاشمئزاز,الكفاءة,الاكتئاب,التنمر,ملعب المدرسة

جولي صليبا 13 نوفمبر 2015

التسلط، أو التنمر (Bullying)، بات أمراً شائعاً لسوء الحظ في المدارس والملاعب وعبر شبكة الانترنت. لكن الأولاد الصغار والمراهقين ليسوا وحدهم ضحايا هذا التسلط النفسي.
فالراشدون أيضاً ضحايا لهذا النوع من التعنيف المعنوي في مهنهم ووظائفهم. فما الحل لمعالجة هذه المشكلة؟


يشيع التنمر في أماكن العمل بشكل مذهل. بالفعل، تشير الإحصاءات إلى أن 30 في المئة تقريباً من العاملين يتعرضون للتسلط في مرحلة ما من حياتهم المهنية. قد يتجلى هذا التسلط على شكل سوء معاملة من قبل المدير أو أحد الموظفين، أو تهديدات، أو إذلال، أو قدح وذمّ بالأداء المهني أو إهانات كلامية.
واللافت أن 72 في المئة من المتنمرين، أو المتسلطين، هم المدراء أنفسهم!!!!

والمؤسف أن الموظف الذي يكون ضحية هذا التنمر يعجز في الغالب عن التذمر أو فضح أمر المتنمر خشية فقدان وظيفته، فيكبت الحزن والمشاعر السلبية في نفسه، مما يفضي إلى عواقب وخيمة على الصعيدين الجسدي والنفسي.

يعتبر التسلط في مكان العمل مماثلاً للتنمر في ملعب المدرسة، إذ يتم تحقير الأشخاص أو استغلالهم. لكن التسلط في المكتب أسوأ لأنه يمثل تحدياً يصعب تخطيه، خصوصاً وأن المتنمرين الراشدين خبراء في إيجاد ضحاياهم.

المؤسف أن العديد من المدراء في العمل باتوا يلجأون إلى التنمر في أماكن العمل. وكلما مضت أعوام أكثر على عمل الشخص في مؤسسة ما، ازداد احتمال مصادفته للتنمر بين الحين والآخر.
يقول علماء النفس إن المدراء المتنمرين كانوا أيضاً أولاداً متنمرين أيام المدرسة. فهم يشعرون بالحاجة إلى إزعاج الأشخاص حولهم. وإذا لم يردعهم أحد أيام الطفولة والمدرسة، لن يملكوا أي سبب للتوقف الآن عن التنمر في عالم الأعمال.


أنواع المدراء المتنمرين
ثمة أنواع عدة من المدراء المتنمرين. فهناك النوع القاسي جداً الذي يصرّ على إذلال الآخر بشكل مستمر وفاضح، وقد يصل إلى درجة التحرش الجنسي. وهناك من جهة أخرى النوع المنحرف الذي يبعث الخوف بين موظفيه بسبب تقلب مزاجه.
فيوم الاثنين، مثلاً، يكون رائعاً فيما يتحول يوم الثلاثاء إلى شرير حقيقي. والواقع أن هؤلاء المدراء المتنمرين بارعون جداً في إغاظة الموظفين ولكن من دون منح هؤلاء أية ذريعة أو دليل للتقدم بشكوى ضد مدرائهم.
فقد يخفون سلوكهم المهين وغير اللائق بالقول "أوه، كنت أمزح معك"، أو "أنت حساس جداً. تعرف أن عملك رائع فعلاً".


أنواع التنمر في العمل

يشير الاختصاصيون إلى وجود أنواع عدة من التنمر في العمل. فالمدير قد يصرخ في وجه الموظف إذا لم يعجبه أداءه. وقد يهدد المدير موظفه ويقول له دوماً إن وظيفته على المحك ومرتبطة بحسن سلوكه. وقد ينتقد المدير الموظف باستمرار أمام زملائه بهدف إحراجه وتحطيم معنوياته وجعله غير مرتاح، مما يعرّض مهنة الموظف أو سمعته للخطر.

وفي بعض الأحيان، قد يكون التنمر أقل بدهية، بحيث يتجاهل المدير ببساطة الموظف ولا يدعوه إلى الاجتماعات التي تعقد للموظفين.
إلا أن كل أشكال التنمر مزعجة. فالمدير المتنمر يقضي على روح الزمالة بين الموظفين، ويسلب الإحساس بالرضى في العمل، ويثبط عزيمة الموظفين بحيث لا يقدمون أفضل ما لديهم في العمل. هكذا، ينجح المدير المتنمر لسوء الحظ في تحويل العمل إلى محنة مخيفة كل يوم. ولا شك في أن العمل ضمن ظروف متوترة وغير عادلة سيرفع مستوى القلق والتوتر، مما يؤثر سلباً في الحياة الشخصية.

والواقع أن سلوك التنمر، سواء صدر عن مدير أو زميل، يثبط العزيمة ويقضي على الحماس. فالتخويف والترهيب لا يجديان نفعاً، لا بل إنهما يقضيان على الإبداع والابتكار، ويؤثران سلباً في المعنويات والصحة الجسدية على حد سواء.
وكشفت الدراسات العلمية أن العديد من المشاكل الصحية تنجم عن التعرض للتنمر في العمل، وأبرزها القلق، وفقدان التركيز، والنوم المتقطع، وصداع التوتر، وأعراض الحذر المفرط.
يتضح إذاً أن تنمر المدير على موظفيه يؤثر سلباً في الموظف وأدائه. وقد يكبح هذا التنمر طموحات الموظف بحيث لا يرغب هذا الأخير في إنجاز عمله بحماس وإبداع، لا بل إنه قد يفكر في ترك عمله والانتقال إلى عمل آخر في مكان آخر.

يمكن أيضاً للتنمر أن يسبب الاكتئاب، والتشكيك في الذات، والحطّ من القيمة الذاتية. والمؤسف أن هذه الأعراض السلبية الناجمة عن العمل قد تنتقل إلى الحياة الشخصية والعائلية، فيصح الجو العائلي مشحوناً ومتوتراً أيضاً.
حبذا لو يعرف المدير المتنمر فداحة التأثيرات السلبية التي يتركها في موظفيه.... لكان فكر ربما مرتين قبل اللجوء إلى التنمر...


كيفية المواجهة

حين يقوم المتنمر بالسخرية من أحد موظفيه، متهماُ إياه بقلة الكفاءة، أو الغباء، أو سوء الأداء، قد يعجز الضحية عن تحمل ما يقال له، لكنه يخاف في الوقت نفسه من المواجهة. هكذا، يكبت الغيظ والتوتر داخله.

يحاول المتنمر تخليص نفسه من الاشمئزاز الذي يشعر به حيال نفسه، من خلال نقله إلى شخص آخر.

واللافت أن المتنمرين لا يمكن أن يكونوا متنمرين من دون وجود حلفاء وضحايا. فهم يلتقطون فوراً إشارات الضعف وقلة الثقة عند الضحية، ويسرعون إلى الانقضاض على ضحيتهم.

السبيل الأفضل إذاً لمواجهة التنمر هو تعزيز الثقة في الذات، وتقوية شبكة الدعم الاجتماعية، ومواجهة المتنمر بشكل مباشر وفوري بحيث يرتد هذا الأخير ويتوقف عن تنمره.