معارك ورثة الفنان سعيد طرابيك تفجّر جدلاً فقهياً: زواج بدون ميراث هل يجوز؟

زواج بون ميراث,فتوى,هل يجوز,ميراث,النزاعات والمشاجرات,عدم التوارث,الورثة القدامى

القاهرة - آحمد جمال 13 ديسمبر 2015

 

 

أثارت النزاعات والمشاجرات بين ورثة الفنان الراحل سعيد طرابيك على ميراثه، جدلاً فقهياً حول مشروعية اشتراط الزوجين عدم التوارث بينهما، خاصة إذا كانت هناك زوجات أخريات أو أبناء منهن، كنوع من فض الاشتباك ونزع أي فتيل للأزمات مستقبلاً بين الورثة القدامى والجدد... وقد انقسم الفقهاء حول حق الزوجين في اشتراط عدم التوارث بينهما، ما بين رافض ومتحفظ، ولكل فريق أدلته الشرعية التي استند إليها.

 

في البداية يعرّف الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، الميراث في اللغة، بأنه ما يورِّثه الشخص أو الجماعة لمن بعدهم. أما تعريفه الشرعي فهو كل ما يتركه الميت من بعده لورثته الشرعيين من حقوق وأموال، بعد أن يتم خصم ديونه ووصيته واجبة الأداء، بشرط أن تكون متوافقة مع أحكام الشرع ولا يكون فيها ظلم لأحد الورثة.

ويشير الدكتور نصر إلى أن الإسلام لم يجعل للمورِّث سلطة على أمواله وأملاكه وميراثه بعد موته إلا بالثُّلث فقط، وهو مرهون بوصية شرعية، ولا يجوز شرعاً حرمان وارث من حقه الشرعي، حتى لو رغب صاحب الميراث في ذلك، على عكس القوانين الوضعية التي تتيح للشخص أن يترك أمواله وممتلكاته وحقوقه لمن يشاء من بعده، وأن يحرم منها من يشاء حتى لو ترك كل ما يملك لقطة أو كلب ويحرم كل ورثته من حقوقهم.

يوضح الدكتور نصر فريد واصل، أن من حق الزوجين الاشتراط على بعضهما ما يشاءان من شروط، طالما توافقا على ذلك، بشرط ألا يتنافى هذا مع أحكام الحلال والحرام في الشرع، ولهذا قال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «الْمُسْلِمُونَ على شُرُوطِهِمْ، وَالصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، إِلا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلالا»، ولا شك في أن منع التوارث مخالف لأحكام الشرع، وبالتالي لا يجوز شرعاً مخالفتها، لأن في هذه المخالفة ظلماً لبعض الورثة – سواء كان فرداً أو جماعة - على حساب الآخر.

ويختتم الدكتور نصر كلامه، مؤكداً أن أحكام الشرع الثابتة، ومنها الميراث وكيفية تقسيمه ونصيب كل وارث، أمر محدد شرعاً من خلال نصوص قرآنية، قال الله في آخرها محذراً من يخالف آيات المواريث بقوله تعالى: «تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ» (الآيتان 13-14) سورة «النساء».

 

باب الفتنة

 يحذر الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة في جامعة الأزهر، المقبلين على الزواج الشرعي من الاشتراط المسبق لعدم التوارث بينهما، لأن هذا فتح لباب الفتنة، حيث يظلم الزوجان المشترطان عدم التوارث نفسيهما قبل أن يظلما بعض الورثة لحساب آخرين، لأن عذاب الله في انتظار من يخالفون أحكامه الشرعية في الميراث وغيره، ولهذا فإن من يصر على مخالفة الشرع ويظن بذلك أنه يفعل الخير لورثته ويمنع الشجار بينهم، ينطبق عليه قول الله تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا. ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا» (الآيات 103-106) سورة «الكهف». 

 ويلفت الدكتور جمال فاروق، إلى أن التراضي هنا بين الزوجين ليس مبرراً شرعياً لجعل منع التوارث بينهما حلالاً، بل إنه تدخل في أحكام الشرع وتغيير وتعطيل لها. وقد توعد الإسلام من يحاول المجاملة أو التغيير أو التبديل في أحكام الميراث، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة، فإذا أوصى حاف في وصيته، فيختم بشر عمله، فيدخل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة، فيعدل في وصيته، فيختم له بخير عمله فيدخل الجنة».

 ويوضح الدكتور جمال فاروق، أن رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حذرنا من هذه التصرفات، التي ظاهرها الرحمة بالورثة ومنع الشجار بينهم، في حين تتضمن في باطنها العذاب لصاحب الميراث، سواء كان زوجاً أو زوجة، وكذلك ورثتهم إن رضوا بهذا التعطيل أو التبديل لأحكام الميراث، فقال الرسول: «إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية، فتجب لهما النار».

 وينهي الدكتور جمال كلامه قائلاً: «نقول لمن زيّن له الشيطان عمله بمنع التوارث بينه وبين زوجته: «إياك أن تظن أنك ستسعد بهذا الفعل الفاسد، بل إنه سيلاحقك ويكون سببًا في شقائك في الدنيا قبل الآخرة، وصدق الله تعالى إذ يقول: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى» (الآيتان 124-125) سورة «طه».

 

باطل

أما الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، فتؤكد أن منع التوارث بين الزوجين يؤدي بلا شك إلى تقطيع الأرحام، وليس المحافظة عليها كما يظن الزوجان، لأن من يفعل ذلك يجامل ورثة ويحرم آخرين، ولهذا فإن من يفعل ذلك يكون مرتكباً إثماً كبيراً، بل إنه ممن قال الله فيهم: «فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ. أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا. إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا على أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ» (الآيات 22- 25) سورة «محمد». 

 وتشير الدكتورة مهجة إلى أن اشتراط منع التوارث بين الزوجين من الشروط الباطلة والفاسدة التي يجب عدم الوفاء بها، بل إنه يجب على المتضرر من ذلك رفع أمره إلى القضاء الذي عليه أن يحكم وفق أحكام الشريعة الإسلامية، لأن القاضي هو المكلف شرعاً بتطبيق أحكام الشريعة في مختلف القضايا، خاصة قضايا الأحوال الشخصية، ومنها قضايا الميراث، وإن لم يفعل يعد القاضي نفسه آثماً شرعاً، لأنه خالف قول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (آية 58) سورة «النساء».

 وتنصح الدكتورة مهجة غالب، الورثة الذين استفادوا من هذا الشرط غير الشرعي بعدم التوارث بين الزوجين، أن يرفضوا أي مال يزيد عن نصيبهم الشرعي، لأن هذا من قبيل المال الحرام الذي نهى الله تعالى عنه، حيث قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» (آية 29) سورة «النساء».

 

تأصيل للعداوات

 تحذر الدكتورة آمنة نصير، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في الإسكندرية، من اشتراط الزوجين عدم التوارث بينهما، لأن هذا يؤصل لعداوات تتوارثها الأجيال، ولهذا نقول: «يا أهل كل ميت، بادروا في تقسيم ميراثه بالعدل ووفق أحكام الشرع، حتى لا يثقل عليه ذلك في ما بعد، ويكون هذا المال سبباً في تعذيب ميتكم وقطيعتكم لأرحامكم»، لأن السكوت على هذا الاشتراط المحرم يدفع ثمنه الجميع، الميت قبل الحي، لأنهم ارتضوا مخالفة حدود الشرع وأحكامه، وقد توعد الله الجميع بقوله: «... تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (الآية 229) سورة «البقرة».

 وتستشهد الدكتورة آمنة نصير، بحادثة من السيرة النبوية تثبت رفض أي تغيير في الأحكام الشرعية المتعلقة بالميراث، فقد روى الإمام أحمد أن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) تقول له: «يا رسول الله هاتان بنتا سعد بن الربيع قتل معك شهيداً يوم أحد، وترك لهما مالاً، فجاء عمهما فأخذ المال ولا ينكحان إلا بمال. فقال لها الرسول: «يقضي الله في ذلك»... فأنزل الله آيات المواريث فقضى للزوجة بالثُمن والبنتين بالثلثين والباقي للأخ عصبة».

وتشير الدكتورة آمنة إلى أن ثلاث آيات فقط من كتاب الله تعالى يوضح الله فيها نصيب كل وارث، وهي أصل في تقسيم المواريث. ولو تأملنا هذه الآيات الثلاث لوجدناها قد ختمت جميعاً بصفة العلم، أي علم الله بأن هذا التقسيم هو الأفضل للورثة، فاختتمت الآية الأولى: «فريضة من الله إن الله كان عليماً حكيماً»، وختام الآية الثانية: «وصية من الله والله عليم حليم»، وختام الآية الثالثة: «يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم»، وكأن الله يقول لعباده الذين يفكرون في التلاعب بالميراث أو تغييره «... أَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (آية 140) سورة «البقرة».

 

دوام الزواج

 يؤكد الدكتور عبدالفتاح العواري، عميد كلية أصول الدين في جامعة الأزهر، أن الإسلام حرص على إبراء ذمة المتوفى عند تقسيم الميراث، ولهذا فإن أول ما يُبدأ به هو إخراج الحقوق من التركة، مثل الزكاة إن لم يكن قد أخرجها قبل وفاته، وتسديد ديونه، بل إن بعض الفقهاء أكد أن من الحقوق الواجب إخراجها قبل القيام بعملية تقسيم التركة، دفع مؤخر الصداق للزوجة أو الزوجات، لأن هذه من الحقوق الواجب تأديتها قبل تقسيم التركة، حيث إنها تعتبر دَيْناً على الرجل واجب الاستيفاء فوراً، وبعد أن يتم أداء كل المستحقات والديون، يتم حصر الورثة وتحديد هويتهم ومقدار توريثهم.

 ويوضح الدكتور العواري، أن توارث الزوجين يأتي في مقدم فئات المتوارثين من بعضهما بعضاً، حيث يقسم العلماء الورثة إلى فئات، في مقدمهم: «أصحاب الفروض» وهم الذين يرثون فرضاً إن وجِدوا، وهم يأخذون حصتهم من التركة وفق النصيب المحدَّد لكل منهم، وهم مقدمون على سواهم من الورثة، وهم الأب والأم والزوج والزوجة، والجدة سواء لأمه أو أبيه، الأم والأخ لأم والأخت لأم، حيث نص القرآن على توارث الزوجين في قول الله تعالى: «وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيم» (آية 12) سورة «النساء».

وعن ميراث الزوج والزوجة من بعضهما، يقول الدكتور العواري: «حدد الإسلام النِّسَب التي يتم فيها توزيع الميراث على كل شخص، فمثلاً يرث الزوج من زوجته نصف تركتها إذا لم يكن لها ولد، ويرث الربع مع الولد، وإن كان من غيره. أما الزوجة فترث من زوجها ربع تركته إذا لم يكن له ولد، وترث الثمن مع الولد، وإن كان من غيرها. أما إذا كان للميت زوجتان فما زاد اشتركتا به في الثُّمن بالسوية مع وجود الولد للزوج، وفي الربع بالسوية مع عدم الولد له».

 وينهي الدكتور العواري كلامه، مؤكداً أنه يشترط في التوارث بين الزوجين دوام العقد، فلا ميراث بينهما في الزواج الموقت، وكذلك يشترط قيام العلاقة الزوجية على العقد الصحيح، فلو انكشف بطلان الزواج لخلل في أركانه أو شروطه، يتم إلغاء توارثهما بعد انكشاف البطلان، ووجب على آخذ المال إرجاعه إلى الورثة، وكذلك لا يشترط في التوارث الدخول، لأنهما يتوارثان ولو مع عدم الدخول، وأيضاً يتوارث الزوجان إذا انفصلا بالطلاق الرجعي ما دامت العدّة باقية، فإذا انتهت أو كان الطلاق بائناً فلا توارث، وكذلك إذا طلق الرجل زوجته في حال المرض طلاقاً بائناً أو رجعياً ومات قبل انقضاء السنة القمرية من حين الطلاق، ورثت الزوجة عنه. أما إذا كان المريض قد طلق واحدة أو أكثر من زوجاته، ثم تزوج غيرهن فدخل بهن، وتوفي في مرضه ذاك، كان نصيب الزوجة، وهو الثمـن أو الربع، لزوجاته اللواتي هنَّ معه واللواتي كان قد طلقهن.

ظروف خاصة

 في جانب آخر، يرى الدكتور محمد المنسي، رئيس قسم الشريعة في كلية دار العلوم - جامعة القاهرة، أن اشتراط منع التوارث بين الزوجين، يجوز إذا كانت هناك ظروف خاصة تجعل مضار هذا التوارث أكثر من منافعه، فيجوز دراسة القضية من خلال طرحها على المجامع الفقهية، لأن فيها جوانب جديرة بالدراسة والبحث من كبار علماء الأمة، مثل التراضي بين الزوجين على هذا، وعدم وجود أي إكراه أو إجبار لأحدهما على ذلك.

 ويشير الدكتور محمد المنسي، إلى أنه طالما قلّ الضرر عن النفع، فإن القضية ذات أوجه، لأن القاعدة الشرعية حددها الحديث النبوي «لا ضرر ولا ضرار»، وكذلك القاعدة الفقهية «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة»، ولا شك في أن التنازع أو الشجار بين الورثة أمر يجب وضعه في الاعتبار، مع التأكيد أن: «لكل مقام مقال».

 وينهي الدكتور المنسي كلامه، مؤكداً أنه لا يحلل أو يحرم توافق الزوجين على منع التوارث بشكل قطعي أو نهائي، وإنما يطالب بطرح القضية على المجامع والهيئات العلمية، لإصدار فتوى شاملة جامعة في مختلف جوانب القضية، وهنا يجب شرعاً الأخذ بها لقول الله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا» (آية 36) سورة «الأحزاب».

 

التمهل واجب

تؤكد الداعية الإسلامية هدى الكاشف، أن أحكام الشريعة الإسلامية تستهدف مصلحة العباد في المقام الأول، ولهذا فإن دراسة هذه القضية ستؤدي إلى كشف جوانب عدة فيها، ولكل منها حكم شرعي، وبالتالي فإنه لا يجوز التعميم المطلق بالتحليل أو التحريم لاتفاق الزوجين على منع التوارث بينهما بهدف منع المشكلات المستقبلية في حال وفاة أحد الزوجين.

 وتشير الكاشف، إلى أن من عظمة الإسلام صلاحية تشريعاته لكل زمان ومكان، ولهذا فإن هدفها الأول مصلحة البشر ومنع أي ضرر، وبالتالي قد يختلف الاجتهاد في الحكم الشرعي من حالة إلى أخرى، بشرط أن يكون ذلك في إطار الضوابط الشرعية، ولهذا حضّ الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) العلماء على الاجتهاد، فقال: «إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر».

وتنهي الكاشف كلامها، ناصحة الزوجين اللذين يريدان اشتراط عدم التوارث بينهما لمنع تشاجر الورثة، بالتمهل حتى يتم طرح القضية على المؤسسات العلمية والشرعية، والانتهاء فيها إلى حكم شرعي، وقتها يجب الالتزام بذلك، لأن أهل العلم والفقه والاختصاص هم الذين أفتوا بعدما درسوا القضية من مختلف جوانبها، ونحن جميعاً مطالبون شرعاً بسؤالهم والأخذ بالفتاوى التي انتهوا إليها، تنفيذاً لقول الله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (آية 43) سورة «النحل».