علماء الدين يحذرونك: احترسي من فارق العمر عند الزواج!

إحترسي من فارق العمر,عند الزواج,ظهور مشاكل,شروط الكفاءة,علماء الدين,تقارب السن,نصائح

القاهرة - أحمد جمال 03 يناير 2016

مع ظهور مشاكل زوجية كثيرة نتيجة فارق العمر بين الزوجين، كان لا بد من أن نسأل علماء الدين عن شروط الكفاءة بين الزوجين في الإسلام، خاصة في ما يتعلق بالكفاءة في العمر، وهل تقارب السن بين الزوج والزوجة أحد شروط الزواج؟ وما هي نصائح علماء الدين لكل فتاة مقبلة على الزواج في ما يتعلق بالكفاءة بينها وبين عريسها وفارق العمر بينهما؟


عن معنى الكفاءة في الزواج، يشير الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر الأسبق، إلى أنها تعني المساواة والمماثلة، فيُقال مثلاً: «فلان كُفء فلان» أي مماثل له في كثير من صفاته الشخصية والعقلية. أما المقصود بالكفاءة في الزواج، فأن يكون الزوجان متساويين أو متقاربين في مستواهما الديني والعلمي والخلقي والاجتماعي، وكذلك في السن، أي يكونا متقاربين، لأنه كلما كان هناك تقارب بين الزوجين في السن والصفات العقلية والاجتماعية وغيرها، كانت الحياة الزوجية بينهما سعيدة وأقرب إلى النجاح وحسن التفاهم، مما يؤدي إلى دوام الألفة والانسجام والود والتراحم، فيكون الزواج آية من آيات الله القائل: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (آية 21) سورة «الروم».
ويشير الدكتور نصر، إلى أن جمهور الفقهاء يرى أن الكفاءة في الزواج معتبرة ومهمة، ولهذا فإن المرأة إذا زوجت نفسها من غير كفء لها، فإنه يجوز شرعاً لأوليائها حق الاعتراض على هذا الزواج، فإن أصرت على الزواج بغير الكفء لها، فإن لأوليائها أن يرفعوا الأمر إلى القضاء لفسخ هذا الزواج غير المتكافئ، وعلى القاضي أن يحكم لهم بذلك في ضوء ما يراه من ملابسات، لأن هذه وظيفته الشرعية التي حددها الله تعالى له بقوله: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِه إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا» (الآية 58) سورة «النساء».
وأنهى الدكتور نصر فريد واصل كلامه، مؤكداً أن الكفاءة أمر معتبر في العرف، بل الفطرة والعقل بالإضافة إلى الشرع، وبالتالي فهو من الأمور التي لا يمكن إغفالها لأنها تساعد على إنجاح الزواج، وسعادة الزوجين والاستقرار، فضلاً عن القبول الاجتماعي، لأن العرف والشرع اتفقا على ذلك، ولهذا يقول الله تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» (الآية 199) سورة «الأعراف».

التراضي
 تشير الدكتورة سهير الفيل، وكيل كلية الدراسات الإسلامية للبنات - جامعة الأزهر، إلى أن الإخلال بالتقارب أو التكافؤ بين الزوجين غير محرّم من الناحية الدينية، إلا إذا ترتبت عليه آثار ضارة بأحد طرفيه، فينتقل الحكم الشرعي هنا إلى «الكراهة»، للقاعدة الشرعية «درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة»، ولا شك في أن عدم التكافؤ، وخاصةً من ناحية السن، وما يرتبط بذلك من الصحة والقوة أو الضعف... أمور يكون التقارب والتكافؤ فيها أفضل، والواقع يؤكد ذلك والشواهد على ذلك في المجتمع أكثر من أن تحصى.
وتوضح الدكتورة سهير الفيل، أن الإسلام يعمل على ترسيخ الاستقرار الأسري، من خلال حرصه على التكافؤ والتقارب بين الزوجين، مع التأكيد مرة أخرى على عدم حرمة ذلك من الناحية الشرعية، إذا تراضى ورضي بذلك الطرفان من دون أي ضغوط خارجية، لأن الإجبار أو الإكراه مرفوض شرعاً، ولهذا فإنه يشترط الرضا والقبول من طرفي الزواج، باعتباره أمراً يخصهما قبل غيرهما، ولهما أن يضعا من الشروط التي تخصهما، وعلى كل منهما الالتزام بما تم التوافق عليه بالتراضي، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلمّ): «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً».
وتؤكد الدكتورة سهير الفيل، أن اعتبار السن موجود شرعاً، إلا أنه لا يفسد الزواج إذا تراضى عليه الزوجان، وقد قدم لنا الإسلام نموذجاً عملياً من خلال رسوله (صلّى الله عليه وسلّم)، حيث تزوج الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) من أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، رغم أنها كانت أكبر منه سناً، وقد طلبت هي نفسها الزواج منه بشكل غير مباشر لأمانته وصدقه، حيث كانت قريش تسمّيه «الصادق الأمين»، وقد تأكدت من ذلك بشكل مباشر خلال عمله في تجارتها، فيما تزوج الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) من أم المؤمنين عائشة، وكانت أصغر منه بفارق عمري كبير، إلا أن القوة الجسمانية والصحة العامة للرسول (صلّى الله عليه وسلّم) لم تكن عادية، وقد شهد بذلك الصحابة، حيث كان يغلب كل الأقوياء في عصره، سواء في شبابه أو بعد تقدمه في السن، وكانت زوجاته أسعد الزوجات ولم تشكُ واحدة منهن، بل إن الله شرفهن بأن أصبحن أمهات المؤمنين ومن آل البيت النبوي.

الإنجاب
 تشير الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية في الزقازيق - جامعة الأزهر، إلى أنه يجب شرعاً عند تقدير الكفاءة في الزواج مراعاة اختلاف البيئات والأوضاع والأزمان، مع التأكيد على المبدأ الرئيسي بألا يتم وقوع ضرر على أحد الطرفين بالآخر، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) «لا ضرر ولا ضرار»، لأن الإسلام يحرم الضرر أياً كان القائم به وفي أي علاقة إنسانية، فما بالنا بالزواج الذي يعتبر من أقدس العلاقات الإنسانية وأشرفها بين البشر!
وتحدثت الدكتور فايزة خاطر في القضية بشكل أكثر جرأة، مؤكدة أن العلاقة الحميمة ليست كل شيء في الحياة الزوجية، رغم أن الإنجاب أحد المقاصد الرئيسية للزواج، ورغم أن فارق السن عندما يكون كبيراً قد لا يحققه، لكن هناك مقاصد أخرى للزواج تتطلب البحث عن شريك أو شريكة مكافئة، ليستطيع الطرفان التعاون على إقامة هذه الحياة المنشودة، وقد يكون التفاهم العقلي أو الفكري مقدماً عند فئة من الناس على اعتبارات القوة الجسدية، وما يرتبط بها من أمور تتعلق بالعلاقة الزوجية.
عن العناصر التي يجب مراعاتها في الكفاءة بين الزوجين، قال الدكتور سالم عبدالجليل، أستاذ الشريعة الإسلامية ووكيل وزارة الأوقاف سابقاً: «اختلفت المذاهب الفقهية والعلماء في مختلف العصور، في العناصر التي يجب أن تُراعى في الكفاءة الزوجية، فيرى الإمام مالك في مذهبه أن العناصر الرئيسية المعتبرة في الكفاءة هي الدين، والحرية، والسلامة من العيوب، في حين قال أبو حنيفة النعمان إن هناك عنصرين أساسيين في الكفاءة، وهما «النسب والدين»، وقد وسع الإمام أحمد بن حنبل في عناصر الكفاءة الزوجية، فجعلها خمسة وهي «الدين، والنسب، والحرية، والصناعة، والمال». أما أصحاب المذهب الشافعي فاعتبروا أن الأمور المعتبرة في الكفاءة هي «الدين والنسب والحرية والصناعة والسلامة من العيوب المنفرة».
وينهي الدكتور سالم عبدالجليل كلامه داعياً الرجال والنساء المقبلين على الزواج، أياً كانت سنّهم، الى أن يحرصوا على اختيار الأقرب منهم كفاءة، حتى تكون المشتركات بينهم أكثر. مثلاً بالنسبة الى السن، كلما كان هناك تقارب، كان هذا أقرب إلى التوافق، حيث يكون التقارب في كل تفاصيل العلاقة الزوجية، سواء في القوة أو الضعف. أما التناقض والتفاوت الشديد فهذا غالباً ما يولد المشكلات، ما ظهر منها وما بطن.
تشير الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية - جامعة الأزهر، إلى جانب خطير من جوانب «التكافؤ في الزواج»، وهو عنصر «كفاءة الدين»، والتي يُراد بها التدين الحقيقي، وكذلك طاعة الله ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم)، ولهذا يرى الفقهاء أن «الفاسق» لا يكافئ «الصالحة بنت الصالح»، لأن فسقه عار كبير على من يتزوج بها وأهلها.
وتوضح الدكتورة سعاد صالح، أن جمهور الفقهاء يرون أن أهل الإسلام كلهم إخوة، وأن أي مسلم، ما لم يكن مشهوراً بفجوره وفسقه، له الحق بأن يتزوج بأي مسلمة ما لم تكن معروفة بفجورها وفسقها، مع الأخذ في الاعتبار عناصر أخرى، مثل الأحساب والأنساب والأموال، مع التأكيد على التدين وحسن الخلق في المقدمة، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».
وتستشهد الدكتورة سعاد صالح، على أن الكفاءة في التدين في مقدم عناصر التكافؤ، فقد مر رجل من أثرياء المسلمين على الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) وصحابته الكرام، فقال لهم: «ما تقولون في هذا؟، قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال إن يُسمع. ثم مر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يُسمع. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): هذا خير من ملء الأرض مثل هذا».

شرط في الرجل
كشف الدكتور محمد داود، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة قناة السويس، جانباً هاماً وخطيراً في قضية «الكفاءة»، فأكد أن جمهور العلماء يرى أنها تشترط في الرجل، ولا يشترط في المرأة أن تكون كفية له، أي أن الرجل هو الذي يشترط فيه أن يكون كفياً للمرأة ومماثلاً لها أو متقارباً معها، في الصفات العلمية والاجتماعية والعقلية والخلقية، وبالتالي فإن للرجل أن يتزوج بمن هي أقل منه في علمه وفي أحواله الاجتماعية وفي عمره، بدليل قول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، في تشجيعه على تحرير النساء من الأفكار والعادات الجاهلية: «من كانت عنده جارية فعلَّمها وأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران».
وأشار الدكتور محمد داود، إلى أنه جرى العرف بين الناس أن الزوجة صاحبة المنزلة الرفيعة هي التي تعيّر هي وأولياؤها إذا تزوجت بمن هو غير كفء لها. أما الزوج فلا يعيّر إذا كانت زوجته دونه في المنزلة العقلية والعلمية والاجتماعية، لأنه يرفع من شأنها لانتسابها إليه كزوجة. أما هي فإن المجتمع قد يعيّرها به لأنه الأقل شأناً وكفاءة، وبالتالي فهو يخفض من قدرها ومكانتها ومكانة أهلها.  عن وقت اعتبار الكفاءة الزوجية التي قد تتغير من فترة لأخرى وفق الأوضاع، والحالات التي يمر بها الزوجان، أكد الدكتور محمد داود، أن الأمر المعتبر عند الفقهاء في الكفاءة أنهم أجمعوا على أن وقت اعتبار الكفاءة إنما يكون عند إنشاء عقد الزواج، لأن الكفاءة شرط إنشاء لا شرط بقاء. مثلاً إذا تزوجت المرأة بمن هو كفء لها ثم بعد ذلك تغيرت ظروفه من غنى إلى فقر، أو غير ذلك، فإن عقد الزواج باقٍ على ما هو عليه ولا يحق لها أو لأهلها المطالبة بفسخ عقد الزواج، لأنه أصبح غير كفء لها، لأن الإنسان لا يدوم على حال واحد، وبالتالي فإن بعض الأمور المعتبرة في الكفاءة قد يحدث فيها تحول أو تغير، كالمال والمكانة العلمية والعمل، وغيرها من الأمور الحياتية، لأن بقاء أو ثبات الحال من المحال.

العفة
عن رؤية علم الاجتماع للقضية، أوضحت الدكتورة وفاء يسري، وكيل كلية الخدمة الاجتماعية، أن مسألة الكفاءة أو التكافؤ أمر درج عليه الناس من قديم الزمان، بدليل أنهم كانوا يختارون شريكاً أو شريكة في الحياة الزوجية من بين كثر موجودين في المجتمع، بشرط أن يكون الاختيار نفسه في الغالب للأصلح والأنسب لقيام الحياة الزوجية بمعناها الصحيح المستقر، وكان التقارب في السن والصحة العامة من الأمور المعتبرة، حتى يرى كل منهما في شريك حياته ما يحب أن يراه ويستغني به عن الآخرين، سواء في ما يتصل بالعلاقة الزوجية وما يرتبط بها، من أن يكون كل منهما وسيلة لعفة شريك حياته عن الحرام. ولهذا كان كل منهما يبحث قدر الإمكان عن الخالي من العيوب الظاهرة. أما العيوب الباطنة فلا مجال لمعرفتها إلا بعد الزواج.
وأوضحت الدكتورة وفاء يسري، أنه جرى العرف في مجتمعاتنا العربية أن يكون الرجل هو الأكبر بسنوات معدودة، لأن هذا يؤدي إلى تزايد حدة المشكلات التي تلاحق المرأة والرجل بعد الزواج نتيجة غياب التكافؤ بينهما، وقد يصلان أحياناً إلى الطلاق أو العيش في تعاسة للأسرة بكاملها بسبب غياب التكافؤ منذ البداية، لأن التكافؤ الاجتماعي والنفسي والعمري أو السنّي من عوامل إنجاح العلاقة الزوجية.