هل يقبله علماء الدين؟ زواج محدّد المدة!

علماء الدين, زواج, الحياة الزوجية, د. عفاف النجار, د. فايزة خاطر, د. أحمد عمر هاشم, د. صابر طه

20 أكتوبر 2013

رغم أن الأصل في الزواج الصحيح أن يكون بنية الاستمرار, ظهرت بعض الآراء التي تقول بصحة عقد الزواج إذا تم فيه تحديد مدة معينة، طالما كانت بهدف معرفة الزوجين لطباع بعضهما والتأكد من إمكان استمرار الحياة بينهما بعد ذلك. فإذا اتفقا يستمر الزواج، وإذا لم يكن هناك وفاق بينهما يكتفيان بالمدة المحددة. وأمام تلك الدعوة الغريبة والجديدة كان لابد أن نسأل علماء الدين عن رأيهم فيها. فماذا يقولون؟


في البداية يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف والرئيس الأسبق لجامعة الأزهر، أن «الزواج آية من آيات الله التي امتنَّ بها على عباده ليعيشوا سعداء في ظل الرحمة والمودة بين الزوجين، فقال تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم، لكن الزواج الصحيح، حسب مذهب أهل السنة والجماعة، لابد أن يكون بنية «التأبيد» وليس «التأقيت»، ولا قيمة شرعاً لمبرر أن الزواج محدد المدة يكون فيه فرصة للتفاهم، وبالتالي يكون أكثر نجاحاً، وذلك لأن فترة الخطبة فرصة للتعارف بين المخطوبين في ضوء الضوابط الشرعية، والإسلام طالب ولّي أمر الفتاة بأن يحسن اختيار زوج ابنته على أساس الدين والأخلاق الحميدة، التي هي أساس السعادة الحقيقية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير، فقالوا يا رسول الله وإن كان فيه، فقال: إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير»، قالها ثلاث مرات.»

وأوضح هاشم أن الإسلام عمل على الجانب الآخر، بحضّ الرجل على حسن اختيار شريكة الحياة على أساس الدين، فقال صلى الله عليه وسلم: «تُنكَح المرأة لأربع، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك». أي حسن اختيار كل من الزوجين للآخر على أساس من الدين والأخلاق.


المرأة تدفع الثمن

وتؤكد الدكتورة عفاف النجار، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية في القاهرة جامعة الأزهر، أن اقتراح الزواج محدد المدة المقترن بالسعادة والتفاهم، هو اقتراح «ظاهره الرحمة وباطنه العذاب»، وتدفع ثمنه المرأة وحدها بعد انتهاء المدة، وخاصة إذا أثمر هذا الزواج أطفالاً ثم أراد الزوج البحث عن زيجة أخرى بدون أي تبعات عليه، من نفقة المتعة والأولاد وغيرها من حقوق المرأة المرتبطة بطلاقها إذا كان الزواج شرعياً.
وأشارت إلى أن الزواج محدد المدة في الحقيقة ليس بزواج حلال شرعاً، بل علاقة آثمة وغير شرعية، لأنه مخالف لما هو معلوم من الدين بالضرورة واستحلال لما حرمه الشرع على يد الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: «يا أيها الناسُ قد كنت آذنتُ لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنّ شيء فليُخْلِ سبيلَه، ولا تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئًا».


تحذير

حذّرت الدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات في جامعة الأزهر، الشباب والفتيات من الاستناد إلى الفهم الخاطئ لبعض الآيات القرآنية، مثل قوله تعالى: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أجُورَهُنَّ فَرِيضَةً» آية 24 سورة النساء. وذلك لأن المقصود بـ«أجُورَهُنَّ» في هذه الآية، وغيرها من الآيات المشابهة لها، هو «المهر الشرعي»، الذي يدفعه الزوج لزوجته حتى يتزوجها زواجاً دائماً على سبيل التأبيد، وليس مؤقتاً محدداً بمدة.

وأشارت الدكتورة سعاد إلى أن مروجي هذا الاقتراح يبحثون في كتب التراث الإسلامي القديمة ليجدوا لهم غطاءً شرعياً، مثل مقولة الإمام أبو حنيفة بصحة عقد الزواج حتى وإن تم تحديد المدة في العقد، وكذلك مقولة الإمام ابن قدامة الحنبلي بصحة الزواج أيضاً حتى وإن أضمر الزوج فسخ العقد بعد مدة، وتناسوا مطالبة هؤلاء الفقهاء بتصحيح هذا الخطأ أو النقص أو العيب الموجود به؛ بجعل الزواج على سبيل التأبيد، محافظةً على استقرار الأسرة أو ما أثمرته من أطفال قد يتضررون إذا قلنا إن هذا الزواج غير شرعي.

وأضافت الدكتورة سعاد: «لا بد من قيام علماء الإسلام بمواجهة هذه الأفكار الوافدة، التي تحاول إساءة تأويل بعض الآيات القرآنية لتبرير أهدافها الخبيثة وإعطائها غطاءً شرعياً ليكون مقبولا بين المسلمين، وهذا أمر مرفوض شرعاً، لأننا مأمورون بالابتعاد عما فيه شبهات، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملكٍ حمى ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب».


خديعة

وعن حكم الشرع في تحديد المدة سراً في الزواج، من خلال النية السرية لدى الزوج للطلاق، تقول الدكتورة فايزة خاطر، رئيسة قسم العقيدة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات جامعة الأزهر، هذا نوع من الخديعة والمكر الذي نسي صاحبه أن الله تعالى مطَّلع على القلوب والنوايا، لأنه سبحانه القائل: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ» آية 19 سورة غافر. وبالتأكيد لا يعلم هذه النوايا ويحاسب عليها إلا الله، لهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».

ونفت خاطر ما يستند إليه الراغبون في تحديد مدة الزواج، بأن عبد الله بن عباس أحل زواج المُتْعَة، إلا أن الحقيقة أن هذا كان في بداية الإسلام، لكن ثَبَتَ رجوعه عنه وعن الفُتْيا بذلك، وحتى إذا افترضنا أن هناك تناقضاً حول موقف بعض الصحابة من الزواج محدد المدة أو زواج المتعة، فإنه من الأفضل أن يترك الأمر للعلماء للنقاش فيه في الغرف المغلقة، ولنتوحد على الثابت عملياً عند أهل السنة والجماعة؛ أنه يجب أن يكون الزواج بنية التأبيد والاستمرار، ولعل هذا ما جعل الله سبحانه وتعالى يصفه بـ«الميثاق الغليظ» في قوله تعالى: «وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا» آية 21 سورة النساء. وقد جعل الفقهاء أحد صفات الميثاق الغليظ، وهو الزواج، أنه يقوم على نية العشرة المؤبدة من الطرفين لتتحقق أهدافه السامية من الاستقرار والديمومة.

وأنهت الدكتورة فايزة خاطر كلامها بالتأكيد على أن مثل هذه الأفكار الوافدة على مجتمعاتنا لإحداث البلبلة فيها أمر مرفوض شرعاً، لأنه يخالف ما استقرت عليه الأمة عبر أربعة عشر قرناً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد».


الغاية والوسيلة

وتعلن الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية للبنات في القاهرة جامعة الأزهر، رفضها لهذا الاقتراح قائلةً: «هذه الفكرة قائمة على المبدأ الميكيافيللي «الغاية تبرر الوسيلة»، فإذا كانت الغاية هي الاستقرار والنجاح والسعادة الأسرية وتقليل نسبة الطلاق والتعاسة، فلابد أن يتم ذلك بالالتزام بتعاليم وضوابط الشرع في حسن الاختيار منذ البداية، وليس بمخالفة الشرع الذي اشترط لتحقيق الغاية النبيلة أن تكون الوسيلة مشروعة وكريمة.
وأوضحت الدكتورة مهجة أن المسلم الحق الذي يريد أن يعف نفسه بالزواج، وكذلك المسلمة الحقة التي تريد أن تعف نفسها، فليكن ذلك بالزواج الشرعي الدائم حتى يكونا ممن قال الله فيهم: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينا» آية 36 سورة الأحزاب.

 وأنهت كلامها مؤكدةً أن ما ورد في كتب التراث، من إباحة الإسلام لزواج المتعة الذي يكون محدد المدة، فإنما هو من قبيل الاستثناء النادر في فترة انتقالية من الجاهلية، التي كانت تبيح الزنى، إلى الإسلام، وارتبط بحوادث معينة مع المسافرين للجهاد، الذين شق عليهم البعد عن نسائهم لفترة طويلة في بداية الدعوة الإسلامية، فأباح لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك للتخفيف من المشقة عنهم، وخاصة أن منهم من عزم على أن يخصي نفسه حتى لا يقع في الحرام، وقد روى الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ما حدث، فقال: «كنا نغزو مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل». أما بعد انقضاء هذا الظرف الطارئ نهى الرسول، صلى الله عليه وسلم عن زواج المتعة محدد المدة.


الابتعاث ليس مبرراً

عن حكم الشرع في إباحة الزواج محدد المدة لطلاب البعثات التعليمية في البلاد الأجنبية، قياساً على إباحته للمجاهدين خارج ديارهم، يقول الدكتور محمد داود، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة قناة السويس: «الغربة في الابتعاث الدراسي، أو حتى العمل، ليست مبرراً لتحليل الحرام بالزواج محدد المدة، بل إنه من الصحيح شرعاً أن يتصف الزواج بالدوام والاستمرار، حتى يكون هناك استقرار في الأسرة لتؤدي رسالتها من الرحمة والمودة والسكن وتربية النسل تربية صحيحة، ولهذا نجد الإمام أبو حنفية يؤكد إنه إذا كان عقد الزواج محدداً بمدة معينة، فإن العقد نفسه صحيح، لكن المدة نفسها تعتبر شرطاً فاسداً لا يلغي العقد، فهذه الفتوى من الإمام أبي حنيفة ليست إباحة للزواج محدد المدة، بل إنه يعدل أوضاعه إلى الصحيح شرعاً».

وأنهى داود كلامه بتوضيح اللبس الحاصل بشأن ما جاء في كتاب «المغني» للإمام ابن قدامة، من أئمة المذهب الحنبلي، حيث قال: «لو تزوّج الرجل بامرأة بغير شرط المدة، إلا أن في نيته طلاقها بعد شهر مثلاً، أو إذا انقضت حاجته في هذا البلد، فالزواج يكون صحيحاً، وذلك لعدم وجود هذا الشرط في العقد، أما إن تزوجها بشرط أن يطلقها في وقت معين لم يصح الزواج. وبالتالي فإن الإسلام يتعامل مع واقع محدد بتحريم تحديد المدة عند عقد الزواج، أما إذا كانت نية الزوج أن زواجه محدد المدة، فإن حسابه على الله ولكن ما أضمره في نيته لا يفسد عقد الزواج، لأنه لم يصرح به وبالتالي يمكن أن يطبقه أو لا يطبقه.


الاتفاق لا يحلّ التحديد

وينفي الدكتور صابر طه، عميد كلية الدعوة الإسلامية في جامعة الأزهر، حرية الزوجين في الاشتراط في عقد الزواج، حتى لو وصل الأمر إلى وضع الاتفاق على تحديد المدة، فأكد أن الإسلام يحترم الحرية، إلا أنه وضع لها ضوابط شرعية حتى لا تصطدم بتعاليم الدين فتحلل الحرام أو تحرم الحلال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحلَّ حراماً».

وأوضح أن الاتفاق على هذا التحديد بين الزوجين إذا تم فهو باطل ومحرم شرعاً، ولا يجوز الالتزام به، بل إن من يلتزم به آثم شرعاً، ويجب التصدي له من خلال تشريعات رادعة تعاقب من يستحل الحرام أو يحاول أن يجد له مبرراً شرعياً، وذلك لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، أي إن أحكام الشرع الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية لابد أن ينفذها سلطان أو حاكم قوي يضع التشريعات المتوافقة مع أحكام الشرع والتصدي للخارجين على شرع الله وأحكام دينه، مثل من يحاولون تحليل تحديد مدة الزواج.

وأنهى الدكتور صابر كلامه بحض الدعاة، على مختلف تخصصاتهم، على نشر الوعي الديني لدى الشعوب الإسلامية لمواجهة تلك الأفكار، لأن شعوبنا عليها أن تبحث عن عوامل التوحد والتقارب تنفيذا لأمر ربها القائل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» الآيتان 102-103 سورة آل عمران.