تحميل المجلة الاكترونية عدد 1074

بحث

الانتحار: دراما عنيفة يدفع إليها الفشل والإكتئاب والأزمات النفسية والعاطفية والمشاهير من ضحاياه

الحياة أثمن ما نملك والحفاظ عليها هدف يمنح الانسان الإحساس بأهمية وجوده على هذه الأرض، وعندما يختطف الموت أحد الناس فإنه أمر طبيعي جداً، لكن أن يوقِّع الإنسان شهادة وفاته بنفسه فذلك هو اللغز المثير الذي يترك غصة في النفس وتساؤلات لا حد لها. ودرج الناس منذ زمن على أن يستيقظوا على قصة رحيل شخص يقرر في غفلة من الزمن أن يودّع الحياة على طريقته ليسجّل بذلك حادثة انتحار جديدة. لماذا ينتحرون؟ سؤال يتردّد في أذهان الناس كلما ودَّع الحياة شخص هنا أو هناك. لعل الجواب يكمن إجمالاً في الاكتئاب، فهو يعدّ من أهم الأسباب التي تودي بحياة الناس عن قصد منهم وتصميم. وبعض نجوم التمثيل والغناء العالميين انتحروا بسبب حالات الاكتئاب المختلفة التي أصابتهم، والبعض الآخر قرَّر مغادرة العالم في ظروف غامضة، وهو ما يجعل تفسير انتحارهم محاطاً بسلسلة من الألغاز وعلامات الاستفهام الكثيرة. وكان آخر من مات منتحراً، ووقع خبر رحليه كالصاعقة، الممثل العالمي الأميركي الكوميدي روبين ويليامز، الذي غادر الدنيا عن عمر يناهز الـ 63 عاماً. في هذا التحقيق تقدم «لها» مواقف وآراء وتجارب انتحار من مصر ولبنان والإمارات.


في مصر: ست حالات انتحار أسبوعياً
الحب والسياسة والبطالة... أسباب تقف وراء ظاهرة الانتحار التي تؤكد الإحصاءات ارتفاع معدلاتها أخيراً، خاصة بين الشباب. فماذا تقول الأرقام أيضاً عن هذه الظاهرة المرعبة؟ ولماذا يقرر شخص ما فجأة التخلص من حياته؟

المنتحرون ما بين سن 18 و35 عاماً
أوردت «الجمعية التنسيقية المصرية للحقوق والحريات» إحصائية رصدت خلالها، في الفترة الممتدة من كانون الثاني/يناير 2015 وحتى 2 آب/أغسطس منه، 157 حالة انتحار وقعت في مصر، بخلاف محاولات الانتحار التي تم إنقاذ أصحابها. وأشارت إلى أن الرجال هم أكثر المنتحرين، حيث بلغ عدد حالات انتحار الرجال 128 حالة بنسبة 81.5 في المئة، فيما بلغت حالات انتحار الإناث خلال الأشهر السبعة 29 حالة فقط بنسبة 18.5 في المئة... ولفتت إلى أن هناك ما بين خمس وست حالات انتحار، يستقبلها أسبوعياً مستشفى قصر العيني في القاهرة. وقالت «التنسيقية» إن النسبة الأكبر لحالات الانتحار تغلب في شريحة الشباب المنحصرة في الفئة العمرية ما بين 18 و35، حيث بلغت 83 حالة بنسبة 52.87 في المئة، تليها الفئة العمرية من 36 وحتى 60 عاماً، بـ 28 حالة انتحار، ثم 27 حالة انتحار مجهولة العمر، و16 حالة انتحار في شريحة الأطفال، وأخيراً ثلاث حالات انتحار في فئة المسنين فوق 60 عاماً.

زينب المهدي: «تعبت استهلكت مفيش فايدة»
تتنوع الأسباب المؤدية الى الانتحار ما بين اكتئاب وضيق تنفس وغضب عارم كأسباب نفسية، وأزمات الحب والبطالة كأسباب اجتماعية، كما تقف الأسباب السياسية أيضاً وراء بعض حالات الانتحار، والتي كان أبرزها واقعة انتحار الناشطة السياسية زينب المهدي التي كانت إحدى عضوات حملة المرشح الرئاسي المصري عبدالمنعم أبو الفتوح، وقد أشار أصدقاؤها وعدد من المقربين منها الى أنها كانت مصابة بحالة من الاكتئاب، مما دفعها الى الانتحار من طريق الشنق في غرفتها الخاصة في منزلها، تاركةً رسالة مع أصدقائها وعلى صفحتها في «فيسبوك»، هذا نصها: «تعبت استهلكت مفيش فايدة، مفيش قانون خالص هيجيب حق حد بس إحنا بنعمل اللي علينا».

ندى سلامة: انتحار على ال«فيسبوك»
أما عازفة الناي الشابة ندى سلامة، فبدأت قصتها بالتنويه عن رغبتها في الانتحار عبر صفحتها على «فيسبوك» بكلمات تحمل في مجملها معنى الموت والانتحار، منها: «اشنق رغبتك الأخيرة في الحياة». وبعد أيام عدة من تلك الكلمات، تم الإعلان عن خبر انتحارها بشكل غامض، ثم تضاربت الأنباء ما بين النافين للوفاة والمؤكدين لها، حتى أن الأمر أخذ اهتماماً كبيراً في وسائل الإعلام، وهناك من أكد أن ندى نفسها وراء شائعة الرحيل للهروب من بعض الديون المالية، والبعض الآخر ردد أنها أشاعت ذلك بهدف الشهرة.

مريم الشناوي: أول منتحرة تصور لحظات تخلصها من حياتها في فيديو
مريم الشناوي، عرفت في مصر بفتاة «السيلفي» في لحظات الانتحار، حيث قامت بنشر فيديو خاص على صفحتها في «فيسبوك» و«يوتيوب»، يتضمن خطوات انتحارها صوتاً وصورة، وتلك الحالة كانت الأولى من نوعها والأصعب، بحيث يصور المنتحر نفسه ليتسنى للجميع رؤية الواقعة. ومن أصعب لقطات الفيديو عندما قطعت مريم شريان يدها بينما تذرف دموعها وتقول بعض كلمات الوداع... وقد أثار الفيديو المؤلم انقلاباً بعد تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن بعد نشر الفيديو بأيام عدة، ظهر أحد أقارب مريم في فيديو آخر وهو يدلي بتصريحات خاصة عن الواقعة، مؤكداً أنهم أنقذوا مريم في اللحظات الأخيرة من الحادث، من ثم ظهرت مريم الشناوي في فيديو جديد تنتقد فيه كل من هاجمها في واقعة تصوير فيديو الانتحار، مؤكدة حقيقة التجربة وأنها بالفعل كانت مقبلة على الانتحار، وأن الشهرة التي حصلت عليها ما هي إلا شهرة سلبية أدت إلى تدهور العديد من الأمور في حياتها.

رفض الأهل زواجهما فتخلص الحبيبان من حياتهما
أشهر حالات الانتحار بدافع الحب كانت من نصيب حبيبين من مدينة دمنهور، بعدما وقف الأهل في طريق ارتباطهما. فقد انتحرت الفتاة في البداية لرفضها الارتباط بغير الشخص الذي تحبه، وانتحر الشاب فور علمه بالواقعة من أعلى كوبري ترعة المحمودية في محافظة البحيرة، ليلقى مصرعه على الفور. وأشارت التحريات الأولى للأمن في المحافظة إلى أن الشاب المنتحر كان موظفاً في إحدى المؤسسات الحكومية المصرية، وقبل انتحاره بأيام عدة تقدم للارتباط بإحدى الفتيات، وكان الرد من أسرتها بالرفض، فرمت الفتاة بنفسها من شرفة منزلها وأصيبت على الفور بكسور ونزيف داخلي، وعندما زارها الشاب في المستشفى كانت قد فارقت الحياة، فخرج للتو من المستشفى وقفز في ترعة المحمودية وغرق في الحال حزناً على وفاة الفتاة التي ارتبط بها عاطفياً.

الدكتور إيهاب إسماعيل كامل: التركيز المبالغ فيه على بعض المشاكل البسيطة يحولها الى دافع قوي للانتحار
يقول الدكتور إيهاب إسماعيل كامل، أستاذ الطب النفسي، إن العامل النفسي هو الأكثر تحكماً في قرار الانتحار الذي يتوقف على الشخص نفسه، ومدى قدرته على تحمل الأعباء، إضافة إلى مدى قوة إيمانه وقربه من ربه، وأن المنتحر قد يركز بشكل مبالغ فيه على مشاكله الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، ويضعها نصب عينيه دائماً فتتحول إلى دافع قوي لتنهي حياته. ويضيف أن ظاهرة الانتحار تتعلق بشكل رئيسي بالبيئة التي يعيش فيها الأشخاص وتأثيرها فيهم، فكلما كان الشخص ضعيفاً وغير قادر على التكيف، تدفعه تلك الضغوط إلى الانتحار للتخلص من الحياة ومصاعبها، لأن الشخص المنتحر تظهر عليه بعض العلامات، مثل الاكتئاب والإحباط والانعزال والبعد عن كل شيء في المجتمع، فإذا كانت البيئة التي يعيش فيها لا تعي تلك الأمور وتبدأ في أخذ الخطوات الجادة لتفاديها، سيسارع الشخص المحبط إلى الانتحار والتخلص من أزماته. ويشير إلى دور المجتمع في محاربة تلك الظاهرة، من طريق تفهم طبيعة الآخرين واستيعاب آرائهم، وعدم التقليل من شأنهم، أو التهاون في حالتهم النفسية، مما يشعر الشخص المقبل على الانتحار بالإحباط، وأنه غير مرغوب فيه، فيزيد من إصراره على الانتحار، خاصة أن غالبية المنتحرين يعانون ضعفاً في الشخصية وعدم قدرة على التحمل، وفي بعض الأحيان يعانون أمراضاً نفسية. ويوضح الدكتور إيهاب أهمية تقارب الأسرة ودوائر المعارف المختلفة من الأشخاص، الذين يصبحون في عزلة تامة وتظهر عليهم آثارها، من اكتئاب وفقدان الرغبة في التحدث أو الطعام والشراب، لأنه يصبح مقدماً على صراع نفسي يكاد يدفعه إلى الممارسات غير المستحبة، فلا بد للأسرة والمعارف من أن يدركوا تماماً أهميتهم في تلك المرحلة من حياة هؤلاء الأشخاص، خاصة الذين يمرون بأزمات، سواء كانت لها علاقة بالظروف السياسية، أو الاجتماعية كفقدان أحد الأقارب، أو الاقتصادية كالمرور بخسارة مالية فادحة.

الشيخ هاشم إسلام عضو لجنة الفتوى في الأزهر: لا بد من إحياء الوازع الديني في نفوس الشباب
الشيخ هاشم إسلام، عضو لجنة الفتوى في الأزهر الشريف، يرجع أسباب انتشار ظاهرة الانتحار بين الشباب في الفترة الأخيرة، إلى الأوضاع التي يعيشون فيها والأزمات الاقتصادية الصعبة التي تمنعهم من تحقيق أهدافهم، وغياب دور علماء الدين في نصح الشباب والوقوف إلى جانبهم. ويكمل: «لا بد من التشديد على أن الانتحار حرام، ولا بد من أن يسعى الإنسان إلى مواجهة ظروفه وعدم الفرار منها بالانتحار. وأمام تفشي ظاهرة الانتحار، لا بد من الوقوف على أسبابها، وإحياء الواعز الديني في نفوس الشباب، لأنهم النواة الأساسية التي لا بد من أن يحتفظ بها أي مجتمع ويقف الى جوارها، عكس ما يحدث الآن. كما أن خروج الشباب بمشاكلهم بعيداً من الاستعانة بالدين وتجارب الصحابة في قوة التحمل من أهم أسباب الانتحار، ولا بد من إحياء الندوات الدينية لوعظ الشباب وعودتهم إلى المساجد والتمسك بالإيمان».


الانتحار في لبنان... شخص واحد كل ثلاثة أيام
اليأس، الاكتئاب، حالات الإحباط والمآسي الكبيرة... كلها دوافع تحث الإنسان على البحث عن حلول أو وسائل للهرب منها. بعض الناس يعاني ويتقبل حالته، والبعض الآخر لا يستطيع التحمّل فيفكر بوضع حد لمعانته بالانتحار. فمن لا أمل له في الحياة، يحاول الهرب منها إلى المجهول، متخلياً عن كل ما فيها من دون تردد أو إدراك.
التقت «لها» رئيس قسم الطب النفسي في «المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور زياد نحاس واطّلعت منه على كامل التفاصيل، كما قابلت أحد الذين حاولوا الانتحار، وكان هذا التحقيق:

الانتحار ثم الانتحار
ناهد فتاة في السادسة عشرة من عمرها، تعيش مع أخواتها حياة اجتماعية صعبة ملؤها اليأس والإحباط، فالتفكك الاسري والمشاكل العائلية ونظرة الناس الدونية إليهن... عوامل تضغط عليهن وتقلق عيشهن.
تقول ناهد: «نشعر بالدونية لأننا ليس لدينا سند أو من يدافع عنا، مما يجعلنا نسعى إلى الانتحار والموت خلافاً لما يسعى إليه الآخرون. حاولت الانتحار منذ فترة لشعوري ببعد أهلي عني، فهم يعاملونني وكأنني لست ابنتهم، هذا فضلاً عن مشكلة عاطفية زادت من عذابي، إذ كنت أحب شاباً ووعدني بالزواج الذي حلمت به لأتخلص من معاناتي مع أهلي، إلا انه أخلَّ بوعده فشعرت باليأس وتناولت كمية كبيرة من الدواء وشارفت على الموت لو لم أُنقل الى المستشفى في اللحظات الأخيرة».
تجربة ناهد لا تختلف كثيراً عن تجربة شقيقاتها، فقد حاولت اثنتان منهن تقطيع شرايين يديهما لأسباب مشابهة. تقول ناهد انها كانت بكامل وعيها عندما أقدمت على الانتحار، وهي ليست نادمة على فعلتها، ولكنها لن تكرر المحاولة لأنها تعذبت كثيراً أثناء تلقيها العلاج من آثار الدواء، ولذلك أصبحت مقتنعة بأن من يريد الانتحار، عليه استخدام وسائل أكثر ضمانة.
ترى ناهد أن الناس يستكثرون عليهن الحياة، ولا يسمحون لهن حتى بالأمل، فالفقير أو الضعيف في نظرهم لا يستحق العيش الكريم، لذا هي مقتنعة بفكرة الانتحار، وتختتم حديثها بالقول: «لن أتراجع عن فكرة الانتحار، لأن لا شيء يستحق العيش من أجله، ونحن ننتظر رحمة الله وفرجه».

الدكتور زياد نحاس: القلق والاكتئاب والشيخوخة وراء معظم حالات الانتحار
يفيد رئيس قسم الطب النفسي في «المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت» الدكتور زياد نحاس بأن نسبة الانتحار في لبنان تزداد من عام الى آخر، إذ سجلت عام 2015 زيادة بنسبة 25 في المئة مقارنة بالأعوام السابقة. ووفق مصادر واحصاءات قوى الأمن الداخلي للعام 2014، هناك شخص منتحر كل ثلاثة أيام. أما بالنسبة الى عدد محاولات الانتحار فلا احصاءات رسمية في لبنان. ووفق تقديرات المنظمة العالمية للصحة، فإن كل حالة وفاة بسبب الانتحار تواكبها عشرون محاولة انتحار، أي بمعدل محاولة انتحار كل سبع ساعات، وهذه نسبة كبيرة».
يعتبر هذا المعدل، وفق نحاس، أقل من المعدلات التي تسجلها الدول الأوروبيّة والأميركيّة، وهي غير مؤكده بسبب العوامل الثقافية والدينية والاجتماعية التي تطمس حالات الانتحار في لبنان لاعتبارها وصمة عار. كما أن حالات الانتحار الناتجة من وسائل غير عنفية لا يصرح عنها كفعل انتحار، ما يشير إلى وجود عدد كبير من الحالات. ويؤدّي صغر المجتمع اللبناني وتلاحم العائلات إلى زيادة الأثر السلبي (شعور بالذنب، اللوم والفقدان...) لحالات الانتحار في أفراد العائلة الواحدة والمحيط.
يوضح نحاس أن ثلثي المنتحرين في لبنان من الذكور، فيما الثلث الباقي من الإناث بسبب استعمال الذكور وسائل الانتحار الأكثر عنفاً كإطلاق النار والشنق والقفز... والتي تؤدي إلى الموت المؤكد. وعن الفئة العمرية للمنتحرين، يقول نحاس: «لا توجد احصاءات دقيقة عن الفئة العمرية في لبنان، ولكن الاحصاءات العالمية تبين ان الفئة العمرية ما بين 15 و25 تعتبر الاخطر، ويشكل الانتحار السبب الثالث للوفاة بينها، فيما يؤكد الذكور في الفئة العمرية الممتدة ما بين 55 و60 سنة انتحارهم لأنهم لا يتحدثون كثيراً، وإذا قرروا شيئاً، ينفذونه من دون تردد».

الترابط العائلي والإيمان يحميان من هاجس الانتحار
وعن أسباب الانتحار، يؤكد نحاس: «اسباب الانتحار كثيرة، وتفيد الدراسات بأن 90% من الحالات مرتبطة نسبياً بأمراض نفسية كالكآبة مثلاً، إذ يعاني الأفراد الذين يحاولون الانتحار، في معظم الحالات، مرضاً نفسياً مثل الاكتئاب، إدمان المخدرات والكحول والفصام. وتشمل عوامل الخطر التي تؤدي إلى الانتحار الإصابة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب أو القلق، الشيخوخة، الإصابة بأمراض خطيرة. ومن الممكن أن تعزز بعض العوامل السلوكيات الانتحارية مثل ضعف الروابط العائلية، التعرض لاعتداء جسدي في الطفولة، التعرض للتنمّر، الاعتداء الجنسي أو العاطفي، أو لخسارة عاطفية أو مالية كبيرة، الانعزال، الشعور بالرفض، الحرب وغيرها. يُظهر الأشخاص الذين يفكرون في الانتحار بعض الإشارات مثل الشعور باليأس وفقدان الأمل، التعبير عن الرغبة في الموت، الشعور بالألم، التصرف بتهور، تناول الكحول والمخدرات وغيرها».
ويرى نحاس أن من الخطأ التحدث مع المريض عن الانتحار حتى لا نلفت انتباهه إلى هذه الوسيلة، وإنما علينا الاستماع اليه واصطحابه إلى طبيب نفسي. وإذا كانت حالته صعبة وملحّة، يجب التوجه به إلى المستشفى للاهتمام به وإخراجه من أزمته قبل فوات الأوان. ويقول: «في العادة، لا يحب الناس الإفصاح عما يعانونه، ولذلك نسعى في جمعية «Embrace» لإطلاق الخط الساخن، بغية مساعدة الناس الذين يريدون الكلام، وفي الوقت نفسه لا يريدون الاعتراف، فحملتنا هذه السنة تهدف الى مساعدة هؤلاء عبر اعطائهم الارشادات والنصح، وتقديم العلاج الذي يناسبهم».
ويفيد نحاس بأن الترابط العائلي والإيمان من اهم الركائز للحماية من الانتحار لأنهما يُشعران الشخص بالأمان، اضافة إلى ان الرادع الديني يبعد فكرة الانتحار عن الانسان، لأن الانتحار محرّم لدى أغلب الطوائف الدينية، ولكن في حال وجد شخص تضطهده الافكار الانتحارية، يجب ألا نكتفي بمحاورته ومواساته، بل يجب عرضه على طبيب مختص لإخراجه من حالته هذه.
ويختتم نحاس حديثه عن الانتحار والحملة التي تقوم بها جمعية «Embrace» بالقول: «هدف الجمعية من خلال حملتها لهذه السنة نشر المعلومات عن الصحة النفسية في لبنان، وهي مبادرة فريدة في المنطقة، اهتمامها الاساسي هو التخفيف من وصمة العار ومساعدة المريض الذي يحتاج الى العلاج ولا يستطيع مادياً، اضافة إلى اطلاق الخط الساخن الذي سيكون الخطوة الثانية التي سنقوم بها بالتعاون مع وزارة الصحة».

آراء ومواقف من الإمارات
هذه آراء ومواقف اختصاصيين وفنانين من الإمارات تحاول تفسير ظاهرة الانتحار المُلغزة.

نفق مظلم
في تعريفه لظاهرة الانتحار، يقول أستاذ التربية وعلم النفس الإعلامي خليفة السويدي: «عندما يصل الإنسان إلى المرحلة التي يفقد فيها طعم الحياة وتنفصل العلاقة بين مثلث العقل والروح والجسد، يخط بنفسه طريق النهاية، ولكن لكي نقف على أسباب هذه الظاهرة التي أصبح لها وجود حقيقي في حياتنا، علينا أن نتتبع بداية النفق المظلم الذي يهوي إليه بعض المشاهير، حيث بات من المنطقي جداً أن ينتحر الفنان الذي يقدم البسمة على طبق من فضة إلى الناس عبر أعماله الكوميدية، لأنه ليس من الضروري أن يكون سعيداً في حياته الشخصية، خصوصاً أنه حين يقدم دوره في عمل ما فهو يدرك تماماً أنه يؤدي دوراً تمثيلياً هدفه إسعاد الناس». ويذكر السويدي أن مرحلة الانتحار لا تأتي من فراغ، إنما هي محصلة لفقدان بعضهم الهدف من البقاء على قيد الحياة، وهو ما يؤدي بطريقة ما إلى الاتجاه نحو تعاطي المخدرات وشرب الكحول، وكلها تصبح مقدمات خصبة للوقوع في براثن الاكتئاب. ويلفت السويدي إلى أن الكثير ممن يذهبون إلى الموت بمحض اختيارهم لا يدركون في ساعة النهاية أن جسدهم ليس ملكاً لهم، لأنهم يعتقدون أن حياتهم من الممكن أن تمتد بطريقة ما في العالم الآخر.

حافة الانهيار
إلى ذلك يورد أستاذ الطب النفسي في مستشفى خليفة الطبي الدكتور أحمد الألمعي أن بعض المشاهير الذين أقدموا على الانتحار كانوا من المصابين بمرض «اضطراب المزاج الثنائي القطبية»، مما يجعل حياة الفرد على حافة الانهيار ويتنازعه بعض المشاعر السعيدة لدرجة الإفراط والكآبة المُحبطة، مؤكداً أن الناس في الغالب على اختلاف عقائدهم يعبدون إلهاً واحداً، وكل العقائد تحرّم قتل النفس، لذا فإن المشاهير الذين تسلط عليهم الأضواء في حياتهم وتزداد أكثر في حالة رحيلهم بطريقة استثنائية، كانوا ضحايا لإحباطاتهم النفسية التي لا يعلم الناس عنها شيئاً، وأن هناك أشياء أكبر بكثير من مجرد من امتلاك المال وكل ما تشتهي النفس، وهي السعادة وإن اختلفت مستوياتها ودرجات تحققها.
يروق للشاعر والأديب حبيب الصايغ أن يلتفت إلى انتحار الشعراء، خصوصاً أنه ينتمي إلى قبيلة أصحاب القصيدة، ويبين أنه عندما تأمل إبداع الشاعر اللبناني خليل حاوي الذي مات منتحراً  عقب اجتياح القوات الإسرائيلية بيروت عام 1982، حيث لم يتحمل ما رآه، فأطلق النار على رأسه في منزله في شارع الحمرا في بيروت، ووجد أن المبدع قد يرى أن الموت مرادف للحياة، وأن الشعراء ينتحرون مجازاً في حياتهم آلاف المرات، ويظن المراقب لمشاهد انتحار المشاهير أنهم كانوا يعيشون لحظات شجاعة في مواجهة الموت، مع أنهم كانوا في أشد لحظات الانكسار.  غير أن الصايغ الذي أفرد ديواناً شعرياً كاملاً بعنوان «أُسمّي الردى ولدي»، يرى أن الشعراء تكلموا أكثر من الفلاسفة عن الموت، فالحب والموت ثنائي لا ينفصل لديهم.

لحظات انكسار
ويعترف مدير بيت الشعر في الشارقة محمد البريكي بأن مشاهير الفن والإبداع الأدبي بوجه عام لديهم ذات متضخمة، إذ إن أحزانهم أكبر بكثير من أحزان غيرهم من الناس، وهو ما يجعل بعضهم يُقبل على الانتحار الذي لا يقبله الدين وترفضه العقائد السماوية. ويشير البريكي إلى أن ضعف الوازع الديني من العوامل التي تضع العديد من مشاهير الدنيا على حافة الهلاك الاختياري، خصوصاً أنهم حين يمرون بلحظات الانكسار والخيبات تظلم الدنيا في عيونهم ويفقدون شهوة الحياة فيرحلون في غفلة من الزمن تاركين وراءهم أسئلة حادة لا يكاد يظفر بالإجابة عنها أحد، خصوصاً أن معظم حالات الانتحار تقع في ظروف غامضة تؤوّل بروايات عدة.

ماذا عن باقي الأشخاص؟
يجزم الفنان الإماراتي سلطان النيادي بأن المشاهير الذين ودّعوا الحياة منتحرين، يتعرضون لظلم كبير، إذ إن الناس حصروا موتهم بأنه ظاهرة تستحق الدراسة والتأمل، على الرغم من أن الحياة عموماً مليئة بحالات الانتحار لأشخاص عاديين، فهناك من انتحر بسبب معاناته من ضائقة مالية، أو طالب فشل في امتحانه، أو فتاة لم تتزوج من حبيبها، أو رجل أعمال قتل نفسه بعد خسارة مالية فادحة في الأسهم... وكل هذه النماذج موجودة في حياتنا اليومية تحت عنوان «الانتحار». ويتابع سلطان: «هذه الحالات لا يسلط عليها الضوء كثيراً، إلا المشاهير الذين لهم حضور في المجتمع وتلاحقهم أضواء وسائل الإعلام المختلفة، فالمشاهير بهذه الخاصية أصبحوا مثار اهتمام، ومن الطبيعي عندما يُقبل أحدهم على الانتحار، أن يتداول الناس قصته ويزايدوا عليها، وهو ما ينشّط حركة التفسير والتحليل النفسي، وعلى رأسها الاكتئاب».

ذروة الاكتئاب
ويرى الفنان حبيب غلوم أن ظاهرة انتحار المشاهير لم تأت من فراغ، خصوصاً أن الفنان بطبيعته يمتلك حساً مرهفاً، وتصل درجة انفعالاته إلى مستوى يتخطى بكثير درجة انفعال الإنسان العادي، لذا فالعديد من المشاهير الذين رحلوا بمحض اختيارهم كانت أسباب تخلصهم من الحياة  مبنية على تصورات خاطئة، ومنهم من كان يصل إلى ذروة الاكتئاب بعد أن تنحسر الأضواء عنه، فلا يجد نفسه محط أنظار الناس والإعلام. ويشير غلوم إلى أن من المعروف أن المشاهير يعيشون حياة ترف كبيرة، ويسلط عليهم الضوء بشكل كبير، وعندما يشعر أحدهم للحظة بأنه يفقد كل ما حققه في سنوات طويلة، من نجاحات فنية، يصاب بحالة نفسية سيئة واكتئاب يودي به إلى الموت، خصوصاً أن بعضهم لا يتحمل أن يرى نفسه خارج الأضواء.  ويؤكد محدّثنا في الوقت نفسه أن الوازع الديني هو الذي يتحكم مباشرة في تصرفات الإنسان، ويكون حائط صد يحول دون الإقبال على مثل هذه الأمور التي تتسبب في أن يفقد الإنسان أغلى ما يملك.

مصدر البسمة
وتلقّى الفنان حمد الكبيسي الذي برع في الدراما البدوية أخيراً خبر انتحار الفنان العالمي «روبين ويليامز» بمزيد من الدهشة والاستغراب، لكون هذا الفنان كان مصدر البسمة للناس، وكان يرسم على وجوه محبيه علامات السعادة والفرح، لكنه يشير إلى أن هذا الانتحار المفاجئ، جعله يقلّب النظر ملياً في ظاهرة موت المشاهير، لذا يرى الكبيسي أن الفنان بما يمتلك من رصيد لدى الناس قد يأتي عليه وقت يشعر فيه بأنه عاجز عن أن يقدم السعادة لنفسه، وأنّ لا قيمة له في هذه الحياة، فيكون قراره هو الرحيل الاختياري. وعلى الرغم من أن الكبيسي يرفض هذا الأسلوب في التعامل مع المواقف الصعبة وانتحار المشاهير، فهو يؤكد أنه عندما يصل إلى مرحلة من عدم القدرة على حل مشكلة ما، يعود بكل بساطة إلى الدين الذي ينتمي إليه، لأن في الدين حلولاً من الممكن أن توصل الإنسان إلى السعادة الحقيقية.

داليدا وسعاد
لقيت الفنانة العالمية ذات الأصول المصرية داليدا مصرعها في عام 1987 بعد معاناتها سنوات طويلة من الآلام، عندما تناولت جرعة زائدة من الحبوب المنومة، وتم اكتشاف موتها بعد ظهر اليوم التالي وقد تركت ورقة كتبت عليها جملة واحدة «سامحوني، حياتي أصبحت غير محتملة»، الأمر الذي أكد أنها قررت الانتحار.
وفي عام 2001 كانت الفاجعة الكبرى عندما رحلت السندريلا سعاد حسني في لندن لتترك وراءها الكثير من التساؤلات والأسرار، وأهمها لغز وفاتها الذي يبدو أنه سيظل لغزاً محيّراً، هل انتحرت الفنانة الجميلة أم قتلت عمداً؟

ضحية النجاح
كان خبر وفاة روبين ويليامز الأكثر انتشاراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الأخرى، فمثلما عاش هو وأمثاله حياة مليئة بالشهرة، يتحدث عنهم الجميع ويتتبعون أخبارهم الفنية، انتهت حياته وحياة الكثير منهم بطريقة جعلتهم أكثر شهرة بعد موتهم، ودفعت الجميع إلى التفكير فيهم، ومتابعة كل خبر يتعلق بتفاصيل وفاتهم.
وقيل إن ويليامز كان ضحية نجاحه المبهر، حيث ساهم هذا النجاح في تغذية الصراع النفسي الذي كان يعانيه، وهو يحاول أن يرتقي الى مستوى توقعاته العالي جداً. فالممثل الذي حصد في حياته جوائز عديدة، منها الأوسكار والغولدن غلوب والإيمي والغرامي، وكان واحداً من أهم المواهب التي عرفتها هوليوود، قضى الفترة الأخيرة وهو مكتئب جداً، فعمله الأخيرThe Angriest Man in Brooklyn لم يلقَ نجاحاً يذكر، وتعرض الفيلم الذي شاركه بطولته كل من ميليسا ليو وميلا كونيس إلى نقد قاسٍ، وتم عرضه في عدد محدود جداً من دور العرض، ثم رفع منها بعد وقت قصير، وطبع ووزع على أقراص مدمجة، وهو ما أكده مقرّب من عائلة ويليامز. وإلى جانب الضغط العملي الذي عاناه، كانت تؤرقه عقدة الموت، وذلك بعد وفاة ثلاثة من أقرب أصدقائه إليه في عالم الترفيه وهم: كريستوفر ريف، آندي كوفمان، وجون بيلوشي. كما كشفت زوجته أخيراً أنه كان قد بدأ يعاني مرضاً عصبياً يؤثر في قدراته الذهنية وفي حركته.

شكوك حول الوفاة
هناك الكثير من الفنانين العالميين الذين لقوا مصرعهم انتحاراً أو في ظروف أخرى، ومن بينهم النجمة الأميركية العالمية مارلين مونرو التي لا تزال وفاتها حتى الآن عالقة في أذهان الجميع، بسبب ملابساتها الغامضة، وفي ذلك رأيان، الأول يؤكد أنها عانت الاكتئاب، وهذا ما كان واضحاً في مذكراتها، فانتحرت من طريق تناول الحبوب المنومة والكحوليات. والرأي الآخر يقول إنها قتلت على أيدي الاستخبارات الأميركية، بسبب مذكراتها التي أشارت فيها بوضوح إلى العلاقة التي جمعتها بالرئيس الأميركي وقتها، جون كينيدي.

جرعة مخدّر
المطربة الأميركية ويتني هيوستن، التي عثرت الشرطة على جثتها في غرفتها في أحد الفنادق، تضاربت الآراء حول سبب وفاتها. قيل إنها انتحرت بسبب تناولها جرعة زائدة من الكحوليات والمخدرات، ثم أغرقت نفسها، إلا أنه بعد تشريح الجثة، وفتح التحقيقات، أكد المحققون أنها قتلت على يد أحد تجار المخدرات، الذي حاول استرداد أمواله من هيوستن، والتي تجاوزت المليون دولار، وعندما فشل في استرداد نقوده قتلها.

تدهور فني
عن عمر يناهز الـ 42 عاماً، توفي الفنان ألفيس بريسلي الذي أطلق عليه «ملك الموسيقى»، وقد قضى انتحاراً بعدما تدهورت حياته الفنية والشخصية، وزاد وزنه، فأدمن المخدرات والكحول، وعثر عليه ميتاً في عام 1977 بسبب تناوله جرعة زائدة من المخدرات.

ملك البوب
أثارت وفاة ملك البوب العالمي مايكل جاكسون الكثير من الجدل. ففي عام 2009 صعق العالم أجمع بخبر وفاته، وقيل وقتها في بداية الأمر إن سبب وفاته يرجع إلى انتحاره إثر تناول جرعة زائدة من عقار «بروبوفول»، ونقل بعدها إلى المستشفى، لكن الإسعافات الأولية لم تساعده على العودة مرة أخرى إلى الحياة. وبعد تشريح الجثة، أشارت التحقيقات حول قضية وفاته، إلى أن طبيبه الخاص كونارد موراي هو المتسبب في وفاته، وذلك بعدما أمدّه بجرعة زائدة من العقار وخضع لتنفس اصطناعي بطريقة خاطئة، ما أدى إلى مصرعه، وحُكم على الطبيب بالسجن أربعة أعوام.

المجلة الالكترونية

العدد 1074  |  أيار 2024

المجلة الالكترونية العدد 1074