«يوميات أم عاملة» الدكتورة غادة عامر: فخورة بصداقتي لأبنائي والمجتمع دفعني إلى منافسة الرجال

يوميات أم عاملة,الدكتورة غادة عامر,فخورة بصداقتي لأبنائي,منافسة الرجال,مستقبلها,كلية الهندسة,أرابيان بيزنس,العالم الإسلامي,حققت المعادلة الصعبة,أمٍّ لأربعة أبناء

القاهرة – فادية عبود- تصوير – أحمد حمدي 27 مارس 2016

منذ طفولتها رسمت ملامح مستقبلها كأستاذة في كلية الهندسة، لكنها في النهاية تفوقت على أحلامها وأصبحت ضمن أقوى 100 امرأة عربية في قائمة «أرابيان بيزنس»، وانضمت بالتالي الى لائحة تحمل أسماء 20 امرأة من الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي. إنها الدكتورة غادة محمد عامر، التي تكشف لنا كيف حققت المعادلة الصعبة بين تفوقها في عملها ونجاحها كأمٍّ لأربعة أبناء.


- من هي الدكتورة غادة عامر؟
غادة محمد عامر، نائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، أستاذ الهندسة في جامعة بنها، والمدير التنفيذي لمختبر الابتكار، والمشرف على مكتب دعم التكنولوجيا لعلوم الابتكار في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

- كيف دعمتك الأسرة في تنشئتك حتى تحققي نجاحك العلمي والمهني؟
أبي أستاذ جامعي في كلية الهندسة، وأمي مدرّسة رياضيات، ولي أخت واحدة فقط، والداي كانا يشجعاني دائماً على تحقيق رغباتي، فكان أبي يدعمني كثيراً، وتتفهم أمي الأمر جداً وتعاملني كصديقة، حتى في طفولتي الشقية، كانت تعرف متى تكون الصديقة ومتى تكون الأم الحازمة، فاعتمدت في تربيتنا على الولاء لها ولأبي. وقد أجبرني المجتمع الشرقي الذكوري على منافسة الذكور طوال الوقت، فكنت أتعجب عندما نعود من دولة الكويت حيث كان يعمل أبي، فيسأله أصدقاؤه في كل مرة: أين ابنك؟ ألم تنجب ولداً بعد! كنت حينها لا أزال طفلة وأتعجب من السؤال، وأقول لوالدي لماذا يسألون عن الصبي؟ وما الذي يحققه لوالده أكثر من الفتاة، وكان يجيبني بأن الصبي يخلّد اسم والده بعد وفاته، فقررت أن أنافس الرجال وأخلّد اسم والدي حتى بعد مماتي، فسجلت على كتبي المدرسية منذ كنت في المرحلة الابتدائية: الأستاذة المهندسة غادة محمد عامر، وكان هدفي أن أصبح أستاذاً في كلية الهندسة مثلما كان يحب أبي... وحتى في ممارسة الهوايات والرياضات، كنت أنافس الذكور، فحصلت على بطولات في الشطرنج، وهي لعبة يصنفها المجتمع بأنها ذكورية، كما لعبت كرة القدم، وحين كنت طفلة لم تكن هناك فرق مخصصة للفتيات فكنت ألعب مع الذكور.

- كونك بين أكثر 20 امرأة مؤثرة في العالم الإسلامي، ونائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا وأستاذاً جامعياً، كيف تجدين الوقت لكل هذه التوصيفات الوظيفية؟
لم أسع يوماً إلى أي منصب أو توصيف وظيفي باستثناء التحاقي بهيئة التدريس الجامعي في كلية الهندسة كما أسلفت، لكنني منذ طفولتي كنت أبحث عن التغيير والنجاح، فلم أقرأ روايات رومانسية، بل قرأت عن العالمة سميرة موسى، وكنت أتمنى أن أجتهد حتى أنال نصيباً من نجاحها وعلمها، كما كنت مولعة بالعالم الدكتور فاروق الباز ومهاتير محمد، وسبحان من حقق أمنياتي إذ تشرّفت بالعمل مع الدكتور فاروق الباز في المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، وقابلت مهاتير محمد في أحد المؤتمرات وجلست الى جواره على المنصة وتحدثنا في الموضوع المطروح للنقاش. تلك العلامات أكدت لي أن تمني الخير والنجاح دائماً ما يحفز العقل الباطن للإنسان ويسخّر له كل عوامل النجاح، وطوال عمري أبحث عن النجاح والتميز في مجالي، وكثيراً ما أحقق أمنياتي، وهذا ما يلخص في علم الطاقة البشرية بنظرية قانون الجذب.

- ألم تشعري في قرارة نفسك بأن أبناءك الأربعة قد أعاقوا طموحك المهني والعلمي، خاصةً في ظل ما يشاع في مجتمعاتنا العربية من أن الأم العاملة الناجحة تكون فاشلة في تربية أبنائها؟
بالعكس تماماً، أبنائي الأربعة قدموا لي الدعم وكانوا سبباً في نجاحي، وسأصارح كل الأمهات بأن الأبناء هم الاستثمار الأكبر في الحياة، وعنصر من عناصر النجاح، لكن المهم هو حسن إدارة الوقت وتنظيمه بين العمل والأبناء، فمثلاً أنا لا أهدر وقتي في المكالمات الهاتفية، والدليل على ذلك فواتير هاتفي المحمول التي تكون دائماً منخفضة القيمة، والأهم من ذلك أنني أعتبر أبنائي الأربعة بمثابة أصدقائي المقربين فنتناقش بأمور العمل وكيفية مواجهة ضغوط الحياة، كما أُطلعهم على سير نجاحي... وبناء على ذلك، أنصح كل امرأة عاملة ألا تلتفت إلى انتقادات المجتمع التي تحد من طموحاتها، وأؤكد لها أن من الصعب تغيير المجتمع بأكمله، لكن من السهل علينا أن نعزز ثقتنا بأنفسنا، لذا انشغلي بنفسك واهتمي بأبنائك وتابعي نجاحك، فهكذا تساهمين في تغيير الثقافة الاجتماعية الى الأفضل.

- كونك زوجة وأمّاً لأربعة أبناء وتمارسين أكثر من أربع وظائف في الوقت نفسه، كيف توفقين بين كل هذه الأمور؟
السر يكمن في حسن تنظيم الوقت، فالأمومة لم تكن عائقاً أمامي على الإطلاق، وأتذكر جيداً كيف تصادف يوم ولادة ابني الأكبر محمد، طالب في كلية الهندسة، مع اليوم الأول في دراسة الماجستير، وكان ذلك بتاريخ 1 تشرين الأول/أكتوبر 1996، ولم أحضر محاضراتي حيث دهمتني آلام الولادة صباحاً، أثناء تقديمي محاضرة بصفتي معيدة في كلية الهندسة، وانتقلت إلى المستشفى بسيارة الإسعاف، ورغم ذلك لم تتجاوز إجازة وضعي أكثر من أسبوع راحة في المنزل، وكنت أذهب من مدينة طنطا إلى القاهرة من أجل محاضرات رسالة الماجستير، وأترك رضيعي مع إحدى العاملات في الكلية الى حين انتهائي من المحاضرة وعودتي من ثم إلى طنطا بالقطار. وأعتقد أن شغف ابني محمد بكلية الهندسة- جامعة القاهرة يعود الى اصطحابي له أثناء تحضير الماجستير. ومع بلوغ محمد الشهر التاسع من عمره، فوجئت بحملي الثاني، وتزامنت ولادة ابني أحمد، وهو طالب في الثانوية العامة، مع ذهابي أيضاً إلى كلية الهندسة في جامعة القاهرة، بعدما وقعت من القطار على بطني ونقلت على الفور إلى المستشفى وولدت في اليوم الأول من الشهر الثامن بسبب انفجار المشيمة. رغم تلك المعاناة ما بين العمل والدراسة، واصطحابي لطفليّ الاثنين من طنطا إلى القاهرة لإتمام دراسة الماجستير، والتزاماتي الأسرية والزوجية، لم أشكُ يوماً من مشاكل العمل وضغوطه لزوجي أو حتى لأبي، إذ كنت أخشى أن يطالباني بالاستقالة أو الحصول على إجازة، وكان متنفسي الوحيد في الشكوى ابناي، رغم صغر سنّهما، وكونهما لا يفقهان شيئاً في أمور الحياة وقتها. حتى بعد إنجابي لابنيَّ التوأم إيلاف ومصطفى، وهما طالبان في الصف السادس الابتدائي، ما زال أبنائي الأربعة متنفسي في الحياة، فهم أصدقاء عمري واستثماره الأمثل.

- في خضم انشغالك بالدراسة والعمل، هل شكل إنجابك للتوأم عقبة في مشوارك العملي؟
بالعكس أصبحت أكثر تنظيماً لأولوياتي، واكتشفت قدراتي الحقيقية في الحياة، بعدما اتضح لي أنه كلما زادت المسؤوليات وتجرد الإنسان من الوسائل الداعمة له، اكتشف قدراته الحقيقية، لذلك أنصح كل أمٍّ تشكو من دلال ابنها أن تجرده من رفاهياته تدريجاً، حتى يزيد اعتماده على نفسه.

- هذا النجاح المزدوج في العمل ومع الأبناء لم يكتب له الاستمرار، حيث انفصلت عن زوجك بعد مضي سنوات قليلة على زواجك... هل واجهت معاناة كأم وحيدة بعد الانفصال؟
والد أبنائي كان ذا خلق، ولم تكن بيننا خلافات كبيرة، لكن أحياناً تستحيل العِشرة بسبب الاختلاف وليس الخلاف، فاتفقنا على الانفصال بكل رقي وتحضر، وانفصلنا في المنزل لفترة حتى نتأكد من قرارنا، ثم كان الطلاق. لم أواجه صعوبة كأم وحيدة بعد انفصالي، لأن أبنائي كانوا مسؤوليتي الكاملة منذ الولادة، وبقليل من التنظيم استمرت حياتنا جيدة، خاصة أن تربيتي لهم على أسس من الديموقراطية كانت تقوم على المصارحة والمشاركة، فكنا نخطط لإجازتنا السنوية منذ بداية العام على أساس الميزانية المتاحة، فأبنائي تعلموا أن التخطيط الجيد يتيح لنا استمتاعاً أكبر بالإمكانيات المتاحة، مثلاً كنا نحجز تذاكر الطيران مبكراً لأنها تكون أقل سعراً. ومثال آخر عندما انتقلنا للعيش في لندن لفترة، كان العرف السائد هناك اقتسام الشقة مع آخرين، نظراً لارتفاع أسعار السكن، لكنني جمعت أبنائي الأربعة وأخبرتهم بأننا سنستقل في شقة بمفردنا، لكن ذلك سيقتطع جزءاً أكبر من الميزانية، ولذلك علينا تقليص النفقات، وبالتالي وجدتهم أكثر تعاوناً، حتى أن الولدين الكبيرين كانا يتجولان في المنطقة السكنية ليطّلعا على العروض التي تقدمها الأسواق، ويقترحان عليَّ شراء مستلزمات المنزل من تلك الأماكن التي تجري تخفيضات وتقدم عروضاً مغرية، وكانا يفعلان الشيء نفسه في ما يخص مشترياتهما الشخصية.

- أنت الآن زوجة الدكتور عبدالله عبدالعزيز النجار رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، أخبرينا كيف يدعمك في حياتك المهنية والأسرية؟
أولاً هو إنسان راقٍ جداً، وهو أستاذ جامعي في الفيزياء، أي المجال نفسه تقريباً، أجد معه حواراً فكرياً راقياً وشيقاً، فضلاً عن دعمي العلمي، فهو أستاذ فيزياء طاقة شمسية، وهذا العام كنت أدرس الطلبة في الجامعة طاقة متجددة، فساعدني في التحضير للمنهج الدراسي الجديد، ودائماً أستعين برأيه في مقالاتي العلمية التي أكتبها في الصحف العلمية، وعندما أخطط لمشروع فهو يقدم لي رؤية واضحة يدعمني بها، الى جانب نظرته الثاقبة الى الآخرين... وفي حياتنا الأسرية هو نعم الزوج والأخ والصديق، كذلك هو صديق مقرب من أبنائي وحريص على حسن المعاملة والرقي، وتجمع بين أبنائي وأبنائه مودة وصداقة، فهو دائم الحرص على توطيد العلاقة الأسرية وتقديم الدعم الأسري للجميع.

- هل لديك طقوس خاصة في تجديد طاقتك الإيجابية؟
نعم وأهمها سماع الموسيقى، وأسعد لحظاتي الخاصة بعد ذهاب أبنائي إلى المدرسة، فأشعل البخور في المنزل ثم أستمع إلى الموسيقى، وعلى أنغامها أعد كوباً من القهوة لأستمتع بشربه، وكل هذا لا يتعدى نصف الساعة يومياً، لكنه وقتي الخاص الكفيل بإعادة شحن طاقتي الإيجابية في مواجهة التزامات الحياة.


شهادة الأبناء والزوج

على مدار أربع سنواتٍ من الزواج، يؤكد الدكتور عبدالله عبدالعزيز النجار فخره بزوجته الدكتورة غادة عامر، كأمٍّ وزوجة وأستاذة جامعية وناشطة في المجال العام التكنولوجي، لافتاً إلى أنها منذ تطوعها للعمل في المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا كانت محط أنظار الجميع بسبب نشاطها وتفوقها العلمي والعملي، خاصة في ما يخص العمل الابتكاري ودعم الأفكار. ويقول الدكتور عبدالله بصفته أستاذاً جامعياً وعضواً برلمانياً سابقاً، إنه لا يخجل من الاعتراف بأنه تعلم من زوجته التفاؤل وعدم الانسياق وراء الطاقة السلبية، ومقاومة الإحباط بالمزيد من العمل. ويلفت رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا إلى إنه، بالإضافة إلى براعة زوجته كأمّ، فإن تنوعها الثقافي والعلمي قد انعكس على أبنائها، محمد الأكبر طالب في كلية الهندسة وعازف عود، أحمد طالب في الصف الثالث الثانوي وعاشق لكرة القدم، أما التوأم مصطفى وإيلاف فهما لا يزالان طالبين في الصف السادس الابتدائي، حيث يعشق إيلاف الرسم ويهوى مصطفى كرة القدم والعزف على الغيتار.
أما أبناء الدكتورة غادة عامر الأربعة فيؤكدون دائماً أنهم يستمتعون بصداقة أمهم، وأنهم لا يشعرون بابتعادها عنهم على الإطلاق رغم كثرة مشاغلها، حيث تنظم أوقات عملها أثناء وجودهم في المدرسة، وإذا كان لديها عمل إضافي في المنزل فيتزامن مع وقت مذاكرتهم، حيث يجتمعون جميعاً.