(الحلقة الأولى) مفتي مصر الدكتور شوقي علام في حوار رمضاني: الصيام ليس مبرراً لعصبية الأزواج

مفتي مصر,الدكتور شوقي علام,في حوار رمضاني,الصيام ليس مبرراً لعصبية الأزواج,أحكام الشرع,نقصان الدين,سن اليأس,استئصال الرحم,تحذير للجميع,موائد الرحمن,ضوابط الثواب,رفيق الترفيه

القاهرة – جمال سالم 05 يونيو 2016


مع اقتراب شهر رمضان الكريم، واستعداد الجميع للصوم، تكثر التساؤلات حول أحكام الشرع في كل ما يخص فترة الصيام. «لها» التقت مفتي مصر الدكتور شوقي علام، ليُجيبنا عن الكثير من الأسئلة التي تشغل الأذهان.


- نحن على أعتاب رمضان، وكثير من الناس لا تتغير حياتهم إلى الأحسن في رمضان، فماذا تقول لأمثال هؤلاء الذين يستمرون في الانشغال بأمورهم الحياتية حتى في رمضان؟
 أقول لهم لا تضيعوا على أنفسكم فرصة ذهبية لمغفرة الذنوب والإقلاع عن المعاصي وتحصيل الحسنات في هذا الشهر، الذي له خصوصية أوضحها رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)، ورواها الصحابي الجليل سلمان الفارسي، وكانت قبل رمضان بساعات حيث قال: «خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في آخر يوم من شعبان، فقال: أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك، فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطّر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء، قالوا ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال يعطي الله هذا الثواب من فطّر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة».

الطلاق الرمضاني
- يحدث الكثير من حالات الطلاق في رمضان بسبب عصبية الزوج، وفي كثير من الأوقات يسيء الأزواج الى زوجاتهم في رمضان بحجة عصبيتهم، فكيف كان الرسول يعامل زوجاته طوال العام وليس في رمضان فقط؟

لا يسيء إلى النساء، سواء في رمضان أو غير رمضان، إلا جاهل بأحكام الإسلام، وقد أمر الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) بحسن معاملة النساء حتى وهو في مرض موته، فقال: «أيها النّاس، اتّقوا الله في النّساء، اتقوا الله في النّساء، أوصيكم بالنساء خيراً». لكن للأسف هناك من أساؤوا فهم الرجولة، فجعلوها غلظة وغضباً وشجاراً وهيمنة، ومن المؤسف أن يزيد هذا في رمضان الذي وصفه الرسول بأنه شهر «الرحمة والمغفرة والعتق من النار». وثمة الكثير من الأحاديث النبوية التي تؤكد أن الرسول الكريم كان يدلل زوجاته، ويرسم على وجوههن البسمة حتى في أصعب اللحظات والمواقف، وهي أوقات الحروب، فمثلاً بعد رجوعه من إحدى الغزوات، طلب من القافلة أن تسبقه ويقوم بعيداً عن أعين الصحابة بمسابقة السيدة عائشة مرتين، وليس مرة واحدة، وسبقها مرة وسبقته مرة، وقال لها «هذه بتلك»، وبالتالي لا تعارض بين كونه رسولاً قائداً باسلاً في المعركة منذ ساعات، وسرعان ما يصبح الزوج الحاني المعطاء مع زوجته، وقد أمرنا الله تعالى بالاقتداء بالرسول (صلّى الله عليه وسلّم) في حياتنا، باعتباره المثل الأعلى فقال: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (آية 21) سورة «الأحزاب».

- لكن الزوج المسيء قد يبرر تصرفاته بأن ضغوط الحياة والحر الشديد يؤديان إلى ضيق خلقه وانفلات أعصابه، فماذا تقول له؟
هذا العذر مرفوض شرعاً، لأن القوي هو من يتمالك نفسه عند الغضب في كل الشهور، فما بالنا في رمضان، ولهذا يجب الاقتداء بالرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وهو القائل عن نفسه ونصح أمته: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»، فلم تكن حياة النبي مع زوجاته جامدة وكئيبة كما يفعل بعض الأزواج الآن، بدليل ما روته أم المؤمنين عائشة بنفسها، فتقول: «دخلت مجموعة من أهل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟. فقلت: نعم، فقام بالباب، وجئته فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذ: أبا القاسم طيبا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: حسبك. فقلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي، ثم قال: حسبك، فقلت: لا تعجل يا رسول الله، قالت: ومالي حب النظر إليهم، لكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه»، ويكفي وصف الرسول لعلاقة الرجال بالنساء بالأشقاء، فقال «النساء شقائق الرجال».

سي السيد
- هل كان الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) رقيقاً مع زوجاته حتى في رمضان، خاصة أن هناك من يعشقون شخصية «سي السيد» ويتحولون إلى جبابرة مع زوجاتهم؟

 ما من زوج على وجه الأرض كان رقيقاً مع زوجاته، حتى في رمضان، مثل الرسول (صلّى الله عليه وسلّم)، وقد بلغت رقته الشديدة مع زوجاته أنه كان يخشى عليهن حتى من إسراع الإبل اللائي يركبنها، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) كان في سفر، وكان هناك غلام يحدو بهن - أي ببعض أمهات المؤمنين وأم سليم - يقال له أنجشة، فاشتد بهن في السياق، فقال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير»، ولهذا فإن من يعشق شخصية «سي السيد» في حياته كلها، سواء في رمضان أو غير رمضان، يعد آثماً شرعاً.

الظلم في رمضان
- هل من يحرم أخته أو ابنته من حقها في الميراث خلال رمضان يكون ذنبه أكبر؟

إذا كان الإسلام قد جعل للذكر مثل حظ الأنثيين في حالات معدودة، حين قال الله تعالى في آية الميراث: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا» (آية 11) سورة «النساء»... فإن هناك حالات كثيرة ترث فيها المرأة مثل الرجل، بل وأكثر منه أحياناً، ومع هذا فإنه في حالة نصف ميراث الرجل تعدّ هي الرابحة، لأن الرجل مكلف بالإنفاق على أسرته وفي كل مراحل حياتها، ولا تنفق هي شيئاً ولها ذمة مالية مستقلة. أما عن حرمان المرأة من الميراث في رمضان أو غيره فهو حرام، لأنه ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، لأن فيه جرأة على أحكام الشرع.

سن اليأس
- ما هي سن اليأس بالنسبة الى المرأة؟ وهل لهذه السن تأثير في صومها؟

اختلف الفقهاء في تحديد سن اليأس، ففي المذهب الحنفي الآيسة هي من بلغت خمساً وخمسين سنة، وهذا هو القول الذي نفتي به، وهناك أقوال أخرى أهمها في الفقه المالكي: سن اليأس سبعون سنة كحد أقصى، والمدة من خمسين سنة إلى سبعين سنة يرجع فيها إلى ذوي الخبرة من النساء أو غيرهن، في ما إذا كان الدم الذي ينزل من المرأة دم حيض أو غيره. وفي الفقه الشافعي، فإن الآيسة هي من بلغت سن اثنتين وستين سنة. وفي فقه الإمام أحمد بن حنبل، فإن الآيسة هي من بلغت سن خمسين سنة. أما في ما يتعلق بصيام الآيسة، فإن لها الصيام بشكل كامل متى انقطع الدم عنها.

نقصان الدين
- ما ردكم على من يقولون إن وصف النساء بأنهن ناقصات دين هو على سبيل الذم وامتهان المرأة؟ وهل هناك علاقة بين هذا النقصان وعدم صيامها في بعض الحالات؟

وصف النبي (صلّى الله عليه وسلّم) للنساء بنقصان الدين، مرده الى الأحكام الشرعية المتعلقة بهن، ولم يأت هذا الوصف على سبيل الذم، وإنما على سبيل التنبيه لهن وحثهن على الاجتهاد والإكثار من فعل الخيرات وترك المنكرات، تعويضاً لهذا النقصان. وقد فسر الرسول هذا النقصان بترك المرأة الصلاة والصوم في أيام حيضها ونفاسها على وجه الإلزام الشرعي، بخلاف الرجل الذي لا تعتريه مثل هذه الأمور.

- هل من حق المرأة السعي لاستكمال جوانب نقصان الدين كأن تصوم وتصلّي رغم العذر الشرعي من حيض ونفاس؟
بالطبع لا، بل إنها تأثم لأنها لم تلتزم بأحكام الشرع، وبالتالي فإن هذا اجتهاد العبادة، لكن في غير محله ولن يكون مقبولاً منها، فضلاً عن أنه مخالف للشرع، حيث قال الله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا» (آية 36) سورة «الأحزاب».

استئصال الرحم
- بعض النساء يضطررن الى استئصال الرحم ومع هذا ينزل عليهن دم، فهل هذا دم حيض يمنعهن من الصوم أم أنه دم فاسد وعليهن الصوم بغياب الرحم بعدما تم استئصاله؟

الدم النازل من المرأة بعد استئصال رحمها لا يعد حيضاً في أي حال من الأحوال، ولذلك تكون المرأة التي استؤصل رحمها طاهرة تصلّي وتصوم ولا تمتنع عن المعاشرة الزوجية، أو أي شيء كانت تمتنع عنه وقت حيضها.

- كيف تحسب من استؤصل رحمها عدّتها إذا تم طلاقها؟
بغياب الرحم أو الحيض، يكون حساب العدّة بالأشهر لا بالإقراء، لأن الحيض ينزل نتيجة التبويض في الرحم، وطالما أن لا حيض فالحساب للعدّة بالأشهر...

الزينة والصوم
- يعد طلاء الأظافر من أدوات الزينة للنساء، فهل يجوز الوضوء والصلاة والصيام في وجود الطلاء؟

الوضوء على طلاء الأظافر لا يصح، ويجب إزالة هذا الطلاء ثم إعادة الوضوء والصلاة. أما بالنسبة الى الصوم فالأمر مختلف، لأن طلاء الأظافر لا يؤثر في صحة الصيام، ومع هذا فإننا ننبه إلى أن الصلاة «عماد الدين» ويجب الحرص عليها في رمضان وغيره من الشهور، ولا شك في أن الصلاة والصيام ثوابهما عظيم ولا يجوز شرعاً التفريط في الصلاة بسبب طلاء الأظافر.

- هل الإفرازات النسائية تنقض الوضوء وتوجب الغسل، وبالتالي لا يجوز الصوم في وجودها؟
من المقرر شرعاً أن من نواقض الوضوء كل ما خرج من السبيلين «القبل والدبر»، أي البول والغائط والريح. ولهذا فإذا كانت الإفرازات النسائية عادية ولم تكن متكررة وبدون شهوة، فإنها تنقض الوضوء، لكن لا يتوجب على المرأة الغسل كاملاً، وإنما عليها غسل المحل فقط، وتغيير الملابس إذا كانت قد ابتلت من هذه الإفرازات، أو غسلها وتصلّي بهذا الوضوء ما شاءت من الفرائض، وفي هذه الحالة يجوز لها أن تصوم، لأن هذه الإفرازات ليست حيضاً طالما كانت بالمواصفات السابقة.

الصيام والبنات
- ماذا تقول للأمهات والآباء الذين لا يعرّفون بناتهم بأحكام الصيام؟

أقول لهم اتقوا الله في بناتكم، وتدليل البنات لا يعني جعلهن جاهلات بأحكام الصيام، حيث إن من المقرر شرعاً أنه يجب على الفتاة الصيام متى بلغت سن التكليف، ويحصل التكليف بظهور علامات البلوغ، وأهمها: نزول الحيض وظهور شعر خشن حول العضو التناسلي أو بلوغها الـ15  سنة، أيهما أسبق... فمع ظهور بعض هذه العلامات يتوجب عليها الصيام، لأن الفتاة إذا حاضت بلغت مبلغ النساء، وجرى عليها قلم التكليف، وإذا اختل شرط من الشروط فهي ليست مكلفة ولا شيء عليها، وهناك شروط أخرى غير أعراض البلوغ يُشترط توافرها في المرأة المسلمة المكلفة، كأن تكون عاقلة، لأن العقل من أهم شروط التكليف بالعبادات في الإسلام، وبالتالي إذا لم تكن عاقلة فلا صيام أو صلاة عليها.

- لكن بعض الآباء والأمهات يهملون تعليم بناتهم الصوم، ويسمحون لهن بعدم الصيام شفقة ورحمة منهم بهن، فما حكم الشرع؟
هؤلاء الأمهات والآباء آثمون شرعاً، وعليهم التوبة والاستغفار، لأن التوبة تهدم ما قبلها، وعليهم تعويد بناتهم وأبنائهم على الصوم بشكل تدريجي قبل البلوغ، حتى إذا وصلوا سن التكليف كان هذا أمراً يسيراً عليهم. أما جعل البنات والأبناء لا يصومون شفقة ورحمة، فهذا أمر مرفوض شرعاً، وشفقة ورحمة في غير محلهما.

- ماذا تفعل الفتاة إذا كانت جاهلة بتلك الشروط أو نظر إليها أهلها على أنها صغيرة على الصيام أو لا تتحمله؟
يجب عليها قضاء ما تركته من صيام من حين تكليفها، سواء كان سنة أو أكثر.

- هل تأثم المرأة إذا صامت حياء من أهلها وهي في الدورة الشهرية؟
 لا شك في أن فعلها خاطئ ومخالف لأحكام الشرع، ولا يجوز الحياء في مثل هذه الأمور، لأن الحيض أمر كتبه الله على بنات آدم، وقد منع الإسلام الحائض من الصوم والصلاة، ولهذا فإن من صامت وهي حائض حياءً من أهلها، عليها قضاء تلك الأيام التي صامتها وقت الحيض، ولا تعود الى مثلها وإلا كانت آثمة مستهترة بالتكاليف الشرعية وضوابطها.

- هل يُشترط بالفتاة قضاء الشهر أو الشهور التي أفطرتها بسبب جهلها ببداية تكليفها بالصيام بشكل متتابع، أم يمكن صيام أيامه فرادى؟
من تيسير الإسلام على من يلزمها قضاء ذلك الشهر الذي أفطرته بعد بلوغها، أنها تصومه متتابعاً أو متفرقاً، كما تتوجّب عليها مع القضاء صدقةٌ عن كل يوم لقوله تعالى: «.... وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ...» (آية 184) سورة «البقرة».

- ما قيمة هذه الصدقة؟
اتفق جمهور الفقهاء على أنها نصف صاع عن كل يوم، أو تقدير ثمنه بعملة البلد الذي تعيش فيه الصائمة، وفي هذا الأمر يُستحب السخاء مع الفقراء والمحتاجين وفق المقدرة المالية للفتاة، أو المرأة التي أفطرت وتقضي صيامها، ذلك أن الواجب أن تصوم الشهر في وقته.

اعتراض الزوج
- بعض الأزواج يعترضون على تناول زوجاتهم حبوباً في رمضان لإيقاف الدورة الشهرية، فهل طاعة الزوج واجبة أم تنفذ المرأة ما تريد؟

طاعة الزوج واجبة شرعاً طالما أنه لم يأمر بمعصية لله، لأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولهذا إذا كانت هذه الحبوب التي تؤخر الدورة الشهرية ستسبب مشكلات زوجية، فما أراه في هذه الحالة أن تتوقف المرأة عن فعل ذلك، وتقتنع بما قدّره الله عز وجل وكتبه على بنات آدم، فإن هذه الدورة الشهرية لله تعالى حكمة في إيجادها، وقد يكون في هذه الحبوب ضرر على جسم المرأة، وقد قال النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «لا ضرر ولا ضرار».

- لكن أخذ الحبوب لتأخير الدورة الشهرية قد يساعد الزوجة على مزيد من الطاعات، من صلاة وصيام... فما رأيكم؟
إذا قال الأطباء الثقات إنه يجوز أخذ دواء لمنع نزول الحيض ولا يسبب ذلك ضرراً صحياً للمرأة، فإننا ننصح الزوج بتفهم القصد النبيل للزوجة من الإكثار من العمل الصالح، مثل الصيام في زمنه، والصلاة مع الجماعة كقيام رمضان، والاستكثار من قراءة القرآن وقت الفضيلة، فلا بأس في تناول الحبوب بهذا القصد، وإن كان القصد مجرد الصيام حتى لا يبقى ديناً فلا أراه حسناً، وإن كان مجزّئاً للصوم في كل حال.

- إذا انقطع دم المرأة مع الفجر مباشرة، هل تمسك وتصوم هذا اليوم مع أنها لم تطهر، ويُحسب يوماً لها أم يجب عليها قضاء ذلك اليوم؟
إذا انقطع دم المرأة مع طلوع الفجر أو قبله بقليل، صح صومها، وأجزأ عن الفرض ولو لم تغتسل إلا بعد طلوع الفجر. أما إذا لم ينقطع إلا بعد فترة الصباح أو أذان الفجر، فإنها تمسك ذلك اليوم قدر استطاعتها، لكنه لا يحسب صياماً بل تقضيه بعد رمضان.

- إذا طهرت الحائض في أثناء النهار من الحيض، فهل تمسك بقية اليوم؟
إذا طهرت المرأة في أثناء النهار من الحيض أو من النفاس، فإن من الأفضل لها أن تمسك بقية ذلك اليوم وتقضيه، وإمساكها هنا لحرمة الزمان واحترام مشاعر الصائمين، لكنها لم تكمل الصيام، لأن الذي يصوم نصف النهار أو حتى غالبيته لا يعد صائماً.

- إذا طهرت النفساء قبل الأربعين، هل تصوم وتصلّي أم لا؟ وإذا جاءها الحيض بعد ذلك هل تفطر؟
 إذا طهرت النفساء قبل تمام الأربعين وجب عليها الغسل والصلاة وصوم رمضان وحلّت لزوجها، فإن عاد إليها الدم في الأربعين وجب عليها ترك الصلاة والصوم، وحرمت على زوجها، وصارت في حكم النفساء حتى تطهر أو تكمل الأربعين، فإذا طهرت قبل الأربعين أو على رأس الأربعين، اغتسلت وصلّت وصامت وحلّت لزوجها.

- ماذا تفعل إذا استمر نزول الدم بعد الأربعين؟
اذا استمر نزول الدم بعد الأربعين فهو دم فساد لا تترك من أجله الصلاة ولا الصوم، بل تصلّي وتصوم في رمضان وتحلّ لزوجها، ويكون حكمها كالمستحاضة، ويجب عليها أن تتحفظ بما يخفف عنها الدم من القطن أو نحوه، وتتوضأ لوقت كل صلاة، لأن النبي (صلّى الله عليه وسلّم) أمر المستحاضة بذلك، إلا إذا أتتها الدورة الشهرية - أي الحيض - فإنها تترك الصلاة والصيام.

البحر
- يأتي رمضان هذا العام في الحر الشديد، ويحاول المتشددون التضييق على المرأة ومنعها من الاستمتاع بهذه النعمة الربانية بحرمانها من النزول الى البحر بوجه عام وفي أثناء الصيام بوجه خاص؟

من حيث المبدأ، لا يمنع الشرع المرأة من الاستمتاع بالحياة في نطاق الحلال والالتزام بالضوابط الشرعية، وبالتالي ليس هناك ما يمنع نزولها الى البحر إذا لم يؤدّ ذلك إلى معصية، ولهذا عليها الذهاب الى أماكن خاصة بالسيدات وبعيداً عن أعين الرجال الأجانب، وفي الوقت نفسه، يجب عدم التساهل أو التفريط، لأن الإسلام يتوافق مع الفطرة السليمة، فأي إنسان عاقل يرفض أن تظهر محارمه أمام الرجال الأجانب بزي غير محتشم.

- هل الحل في المايوه الشرعي؟
بصرف النظر عن المسميات، فالمهم أن تتوافق مواصفاته مع أحكام الشرع في الملبس، وأهمها أن يكون غير شفاف أو لافت لأنظار الرجال بألوانه المبهرة، وألا يُظهر أي عورة حرّم الله إظهارها، وهي كل جسد المرأة ما عدا الوجه والكفين.

- «ساعة لقلبك وساعة لربك» قول يتداوله البعض لتبرير الترفيه الذي يصل أحياناً الى درجة المجون في رمضان وغيره، فماذا تقول لأمثال هؤلاء الذين يستندون إلى جزء من حديث نبوي بما معناه «ساعة وساعة»؟

لا بد من الفهم الصحيح لمعنى الحديث الذي رواه أبو عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي، وكان من كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فقال: «لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله، ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله صلّى عليه وسلّم يذكّرنا بالنار والجنّة حتى كأنا نراها رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، عافسنا الأزواج – أي انشغلنا بكل ما يتعلق بالزوجات - والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وما ذاك؟». قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا نراها رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ونسينا كثيراً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، لكن يا حنظلة ساعة وساعة - ثلاث مرات»، أي أن الإسلام ليس كله عبادة وإضاعة لحقوق الأولاد والزوجات والسعي إلى الكسب الحلال والترفيه المباح شرعاً، فهذه هي الوسطية الإسلامية، فالترفيه بلا معاصٍ مباح باعتدال طوال العام، بما فيه رمضان، لأن لجسدك وروحك وأهلك ومجتمعك عليك حقوقاً، فآتِ كل ذي حق حقه، فالإسلام يجمع بين الدين والدنيا».

رفيق الترفيه
- يبحث الصائم أو الصائمة عن صديق يشاركه الترفيه، فما هي مواصفاته حتى لا يفسد الصيام أو يقلّل من ثوابه؟

أمرنا الإسلام بحسن اختيار الأصدقاء، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، وبالتالي من الواجب شرعاً أن ننصح الصائمين والصائمات بوجه عام في كل مكان أن يحافظوا على أنفسهم من رفقاء السوء، الذين يستهينون بالمحرّمات، لأن رفيق السوء قد يفسد الصيام. أما عن حسن اختيار الرفيق أو الصديق الذي يعين على الطاعة فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ فحاملُ المسك إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحاً طيِّبة، ونافخُ الكير إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحاً خبيثَة»، وبالتالي فإن كل إنسان محاسب على اختيار صديقه أو رفيقه الذي يعينه على الطاعة أو المعصية.

تحذير للجميع
- هل يختلف الوضع بالنسبة الى الرجال عن النساء في اختيار الصديق أو الصديقة؟

 على كل إنسان أن يختار من يذكّره بالله ويعينه على الطاعة وينهاه عن المعصية. ومن المعروف أن الأحكام الشرعية ليست انتقائية وإنما حددها الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم) لما فيها من صالح البشر، سواء كانوا رجالاً أو نساء، وسواء أكانت فتاة مراهقة أم امرأة متزوجة، لأن التكليف الشرعي بالأوامر والنواهي يبدأ بالبلوغ أو نزول الدورة الشهرية وظهور علامات الأنوثة، وأحذّر من الاختلاط بين الجنسين بلا ضوابط شرعية، حتى لا يفسد شياطين الإنس والجن صوم الصائمين والصائمات فيصبح صيامهم بلا أجر.

موائد الرحمن
- أفتى بعض المتنطعين بحرمة موائد الرحمن بحجة أنها بدعة، لم يقم بها الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) وصحابته الكرام، فهل هذا صحيح؟

لا يقول هذا إلا متنطع جاهل بالدين ولا يفهم إلا بالقشور منه، ولا يفهم النصوص الدينية فهماً صحيحاً، ولهذا أؤكد أن موائد الرحمن ليست بدعة، وإنما هي عمل خيري يتقرب به فاعله من الله، ولست مبالغاً إذا قلت إنه من السنن أو حتى البدع الحسنة التي يُثاب فاعلها، لقول رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً».

ضوابط الثواب
- هل ينال ثواباً كل من قام بعمل هذه الموائد حتى لو كان من أهل الفن حيث يحرّم المتنطعون ذلك؟

الثواب متوقف على المال الحلال وعلى إخلاص النية، ومن كانت نيته مخلصة، ينال الثواب العظيم من الله، لقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم): «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»، وقوله أيضاً «مَنْ فَطَّرَ فِيهِ -أي في رمضان- صَائِمًا كَانَ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِه وَعِتْقَ رَقَبتِهِ مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ. قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يُفَطِّر الصائم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم): يُعْطِي الله هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا على تَمْرَةٍ أَوْ على شرْبَةِ مَاءٍ أَوْ مَذْقَةِ لَبَنٍ». أما من لم تكن لديه نية مخلصة فعمله غير مقبول ولا يعلم النية المخلصة أو غير المخلصة إلا الله وحده.-