مواقع التواصل الاجتماعي... تطاردنا وتسرق الوقت

مواقع,التواصل الاجتماعي,تطاردنا,وتسرق الوقت,أحمد عبداللطيف,الكسل,رانيا ربيع,الحل الوسط,وسيلة للترفيه,إبراهيم محمود,لا أستخدمها كثيراً,آمال سامي,السرقة الإلكترونية,مروة عبدالمنعم,حسناء خميس,الفراغ الممل,المقاومة,علياء علاء الدين,فجوات,الدكتورة هدى زكريا,الدكتور محمد هاني,تأثير سلبي

هدير الحضري - (القاهرة) 30 أكتوبر 2016

هل تحول استخدامكم لمواقع التواصل الاجتماعي إلى حالة من الإدمان؟ تحاولون الهروب منها، لكنها تطاردكم بعدما اعتمدتم عليها في رسم أسلوب حياتكم. احترسوا فالبعض يعاني بالفعل من هذا الإدمان، الذي يسرق وقته ويدمّر علاقته بمن حوله من أهل وأصدقاء.

«لها» ترصد حكايات تؤكد أن الاهتمام بـ«السوشيال ميديا» أصبح متعباً وتحوّل أحياناً  إدماناً خطيراً يؤثر في علاقاتنا الحقيقية ببعض، وتسأل خبراء النفس والاجتماع عن الحل...


وسيلة للترفيه
أحمد عبداللطيف، في الثالثة عشرة من عمره، يدرس في المرحلة الإعدادية، يمضي وقتاً طويلاً على «فايسبوك» وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يبدأ باستخدامها منذ اللحظة الأولى التي يستيقظ فيها صباحاً، انتهاء بتصفح المواقع ذاتها قبل خلوده الى النوم.
يرى أحمد أن لمواقع التواصل تأثيراً إيجابياً في حياته، إذ تتيح له فرصة التواصل الاجتماعي مع أناس جدد والتعّرف على العالم أكثر، لكن في الوقت نفسه يجد أن البعض قد يتأثرون بالمضامين السلبية التي تحتوي عليها تلك المواقع، ويقول: «أحياناً، يكتب كثيرون شتائم وعبارات بذيئة، ولا رقابة عليهم».
في الوقت ذاته، لا ينكر أحمد تأثير تلك المواقع السلبي في علاقته بأهله، لاندماجه الشديد بها، لكن حين يشعر بتفاوت الأفكار بينه وبين أهله، يلجأ إلى البحث بين أبناء جيله عمّن يبادله الأفكار ذاتها في هذا العالم الموازي.
ويتابع أحمد: «مواقع التواصل بالنسبة إليّ وسيلة للترفيه ليس أكثر، ويمكن أن أستغني عنها إذا أردت ذلك، وأهلي يراقبون استخدامي للإنترنت في كثير من الأوقات، لأنّهم يخافون عليَّ من إدمانها».

الكسل!
رانيا ربيع، شابة في العشرين من عمرها، تتحدّث عن تأثير آخر لمواقع التواصل في الحياة الاجتماعية، وتقول: «أصبحت مجرّد أزرار تتحكّم في حياتنا الاجتماعية وعلاقتنا بمن حولنا، فحين نريد تهنئة أحدهم على مناسبة سعيدة نضغط على زر، وحين نرغب في التواصل مع أحدهم نضغط على زر آخر، حتى انعدم التواصل الروحي والحقيقي بين الأهل والأصدقاء».
تشير رانيا الى أن التكنولوجيا الحديثة تمكّنت من تحويل أفراد العائلة الواحدة إلى آلات، فهم يجلسون معاً، لكن بأجسادهم فقط، إذ إن كلاً منهم يمسك بهاتفه الخليوي ليغيب في عالم افتراضي ينسيه الواقع... وتضيف: «ذات مرة قررت أن أغلق جميع حساباتي على مواقع التواصل لمدة أسبوع، فشعرت حينها براحة نفسية كبيرة، إلا أنني اضطررت الى فتحها مرة أخرى، ومع ذلك علمتني التجربة أن تصفح المواقع الالكترونية في أوقات الفراغ سيكون مفيداً، أو على الأقل استخدامها لمدة ساعة على الأكثر».

الحل الوسط
إبراهيم محمود، شاب يبلغ من العمر ثلاثين عاماً، يرى أن مواقع التواصل الاجتماعي، خاصّة «الفايسبوك»، تستحوذ على أكثر من 70 في المئة من حياته، إذ إنّه لا يستطيع الاستغناء عنها، إلى درجة أنه يتصفحها أوتوماتيكياً من خلال هاتفه الذكي أثناء جلوسه مع أسرته أو أصدقائه، وبالتالي فإن ما يقرأه يجذب تركيزه بعيداً عما يدور في العالم الحقيقي.
محمود، ورغم إدمانه العالم الافتراضي الموازي، يدرك جيّداً ما يترتّب على ذلك من تأثير سلبي، ويقول: «الفجوة تزداد عمقاً بيني وبين أهلي وأصدقائي، إذ تقل مشاركتي لهم في النشاط الواقعي الذي يمارسونه، ومن ثمّ فإن غالبية العلاقات الاجتماعية تفسد بسبب الأنترنت».
هذا الصراع الداخلي لدى الشاب، بين إدمانه الإلكتروني ورغبته في الحفاظ على حياته الاجتماعية، جعله يفكّر لبعض الوقت في التوقف عن استخدام مواقع التواصل، إلا أنّه لم يستطع، لأنّه على نحو ما يقول يحبها ويهتم بها، ويرى أنها غنية بالمعلومات المهمة التي تفيده على المستوى العملي، ومملوءة بالألعاب الترفيهية الممتعة، لذا قرر أن الحل الوسط هو الانقطاع عنها لفترة تكون بمثابة «إجازة»، ثم العودة إليها مرة أخرى.
يرى محمود أن على الجميع أن يحددوا مواعيد معينة لاستخدام الإنترنت حتى يحافظوا على حياتهم الاجتماعية، خاصّةً أن التكنولوجيا في تطور مستمر، وإن لم يضع الإنسان قواعد معينة لاستخدامها فسيفلت منه زمام الأمور.

لا أستخدمها كثيراً
على النقيض، لا تستخدم آمال سامي مواقع التواصل الاجتماعي كثيراً، وتفضّل عليها العلاقات الاجتماعية الواقعية. وهي لا تعاني مشكلة في مقاطعة هذه المواقع لفترات طويلة، لأن هذا يوطّد علاقتها بأفراد أسرتها، ورغم ذلك تشعر آمال بأنها الوحيدة التي لا تستخدمها... وتضيف: «أنصح الجميع بالابتعاد عن الإنترنت بينما يجلسون مع عائلاتهم، حتى لا يشتتوا تفكيرهم ولئلا يفسدوا علاقاتهم بأسرهم... وأقول لهم: تعاملوا مع مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها ميزة إضافية، ولا تسمحوا لها بأن تهيمن على حياتكم الاجتماعية».

السرقة الإلكترونية
في جانب آخر، تشير مروة عبدالمنعم، 23 عاماً، إلى بعدٍ مهمٍ في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وهو سهولة انتشار «الهاكر» على الحسابات الشخصية للمستخدمين، أي سهولة سرقة معلوماتهم وصورهم والتحدث باسمهم، وهو ما يؤدي إلى متاعب شخصية كبيرة.
ذات مرّة تعرّضت مروة لسرقة حسابها الشخصي عبر «فايسبوك»، وكانت خائفة من استخدام شخص لا تعرفه معلوماتها الشخصية وصورها ورسائلها الإلكترونية لعائلاتها وأصدقائها، وهو ما جعلها تشعر بأن خصوصيتها مهدّدة بسهولة. ومن جهة أخرى، تقلق مروة على أشقائها الصغار، فهناك احتمال كبير لتعرضهم لمحتويات غير أخلاقية قد تؤثر فيهم، كما ساهمت تلك الوسائل في إضعاف العلاقات الأسرية بعد إدمان أفراد العائلة الواحدة استخدام الـ«سوشيال ميديا» عبر هواتفهم المحمولة... وتعلّق بالقول: «أهلنا لا يقتنعون بأن الأمر فيه نوع من الإدمان، لأن الأجيال مختلفة...».
حاولت مروة مرات عدّة أن تقاطع استخدام مواقع التواصل بعد رفض فكرة سيطرتها عليها بالقوة، وتأثيرها في علاقتها بأهلها، لكنّها وجدت حالتها النفسية تزداد سوءاً، وتعمّق شعورها بالانعزال التام عن العالم وما يدور فيه، فعادت تلقائياً إلى استخدامها، ومع ذلك ترى أن الأمور ستسوء كثيراً مع تقدّم التكنولوجيا.

آمال سامي: أشعر بأنني الوحيدة التي لا تستخدمها
حسناء خميس: أصبحنا مشتتين بين عالمين

الفراغ الممل
أما حسناء خميس، طالبة جامعية، 19 عاماً، فتؤكد أن الـ«سوشيال ميديا» أثرت إيجاباً في حياتها الاجتماعية، خاصّة أنها أتاحت لها التواصل مع العديد من الشخصيات المهمّة والعامة، والذين لم يتسنّ لها مقابلتهم على أرض الواقع. لقد تطوّرت الحياة، ولم يعد الفايسبوك مثلاً عاملاً مساعداً، بل أصبح بالنسبة إلى كثيرين ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها، فيما تمثل الحياة الواقعية جانباً ثانوياً، مما أثر في العلاقات الاجتماعية بين الأسرة والأصدقاء.
وتضيف: «ما يحدث أمر في غاية السوء، لأنه أفقدنا الشعور بقيمة الأشياء وأهمية العالم الخارجي، وعزّز إحساسنا بالتشتت بين عالمين، فالحيرة وعدم التركيز يولّدان شعوراً بعدم الارتياح».
ترى حسناء أن الفايسبوك لا يمكن أن يمثل خطورة على الخصوصية، لأن كل إنسان يستطيع التحكّم في ما ينشره عن نفسه. لكن التأثيرات الضارة جعلتها تفكّر مراراً في إغلاق حساباتها، إلا أنها فشلت بعدما اكتشفت أنها لا تمتلكها بغية الترفيه فقط، وإنما تحتاجها لمعرفة ما يدور حولها في العالم كله، كما تساعدها في إنجاز مهماتها الدراسية في الجامعة، وتتيح لها الاستفسار عن أمور مختلفة، كالسفر والبضائع وغيرهما.
في النهاية، تعتقد حسناء أن الاستخدام المفرط لمواقع التواصل هو مجرّد انعكاس لخلو الحياة الحقيقية من الأعمال المهمّة، فيلجأ الشخص إلى تمضية أوقات فراغه على حساباته، لذا فإن الأمر برمّته معتمد على تحكّم الشخص في مشاريعه الحياتية التي يخطّط لها.

المقاومة
أما علياء علاء الدين، 23 عاماً، وتعمل في شركة إنتاج إعلامي، فتقول إن إدمان الـ«سوشيال ميديا» أصبح يسبب إزعاجاً شديداً للأسر التي بدأت تشعر بأن أبناءها غير موجودين بينهم إلا جسدياً، أما عقولهم فهي ذاهبة في عالم افتراضي إلكتروني يتحدّثون فيه مع أشخاص آخرين.
أغلقت علياء حسابها على «فايسبوك» ذات مرة، فشعرت براحة نفسية كبيرة، وفي الوقت نفسه اكتشفت أنها كانت تضيّع جلّ وقتها عبر مواقع التواصل، فتداركت الأمر واستغلت ذلك الوقت في صنع أشياء مفيدة، وتحسّنت علاقتها بأسرتها، وأصبحت مندمجة أكثر في تفاصيلهم الاجتماعية لدرجة أسعدتها، إلا أنها لم تستطع مواصلة مقاومتها للأنترنت وفتحت حسابها من جديد... وأضافت: «الحل الأنسب في رأيي هو ترك الهواتف مغلقة أثناء جلوسنا مع الآخرين، والابتعاد التام عن الإنترنت، حتى لا يجذبنا العالم الافتراضي. علينا أن نفعل ذلك، لأن التكنولوجيا في تطوّر مستمر وستعمّق الفجوة بين البشر أكثر فأكثر».

فجوات
تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة الزقازيق الدكتورة هدى زكريا، إن مواقع التواصل الاجتماعي تركت تأثيرات اجتماعية في الأسرة من جوانب مختلفة، أولها أن الكثير من الأفراد انبهروا بمواقع التواصل الاجتماعي، فأصبحوا مغرمين بنشر كل تفاصيل حياتهم عبرها، وتتضّمن تلك التفاصيل صوراً خاصّة ومواقف حياتية لا ينبغي أن تُنشر على الملأ، ومن ثم أصبح هناك اختراق للخصوصية العائلية، وكأن الناس يعرضون حياتهم في الشارع أمام الجميع.
وتتابع الدكتورة هدى أن الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أصبحوا غير قادرين على التفريق بين ما يمكن نشره وما يجب الاحتفاظ بخصوصيته، وقد يمكن أن يتشاجر زوجان فتُنشر المشاجرة عبر تلك المواقع، وحين تنتهي المشكلة ينسيان ما دار بينهما، لكن الناس لا ينسون أبداً.
وتضيف: «رغم نجاح السوشيال ميديا في التقريب بين البشر، الذين تفصلهم مسافات وبلاد بعيدة، وجعلت من حضورهم معاً أمراً ليس معقداً، فإنها أدّت داخل الأسرة الواحدة إلى اقتصار وجود بعض الأفراد على الحضور «الفيزيقي»، أي الجسدي، إذ يجلسون في الغرفة نفسها وكل منهم مشغول بعالمه الخاص الذي تؤطره شاشة صغيرة».

وتؤكد الدكتورة هدى أن تلك المواقع ليست وحدها السبب في العزلة الاجتماعية، فتطوّر وسائل الاتصال والتكنولوجيا أمر طبيعي في العصر الحديث، لكن ما يقلق هو عدم أدراكنا للتأثيرات الاجتماعية على المدى الطويل... وقد سألت ابني فأجاب: أحب الواقع أكثر!
تقول الدكتورة هدى إن لها ابناً شاباً يستخدم دائماً التكنولوجيا الحديثة والـ«سوشيال ميديا» في التواصل مع أصدقائه، لكنها تلاحظ أنه يخرج لمقابلة أصدقائه، وحين سألته أجابها: «لا أستطيع الاستغناء عن لقائهم الحقيقي، وأحاول أن أجعل من السوشيال ميديا أداة مساعدة ليس أكثر».

الدكتورة هدى زكريا: كثيرون لا يفرّقون بين ما يمكن نشره وما يجب الاحتفاظ بخصوصيته
الدكتور محمد هاني: السوشيال ميديا تزعزع استقرار الأسرة النفسي

تأثير سلبي
 يقول الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، إن مواقع التواصل تترك تأثيراً سلبياً في الصحة النفسية للأفراد داخل الأسرة على مستويات مختلفة، أولها تأثير المعلومات المغلوطة المنتشرة على تلك المواقع، والتي يقوم عدد ضخم بمشاركتها، فيقتنع بها الأطفال ويتضررون منها... ويضيف: «على المستوى الثاني، تؤدي السوشيال ميديا إلى الإخلال بالاستقرار النفسي للأسرة، فمثلاً تجد الكثير من أفراد الأسرة يجلسون معاً بينما يمسكون هواتفهم المحمولة، ممّا يؤدّي تدريجاً إلى توسيع المسافات النفسية بينهم، والأمر لم يتوقّف عند هذا الحد، بل وصل في بعض الأحيان إلى هدم أسر بأكملها وحدوث حالات طلاق بين الزوجين بسبب ذلك».
وتحدّث خبير الصحّة النفسية عن تأثير هذه المواقع في الأطفال قائلاً إن بعض الآباء يفتحون لأطفالهم حسابات شخصية على الـ»سوشيال ميديا»، كنوع من الترفيه أو الدلال، لكنّهم لا يدركون خطورة ذلك، إذ قد يرى الطفل صوراً خلاعية، كما يمكن أن يتحدّث مع غرباء غير معروفين، مما يعرضه للأذى الشديد، وبالتالي يجلب الآباء الخطر بأنفسهم لأبنائهم.
ويوصي الدكتور هاني الآباء بالحصول على كلمة السر لحسابات أبنائهم الصغار، حتى يتمكنوا من مراقبتهم والاطمئنان على علاقاتهم عبر المجتمع الافتراضي، وعدم التعجل بفتح حسابات للأطفال الصغار جداً، مع العمل على الرد على جميع أسئلتهم في العالم الواقعي، وتعويضهم عمّا يفتقدونه حتى لا يلجأوا إلى الغرباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي.