لها تدخل عالمهم: المخترعون الصغار أطفال يصنعون المستقبل

فادية عبود (القاهرة) 10 سبتمبر 2017

أنامل صغيرة تصنع مستقبل أوطان، إنهم المخترعون الصغار، فبمجرد أن نسمع كلمة مخترع يخيل إلى أذهاننا شباب يافع، لكنَّ هناك عقولاً في عمر الزهور تتطلع إلى حلول علمية وعملية مبتكرة لمشاكل كبيرة تعاني منها بلادهم، يسعون إلى حلها بالبحث العلمي والابتكارات وبراءات الاختراع، وإلى تنفيذها على أرض الواقع. «لها» تدخل عالم المخترعين الصغار وتكشف أسراره وحكاياته.


من التفكيك الى التركيب
منذ كان في الثالثة من عمره، بدأ زياد عمرو (أصغر مخترع مصري، الآن في الثامنة من عمره)، في تكسير لعبه الجديدة. يقول والده عمرو نصر، مهندس دعم فني تكييف وتبريد: «منذ أصبح عمر في الثالثة من عمره صار تكسير اللعب هوايته، فلا يتعدى عمرها الدقائق الخمس لتتحول إلى قطع غيار أياً كان نوعها، سيارات أو قطارات أو غيرها. في بداية الأمر، اعتقدت أنه ورث حب الفضول مني، فأنا أيضاً أحب تفكيك الأشياء وإعادة تركيبها، وبناء عليه زادت رغبتي في تنمية شغفه في الاكتشاف والتركيب، فاشتريت له «ميكانو» يتم تركيبه على هيئة أشكال، ومعه عدته من المسامير البلاستيك، لتكون مناسبة لسنه، وجاريته بها خطوة خطوة، ولاحظت أنه متفوق في تركيب الـ «بازل»، وأثناء حديثي عنه مع أحد أصدقائي المهندسين أخبرني بأنه نواة لطفل متفوق، ومن الممكن أن يساعده بدوره، واستمررنا في دعمه، لكن صديقي كان يساعده أكثر في البحث على الإنترنت في ما يخص الاختراعات العلمية، إلى أن أخبره ابني أنه متلهف لاختراع سيارة تعمل بالريموت ويتحكم بها من طريق software  برمجه بنفسه، وبالفعل اشتريت له الأدوات المطلوبة، واخترع تلك السيارة في عمر السبع سنوات، وكانت محاكاة لنموذج موجود على الإنترنت يخترعه شباب في العشرين من عمرهم، وتقدم كمشاريع تخرج في كليات الهندسة، حينها أدركت أن ابني متميز ومشروع مخترع صغير.
يتابع: «بعدها استدعاني مدير مدرسته ليخبرني أنه استطاع إعادة تدوير كشاف هالك، وتشغيله من طريق بطارية موبايل، ويجب الاهتمام العلمي به في شكل أكبر، خصوصاً لما علم أن ابني يحاكي اختراعات لمشاريع تخرج طلاب الهندسة، فقدم له في مسابقة «إنتل للعلوم»، وحصل على المركز الثالث باختراعه السيارة، ثم تلقى تدريبات في المسابقة ليدخل مستوى متقدماً باختراع جديد مفيد، فاخترع كرسياً متحركاً من طريق software على الموبايل، يمكِّن المعاق حركياً من قيادة الكرسي».
يلتقط زياد أطراف الحديث من والده قائلاً: «كان التحدي الأكبر في المسابقة عندما أخبروني أنه ينبغي مساعدة المعوق كلياً عن الحركة، فكيف له أن يستخدم الكرسي المتحرك من دون استعمال يديه، بحثت على الإنترنت ولم أجد شيئاً، لكنني تمكنت من اختراع كرسي متحرك يعمل بالأوامر الصوتية، وحصلت على المركز الأول في مسابقة «إنتل للعلوم»، ويسعى أبي جاهداً الآن الى تسجيل براءة اختراع الكرسي، لكنني أتمنى أن أجد من يتبنى اختراعي، وأن أحققه على أرض الواقع، لنساعد أعداداً كبيرة من المعوقين حركياً».

مشروع مخترع
أما علي صلاح، 11 سنة، فهو مشروع مخترع عاشق للتكنولوجيا، يقول: «أحب التكنولوجيا والبرمجة وكل ما له صلة بصناعة الفيروسات والتجسس، وأتمنى أن أخترع برامج مناهضة للتجسس، لتحمي مستخدمي الهواتف الذكية وتحجب خصوصيتهم عن الشركات المصنعة، التي تحتفظ بكل المعلومات والصور الموجودة على الهواتف الذكية، أو حماية أنظمة الشركات والحكومات من التجسس، لذا كانت أولى خطواتي الالتحاق بـIdeas gem، فبعد أن بحث والدي عن كيفية تنمية رغبتي في الاختراع، وجد أن هناك بعض الأماكن التي تعلّم كيفية البحث وتؤهّل الطفل لكي يكون مخترعاً في المجال المحبب إليه، سواء  في العلوم أو التكنولوجيا».

عشق العلوم
تنفيذ مشروع علمي في المدرسة كان نافذة مريم غالي، 15 سنة، على الابتكار وحب العلوم، حتى أنها بدأت تتبنى تطبيق فكرة زراعة البلكونات والأسطح بتقنية الزراعة بأنابيب الماء، كنوع من الاكتفاء الذاتي من الخضروات، تقول: «بدأ عشقي للعلوم عندما طلبت منا المدرسة تنفيذ مشروع علمي معقد كتطبيق للدراسة، وكان صعباً للغاية، فتوجهت مع فريق المشروع إلى جامعة النيل، جامعة زويل سابقاً، حيث ساعدنا بعض المدرسين هناك في كيفية البدء في البرمجة، كدفعة بدء في مشروعنا، وبالفعل اخترعنا آلة تستطيع التعرف على اللون الذي نضعه عليها لتصنعه وتخرجه لنا في قوارير».
وتتابع: «بعدها، بحثت أكثر مع زميلة لي في الدراسة، واستهوتنا فكرة الزراعة في الأسطح والبلكونات، ومع الوقت وجدنا أن الزراعة في أنابيب الماء هي الأنسب، وبالفعل نفذنا أول نموذج يحتوي مختلف أنواع الخس في أنابيب ماء، وصممت له timer ليعمل ويتوقف ذاتياً، وكان الهدف من فكرتي هذه، استغلال الطاقة الشمسية الموجودة في زراعة خضروات صحية طبيعية خالية من المبيدات، بخاصة أن الزراعة بهذه الطريقة تضمن نمواً أسرع من الوقت الذي يحتاجه النبات للنمو في التربة الطينية، وبالفعل لاقت فكرتي استحساناً من كثيرين طلبوا تنفيذ وحدات لهم بمساحات تناسب البلكونات».
ترى مريم أن هذه الفكرة مجرد بداية، وأنها ستطورها لتنفيذ زراعة الأسماك، وهدفها الأكبر هو تنفيذ مشاريع مبتكرة وأكثر أنتاجية في مزرعة أبيها.

فرق تعليم
أما أميرة جبر، 17 سنة، أفضل خريجة عالمية لمسابقة مدينة المستقبل، فتؤكد أن التعليم المبني على الابتكار واستخدام أساليب البحث العلمي من شأنه افساح المجال لولادة عالم صغير أو مبتكر ومخترع مفيد للمجتمع والإنسانية.
وتحكي قصة نجاحها مع تجربة Future City، قائلة: «لم أتخيل يوماً أنني سأخرج عن منظومة التعليم بالتلقين والحفظ القائمة في مصر، حتى أخبرتني مدرّسة الكومبيوتر عام 2011، حينها كنت طالبة في المرحلة الإعدادية بمدرسة «شجرة الدر» الإعدادية بنات في المنصورة، أنه يمكنني الالتحاق بفريق المدرسة للمشاركة في مسابقة Future City، وبالفعل هناك تعلمنا أصول البحث العلمي وكيفية حل المشكلات بأساليب مبتكرة، فضلاً عن التصميم الهندسي، والتخطيط والإدارة والقيادة وروح الفريق والتحدي أيضًا».
وتتابع: «بعد Future City  قررت التمرد على كوني الشخص الذي يحفظ مشاكل جسم الإنسان وحلولها، ثم يطبقها عند التخرج في كليات الطب والعلوم، بل يجب أن أكون الشخص المبتكر لحلول تكنولوجية جديدة تشخص الأمراض الصعبة، من طريق نظم جديدة في تصميم الأدوية أو Bionics، التي تجمع بين الأجزاء الميكانيكية والأنسجة البشرية، وبالفعل تأهلت لدخول معرض إنتل الدولي للعلوم والهندسة Intel ISEF، الذي فتح لي الباب لعالم البحث العلمي بكل مجالاته، وكان تحدياً كبيراً بالنسبة إلي، وتعلمت منه أكثر، سواء كمتسابقة أو متطوعة من 2013  حتى 2016، حتى استطعت الحصول على منحة دراسية في   St. Cloud State University في مينيسوتا، أميركا، ونظراً الى تفوقي تم اختياري في شباط (فبراير)  2017 كأصغر محكّمة في مسابقة Future City العالمية في واشنطن في الولايات المتحدة الأميركية، وعلى رغم ذلك ما زلت أرى أن مشواري لم يكتمل بعد، وينتظرني العديد من الابتكارات لمساعدة البشرية.

شرارة ثورة
من الجانب الاجتماعي، يؤكد الدكتور رفعت عبد الباسط، أستاذ علم الاجتماع في جامعة حلوان، أن التعليم المتطور هو أداة لولادة المخترعين الصغار، وأن هؤلاء استطاعوا أن يطلقوا شرارة ثورة على أنظمة التعليم التقليدية في الوطن العربي، التي تهتم بالتلقين والحفظ في المقام الأول، من دون الالتفات إلى مهارات الطفل المختلفة، ويتم استكمال الكارثة العلمية بدخول الكليات من طريق المجموع، لا التميز في العلوم والفنون، وهذا ما يجعل الوطن العربي مفتقداً التميز في مجالات العلم والعمل.
ويضيف أستاذ علم الاجتماع: «إن إتاحة تعليم ينمي مهارات البحث العلمي لدى الأطفال، ويستكشف تميزهم سواء في الفن أم الرياضة أم العلوم، هي الأمل لتطور الأوطان ومواكبة الغرب في تقدمه، لذا إذا نظرنا إلى هؤلاء المخترعين الصغار فسنجدهم تلقوا في البداية أسلوب تعليم مختلفاً، يعتمد على الابتكار بدعم من الأهل في المقام الأول، ثم أطلق لهم العنان الفكري فتفوقوا باختراعات مبتكرة تحل مشاكل كبيرة، مثل الزراعة والتكنولوجيا ومساعدة المعوّقين».

الذكاء
من الناحية النفسية، تؤكد الدكتورة منى رضا، أستاذة الطب النفسي في جامعة عين شمس، أن المخترع الصغير طفل عادي وسليم نفسياً، وأن ما يميزه عن أقرانه في العمر ذاته، أنه أكثر ذكاءً في أحد أنواع الذكاء الثمانية، فمثلاً الطفل الذكي رياضياً يمكنه ابتكار حلول مختلفة وأكثر سهولة للنظريات الرياضية والهندسية، وقادر على حل المعادلات الرياضيّة، والألغاز الرقمية، والفرضيات الحسابيّة، ويحرص على استخدامها في حياته العامة، وهناك أولمبيات رياضية عالمية تقام لهؤلاء الأطفال ويصنفون ضمن المبتكرين.
وتتابع: «المخترع الصغير متميز في الذكاء العلمي، الذي يمكنه من اختراع أدوات أو ابتكارات تساعد البشرية وتحل المشاكل بطريقة مبتكرة، ولا يشترط أن يتمتع هذا الطفل بذكاء اجتماعي أو ذاتي عالٍ، بل من الممكن أن يكون ذكاؤه الاجتماعي منخفضًا».
وتؤكد أستاذة الطب النفسي أن الأبوين يعتبران حضانة للمخترع الصغير، بداية من التخطيط للحمل والاهتمام بصحة الجنين والتغذية السليمة للطفل التي تساعده على تطور قدراته العقلية، وكلما كان الأبوان أكثر وعياً وإدراكاً لمواهب الطفل والعمل على تنميتها، نبغ وتفوق في مختلف نشاطات الحياة.